“عملية روما”.. ماذا يعني مصطلح “صد المهاجرين” وكيف تطبقه أوروبا رغم أنه “غير قانوني”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/24 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/24 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني/ رويترز

أطلقت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ما وصفتها بأنها "عملية روما" الهادفة، في جوهرها، إلى جعل "صد المهاجرين" أمراً قانونياً في نهاية المطاف، فماذا يعني المصطلح وكيف تطبقه أوروبا منذ سنوات بالفعل؟

كان "مؤتمر روما"، الذي استضافته العاصمة الإيطالية الأحد 23 يوليو/تموز، قد اختتم أعماله بالاتفاق بين المشاركين فيه بالاتفاق على عدة خطوات لمحاولة إبطاء وتيرة الهجرة غير النظامية وتخفيف ضغوط تدفع المهاجرين إلى الخروج من بلادهم سعياً للوصول إلى أوروبا.

وشهد الاجتماع، الذي استمر ليوم واحد بحضور ممثلين من أكثر من 20 دولة برئاسة ميلوني، إعلان التحالف الجديد التزامه بتضييق الخناق على تهريب البشر وزيادة التعاون في مجالات مثل الطاقة المتجددة لمكافحة تغير المناخ وتحسين مستقبل الدول الفقيرة.

ماذا يعني "صد المهاجرين"؟

كان المقرِّر الخاص للأمم المتحدة المعنيّ بحقوق المهاجرين، فيليبي غونزاليس موراليس، في تقرير صدر قبل عامين، قد وضع تعريفاً لعمليات "صد المهاجرين" باعتبارها أي "تدابير أو إجراءات أو سياسات تؤدي بشكل فعال إلى إبعاد المهاجرين بشكل فردي أو جماعي دون إجراء تقييم فردي بما يتماشى مع التزامات حقوق الإنسان وضمانات الإجراءات القانونية الواجبة".

وأشار موراليس إلى أن عناصر من الشرطة أو حرس الحدود أو الجيش أو من خلال أطراف فاعلة غير حكومية مثل قوات شبه عسكرية وعناصر أمن خاصة وحتى موظفي النقل التجاري، يشاركون جميعاً بصورة أو بأخرى في "صد المهاجرين"، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.

ورغم أن الحديث من جانب الجهات والمسؤولين الأوروبيين، مثل ميلوني ومسؤولي الاتحاد الأوروبي، ينصب دائماً على الهجرة غير الشرعية، إلا أن الممارسة الفعلية لعمليات "صد المهاجرين" لا تفرق بين شخص يسعى للهجرة أو اللجوء بطرق شرعية وآخر يعتبر مهاجراً غير شرعي.

وفي هذا السياق، تتعرض دول أوروبية لاتهامات منذ سنوات بمنع مهاجرين وطالبي لجوء محتملين من دخول أراضيها، وهو ما يعرف بأنه "عمليات صد المهاجرين"، ويقول نشطاء إن عمليات الصد هذه "أضحت أكثر منهجية"، وهو ما يتعارض مع التزامات هذه الدول القانونية والأخلاقية.

مهاجرين
قارب المهاجرين الذي غرق قبالة سواحل اليونان – رويترز

ويجري استخدام مصطلح "صد المهاجرين" بشكل كبير على نطاق واسع سواء من قِبل منظمات حقوقية أو مسؤولين حكوميين، ورغم ذلك، لا يوجد تعريف قانوني محدد لهذا المصطلح. لكن على الرغم من عدم تعريف مصطلح "عمليات صد المهاجرين" في القانون الدولي، إلا أنها تبدو متعارضة مع المبادئ الحقوقية الراسخة والالتزامات القانونية.

وفي سياق متصل، تجدر الإشارة إلى أنه يحق لدول الاتحاد الأوروبي مراقبة حدودها ورفض دخول الأفراد الذين يعبرون هذه الحدود بشكل غير قانوني.  بيد أنه باعتبارها طرفاً موقعاً على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن اللاجئين والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن هذه الدول ملتزمة أيضاً باحترام عدد من التعهدات بما يشمل حظر الطرد التعسفي أو الجماعي والحق في طلب اللجوء ومنع مبدأ الإعادة القسرية الذي يحظر إعادة طالبي اللجوء إلى بلد قد يمثل خطراً على حياتهم.

على ماذا اتفقت إيطاليا في مؤتمر روما؟

قالت ميلوني في مؤتمر روما إن الحكومة الإيطالية منفتحة على استقبال المزيد من الأفراد عبر الطرق القانونية؛ لأن "أوروبا وإيطاليا بحاجة إلى الهجرة". وعلى الرغم من أن هذه التصريحات تمثل تخفيفاً من خطاب رئيسة الوزراء اليمينية المتشدد السابق بخصوص هذه القضية، إلا أن الهدف الرئيسي لمؤتمر روما ركز بالأساس على محاولات "منع المهاجرين" من عبور البحر المتوسط.

فقد أشارت رئيسة الوزراء البريطانية إلى ضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات لمنع المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط في رحلة محفوفة بالمخاطر باستخدام طرق غير قانونية، وتابعت: "وقف شبكات الاتجار بالبشر هدف نتشاركه جميعاً".

وفي هذا السياق، كان الاتحاد الأوروبي قد وقَّع مع تونس، وهي نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين، اتفاق "شراكة استراتيجية" الأسبوع الماضي يتضمن تضييق الخناق على مهربي البشر وتشديد الرقابة على الحدود.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في المؤتمر: "نريد أن يكون اتفاقنا مع تونس نموذجاً… للمستقبل… من أجل عقد شراكات مع دول أخرى في المنطقة".

لكن الرئيس التونسي، قيس سعيد، شدد في كلمته في مؤتمر روما على أن معالجة الهجرة غير النظامية لا يمكن تتم بصفة منفردة ولا بواسطة اتفاقيات ثنائية، داعياً المجموعة الدولية إلى البحث عن الحلول بعد تحديد الدوافع والأسباب.

مؤتمر روما
مؤتمر ضد الهجرة في روما – رويترز

وأكد أن تونس "التي ألغت العبودية منذ سنة 1874 لا يمكن أن تقبل بعودة الاسترقاق من خلال الهجرة غير النظامية.. ولن تقبل بالتوطين المبطن للمهاجرين غير النظاميين ولن تكون ممراً أو مستقراً للخارجين عن القانون".

وهكذا وضع مؤتمر روما الخطوط العريضة لصندوق تمويل للمشاريع الاستثمارية ومراقبة الحدود بهدف التنظيم المعزز لعمليات تدفق المهاجرين على المدى المتوسط، لكن لم يرشح عن المؤتمر أي تدبير ملموس آخر، وإن كانت ميلوني قد اعتبرت الخطوة "بداية عمل طويل الأمد"، مع إطلاق "عملية روما" التي حدّدت أولوياتها.
فقد أوضحت ميلوني أن أولويات العملية تشمل "محاربة الهجرة غير النظامية، وإدارة تدفقات الهجرة القانونية، ودعم اللاجئين، وخصوصاً التعاون الواسع النطاق لدعم تنمية إفريقيا، وخصوصاً بلدان المغادرة (المهاجرين)، إذ بدونها سيبقى أي عمل غير كافٍ".

كيف تنفذ أوروبا "صد المهاجرين"؟

يشير نشطاء حقوقيون إلى أن هناك أشكالاً عديدة لعمليات "صد المهاجرين" بداية من قيام أحد عناصر حرس الحدود بمنع فرد يرغب في عبور الحدود بهدف تقديم طلب لجوء ويمكن أن يتم منعه باستخدام العنف أو التهديد، سواء كان العنف جسدياً أو لفظياً.

وفي هذا الإطار، كانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد نشرت في مايو/أيار الماضي لقطات مصورة تُظهر عمليات طرد غير قانونية ضد مجموعة من طالبي اللجوء بما في ذلك الأطفال في اليونان.

وكشفت اللقطات عن أنه في البداية جرى دفع هؤلاء الأشخاص لاستقلال شاحنة صغيرة مجهولة الهوية ثم وضعهم على متن قارب تابع لخفر السواحل اليوناني ثم إنزالهم في زورق طوارئ، ووفر تحقيق "نيويورك تايمز" أدلة بصرية هي الأكثر وضوحاً على عمليات صد المهاجرين.

وشملت عمليات صد المهاجرين حوادث مأساوية تتسم بالتعقيد وشملت أعداداً كبيرة من المهاجرين مثل واقعة مقتل 18 مهاجراً حاولوا عبور السياج الحدودي بين المغرب وإسبانيا في محاولة لدخول جيب مليلية الإسباني في يونيو/حزيران الماضي.

كما كان تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC قد كشف عن أنه خلال المناوشات والفوضى جرى طرد أكثر من 450 شخصاً من الأراضي الإسبانية إلى المغرب. وأفادت صحيفة الغارديان البريطانية أواخر العام الماضي بأن منظمة "شبكة مراقبة العنف على الحدود" غير الحكومية قالت إنها جمعت شهادات عن عمليات طرد غير قانونية طالت حوالي 25 ألفاً منذ عام 2017.

ستيفاني بوب، الخبيرة في شؤون الهجرة في منظمة أوكسفام، كشفت أنه جرى توثيق عمليات صد المهاجرين في أماكن مختلفة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر الماضية بما ذلك نهر إيفروس بين اليونان وتركيا الذي تنتهي عنده حدود الاتحاد الأوروبي وأيضاً الحدود الإسبانية المغربية عند جيب مليلية الإسباني.

مهاجرين أوروبا
أطفال لاجئون يقفون بالقرب من سياج من الأسلاك الشائكة في مخيم مؤقت للمهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا (رويترز)

ويشمل ذلك حدود بولندا مع بيلاروسيا وحدود المجر مع صربيا وحدود كرواتيا مع البوسنة والهرسك. ولا يتوقف تنفيذ عمليات صد المهاجرين على الحدود البرية، بل يشمل ذلك المياه، إذ جرى اتهام السلطات اليونانية بصد قوارب تُقل مهاجرين وطالبي لجوء محتملين قبل أن تصل مياه الاتحاد الأوروبي.

وكان قارب مزدحم بالمهاجرين الحالمين بجنة أوروبا قد انقلب وغرق في وقت مبكر من صباح الأربعاء 14 يونيو/حزيران 2023، على بعد نحو 50 ميلاً (80 كيلومتراً) من بلدة بيلوس الساحلية بجنوب اليونان، وكان يحمل على متنه ما بين 400 و750 شخصاً مكدسين على متن قارب الصيد الذي يتراوح طوله بين 20 و30 متراً، ليفقد أكثر من 500 شخص حياتهم.

ووجهت أصابع الاتهام لليونان، إذ زعم الناجون أن قوارب تابعة لخفر السواحل اليوناني قد تسبب في الكارثة. وفي سياق متصل، اتُهم خفر السواحل الإيطالي بدفع قوارب المهاجرين نحو المياه الليبية.

وتشير بوب، الخبيرة في شؤون الهجرة في منظمة أوكسفام، إلى أن طالبي اللجوء المحتملين الذين يتم إبعادهم، يواجهون في الوقت الحالي خيارات صعبة فيما يعتمد صعوبة ذلك على مكان تواجدهم.

وأضافت للشبكة الألمانية: "في اليونان، غالباً ما يستمر المهاجرون واللاجئون في محاولة دخول الاتحاد الأوروبي. وقد ينجح البعض، لكن البعض الآخر يجد نفسه في تركيا في نهاية المطاف أو تتم إعادتهم إلى مراكز الاحتجاز اللييبية. وهناك تقارير تفيد باستمرار استعباد المهاجرين وتعرضهم لجرائم اغتصاب وتعذيب وابتزاز".

أما هناء حقيقي، المستشارة القانونية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، فقالت إنه لا يمكن التأكيد على عدد طالبي اللجوء الذين لقوا حتفهم بعد إبعادهم من الحدود.

وأضافت لشبكة DW: "الموت دائماً أحد المخاطر المترتبة على عمليات صد المهاجرين؛ نظراً لأنها تتم على نوع متهور"، مضيفة أن المركز قد رفع دعوى قضائية نيابة عن أشخاص زعموا أنهم مُنعوا بشكل غير قانوني من دخول الاتحاد الأوروبي؛ ما أدى إلى تعرضهم للاعتقال والتعذيب خلال عمليات صدهم بعيداً عن الحدود الأوروبية.

وقالت "حقيقي" إن الدول التي جرى اتهامها لم تواجه عواقب خطيرة حتى الآن، مضيفة أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان غير مبالية بالشكاوى الفردية، فيما لم تتخذ المفوضية الأوروبية إجراءات تأديبية ضد الدول الأعضاء المتهمة.

من جانبها، قالت بوب، الخبيرة في شؤون الهجرة في منظمة أوكسفام، إن عمليات صد المهاجرين أضحت مؤخراً أكثر منهجية، لا سيما مع تعزيز التعاون مع الجهات الفاعلة من خارج الاتحاد الأوروبي.

وأضافت: "يقوم الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي ببناء شبكة معقدة تشمل الشروع بسياسات وإجراءات تنفيذية وإبرام اتفاقيات مع دول خارجه بهدف منع الناس من المطالبة بحق اللجوء في الاتحاد الأوروبي. لقد أصبح الأمر نوعاً من نظام لجوء صوري".

تحميل المزيد