بعد 3 أشهر من الحرب “الشاملة” بين الجيش والدعم السريع.. مَن يسيطر في السودان؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/12 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/12 الساعة 09:11 بتوقيت غرينتش
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط جنوده/ رويترز

دخل الصراع في السودان مرحلة الحرب الأهلية "الشاملة" بين الجيش والدعم السريع، فلمن منهما السيطرة سواء في الخرطوم أم دارفور، حيث المواجهات الأكثر شراسة؟

كان السودان قد شهد منذ 15 أبريل/نيسان 2023 انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد، الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.

ورغم الوساطة السعودية-الأمريكية، والمفاوضات في جدة بين الطرفين المتصارعين، والتوصل إلى أكثر من هدنة إنسانية، فإن الصراع الدامي والعبثي تماماً قارب على دخول شهره الرابع دون أي مؤشر على نهايته قريباً، بينما يدفع المدنيون ثمناً باهظاً، سواء مَن فقدوا حياتهم أو أُصيبوا أو أُجبروا على محاولة النجاة بالنزوح داخلياً أو خارجياً، أو من عجزوا عن الفرار فظلوا "ضحايا منسيين".

ما الموقف في الخرطوم؟

تتركز أشرس المواجهات حالياً في العاصمة الخرطوم وفي دارفور، بغرض فرض السيطرة على المواقع الاستراتيجية، ورغم حدوث مستجدات على طرفي في المعارك، فإن أماكن السيطرة الأولية لم تتغير كثيراً، حيث يتمركز الدعم السريع في مواقع عديدة بالعاصمة الخرطوم ويهاجم مقرات الجيش، بينما يهاجمها الأخير في مناطق تجمعها بالطيران والأسلحة الثقيلة.

ويسيطر الجيش السوداني على مقر قيادته العامة (وسط الخرطوم) بعد معارك محتدمة مع قوات الدعم السريع، كما يسيطر على مقر سلاح المدرعات والذخيرة جنوبي الخرطوم، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

ويعتبر سلاح المدرعات هدفاً مستمراً لقوات الدعم السريع، التي تحاول السيطرة عليه ولم تحقق أي تقدم؛ نظراً لتحصينات الجيش القوية به. بينما لا يزال القصر الرئاسي، وسط الخرطوم، ومطار الخرطوم الدولي، خاصة الناحية الشرقية منه، تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

وحسب شهود عيان، فإن هناك نقصاً في عدد أفراد الدعم السريع في شوارع الخرطوم، على عكس ما كان عليه الوضع في الأيام الأولى من القتال. ويعود ذلك، بحسب مراقبين، لأن قوات الدعم السريع تسلمت مواقع عسكرية عديدة بعد تدمير عدد من معسكراتها ومقراتها بالخرطوم وأم درمان.

ومؤخراً استولت قوات الدعم السريع على عدد من المواقع العسكرية، منها الإدارة الاستراتيجية (وسط الخرطوم)، والقيادة الجوية في حي العمارات، ومصنع اليرموك، إلى جانب مقر رئاسة الاحتياطي المركزي، التابع للشرطة، وجميعها تقع جنوبي العاصمة.

وتنتشر قوات الدعم السريع في أحياء الكلاكلة والأندلس والصحافة، جنوبي الخرطوم، وأحياء شرقي الخرطوم. وتشهد جميع هذه الأحياء اشتباكات مستمرة بين الطرفين، فيما يسيطر الجيش على القاعدة الجوية في جبل أولياء، جنوبي الخرطوم.

السودان
دخان متصاعد من أحد المناطق في العاصمة السودانية الخرطوم – رويترز

أما في أم درمان، فيسيطر الجيش على مقر سلاح المهندسين والسلاح الطبي، الذي يتواجد به الرئيس المعزول عمر البشير وبعض عناصر النظام السابق، بحسب مسؤولين حكوميين.

وتنتشر قوات الدعم السريع في شارع المَوردة، الذي يؤدي إلى السلاح الطبي من الناحية الشمالية، فيما يتمركز الجيش في حي العباسية، المجاور لحي المَوردة. وخلال الأيام الماضية حاولت قوات الدعم السريع مهاجمة سلاح المهندسين، لكنها واجهت مقاومة شرسة من الجيش، أفشلت محاولاتها.

وفي مناطق أم درمان القديمة، تسيطر قوات الدعم السريع على مباني الإذاعة والتلفزيون، وتعرضت لهجمات عديدة من وحدات الجيش في هذه المنطقة. كما تركزت الاشتباكات بأطراف منطقة "وادي سيدنا" العسكرية شمالي أم درمان، حيث توجد وحدات ومعسكرات الجيش، وقاعدة وادي سيدنا الجوية. وكذلك في مناطق صالحة، حيث معسكر الدعم السريع، جنوبي أم درمان، حيث يهاجم الجيش تجمعات الدعم السريع.

وفي مدينة بحري، ثالث مدن الخرطوم، تركزت الاشتباكات شمالي المدينة، حيث تتواجد قوات الدعم السريع، وهناك معسكر للجيش في منطقة الكدرو.

دارفور.. الجيش أم الدعم السريع؟

شهدت مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلال الأسبوعين الماضيين، وسرعان ما اتخذ القتال شكلاً قبلياً، سقط على إثره مئات القتلى والجرحى، ونزح عشرات الآلاف من المدينة.

وتتواجد في الجنينة الفرقة 15 مشاة، ويتقاسم الجيش والدعم السريع السيطرة على المدينة، حيث يسيطر الجيش على المناطق الجنوبية بالمدينة، فيما يتنشر الدعم السريع شمالي وشرقي الجنينة.

وفي زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، شهدت المدينة قتالاً بين الجيش والدعم السريع خلال الأيام الماضية. وتنتشر قوات الدعم السريع حول المدينة، فيما يشبه الحصار الكامل. وتتمركز قوات الجيش في المناطق الشرقية من زالنجي.

حميدتي خارج السودان
نفى الدعم السريع أن حميدتي خارج السودان – رويترز

بينما يسيطر الجيش على معظم أنحاء الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بل ومركز إقليم دارفور بولاياته الخمس. حيث يُحكم الجيش سيطرته على جميع المؤسسات الحكومية، ومقر حكومة الولاية، ومطار الفاشر وقاعدته الجوية، مع تواجد لقوات الدعم السريع في شرقي المدينة. وتقع قيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش في الفاشر.

وفي 29 يونيو/حزيران الماضي، أعلن حاكم ولاية شمال دارفور، نمر محمد عبد الرحمن، عن التوصل لاتفاق لوقف القتال بين الأطراف المتصارعة بالولاية "من أجل السلام والاستقرار".

وفي مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، سقط قتلى وجرحى في اشتباكات بين الجيش والدعم السريع خلال الأيام الماضية. وشهدت المدينة اشتباكات بين الطرفين بالأسلحة الثقيلة مؤخراً. ويسيطر الجيش على المواقع الحيوية والمؤسسات الحكومية في نيالا، وتتواجد قيادة الفرقة 16 مشاة للجيش بالمدينة.

ويضم إقليم دارفور خمس ولايات: شمال دارفور، وجنوب دارفور، وغرب دارفور، ووسط دارفور، وشرق دارفور، وعاصمتها الضعين.

حرب أهلية "شاملة" في السودان

الخلاصة هنا هي أن الموقف على الأرض يبدو مشتبكاً للغاية بين الجيش والدعم السريع، دون أن تلوح في الأفق أية مؤشرات على قدرة أي من الطرفين على حسم الأمور عسكرياً لصالحه.

وفي هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة من أن السودان على وشك الانزلاق إلى "حرب أهلية شاملة" قد تُزعزع الاستقرار في المنطقة بأكملها، حيث قال فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، في بيان صدر في هذا الشأن: "الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أدان الأحد الضربة الجوية في أم درمان".

وقال حق إن غوتيريش "لا يزال يشعر بقلق بالغ من أن الحرب الدائرة بين القوات المسلحة دفعت السودان إلى شفا حرب أهلية واسعة النطاق، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها"، وأضاف: "هناك تجاهل تام للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وهو أمر خطير ومقلق"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

تصريحات الأمم المتحدة جاءت في أعقاب غارة جوية على منطقة سكنية أسفرت عن سقوط قتلى من المدنيين، وقالت وزارة الصحة السودانية قبل يومين إن "22 قتيلاً وعدداً كبيراً من الجرحى من المدنيين" سقطوا من جراء القصف على مدينة أم درمان في منطقة دار السلام.

الأمم المتحدة نددت بشدة بالغارة الجوية على المنطقة، وأبدت أسفها لسقوط ضحايا وسط المدنيين. ونفى الجيش السوداني تنفيذَه غارةً جويةً في المنطقة، قائلاً إنه لم يتعامل مع أيِّ أهداف معادية في أم درمان يوم وقوع الغارة (السبت 8 يوليو/تموز)، مشيراً إلى أن قوات الدعم السريع ظلت تقصف المناطق السكنية بالتزامن مع تحليق الطائرات الحربية التابعة للجيش.

السودان
نازحون يهربون من جحيم الحرب في السودان/ رويترز

واتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بتنفيذ الغارة، ونشرت مقاطع فيديو مصورة يظهر فيها عدد من القتلى، وقالت إن ذلك بسبب قصف طيران الجيش.

وقُتل حوالي 3000 شخص جراء الحرب، بينما ظهرت روايات على ألسنة ناجين من ويلاتها، تضمنت الحديث عن موجة من العنف الجنسي، كما تحدث شهود عن قتل على أساس عرقي، وانتشرت أعمال نهب على نطاق واسع، وحذرت الأمم المتحدة من احتمال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في منطقة دارفور. وأظهر مقطع فيديو- نشرته وزارة الصحة السودانية على فيسبوك- ما يُرجَّح أنها جثث سقطت جراء الغارة الجوية، بينها الكثير من النساء.

ومنذ اندلاع القتال نزح ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص، من بينهم ما يقرب من 700 ألف شخص فروا إلى دول الجوار، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة. بينما حذرت الأمم المتحدة ومنظمات إفريقية من "البعد العرقي" للصراع في إقليم دارفور الغربي في السودان.

تحميل المزيد