وقع المحظور في روسيا.. إلى أين تتجه المواجهة بين “فاغنر” والجيش؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/24 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/24 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
قائد مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين - رويترز

أعلن يفغيني بريغوجين سيطرة قواته (فاغنر) على مدينة روستوف جنوب روسيا، ووصف الرئيس فلاديمير بوتين "التمرد المسلح بأنه خيانة"، فكيف وقع المحظور، وإلى أين تتجه المواجهة بين "فاغنر" والجيش؟

كان رئيس المجموعات المسلحة الخاصة، الملقب في الغرب بـ"طباخ بوتين"، قد أعلن، السبت، 24 يونيو/حزيران، أن قواته سيطرت بالكامل على مدينة روستوف أون دون الجنوبية، ونشر مقطعاً مصوراً على قناته في تليغرام، وقال بريغوجين: "وصلنا إلى هنا ونريد لقاء رئيس هيئة الأركان العامة وشويغو… إذا لم يأتيا، سنكون هنا.. سنحاصر مدينة روستوف ونتجه إلى موسكو".

شويغو هو وزير الدفاع الروسي والعلاقة بين الوزير وكبار جنرالات الجيش وبين بريغوجين زعيم "فاغنر" كانت متوترة بصورة متصاعدة للغاية منذ أشهر، وهو ما طرح كثيراً من التساؤلات بشأن موقف بوتين نفسه من هذا الصراع الداخلي، الذي يأتي وسط الحرب في أوكرانيا.

هل قرر بريغوجين الانقلاب على الجيش الروسي؟

"حثالة وكلاب"، كان قائد "فاغنر" قد وصف قادة الجيش الروسي بتلك الألفاظ المهينة، في مطلع مايو/أيار 2032، وهو يقف أمام جثث العشرات ممن قال إنهم مقاتلون من مجموعته قُتلوا في الحرب الروسية مع أوكرانيا، واتهم قادة الجيش الروسي بالمسؤولية عن مقتلهم؛ لأنهم لم يرسلوا لهم الدعم والإمدادات اللازمة من موسكو.

وأبرز خصوم قائد "فاغنر"، هم: سيرجي شويغو، وزير الدفاع الروسي، وفاليري جيراسيموف، أعلى جنرال روسي (رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي)، ومؤخراً، قال بريغوجين جهراً عندما أعلن انتصار "فاغنر" بعد تكلفةٍ كبيرة في باخموت: "شويغو وجيراسيموف حوَّلا الحرب إلى ترفيه شخصي"، وأضاف: "بسبب نزواتهما، مات 5 أضعاف ما كان من المفترض أن يموت من الرجال. سوف يتحمَّلان المسؤولية عن أفعالهما، والتي تسمى في روسيا جرائم.

غير أن المثير للدهشة ليس صعود "فاغنر" ونجاحاتها في نشر نفوذ موسكو حول العالم، ولكن الأمر الغريب أنه منذ دخول قوات فاغنر معركة مدينة باخموت الأوكرانية لم يتوقف قائد المرتزقة المعروف باسم طباخ بوتين عن توجيه السباب لقادة الجيش الروسي، بل اتهمهم بالخيانة، وشكك في قدرتهم على حماية روسيا، في مسلك غريب على دولة عظمى اشتهرت بحكمها المركزي الاستبدادي.

ويُعد بريغوجين الآن أحد أبرز القادة الروس الذين يقودون الحرب في أوكرانيا، وسُجن بريغوجين سابقاً وقضى 9 سنوات في السجن بتهمة السرقة والسلب في الشوارع في الثمانينيات، وقد خرج من الظل ليأخذ مكانة رفيعة منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

لكن مكانته العامة ونفوذه السياسي وولعه بانتقاد كبار ضباط الجيش وأي شخص آخر في طريقه أثارت غضب البعض في الحكومة الذين يريدون كبح جماحه.

ووصلت حدة تصريحات بريغوجين إلى التهديد بسحب قواته من مدينة باخموت، وكان ذلك قبل يوم 10 مايو/أيار الجاري، بسبب الخسائر الفادحة وعدم كفاية إمدادات الذخيرة. وفُسرت بعضٌ من تصريحاته على أنها انتقاد مباشر لبوتين نفسه، مما أثار تساؤلات تشكك في ولائه.

ومع أن وزارة الدفاع الروسية قلَّما تعبأ بالرد على الانتقادات العلنية لها، لكن تصريحات بريغوجين هذه تحديداً ردت عليها، وقالت الوزارة إن "المساعي التي تنطوي على رغبة في تفكيك التعاون الوثيق بين فئات القوات الروسية لا تخدم إلا مصالح العدو".

روسيا أوكرانيا
وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، ورئيس أركان الجيش الروسي فاليري غراسيموف/getty images

وكان أحد أغرب تصريحات قائد "فاغنر" قوله "قواتنا لا تكفي للإطاحة ببوتين"! وذلك في تعليقه على اتهامه بمحاولة تنفيذ انقلاب على الجيش الروسي. وجاءت تعليقات بريغوجين بعد اتهامات وجهها إيغور جيركين القائد السابق للمسلحين الانفصاليين في شرق أوكرانيا، إلى مؤسس "فاغنر"، زعم فيها أن الإهانات التي وجهها بريغوجين إلى كبار المسؤولين الروس في مقاطع فيديو تمتلئ بالبذاءات، تؤشر إلى أنه يخطط للاستيلاء على السلطة.

وفي الأسابيع الأخيرة، وسَّع بريغوجين قائمة أهدافه من الضباط العسكريين إلى من وصفهم بـ"المهرجين في الميدان القديم" -وهو عنوان إدارة بوتين الرئاسية، وقالت تاتيانا ستانوفايا، الباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن "هذه التسجيلات إنما تنمّ عن يأسه"، فهي "محاولة للوصول إلى بوتين بالدعاية، وتخويف السلطات العسكرية من عواقب سياسية".

وقالت وكالة بلومبرغ الأمريكية إن المؤسسة الأمنية والسياسية في روسيا باتت تنظر إلى قائد فاغنر على أنه "تهديد متزايد"، ولذلك فهو يعاني من نقص في القوى العاملة والذخيرة في أوكرانيا، بعد أن مُنع من تجنيد نزلاء السجون الذين يمثلون مصدره الأساسي للتجنيد، وحرم من الإمدادات.

كيف رد بوتين على التحرك الخطير لـ"فاغنر"؟

في خطاب استثنائي نقله التلفزيون الرسمي السبت، قال بوتين إن "التمرد المسلح" لمجموعة فاغنر العسكرية الخاصة خيانة، وإن أي شخص يحمل السلاح ضد الجيش الروسي سيعاقب. وأضاف أنه سيفعل كل شيء لحماية روسيا، وأنه سيتم اتخاذ "إجراء حاسم" لتحقيق الاستقرار في روستوف أون دون، وهي مدينة بالجنوب قال يفجيني بريغوجين رئيس مجموعة فاغنر إن قواته سيطرت على جميع المنشآت العسكرية فيها.

وكان المنعطف الدراماتيكي للأحداث قد بدأ الجمعة، 23 يونيو/حزيران، عندما اتهم بريغوجين الجيش الروسي علناً بالهجوم على معسكر لفاغنر وقتل "عدد ضخم" من رجاله. حيث تعهد بالانتقام بالقوة وألمح إلى أن قواته "ستُدمِّر" أي مقاومة تقابلها، بما في ذلك حواجز الطرق والطائرات.

وأوضح بريغوجين: "نحن 25 ألف جندي، وسنكتشف سبب وجود هذا القدر من الفوضى في البلاد". لكن بريغوجين تراجع عن تهديده بعدها قائلاً إن انتقاداته للقيادة العسكرية الروسية كانت "مطالبةً بالعدالة" وليست انقلاباً. ومع ذلك، يبدو أن بريغوجين قد اجتاز خطوط الكرملين الحمراء بالفعل في هذه المرحلة.

بوتين فاغنر خيانة
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

وتفاقمت الأزمة مع إعلان بريغوجين أن جنوده قد دخلوا منطقة روستوف الروسية واحتلوا منشآت عسكرية حيوية داخل عاصمتها. يُذكر أن العاصمة "روستوف على الدون" هي مقر القيادة العسكرية الجنوبية الروسية، ويقطنها نحو مليون شخص.

حيث نشر بريغوجين مقطع فيديو يقول فيه إن قواته ستحاصر "روستوف" إذا لم يحضر وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف للقائه. فيما قضى بريغوجين شهوراً طويلة في انتقاد شويغو وغيراسيموف، الذي يحمله المسؤولية عن تعثر الهجوم الروسي على أوكرانيا.

كيف ردَّت روسيا؟

نفت وزارة الدفاع الروسية بعبارات قوية هجومها على قوات فاغنر، ووصفت ذلك الزعم بأنه "دعاية إعلامية". بينما فتح جهاز الأمن الفيدرالي الروسي تحقيقاً جنائياً ضد بريغوجين بسبب تهديداته، واتهمه بالدعوة إلى "تمرد مسلح".

إذ نص بيان جهاز الأمن الفيدرالي على التالي: "تمثل تصريحات وتصرفات بريغوجين في الواقع دعوات لإشعال صراع أهلي مسلح على أراضي الاتحاد الروسي، كما تمثل طعنة في ظهر جنود روسيا الذي يحاربون القوات الأوكرانية الموالية للفاشية". كما دعا البيان مقاتلي "فاغنر" إلى اعتقال قائدهم.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الرئيس فلاديمير بوتين على علمٍ بالموقف. ويبدو أن المسؤولين الروس ليسوا مستعدين للمخاطرة بالتزامن مع تشديد الإجراءات الأمنية في موسكو، وفقاً لوكالة الأنباء الروسية TASS.

حيث قال عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، السبت، على تليغرام إنه يجري تطبيق تدابير "مكافحة الإرهاب" لتعزيز الأمن في العاصمة، وذلك بناءً على "المعلومات الواردة". وأظهرت منشورات الشبكات الاجتماعية مركبات عسكرية تتحرك بطول الشوارع الرئيسية للعاصمة الروسية في الساعات الأولى من صباح السبت.

كان بريغوجين يعرف بوتين منذ التسعينيات. وقد أصبح أوليغارشياً ثرياً بعد حصوله على عقود تموين حكومية مربحة من الكرملين، ليفوز بذلك بلقب "طباخ بوتين". وجاء تحوله إلى أمير حرب عام 2014، في أعقاب الحركات الانفصالية المدعومة من روسيا داخل منطقة دونباس شرق أوكرانيا. ولمع نجم بريغوجين السياسي داخل روسيا بعد الهجوم الروسي الكامل على أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022.

فاغنر
قوات فاغنر في مدينة "روستوف أون دون" الروسية/الأناضول

وسجّلت العديد من القوات الروسية النظامية إخفاقات في ساحة المعركة، بينما بدا أن مقاتلي "فاغنر" هم الوحيدون القادرون على تحقيق تقدمٍ ملموس. واستخدم بريغوجين الشبكات الاجتماعية للضغط من أجل تحقيق ما يريده. وكثيراً ما دخل في مشاحنات مع القيادة العسكرية الروسية في محاولةٍ لتصوير نفسه باعتباره القائد الكفؤ الذي لا يرحم، بعكس المؤسسة العسكرية في البلاد.

وانفجرت خلافاته مع كبار المسؤولين الروس أمام العامة أثناء معركة باخموت العويصة. إذ اتهم القيادة العسكرية مراراً بالإخفاق في تزويد قواته بما يكفي من الذخيرة.

يُذكر أن بوتين يُدير منظومة تُوصف بأنها منظومة بلاطٍ ملكي. حيث تشجع المنظومة على الاقتتال الداخلي والتنافس بين النخب في الواقع من أجل تحقيق النتائج، وبشرط أن تظل "أعمدة السلطة" مواليةً ومطيعةً لرأس الدولة. لكن ثورات بريغوجين التي تزداد سخافةً قد أثارت في الأسابيع الأخيرة تكهنات تقول إنه ربما خرج عن النص أكثر من اللازم.

ماذا سيحدث الآن؟

قال ستيف هول، ضابط وكالة الاستخبارات المركزية السابق وكاتب شبكة CNN الأمريكية حالياً، إن حقيقة إصدار جهاز الأمن الفيدرالي لمذكرة التوقيف هي إشارة على أن بوتين قد انقلب على بريغوجين.

وأوضح للشبكة الأمريكية: عندما يقول جهاز الأمن الفيدرالي: "نعم، لقد رأينا عملاً إجرامياً ونحن نحقق في الأمر"، فهذا يعني أن بوتين هو القائم الأول على هذا القرار.

وقال هول إن بريغوجين "يعلم درجة مخاطرته جيداً… وهو أمر يُثير الاهتمام عند التفكير فيه، لأنه يؤكد قناعته بقدرته على النجاح وفقاً لحساباته… ولا شك أن رجلاً مثل بريغوجين يعرف مخاطره جيداً، ويعلم أن أوضاعه ستسوء بشدةٍ إذا لم تسر الأمور حسب خطته".

أوكرانيا
جندي أوكراني بجوار دبابة روسية محطمة من طراز تي 90 شمال شرق البلاد -رويترز

وفي الوقت ذاته، استقبلت كييف هذا الانقسام المفتوح في صفوف القوات الروسية بالابتهاج والكثير من الشماتة. إذ قال مالكولم ديفيس، المحلل الأقدم في Australian Strategic Policy Institute، إن أوكرانيا ستكون مهتمة باستغلال هذه الاضطرابات -وخاصة إذا اضطرت موسكو لنقل قواتٍ من الخطوط الأمامية.

وأوضح للشبكة الأمريكية قائلاً: "من الواضح أنهم بحاجة لمراقبة ما يحدث فعلياً على صعيد تنظيم القوات الروسية بطول خطوطهم الدفاعية. وإذا كانت القوات الروسية في تلك المواقع تُسحب من أجل قتال فاغنر -لهزيمة ما هو تمرد مؤكد في اللحظة الحالية وقد يتحول إلى حرب أهلية مستقبلاً-؛ فهذا يعني احتمالية أن نرى الأوكرانيين يفتحون أبواب فرص جديدة، ويرصدون الثغرات التي يمكنهم اختراقها واستغلالها في الصفوف الروسية". ثم أردف: "إذا ظهرت الثغرات، فسوف يتعيّن عليهم استغلالها".

الخلاصة هنا هي أنه لا أحد يمكنه التنبؤ بما قد تنتهي إليه المواجهة الخطيرة بين "فاغنر" والجيش الروسي، لكن في جميع الأحوال قد تكون أوكرانيا هي الرابح الأكبر مما يحدث بطبيعة الحال.

تحميل المزيد