خلال السنوات الأخيرة زادت حدة الخلافات بين الصين وأمريكا بسبب العديد من العوامل السياسية مثل تايوان، والعسكرية مثل القواعد العسكرية والنفوذ، والاقتصادية أيضاً التي تمثل ما بات يُعرف بالحرب الباردة الاقتصادية بين بكين وواشنطن.
وبسبب التنافس الاقتصادي الكبير بينهما، أقرت الصين يوم 28 يوينو/حزيران، قانوناً جديداً للعلاقات الخارجية، والذي يحدد المبادئ العامة وأهداف إقامة الصين لعلاقات خارجية، كما يوفر القانون لبكين دعماً قانونياً للرد على الإجراءات الغربية مثل العقوبات وضوابط التصدير.
وفي سياق متصل أصدرت الصين في وقت سابق من هذا العام القانون المعدل لمكافحة التجسس (anti-espionage law)، والذي دخل حيز التنفيذ مع قانون العلاقات الخارجية في بداية يوليو/تموز الجاري، ويمنح قانون مكافحة التجسس بكين المزيد من السلطة لمعاقبة ما تعتبره تهديداً للأمن القومي، بحسب تقرير لمنصة أسباب المعنية بالتحليل السياسي.
ما هي تفاصيل هذا القانون؟
يبرز قانون العلاقات الخارجية الصينية الجديد تجاه بكين لاستخدام أدوات قانونية أكثر صرامة ضد شركات التكنولوجيا الغربية، رداً على تزايد القيود التجارية والتكنولوجية الأمريكية، بما في ذلك جهود واشنطن الأخيرة لتقييد صادرات أشباه الموصلات المتقدمة (Semiconductors) ومعدات الصناعة الخاصة بها إلى الصين.
ويؤكد الفصل الرابع من القانون الجديد نية بكين تعزيز التشريعات في المجالات ذات الصلة بالأجانب، الأمر الذي يشير إلى تغييرات في قوانين الاستثمار الأجنبي في الصين.
يؤكد القانون على التزام بكين بمبادئ ومواثيق الأمم المتحدة، ويشير الفصل الثالث منه إلى التزام الصين تجاه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
لكنّه في نفس الوقت يشير لمعارضة الصين للهيمنة وسياسة القوة، ويؤكد على اختيار الصين لنموذج النظام العالمي متعدد الأقطاب كمبدأ للعلاقات الخارجية، وذلك من خلال تعهد بكين بتطوير علاقاتها الخارجية بشكل واسع النطاق ومتعدد المستويات عبر مجموعة من المبادرات مثل "مبادرة التنمية العالمية" و"مبادرة الأمن العالمي" و"مبادرة الحضارة العالمية".
وكذلك من خلال نية الصين الحفاظ على التعددية والمشاركة في صياغة القواعد الدولية، وتطوير العولمة الاقتصادية في اتجاه شامل ومفيد للجميع.
كما يوضح القانون أن المساعدات والمنح الصينية سوف تستند إلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم فرض شروط سياسية.
ويعد هذا إشارة ضمنية للسياسة الأمريكية التي تفرض شروطاً سياسية مقابل تقديم المساعدات، كما أنها إشارة تستهدف تبرئة الصين من الاتهامات بسياسة الإغراق بالديون للسيطرة على قرار بعض الدول الفقيرة.
لا يقدم القانون أدوات جديدة لمواجهة القيود الأمريكية مثل العقوبات والتعريفات الجمركية وضوابط التصدير التي تستهدف الصين.
وطوال السنوات القليلة الماضية ظلت الإجراءات الصينية المضادة في مجملها رمزية وغير مؤثرة؛ حيث اقتصرت على إصدار "قائمة الكيانات غير الموثوقة" و"قانون مناهضة العقوبات الأجنبية" وقانون الأمن القومي في إقليم هونغ كونغ.
وعلى سبيل المثال، وضعت بكين في وقت سابق من العام الجاري شركتي الأسلحة الأمريكيتين "لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin) و"ريثيون" (Raytheon) في قائمة الكيانات غير الموثوقة، في حين أن الشركتين ليس لديهما أعمال كبيرة في الصين، كما أن العقوبات الصينية التي فُرضت على الأفراد، بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي السابق مايكل بومبيو، انحصرت غالباً في أفراد ليست لهم صلات وثيقة بالاقتصاد الصيني.
قانون يعزز فرصة بكين
ومع ذلك سيعزز القانون الجديد الأساس القانوني لفرض حكومة الصين عقوبات على خصومها، حيث ينص على أن للصين الحق في اتخاذ "تدابير مضادة وتقييدية" ضد الأعمال التي تهدد سيادة الدولة ومصالحها الوطنية.
لكن الصياغة الغامضة لبنود القانون تثير مخاوف مجتمع الأعمال الأجنبي في الصين من تنفيذ القانون بشكل يخضع للحسابات والأزمات الجيوسياسية؛ الأمر الذي سيؤثر على جهود بكين لجذب الاستثمار الأجنبي وإعادة بناء الثقة مع قادة الأعمال الأجانب، حيث تعد الصين ثاني أكبر متلقٍّ عالمي للاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2022، فقد استقبلت حوالي 189 مليار دولار.
تزامناً مع قانون العلاقات الخارجية بدأت الصين في تنفيذ قانون مكافحة التجسس المعدل، والذي يمثل امتداداً لمجموعة من القوانين واللوائح المتعلقة بالأمن السيبراني وخصوصية البيانات التي أقرتها بكين في السنوات الأخيرة، لتشديد الرقابة على الشركات الأجنبية العاملة في الصين.
ويوسع القانون نطاق تعريف "التجسس" من أسرار الدولة والاستخبارات إلى أي "وثائق أو بيانات أو مواد أو عناصر أخرى تتعلق بالأمن القومي"، كما يفرض قانون مكافحة التجسس قيوداً على الشركات الأجنبية تمنعها من الوصول إلى قاعدة البيانات الرئيسية للمعلومات المالية الصينية، وهو الأمر الذي تسبب أيضاً في إثارة تخوفات المستثمرين الأجانب الذين قد يواجهون عقوبات بسبب الأنشطة التجارية التقليدية.
بالرغم من وعود الصين بتحرير السيطرة على تحركات النقد الأجنبي، وحاجة بكين لإنعاش اقتصادها الذي عانى بسبب سياسات الإغلاق الصارمة لمواجهة جائحة كورونا، يبدو أن الرئيس الصيني "شي جين بينغ" يضع الأولوية لسياسة أكثر حزماً في مواجهة السياسات الأمريكية والغربية المناهضة للصين.
ويعزز الفصل الثاني من قانون العلاقات الخارجية من سلطة "شي" فيما يتعلق بصنع سياسة الصين الخارجية، حيث يوضح أن اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي التي تضم 7 أعضاء على رأسهم "شي" هي المسؤولة عن السياسة الخارجية، بينما ينحصر دور وزارة الخارجية الصينية في التنفيذ.
من ناحية أخرى يمثل قانون العلاقات الخارجية الصينية تطوراً جذاباً بشكل خاص للدول في الجنوب العالمي، حيث يقدم سردية مختلفة عن السردية الغربية المرتكزة على تعزيز "النظام الدولي القائم على القواعد" (rules-based international order)، والتي تتزايد النظرة السلبية لها من غالبية دول الجنوب العالمي، باعتبارها ترسخ الهيمنة الأمريكية والغربية في السياسة الدولية.