"إذا كنت ترغب في شراء شيء رخيص في السودان، فلتذهب إلى أسواق دقلو أينما كانت هذه الأسواق"، هذا ما قاله تاجر سوداني في أم درمان لموقع Middle East Eye البريطاني.
في بلدٍ يعيش حالة حرب منذ 15 أبريل/نيسان، يُعَد توفير المواد الأساسية بمثابة صراع يومي بالنسبة لمعظم الناس. في هذه البيئة، انتشرت موجة من الأسواق الشعبية في جميع أنحاء السودان، استجابةً للنقص الناجم عن الحرب من خلال بيع غنائم الحرب المسروقة.
وتمثل معاناة المدنيين واحدة من أكثر أوجه الحرب السودانية قسوة، حيث قالت منظمة الهجرة الدولية (IOM)، مؤخراً، إن الصراع المحتدم في السودان دفع أكثر من 2.4 مليون شخص إلى النزوح داخلياً وفرار أكثر من 730 ألفاً إلى البلدان المجاورة، وردت تقارير عدة عن اعتداءات جنسية، لا سيما في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب)، المنطقتين اللتين تشهدان أعنف المعارك، وقالت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية، إنها وثّقت 49 حالة عنف جنسي خلال أول أسبوعين من القتال، 24 منها في الخرطوم، وكان الجناة في 43 منها يرتدون "زي قوات الدعم"، وفق الهيئة.
أسواق دقلو تبيع ما تنهبه قوات الدعم السريع
في هذه الأسواق، تُباع الغنائم التي نهبتها قوات الدعم السريع شبه العسكرية المنخرطة في صراعٍ مع الجيش السوداني. سُمِّيَت الأسواق على اسم قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الجنرال المعروف باسم حميدتي.
أخبر المهربون وتجار السوق السوداء وشهود العيان وضحايا النهب موقع Middle East Eye أنه يمكن الآن العثور على أسواق دقلو عبر منطقة العاصمة الخرطوم، وفي كردفان ودارفور وأجزاء أخرى من السودان الذي مزقته الحرب.
انتشر النهب على نطاق واسع في الخرطوم التي لطالما كانت أغنى مدينة في السودان، وكانت، على غير العادة في تاريخ الحروب الأهلية للبلاد، في قلب القتال منذ بدء الصراع بين الجيش والدعم السريع.
يقول شهود عيان في العاصمة ومدينتيها التوأم، أم درمان والخرطوم بحري، إن عمليات النهب ترتكبها قوات الدعم السريع والعصابات الإجرامية.
تُنقَل البضائع بعد سرقتها إلى أسواق دقلو من قِبَلِ المهربين، حيث يبيعها تجار السوق السوداء. وتنتشر الأسواق بشكل خاص في مدن غرب السودان، موطن قوات الدعم السريع وقاعدة نفوذها.
ينهبون منازل الأثرياء وسياراتهم والجيش يشارك أحياناً
تلقى موقع Middle East Eye شهاداتٍ من 30 شخصاً على الأقل في منطقة الخرطوم، فروا جميعاً من منازلهم ثم تعرضوا للنهب. قال أحد الأثرياء من سكان أم درمان إنه بعد فرارهم من منزلهم إلى مصر، اقتحمت قوات الدعم السريع المنزل ونهبته.
وقالت الأم، وهي في الخمسينيات من عمرها: "يبدو أنهم أطلقوا النار على البوابات وحطموها ودخلوا المنزل. أخذوا جميع أجهزتنا الكهربائية وسيارتنا. ألقوا بكل محتويات خزاناتي على الأرض".
وقال شاهدا عيان في الأُبيّض، عاصمة ولاية شمال كردفان، إن عمليات السلب والنهب في أسواق دقلو ليست فقط من قِبَلِ قوات الدعم السريع والعصابات الإجرامية والميليشيات التابعة لها. وقالوا إن القوات المسلحة السودانية استفادت أيضاً.
علاوة على ذلك، فإن عمليات من هذا النوع لها تاريخ طويل في المنطقة، حيث وجدت غنائم الحروب المنهوبة، من ليبيا إلى تشاد إلى جمهورية إفريقيا الوسطى إلى السودان، طريقها إلى الأسواق السوداء.
طوال هذه الحرب المستمرة، أنكرت قوات الدعم السريع نهب منازل المدنيين السودانيين. وكانت قد أعلنت في وقت سابق عن تشكيل "فرقة عمل مخصصة حصرياً لحماية المدنيين"، ووعدت بإعادة الأغراض التي سرقتها العصابات.
من أجهزة التليفزيون للسيارات
في أسواق دقلو، يمكنك العثور على كل شيء؛ من أجهزة التلفزيون والراديو إلى السيارات والإطارات المستعملة ووحدات تكييف الهواء إلى الأسرَّة والوسائد والخزائن الخشبية.
قال شاهد عيان في المنطقة، فضل عدم الكشف عن هويته، لموقع Middle East Eye عبر الهاتف: "فتحت المتاجر أبوابها في الأسواق المحلية في أم درمان مثلما في السوق الشعبي وسوق ليبيا"، وفتحت متاجر أخرى في أحياء مثل حي الحاج يوسف في ضواحي الخرطوم.
وأضاف أحد سكان أم درمان أنه شاهد في السوق الشعبية "تجاراً كباراً يشترون المئات من الأجهزة الكهربائية من تجار صغار أو سماسرة ويعيدون بيعها. إنه عمل مربح".
وقال مصدر آخر في العاصمة السودانية إن جنود قوات الدعم السريع يعيدون طلاء السيارات ويرمون لوحات الأرقام ثم يعيدون بيعها أو يهربونها إلى أسواق خارج الخرطوم.
قال صاحب متجر لموقع Middle East Eye: "كان هناك أكثر من 30 سيارة متوقفة على مرأى من متجري عندما بدأت الحرب". وأضاف: "لقد سُرِقَت هذه السيارات عندما سيطرت قوات الدعم السريع على هذا الجزء من شرق الخرطوم".
والنهب وصل إلى مستودعات تابعة للأمم المتحدة
حاصرت قوات الدعم السريع مدينة الأبيض لأكثر من 50 يوماً، ويعتبرها كلا الجانبين في الحرب مدينةً حيويةً من الناحية الاستراتيجية.
في بداية شهر يونيو/حزيران، نُهِبَت مستودعات تابعة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
ألقى السكان المحليون باللوم على قوات الدعم السريع، رغم أن برنامج الأغذية العالمي لم يصل إلى حد توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة فاعلة محددة. وقال إن المساعدات الغذائية كان من المفترض توجيهها إلى 4.4 مليون شخص، وإنه سجل خسائر تُقدَّر بأكثر من 60 مليون دولار منذ بدء الحرب في السودان.
وقال عالم اجتماع فرّ من الخرطوم إلى الأبيض، لموقع Middle East Eye إنه بعد نهب المستودعات، كانت هناك فترة أسبوعين ينقل فيها المواطنون البضائع إلى سوقٍ تُدعَى لازها.
وتقع السوق في حي طيبة، على الجانب الشرقي من المدينة، وهو الأقرب إلى المستودعات التي تأتي منها البضائع المسروقة التي تُباع فيه. وتقع السوق تحت إدارة مدنيين.
وقال عالم الاجتماع، الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه، لموقع Middle East Eye: "أطلقوا عليها اسم دقلو، لأن قوات الدعم السريع هم الذين اقتحموا المستودعات ولأنها تحتوي على سلع منهوبة".
لكنه أضاف أن قوات حميدتي شبه العسكرية لم تكن الطرف الوحيد الذي استفاد من مداهمة مستودعات برنامج الغذاء العالمي. وقال: "عندما نهب المواطنون المستودعات، أقامت القوات المسلحة السودانية بعض نقاط التفتيش في الشوارع لمنعهم وتقسيم البضائع المنهوبة معهم".
قوات الدعم لم يعد لديها إمدادات ثابتة لذا تعتمد على النهب
وفي حديثه عن كيفية عمل الأسواق، قال محام في الأبيض لموقع Middle East Eye إن هناك تجاراً يتعاملون مع قوات الدعم السريع، وإنهم "يحولون البضائع إلى أموال". وقال المحامي إن القوات شبه العسكرية لم يكن لديها إمدادات ثابتة من الطعام أو مكان لتخزينها، لذلك كانت تعتمد على "نهب المنتجات أو مجرد شرائها نقداً".
كانت الأسواق في المدينة أيضاً مسرحاً لأعمال العنف بين قوات الدعم السريع والسكان المحليين. وبحسب المحامي، هاجمت القوات شبه العسكرية يوم الأحد الماضي، 9 يوليو/تموز، سلسلة من الأسواق الصغيرة، ونهبت البضائع وأساءت معاملة أصحاب المتاجر في هذه المداهمة.
وفي يوم الإثنين 10 يوليو/تموز، ضرب مدنيون في الأبيض رجلين متهمين بالتجسس لصالح قوات الدعم السريع حتى الموت، إذ كانوا غاضبين من النهب المستمر.
5 آلاف دولار مقابل شراء سيارتي.. البعض يدفع الأموال لاستعادة ممتلكاته
يلجأ العديد من السودانيين الذين سُرقت ممتلكاتهم إلى التعامل مع السماسرة أو الوسطاء لمحاولة استعادة ممتلكاتهم.
وقال ضحايا النهب لموقع Middle East Eye إنهم اضطروا للتعامل مع قوات الدعم السريع والجيش وحتى الشرطة من أجل تأمين إعادة الوثائق المهمة مثل جوازات السفر، وكذلك السيارات المسروقة. لكن كل هذا يأتي بثمنٍ باهظ.
وقالت أستاذة جامعية إنها دفعت ألف دولار لضابط في قوات الدعم السريع من أجل العثور على جواز سفرها وإعادته، والذي تُرِكَ في منطقةٍ مزَّقها القتال.
بعد أقل من يوم، اتصل بها الضابط من داخل الجامعة وسألها عن مكان مكتبها. وقالت الأستاذة: "بينما كنت على الهاتف، دخل المكتب وأخذ الهاتف مني. أرسل شخصاً آخر لمنزلي وأعطاني إياه وأخذ المال".
في بداية مايو/أيار، تعامل موسى عبد الوهاب مع سماسرة مماثلين بعد أن سُرقت سيارته من خارج منزله في جنوب الخرطوم.
وقال: "بعد أن فررت من منزلي في الخرطوم، سمعت من جيراني أن جنود قوات الدعم السريع فتحوا سيارتي واستولوا عليها. وبعد الاتصال بالعديد من المصادر في الشرطة وقوات الدعم السريع، وصلت إلى شخص يمكنه إعادتها. طلب 5 آلاف دولار، وأعادها بالفعل بعد أن دفعت المال".
محاولات لوقف النهب واعتقال قادة العصابات
لكن هناك جهوداً تُبذَل لتأمين الأغراض المسروقة دون دفع مثل هذه الأسعار الباهظة. أطلق عدد من النشطاء والمحامين والضحايا مبادرة تحت شعار "اخرجوا من بيوتنا .. سوف نعود". لقد رصدوا ما يقرب من ألف ضحية للنهب ويتطلعون إلى رفع دعاوى قانونية ضد أشخاص يصفونهم بـ"غزاة الخرطوم"، أي قوات الدعم السريع.
وتعمل لجان المقاومة، شبكة النشطاء المنظمون الذين يناضلون من أجل الديمقراطية في السودان، على إعادة الممتلكات المسروقة، بما في ذلك السيارات، كجزءٍ من عمل "غرف الطوارئ" التي يمرون بها في أحياء مختلفة.
وقال أعضاء لجان المقاومة في الخرطوم إنهم اعتقلوا قادة العصابات وعثروا على مخابئ للممتلكات المسروقة، وتمكنوا بعد ذلك من إعادتها.
ظاهرة جذورها تعود لعقود
بالنسبة للكثيرين في السودان، فإن الأسواق ليست سوى أحدث نسخة من ظاهرة عمرها عقود وشوهدت أثناء الحرب في دارفور في العقد الأول من القرن.
وقال مجدي الجزولي، الزميل في معهد ريفت فالي، لموقع Middle East Eye، إن الأسواق كانت علامة على استبدال الاقتصاد المنتج بـ"اقتصاد مدمِّر يركز على النهب".
وقال الجزولي: "عناصر هذا الاقتصاد بالذات تعمل منذ بعض الوقت، وكانت إشاراته الأولية هي انهيار اقتصاد النفط السوداني في أعقاب استقلال جنوب السودان في 2011".
وأضاف: "تبعت ذلك السوق المربحة للغاية للسيارات المُهرَّبة عبر الحدود الغربية للسودان. والمعروفة باسم سيارات (بوكو حرام). وبطريقة ما، كانت هذه السوق وسيلةً لتبييض رأس المال المكتسب في اقتصاد النهب في منطقة الساحل وتوجيهه إلى السودان".
وتابع قائلاً: "تقف الأسلحة التجارية لقوات الدعم السريع في ذروة هذا الاقتصاد المدمر من خلال عملياتها المصرفية والتجارية، وقد جنت من خلال عسكرة الحياة الريفية ثروةً هائلة من السلع عالية القيمة، وخاصة الذهب والسيارات والمخدرات والأسلحة النارية والديون".
وقال: "السطو المسلح في الخرطوم هو بطريقة ما امتداد لاقتصاد النهب المدمر هذا إلى المجال الحضري في أعقاب التوسع الهائل في تجارة المخدرات وسوق الديون السامة"، مشيراً إلى أن أوضاع مشابهة في تجارة المخدرات في أفغانستان وتجارة مخدر الكبتاغون في العراق.