رغم إنكار إدارة بايدن، يبدو أن واشنطن تتفاوض مع طهران على ما يسمى "الاتفاق النووي المصغر"، وسط معارضة إسرائيلية ترى أن هذا الاتفاق الغامض يفيد الإيرانيين.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إن "الشائعات حول اتفاق نووي -مؤقت أو غير ذلك- كاذبة ومضللة"، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال للجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست، إن إدارة بايدن أجرت محادثات غير مباشرة مع إيران حول "اتفاقية مصغرة" أو "تفاهم" يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وفقاً لخمسة نواب إسرائيليين حضروا الاجتماع.
كما أفاد موقع Axios الأمريكي بأن مسؤولين أمريكيين وإيرانيين أجروا محادثات غير مباشرة في عمان لمواصلة النقاش حول برنامج طهران النووي وقضايا أخرى.
لماذا تصر إدارة بايدن على إنكار التفاوض حول اتفاق مصغر؟
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم الأربعاء، إجراء المحادثات.
بينما لم تؤكد إدارة بايدن حتى الآن علناً أنها أجرت مؤخراً محادثات غير مباشرة مع إيران في عمان، ولكن اللافت أن نفي الحكومة الأمريكية التقارير التي تفيد بأنها تسعى إلى اتفاق مؤقت أو ما يعرف باسم الاتفاق النووي المصغر، جاءت مستخدمة الإنكار المصمم بعناية، والذي يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال "تفاهم" أقل رسمية يمكن أن يتجنب مراجعة الكونغرس.
إذ نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية مات ميلر وجود أي اتفاق مع إيران، لكنه قال إن واشنطن تريد من طهران تخفيف حدة التوترات وكبح برنامجها النووي، ووقف دعم الجماعات الإقليمية التي تعمل بالوكالة والتي تنفذ هجمات، ووقف دعم الحرب الروسية على أوكرانيا، والإفراج عن المواطنين الأمريكيين المحتجزين.
وأضاف دون الخوض في تفاصيل: "نواصل استخدام العلاقات الدبلوماسية لتحقيق كل هذه الأهداف".
ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين يتجنبون القول إنهم يسعون إلى "اتفاق" بسبب قانون عام 2015 الذي يجب أن يحصل الكونغرس بموجبه على نص أي اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، مما يفتح نافذة أمام المشرّعين لمراجعته وربما التصويت عليه.
ما هي تفاصيل الاتفاق النووي المؤقت الذي يعتقد أنه يجري التفاوض عليه؟
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤولين من ثلاث دول قولهم إن "إدارة بايدن تتفاوض بهدوء مع إيران للحد من برنامج طهران النووي والإفراج عن الأمريكيين المسجونين، وهو جزء من جهد أمريكي أكبر لتخفيف التوترات وتقليل مخاطر المواجهة العسكرية مع إيران".
بعد تعثر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، الهدف الأمريكي الحالي هو التوصل إلى اتفاق غير رسمي وغير مكتوب، والذي يسميه بعض المسؤولين الإيرانيين "وقف إطلاق النار السياسي"، حسبما ورد في تقرير لموقع فرانس 24.
ويهدف إلى منع المزيد من التصعيد في علاقة عدائية طويلة الأمد، والتي أصبحت أكثر خطورة مع تكديس إيران لمخزون من اليورانيوم عالي التخصيب بالقرب من درجة النقاوة اللازمة لصنع قنبلة ذرية، كما تزود طهران روسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها في أوكرانيا وتشن حملة صارمة ضد الاحتجاجات السياسية المحلية..
يمكن وصف هذه الخطوات بأنها "تفاهم" بدلاً من اتفاقية تتطلب مراجعة من قِبل الكونغرس الأمريكي، مثل اتفاقية عام 2015 التي تخلى عنها الرئيس دونالد ترامب في عام 2018.
وقال مسؤول إيراني: "أطلق عليه ما تريد، سواء كان اتفاقاً مؤقتاً أو تفاهماً مشتركاً، ولكن في كل الأحوال يريد الطرفان منع المزيد من التصعيد".
وأوضح أن ذلك في المقام الأول "سيشمل تبادلاً للأسرى وإطلاق جزء من الأصول الإيرانية المجمدة".
وقال إن الخطوات الأخرى قد تشمل إعفاءات من العقوبات الأمريكية لإيران لتصدير النفط مقابل وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ وتعاون إيراني أكبر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات، ركزت إحدى الرسائل الرئيسية من الولايات المتحدة على الردع. وقالت المصادر إن الولايات المتحدة أوضحت أن إيران ستدفع ثمناً باهظاً إذا مضت قدماً في تخصيب اليورانيوم بنسبة 90٪ – وهو المستوى المطلوب لإنتاج سلاح نووي، وفقاً لما ورد في موقع axios الأمريكي.
ويقول موقع نور نيوز الإيراني المقرب من مجلس الأمن القومي إن البيت الأبيض يظهر "إشارات إيجابية لتغيير توجهه تجاه إيران في الأشهر القليلة الماضية".
وإثارة هذه القضية من قِبل وسيلتين إعلاميتين أمريكيتين معروفتين بعلاقتهما بالوكالات السياسية والأمنية الأمريكية، تُظهر أن البيت الأبيض يسعى لنقل إشارات إيجابية والعودة إلى طاولة المفاوضات التي لم تتركها إيران أبداً".
لماذا يعارض نتنياهو الاتفاق النووي المصغر؟
ولكن نتنياهو يعارض هذا الاتفاق النووي المصغر، ويبدو أن تصريحاته في اجتماع مغلق بالكنيست والتي غالباً ما تتسرب إلى الصحافة هي وسيلة من قبله لزيادة الضغط بشكل غير مباشر على إدارة بايدن، حسبما يقول تقرير axios.
وادَّعى نتنياهو أن إدارة بايدن لم تعد ترى أنه يمكن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وخلال الجلسة، قال نتنياهو أيضاً إنه يعتقد أن التفاهم بين الولايات المتحدة وإيران من الممكن أن يتم إبرامه، وشدد على أن إسرائيل ستعارضه ولن تلتزم به.
وصعّد المسؤولون الإسرائيليون في الأسابيع الأخيرة من لهجتهم بشأن المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني واحتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية.
ويعتقد أن المساعي الأمريكي للوصول إلى ما يعرف بـ"الاتفاق النووي المصغر"، أحد دوافعها تجنب هجوم إسرائيلي على إيران.
في غضون ذلك، انتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد نتنياهو لسماحه بالاتفاق المزعوم بين إيران والولايات المتحدة، مدعياً أن عدم قدرة نتنياهو على التأثير على إدارة بايدن يرجع إلى الإصلاح القضائي المثير للجدل.
وأشار لابيد إلى أنه نفس الاتفاق الذي حاولوا التوقيع عليه خلال حكومة بينيت لابيد وتمكنا من منعه.
لكن بعض المسؤولين الإسرائيليين لا يعارضون الاتفاق
يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه سفير إسرائيل في واشنطن مايكل هرتزوغ، في
خطاب ألقاه يوم الخميس الماضي، إن "الدبلوماسية مع إيران ليست بالضرورة أمراً سيئاً".
من جانبه، قال يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكنيست الإسرائيلي، في حديث للقناة 12 الإسرائيلية: "إنها ليست اتفاقية واسعة النطاق، إنها أشبه باتفاقية صغيرة، ومذكرة تفاهم، وأعتقد أن إسرائيل يمكن أن تتعايش مع هذا إذا كان هناك إشراف دولي حقيقي".
أحد العناصر الأساسية في التفاهم المحتمل الذي لا يزال غير واضح هو الدرجة التي ستوافق عليها إيران بالتوقف عندها في مستوى تخصيب اليورانيوم. أعطى المسؤولون الإسرائيليون في دائرة نتنياهو وجهات نظر مختلفة حول هذه القضية هذا الشهر.
إذ قال مستشار الأمن القومي لنتنياهو تساحي هنغبي، إن إسرائيل لا ترى الكثير من "الضرر" في أي تفاهم جديد كما حدث في اتفاق عام 2015، لكنها "مستعدة" لأي تحول إيراني إلى أكثر من مستوى 60 في المئة من التخصيب.
وقال هنجبي في مقابلة نشرت يوم الجمعة في صحيفة Israel Hayom، الإسرائيلية في إشارة إلى درجة نقاء 90 في المئة المطلوبة لصنع قنبلة: "سيكون هذا بالفعل اعترافاً واضحاً بأن تخصيب اليورانيوم مخصص لاحتياجات الأسلحة".
لكن في الأسبوع الماضي، أعرب وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر – الذي زار واشنطن مع هنجبي عن مخاوفه بشأن أي "تجميد" لمستويات التخصيب الحالية، حسبما ورد في تقرير لموقع Straits Times.
هذا يعني أنك تتصالح مع مستوى أعلى من التخصيب في إيران. وأعتقد أن هذه فكرة سيئة، حسب وصفه.
كان اتفاق عام 2015، الذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2018، حداً لتخصيب طهران لليورانيوم عند درجة نقاء 3.67٪ ومخزونها من هذه المادة عند 202.8 كيلوغرام، وهي حدود تجاوزتها طهران منذ ذلك الحين بكثير.