تعرضت المدرعات الغربية المقدمة من الغرب بما فيها الدبابات ومركبات برادلي الأمريكية لخسائر فادحة، خلال الهجوم المضاد لكييف، الأمر الذي أدى إلى توقف الأوكرانيين مؤقتاً لإعادة التفكير في استراتيجيتهم.
في وقت مبكر من الهجوم المضاد، خسرت أوكرانيا ما يصل إلى 20% من أسلحتها ودروعها. انخفض المعدل مع تباطؤ الحملة وقام القادة الأوكرانيون بتغيير تكتيكاتهم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وكانت أكبر خسائر أوكرانيا في مركبات برادلي المجنزرة الأمريكية الشهيرة، التي تعرضت لما يشبه المذبحة، وهي المدرعة التي توصف عادة بأنها دبابة خفيفة، وسبق أن تفوقت على الدبابات الروسية الصنع في حربي أمريكا ضد العراق عام 1991، و2003.
الروس دمروا الدبابة ليوبارد الألمانية الشهيرة
في الأسبوعين الأولين من الهجوم المضاد الشاق لأوكرانيا، تعرض ما يصل إلى 20% من الأسلحة التي أرسلتها إلى ساحة المعركة للتلف أو الدمار، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين. وتشمل الخسائر بعض آلات القتال الغربية التي توصف بالمنيعة منها الدبابات وناقلات الجند المدرعة – كان الأوكرانيون يعولون على هزيمة الروس.
وقال المسؤولون إن معدل الخسائر المذهل انخفض إلى حوالي 10% في الأسابيع التي تلت ذلك، مما أدى إلى الحفاظ على المزيد من القوات والآلات اللازمة للهجوم الكبير الذي يقول الأوكرانيون إنه لم يأت بعد.
جاء بعض التحسن لأن أوكرانيا غيرت تكتيكاتها، وركزت أكثر على إضعاف القوات الروسية بالمدفعية والصواريخ بعيدة المدى بدلاً من الهجوم على حقول ألغام العدو وإطلاق النار المباشر.
الهجوم الأوكراني تباطأ وتوقف في بعض الأماكن
لكن هذه الأخبار السارة تحجب للأوكرانيين وحلفائهم الغربيين بعض الحقائق المروعة. تباطأت الخسائر أيضاً لأن الهجوم المضاد نفسه قد تباطأ – وحتى توقف في بعض الأماكن- حيث يكافح الجنود الأوكرانيون ضد الدفاعات الروسية الهائلة.
ولقد قطع الأوكرانيون حتى الآن خمسة أميال فقط من أصل 60 ميلاً يأملون في تغطيتها للوصول إلى البحر في الجنوب وتقسيم القوات الروسية إلى قسمين.
حسَّنت روسيا استراتيجياتها لعرقلة الهجوم المضاد الأوكراني في المنطقة الجنوبية من أوكرانيا، وفقاً لمخابرات الدفاع البريطانية.
الروس بنوا خطوط دفاعات منيعة
لاحظت الوزارة البريطانية أن روسيا استخدمت بكثافة الألغام المضادة للدبابات في ساحة المعركة كجزء من تكتيكاتها.
واتخذت روسيا تدابير مهمة لتحصين دفاعاتها على طول خط المواجهة الممتد بطول 1000 كيلومتر (600 ميل) في الصراع المستمر، وهذا يشمل بناء الهياكل والمنشآت شديدة التحصين.
وكتب جاك واتلينغ، خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ببريطانيا، في مقال نُشر مطلع الشهر الماضي، أن "أوكرانيا تشق طريقها عبر مواقع دفاعية روسية تتكون من خنادق محفورة يدوياً مدعومة بحقول ألغام وتحميها طائرات بدون طيار ومدفعية؛ لكن هذا ليس خط الدفاع الرئيسي.
خط الدفاع الرئيسي، لا يزال على بُعد 15-20 كيلومتراً من المواقع الأوكرانية، تم حفره بشكل سليم هندسياً، فالخنادق ومواقع إطلاق النار المعززة بالخرسانة، وعوائق الدبابات، والكابلات الموضوعة على الأرض لتنسيق ضربات المدفعية، وحتى المزيد من الألغام".
وأضاف واتلينغ أن هذه الدفاعات مدعومة بخط من قوات الاحتياط، مشيراً إلى أنه مع توغل القوات الأوكرانية ضد الخطوط الروسية، "من المرجح أن يصبح القتال أكثر صرامة".
وقال واتلينغ إن "سلاح المهندسين الروسي أثبت أنه واحد من أقوى فروع الجيش الروسي".
ركزت موسكو أيضاً على تعزيز قدرات الحرب الإلكترونية لتقليص ميزة أوكرانيا في الطائرات القتالية بدون طيار.
وأفاد جهاز المخابرات البريطاني بأنه في أعقاب نجاح موسكو في إبطاء الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية، حاولت روسيا استهداف المركبات المدرعة الأوكرانية باستخدام مزيج من الطائرات بدون طيار والمروحيات الهجومية والمدفعية.
وقال جندي أوكراني في مقابلة هذا الأسبوع مع صحفية أمريكية إن طائرة بدون طيار تابعة لوحدته التقطت لقطات لنصف دستة من المركبات المدرعة الغربية التي تم استهدافها في قصف مدفعي جنوب بلدة فيليكا نوفوسيلكا.
قال الجندي الذي عرّف عن نفسه بأنه الرقيب إيغور: "لقد احترقوا جميعاً".
يقول الخبراء إنه بالنظر إلى هذه التحصينات، فليس من المستغرب أن تتعرض أوكرانيا لخسائر فادحة نسبياً في المراحل الأولى من الحملة.
أقر المسؤولون الأمريكيون بهذا التوقف وقالوا إن الأوكرانيين بدأوا في التحرك مرة أخرى، ولكن يتعمدون أن يتم الأمر بشكل أبطاً، وأكثر مهارة في الإبحار عبر حقول الألغام وإدراكهم لمخاطر الإصابات. وقالوا إنه مع تدفق الذخائر العنقودية من الولايات المتحدة، فإن الوتيرة قد تزداد.
وقال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، مؤخراً: "إن الهجوم ليس بالسرعة المتوقعة، لكنه اعتبر أن التأخر عن الجدول الزمني ليس كارثياً ". إن القوات الأوكرانية تفعل ما سيفعله أي شخص آخر للقتال عبر حقول الألغام باتجاه الخط الروسي.
مركبات برادلي تعرضت لمذبحة ولكن حمت الجنود الأوكرانيين
تظهر مشاكل الأوكرانيين في الحقول الزراعية في جنوب البلاد، حيث يتم خوض الكثير من الهجمات المضادة. هناك مركبات برادلي القتالية، التي طالما رغب فيها الأوكرانيون، كانت تدهس الألغام المضادة للدبابات بشكل يومي، كما يقول الجنود الذين قاتلوا داخل المركبات.
المركبات التي تزن حوالي 34 طناً، مصممة لنقل جنود المشاة عبر المناطق المعرضة لنيران المدفعية.
في التخطيط للهجوم المضاد، كان من المفترض أن تحمل عائلة برادلي الجنود عبر الحقول المفتوحة للوصول إلى الخنادق والمخابئ الروسية.
لقد قامت مركبات برادلي بجزء من عملها بشكل جيد. لقد وفر درعها السميك حماية جيدة لمعظم الجنود الذين نجوا من العديد من انفجارات الألغام مع إصابات قليلة.
لكن في كثير من الحالات، ألحقت الانفجارات أضراراً جسيمة بالمركبات، وشلت حركتها قبل أن تتمكن من الوصول إلى الخطوط الروسية.
حذر المحللون العسكريون من أنه لا يزال من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات نهائية حول الهجوم الأوكراني المضاد. قال كاميل غراند، الخبير الدفاعي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومساعد الأمين العام السابق لحلف الناتو: "هذا لا يعني أنه محكوم عليه بالفشل".
ومع ذلك، أضاف أن غياب التفوق الجوي والدفاعات الجوية التي يمكن أن توفرها الطائرات الغربية للهجوم الأوكراني يعني "أن معدلات الضحايا من المرجح أن تكون أعلى مما كانت عليه في النزاعات التقليدية الأخرى".
الخسارة الأوكرانية تظهر واضحة في مدرعات برادلي المجنزرة بصفة خاصة.
ويعتقد أن ما يقرب من ثلث مركبات برادلي المدرعة التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا ربما تكون قد فقدت أو تضررت بالفعل، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider.
ما هي مركبات برادلي القتالية وما الفرق بينها وبين الدبابات؟
مركبة برادلي القتالية، وهي حاملة أفراد مدرعة تجمع بين قوة النيران الثقيلة والقدرة على نقل حوالي 10 جنود.
وهي عبارة عن مركبة قتالية مدرعة مجنزرة أمريكية (BFV) سميت على اسم الجنرال الأمريكي عمر برادلي الذي له دور بارز خلال الحرب العالمية الثانية.
وتم تصميم برادلي لنقل المشاة مع توفير حماية مدرعة لهم، وتزويدها بالنيران لقمع قوات العدو، تحمل نسخة M2 منها طاقماً من ثلاثة (قائد، مدفعي، وسائق) إلى جانب ستة جنود مجهزين بالكامل. وتقوم نسخة M3 بشكل أساسي بمهام استكشافية وتحمل اثنين من جنود الاستطلاع، بالإضافة إلى الطاقم العادي المكون من ثلاثة أفراد، مع مساحة لصواريخ BGM-71 TOW إضافية المضادة للدبابات.
مركبة برادلي القتالية، التي تصنعها شركة بي إيه إي سيستمز يصل مداها إلى 300 ميل تقريباً، ومجهزة بقوة نيران متوسطة وطويلة المدى، المركبة قادرة على تدمير أي مركبة أخرى في ساحة المعركة، بما في ذلك الدبابات، حسبما ورد في تقرير لموقع the Hill الأمريكي.
الفرق بينها وبين الدبابة أن إحدى مهامها الأساسية حمل جنود المشاة، علماً بأن تدريعها أخف من دبابات أبرامز التابعة للجيش الأمريكي ومن معظم الدبابات الحديثة، حيث يمثل وزن برادلي نصف وزن أبرامز، كما أن مدفعها رغم قوته أقل في المدى والعيار كثيراً من الدبابات.
لكن بالنظر للضعف التقليدي لتدريع الدبابات الروسية الصنع وخفة وزنها مقارنة بنظيراتها الغربية، فإن برادلي ينظر لها كندّ للمدرعات الروسية خاصة القديمة مثل تي 72 الأكثر انتشاراً لدى الجيش الروسي.
مركبة برادلي القتالية قاتلت إلى جانب الدبابات أبرامز خلال عاصفة الصحراء 1992 والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي تم دون موافقة مجلس الأمن، وسجلت عدة عمليات قتل ضد دبابات تي-72 السوفييتية التصميم، حسب تقرير لموقع Eurasian Times الهندي.
اشتبكت دبابات أسد بابل وهي نسخة عراقية مجمعة من الدبابة السوفييتية T-72 مع قوات التحالف في حربي العراق. وقعت معركة 73 للشرق خلال عاصفة رملية في الصحراء العراقية.
واجهت دبابات أبرامز M1A1 ومركبات برادلي القتالية Bradley Fighting Vehicles الأمريكية قوات الحرس الجمهوري العراقي التي تمثل نخبة الجيش العراقي والتي كانت مزودة بدبابات T-72M ومركبات BMPs السوفييتية وألحقت 37 خسارة بالقوات العراقية المدرعة، بينما خسرت برادلي مركبة واحدة بنيران العدو، علماً بأنه يعتقد أن القذائف التي استخدمتها الدبابات العراقية كانت قديمة.
وكان العدد الإجمالي لدبابات T-72 التي فقدت خلال عملية عاصفة الصحراء عام 1991، حوالي 150.
زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بما لا يقل عن 100 ناقلة جند مدرعة من طراز برادلي، ويعتقد أن العدد يصل إلى 109 مركبات برادلي.
ربما يكون ما يقرب من ثلث مركبات برادلي المدرعة التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا قد ضاعت بالفعل أو تعرضت للتلف، وفقاً لبيانات مفتوحة المصدر، مما يوضح إلى أي مدى أثبت هجوم كييف المضاد ضد روسيا أنه عملية صعبة ومكلفة.
يبدو أن معظم الخسائر حدثت في الأيام الأولى من الهجوم المضاد لأوكرانيا.
وأفادت مجموعة Oryx، وهي مجموعة بحثية عسكرية مفتوحة المصدر، أن 34 مركبة برادلي قد تم تأكيدها بصرياً على أنها تم التخلي عنها أو إتلافها أو تدميرها.
ورغم ضخامة الخسائر أشاد الجنود الأوكرانيون بقدرة مركبات برادلي على حماية أرواحهم.
قال أحد الجنود لشبكة ABC News الشهر الماضي: "بفضل مركبة برادلي، أقف هنا الآن". وأضاف: "لو كنا نستخدم ناقلة جند سوفييتية لكنا قتلنا جميعاً على الأرجح بعد الضربة الأولى".
وقال ديلان لي ليرك، المحلل في شركة استخبارات الأمن البريطانية جينس: "من الممكن أن تكون القوات الأوكرانية قد شهدت خسائر على هذا المستوى"، مضيفاً أن المستوى "الكبير" من الأسلحة المفقودة كان بشكل عام سمة مميزة للحروب. من الاستنزاف، مثل تلك الموجودة في أوكرانيا.
تظهر بيانات Oryx أن 24 دبابة قدت طوال شهر يونيو/حزيران بأكمله، بما في ذلك بعض الدبابات من ترسانة أوكرانيا، بالإضافة إلى تلك التي قدمها الحلفاء الغربيون.
وتظهر البيانات أن عشراً منها دبابات ليوبارد ألمانية الصنع وكاسحات ألغام. من المفترض أنها فقدت في معركة مع اللواء الميكانيكي الثالث والثلاثين الأوكراني، إحدى الوحدات الثلاث التي تم نشرها في وقت مبكر من الهجوم المضاد، والتي كان من المقرر أن تتلقى 32 من دبابات ليوبارد، وفقاً لوثائق التخطيط الأمريكية المسربة.
ويعني ذلك أن اللواء خسر 30% من دبابات ليوبارد التي حصل عليها الذين حصلوا عليه – جميعهم باستثناء اثنتين في الأسبوع الأول من القتال، بحسب بيانات أوريكس.
تقول السلطات الأوكرانية إن الجيش الأوكراني تقدم حتى الآن في أعمق مناطق جنوب منطقة دونيتسك، لكن ليس أكثر من خمسة أميال من خط الجبهة السابق في فيليكا نوفوسيلكا. وأمامه 55 ميلاً أخرى للوصول إلى بحر آزوف، وهو الهدف الأساسي للهجوم الأوكراني المضاد، حيث سيؤدي ذلك إلى قطع الطريق البري على الروس إلى شبه جزيرة القرم، مما يتسبب في دمار لوجستيات روسيا المهتزة بالفعل. كما تتقدم القوات الأوكرانية في منطقتين في منطقة زابوريجيا.
أعرب كبير الضباط العسكريين الأوكرانيين، الجنرال فاليري زالوجني، عن إحباطه لأن أوكرانيا تقاتل بدون طائرات حربية غربية من طراز F-16، والتي وافقت الولايات المتحدة مؤخراً على السماح للطيارين الأوكرانيين بالتدرب عليها، ولكن من غير المتوقع تسليمها قبل عدة أشهر، على الأقل. وقد ترك ذلك القوات الأوكرانية عرضة للمروحيات والمدفعية الروسية.
ماذا بعد تعثر الهجوم الأوكراني المضاد؟
قد تعني خسائر الدبابات الأوكرانية ومذبحة برادلي على وجه الخصوص، أن فرص نجاح الهجوم الأوكراني تتضاءل، وتبين للأوكرانيين ما خبره الروس في بداية الحرب أن الهجوم أصعب من الدفاع.
وبما أن الأوكرانيين والغرب يستبعدون التفاوض حالياً، فإن من الواضح أن الخيار البديل للغرب هو مزيد من التسليح لأوكرانيا، خاصة أن لدى الجيش الأمريكي ما يقرب من 4500 من متغيري M2 وM3 من مركبات برادلي، ونحو 2000 وحدة مخزنة، إضافة إلى نحو 2500 دبابة أبرامز عاملة ونحو 3500 دبابة مخزنة في الاحتياط.
مما يعني أن واشنطن لديها قدرة على تزويد كييف بأعداد كبيرة من مركبات برادلي ودبابات أبرامز، حتى لو احتاج الأمر لبعض التحديث والتجديد للوحدات المخزنة.
وبناء على الطريقة الأمريكية في التمهيد لتزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة فقد نرى سيلاً من الدبابات والمركبات الجديدة ينهال على كييف بعد بضعة أشهر، بالتزامن مع قدوم طائرات إف 16، والتي رغم عدم الإعلان رسمياً عن منحها لكييف، ولكن تدريب الطيارين عليها يؤشر لذلك، وهو موعد قد يتيح لأوكرانيا التحضير لهجوم مضاد جديد في ربيع 2024، لتكون نتائجه قريبة من موعد الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ليكون النصر الأوكراني المفترض ممهداً لوصول بايدن للبيت الأبيض مجدداً.