في وقت سابق من هذا الأسبوع، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعوة من البيت الأبيض للقاء "على الأرجح" مع الرئيس جو بايدن، قبل نهاية العام الجاري، في مكان ما بواشنطن. في غضون ذلك أمضى يتسحاق هرتسوغ، رئيس إسرائيل غير الحزبي، الذي يتمتع بسلطة محدودة، يوم الثلاثاء 18 يوليو/تموز 2023، اجتماعاً مع بايدن في المكتب البيضاوي قبل إلقاء كلمة في جلسة مشتركة للكونغرس يوم الأربعاء، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.
سياسات نتنياهو تهدد بتغيير طبيعة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب بشكل دائم
يقول جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت الأمنية في الشرق الأوسط، في مقالٍ له بمجلة National Interest الأمريكية، إن إسرائيل يجب أن تنظر إلى دعوة هرتسوغ لواشنطن، التي وصلت قبل دعوة نتنياهو، "على أنها انعكاس لالتزام الولايات المتحدة العميق تجاه إسرائيل، ولكنها أيضاً اعترافٌ بأن سياساتها الحالية غير متوافقة مع سياسات واشنطن".
ويضيف الكاتب أن "وجود سياسات مختلفة هو بالتأكيد حق سيادي لإسرائيل، ولنتنياهو كزعيم لها، ولكن إذا أصبحت هذه الاختلافات واقعاً مفروضاً ودائماً، فيمكن أن تهدد بتغيير طبيعة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب بشكل دائم".
إن النهج المتبع إزاء إيران، على سبيل المثال، هو الاهتمام المهيمن دائماً للسياسة الخارجية الإسرائيلية، ويستمر في خلق انقسام بين إسرائيل والولايات المتحدة، رغم أن الاتصال الثنائي القوي، والتعاون الهادف حول هذا الموضوع قد ساعد في التخفيف من الخلافات العامة، كما حدث في عام 2015 بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. لكن حتى التواصل الممتاز من غير المرجح أن يخفف من رد الفعل الإسرائيلي العام والغاضب إذا وافقت إدارة بايدن حتى على اتفاق محدود مع طهران.
بحسب بانيكوف، فمع تحسن التواصل بشأن إيران، يبدو أن هذا التحسن يتراجع فيما يتعلق بتحديات السياسة الخارجية الرئيسية الأخرى. مضيفاً أن التوسيع المقترح للمستوطنات والعنف الذي يمارسه المستوطنون يبطئان من وتيرة التقدم بين الدول الموقِّعة على "اتفاقيات أبراهام"، والذي تجلى مؤخراً في قرار المغرب بإلغاء منتدى النقب الأخير. ومع ذلك، فإن الاتفاقات شيء تضعه الولايات المتحدة على عاتقها، وقد أُنشِئ منصبٌ جديد في وزارة الخارجية مخصص لهذه القضية.
واشنطن محبطة من نتنياهو
في الخارج، يُعَد قرار نتنياهو بزيارة الصين في وقت لاحق من هذا العام أمراً أساسياً لمضاعفة عدم التوافق، لأنه يبدو أنه لا يتعلق بعلاقة ثنائية حقيقية بين الصين وإسرائيل، وأكثر من ذلك حول طريقة لإثارة الولايات المتحدة وإجبارها على زيادة مشاركتها الإقليمية.
ويقول بانيكوف إن الإعلان عن قرار نتنياهو زيارة بكين يأتي في أعقاب إحباط الولايات المتحدة من الزعيم الإسرائيلي، لرفضه الشتاء الماضي تزويد أوكرانيا بصواريخ هوك المضادة للطائرات المُخزَّنة حالياً. حيث كانت إسرائيل قلقةً من أن يؤدي نقل الصواريخ إلى أوكرانيا إلى قيام روسيا بإعاقة حرية إسرائيل في ضرب أهداف إيرانية، وأهداف تخص حزب الله في سوريا، حيث لا تزال روسيا موجودةً هناك.
وفي إسرائيل نفسها، من المحتمل أن تصل الاضطرابات المدنية إلى ذروتها خلال الأسبوعين المقبلين، مع تشريعٍ لتقليص سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية كرقابة مستقلة على الإجراءات التشريعية.
"أمريكا تتحدث ولا تطلق النار أبداً"
من جهته، يعلِّق الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، على هذه الأوضاع في صحيفة Haaretz الإسرائيلية قائلاً إن "القارئ قد يتحسر على عجز أقوى قوة عظمى في العالم عندما يتعلق الأمر بربيبتها إسرائيل. ويمكن للمرء أن يضحك على الأدوار المعكوسة للنملة والفيل" حسب تعبيره.
مضيفاً: يمكن للقارئ أن يتحسر على أن أمريكا لم تتعلم شيئاً عن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها التعامل مع إسرائيل، إذا أرادت حقاً التأثير عليها، ويمكن للمرء أن يضحك بصخبٍ على كيفية استمرار إسرائيل في خداع الولايات المتحدة.
والنتيجة هي نفسها: يمكن لإسرائيل أن تستمر في فعل أي شيء تريده، وسن قوانين معادية للديمقراطية، وتنفيذ مذابح ضد الفلسطينيين، ومواصلة الفصل العنصري، وفي المقابل لن تحرك الولايات المتحدة ساكناً.
حتى عندما تتذمر واشنطن، وتندد، وتدين، بل وتؤخر دعوة رئيس الوزراء، لا تأخذ إسرائيل الأمر على محمل الجد. فأمريكا تتحدث ولا تطلق النار أبداً، يقول الكاتب الإسرائيلي.
ويضيف جدعون ليفي: بايدن الرهيب الذي لا يدعو نتنياهو، رغم كل شيء، "يتوسل" إسرائيل. ربما كتب الصحفي الأمريكي المخضرم توماس فريدمان أن بايدن نقل رسالة واضحة، مفادها أن تشريع تقليص سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية يجب أن يتوقف، لكن هذه الرسالة جوفاء، كما كان الحال بالنسبة لمعظم أولئك الذين سبقوه.
وأضاف ليفي: تعلمت إسرائيل على مر السنين تجاهل هذه الرسائل، لم يحدث شيء سيئ لها، أما بايدن فيتشدق بالديمقراطية الإسرائيلية ولا ينبس ببنت شفة عما ستفعله بلاده إذا لم تستجب إسرائيل لمناشدته.
"حان الوقت أن تستخدم أمريكا العصا لا الجزرة مع إسرائيل"
يقول جدعون ليفي، ليس من حق الولايات المتحدة فقط التدخل، بل من واجبها، وفي كلتا الحالتين تخون الولايات المتحدة هذا الواجب. وكل هراء اليمين حول كونها شؤوناً إسرائيلية داخلية هو أمر سخيف.
الاحتلال بالتأكيد ليس شأناً داخلياً، وتغيير النظام في إسرائيل يتطلب تدخل الولايات المتحدة، ما دامت تمول وتدعم إسرائيل بموجب "القيم المشتركة".
أولئك الذين يعتقدون أن على إسرائيل أن تحل مشاكلها بنفسها يجب أن يعترفوا أيضاً بأن هذه التجربة يائسة، وقد فشلت بالفعل. القوة العظمى مسؤولة عن الواقع الإقليمي هنا. ربما كان سيصبح لدينا شرق أوسط مختلف، وإسرائيل مختلفة، لو كانت ولايات متحدة مختلفة.
لا يوجد بلد آخر لديه القدرة على تغيير الواقع مثل الولايات المتحدة، ولم تخن أي دولة أخرى واجبها بهذا القدر. خطط سلام لا نهاية لها، وكلام فارغ عن حل الدولتين، الذي يواصل بايدن الترويج له بلا خجل، مدركاً أنه لن يؤدي إلى أي نتيجة، وإسرائيل أبعد ما تكون عن إنهاء الفصل العنصري.
يختتم ليفي مقالته في هآرتس بالقول: "من حق الولايات المتحدة أن تسلِّح إسرائيل بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وتدعمها بشكلٍ أعمى في المؤسسات الدولية، لكن لماذا لا يتوقف كل هذا الدعم على أي شرط؟ على شيء في المقابل؟ على تغيير الاتجاه".