في تحرك مفاجئ سلّمت ألبانيا، مؤخراً، أسراراً انتزعتها من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة إلى طهران، رغم أن العلاقة بين البلدين مقطوعة بسبب هجوم إلكتروني تعرضت له ألبانيا، واتهمت إيران بتنفيذه انتقاماً من استضافة تيرانا لمجاهدي خلق.
وسلّمت السلطات الألبانية يوم الإثنين 10 يوليو/تموز، محركات أقراص صلبة وحواسيب صادرتها من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية إلى نظيرتها الإيرانية، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
هل هذا التحرك مرتبط بقرب التوصل لاتفاق نووي بين إيران وأمريكا؟
ورغم استمرار غياب علاقات دبلوماسية بين ألبانيا وإيران، لكن سلسلة التحركات الأخيرة ضد منظمة مجاهدي خلق المعارضة، التي تعمل من المنفى، دفعت الكثيرين إلى التساؤل عن مدى ارتباط هذه الإجراءات بالمفاوضات النووية الجارية بين الولايات المتحدة وإيران.
وقال أرمين منتظري، محرر السياسة الخارجية في صحيفة Ham Mihan الإيرانية لموقع Middle East Eye: "المفاوضات جارية بين إيران والاتحاد الأوروبي وإيران والولايات المتحدة، ويبدو واضحاً لي أن طهران تثير قضية مجاهدي خلق مع الغرب".
وقال منتظري إنه يظن أن إيران والولايات المتحدة "توصلتا بالفعل إلى نوع من الاتفاق" حول منظمة مجاهدي خلق، ولكن يُستبعد أن يُعلن عنه.
وفي 20 يونيو/حزيران، داهمت سلطات إنفاذ القانون الألبانية معسكر أشرف 3 الخاص بمنظمة مجاهدي خلق، متعللة بمخاوفها من تحول المعسكر في شمال غرب العاصمة تيرانا لقاعدة للأنشطة السياسية التخريبية، وشن هجمات إلكترونية على إيران وتصيدها الجماعي للمعارضين عبر الإنترنت، في انتهاك للاتفاق المبرم بين منظمة مجاهدي خلق والحكومة الألبانية.
وقال منتظري عن الاتفاق النووي المحتمل: "أتصور أنهم في بداية مرحلة التنفيذ"، وفي ضوء هذا الرأي، يمكن اعتبار التحركات الأخيرة مع منظمة مجاهدي إجراءً لبناء الثقة بين إيران والولايات المتحدة في معالجة المشكلات محل الاهتمام المشترك.
واشنطن توجه انتقاداً نادراً لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية
ففي أعقاب مداهمة معسكر منظمة مجاهدي خلق، أصدرت السلطات الأمريكية بياناً مقتضباً على غير العادة ينتقد المنظمة.
وقال ممثل وزارة الخارجية الأمريكية عقب المداهمة: "ندعم حق ألبانيا في التحقيق في أي أنشطة غير قانونية محتملة داخل أراضيها".
وقال: "الولايات المتحدة لا تعتبر منظمة مجاهدي خلق حركة معارضة ديمقراطية حيوية تمثل الشعب الإيراني. ولا تزال وزارة الخارجية الأمريكية تشعر بقلق شديد بشأن منظمة مجاهدي خلق كمنظمة ومزاعم الانتهاكات المرتكبة بحق أعضائها".
ولا بد أن هذا البيان كان صدمة لمنظمة معتادة على دعم رفيع المستوى من المسؤولين الأمريكيين.
ومن بين هؤلاء الساسة الغربيين الذين تعتبرهم منظمة مجاهدي خلق حلفاء لها، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تروس، التي شاركت مؤخراً في إحدى فعالياتها، والمرشح الرئاسي الأمريكي ونائب الرئيس السابق مايك بنس، والسيناتور السابق جوزيف ليبرمان، ومستشار الأمن القومي لترامب جون بولتون، وعشرات من أعضاء الكونغرس الأمريكي من كلا الحزبين.
كانت مصنفة كمنظمة إرهابية وأسست دولة داخل دولة في ألبانيا
غضّت ألبانيا طيلة سنوات الطرف عن أنشطة منظمة مجاهدي خلق، التي كانت وزارة الخارجية الأمريكية تصنفها منظمة إرهابية حتى عام 2012، محاولة منها لاسترضاء واشنطن وكسب تأييد سياسي.
جدير بالذكر أن جماعة مجاهدي خلق تأسست في عام 1965 لمعارضة شاه إيران، ورفضت الحركة في وقت لاحق الثيوقراطية التي حلت محله، وبعد الثورة مباشرة اجتذبت الحركة دعماً عاماً كبيراً وبرزت كمصدر رئيسي للمعارضة للنظام الثيوقراطي الجديد، وفقاً للأستاذ إيرفاند أبراهاميان، المؤرخ لتاريخ الجماعة.
تدعي الحركة أنها لا تزال تحظى بدعم كبير داخل إيران، لكن وفقاً لإيرفاند أبراهاميان، المؤرخ لتاريخ الجماعة، فإن شعبيتها انخفضت بعد أن أصبحت أكثر عنفاً في أوائل الثمانينيات، وقال أبراهاميان: "عندما تتحدث إلى أشخاص عاشوا الثورة وتذكر اسم المجاهدين، فإنهم يرتعدون"، حسبما نقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
بحلول الثمانينيات من القرن الماضي، كانت أيديولوجية المجموعة قد بدأت تتتمركز حول مؤسس الجماعة مسعو رجوي وزوجته مريم، ولإثبات إخلاصهم لعائلة رجوي، طُلب من الأعضاء تطليق زوجاتهم والتخلي عن الرومانسية، وفي ذلك الوقت، كان مقر المجموعة في العراق تحت حماية صدام حسين، حسب تقرير الصحيفة الأمريكية، حيث حاربت قوات مجاهدي خلق بجانب الجيش العراقي ضد إيران في الحرب العراقية الإيرانية.
لكن مصيرها قد تغير بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، خاصة بعد وصول أحزاب شيعة موالية لإيران للسلطة.
بعد مواجهة أولية، تخلت الجماعة عن أسلحتها. على الرغم من إدراجها من قبل الولايات المتحدة منظمةً إرهابية في عام 1997، فقد وُضِعَت تحت الحماية الأمريكية.
لكن في عام 2009 تنازلت القوات الأمريكية عن حماية المجموعة للحكومة العراقية. وسمحت السلطات العراقية، بقيادة سياسيين متعاطفين مع إيران، للميليشيات المتحالفة مع إيران بمهاجمة المجموعة.
بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون والأمم المتحدة في البحث عن بلد أكثر أماناً لإيواء المجموعة. بعد الضغط المكثف من قبل مجموعة من المشرعين من الحزبين، قامت الحكومة الأمريكية بإزالتها من قائمة المنظمات الإرهابية في عام 2012.
بعد مرور عام، استضافت ألبانيا المجموعة في النهاية. كانت الحكومة الألبانية تأمل في أن تحظى ضيافتها برضا لدى واشنطن، وفقاً لما ذكره وزير الخارجية بين عامي 2013 و2019، ديتمير بوشاتي.
اشترت المجموعة عدة حقول في أحد الأودية على بعد 15 ميلاً (حوالي 24 كيلومتراً) إلى الغرب من العاصمة الألبانية تيرانا، وبنت معسكراً هناك.
يعيش العشرات من الأعضاء السابقين الآن بشكل مستقل في ألبانيا، يقول كاتب تقرير نيويورك تايمز "قابلت 10 منهم، كل منهم يصف حاله بأنه قد غُسِلَ دماغه للبقاء في حياة العزوبة".
وقال عبدالرحمن محمديان (60 سنة) الذي انضم إلى المجموعة عام 1988 وغادرها في عام 2016: "بمرور الوقت تصبح محطماً وتنسى نفسك وتغير شخصيتك. أنت تطيع القواعد فقط. أنت لست نفسك. أنت مجرد آلة".
أنكرت الجماعة بشدة هذه الاتهامات ووصفت العديد من منتقديها، بمن فيهم محمديان، باعتبارهم جواسيس إيرانيين، وتم اصطحابي في جولة استغرقت ثلاث ساعات في متحف عن تاريخ حركة مجاهدي خلق، حيث لم تذكر المعروضات صدام حسين أو العزوبة القسرية. بدلاً من ذلك، ركزت على مدى اضطهاد الجماعة.
سخر الأعضاء من فكرة كونهم جماعة تحريضية. أما في ما يتعلق بالقيود المفروضة على حياتهم الخاصة، فقد قالوا إن هذا الانضباط ضروري لمقاتلة خصم قاسٍ مثل حكومة إيران، وقالت شيفا زاهدي: "لا يمكنك التمتُّع بحياةٍ شخصية عندما تكافح من أجل قضية".
ومع تعزز ثقة المنظمة بفضل الدعم المتنامي من الولايات المتحدة خاصة في عهد ترامب، تحولت إلى شبه دولة داخل دولة، واتخذت من ألبانيا قاعدة لعملياتها.
ألبانيا تعرضت لهجوم إلكتروني ضخم واتهمت إيران بالمسؤولية عنه
يقول منتظري: "أظن أن وجود مجاهدي خلق في ألبانيا يجعل من تيرانا نوعاً ما مسؤولة عن مشكلات الأمن القومي التي تواجه إيران".
وقال الصحفي الإيراني: "إذا شنت منظمة مجاهدي خلق حملات على إيران من ألبانيا، وهو ما نعرفه، فمن حق طهران أن ترد بطريقتها".
وفي سبتمبر/أيلول 2022، تعرضت ألبانيا لهجوم إلكتروني ضخم على خدماتها الحكومية، نتج عنه اختراق معلومات حساسة.
واتهمت تيرانا طهران بشن هذا الهجوم، ثم قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
وقال منتظري إن الإجراءات التي تتخذها ألبانيا الآن تهدف أيضاً إلى "حماية أمنها القومي".
وقال: "من الواضح أنها لا تريد أن تعلق في حرب بين طهران ومنظمة مجاهدي خلق، سواء كانت هجمات إلكترونية أو أي شيء آخر".
وعلى نطاق أوسع، وجدت ألبانيا نفسها منقادة في غفلة منها إلى حرب بالوكالة مع إيران، وأنها لم تكن مدركة تماماً لما يمكن أن يعنيه السماح للمنظمة بالبقاء في البلاد.
وقال منتظري: "منظمة مجاهدي خلق ليست بالضرورة ذخراً للغرب ضد إيران. ولكنها أقرب إلى أداة، واستخدام هذه الأداة له بعض العواقب على الغرب داخلياً".
المنظمة أسست معسكراً شبه عسكري وقاومت محاولة السلطات دخوله
يقول أولسي يازجي، الأكاديمي الألباني الذي يتابع أنشطة منظمة مجاهدي خلق في بلاده، لموقع Middle East Eye، إن سكان ألبانيا، الذين كانت تنتابهم في البداية مشاعر مختلطة إزاء وجود المنظمة في البلاد، أصبحوا الآن يعتبرونها غير مرغوب فيها.
وقال يازجي: "وجود مجاهدي خلق مشكلة، لأنهم حولوا ألبانيا إلى قاعدة يشنون منها هجمات إرهابية على دولة أجنبية. فهم يخالفون القوانين الألبانية وأنشأوا دولة داخل دولة في معسكرهم شبه العسكري في ألبانيا".
وحين حاولت الشرطة الألبانية مداهمة معسكر أشرف 3 بأمر اعتقال الشهر الماضي، قاومت منظمة مجاهدي خلق، وهذا أدى إلى وقوع إصابات في كلا الجانبين.
وهذه التصرفات التي تأتي بها جماعة المعارضة، التي قبلتها ألبانيا في البداية لأسباب إنسانية ظاهرياً، تثير تساؤلات عما إن كانت تخلصت من ماضيها العنيف.
وقال يازجي: "إدارة ترامب وإسرائيل استغلتا منظمة مجاهدي خلق لممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران من 2018 إلى 2021. ولكن الآن، بعد أن تولى بايدن منصبه، لا تريد الإدارة الأمريكية منظمة إرهابية سابقاً، تربطها علاقات قوية مع مسؤولي ترامب، أن تؤثر في سياساتها مع إيران".
فرنسا قيّدت نشاط زعيمتها، وبايدن يراها خياراً مرتبطاً بترامب
تُثار الآن تساؤلات عن استمرار وجود منظمة مجاهدي خلق في ألبانيا. وأحد هذه التساؤلات هو: لماذا لم يكن رئيس الوزراء إيدي راما أكثر استباقية في التعامل معها؟.
إذ قال مينتور بيكا، أستاذ السياسة الدولية في جامعة ألكسندر مويسيو في دوريس، لموقع Middle East Eye من ألبانيا: "لو كانت ألبانيا بالفعل قاعدة للهجمات الإلكترونية على إيران، فذلك يدعونا للتساؤل عن سبب عدم تحرك الحكومة الألبانية قبل ذلك لمنع التصعيد إلى صراع شامل مع إيران".
وحتى فرنسا، التي تستضيف زعيمة مجاهدي خلق، مريم رجوي، شددت مؤخراً على المنظمة، ورفضت طلبها تنظيم تجمع كبير هذا الشهر.
وقال بيكا: "إحجام الولايات المتحدة الواضح عن حماية أعضاء مجاهدي خلق يشير إلى تحول في موقفها من المنظمة، وهذا قد يفتح الباب لإخراجها من ألبانيا، وإن كان ذلك صعباً في الظروف الحالية".