توقعات بتجنب مصر خفض قيمة الجنيه حتى سبتمبر/أيلول المقبل على الأقل، فيما يبدو أن سعر العملة قد استقر تحت قيمة الـ40 جنيهاً في السوق الموازية، فهل يثبت الجنيه عند هذا المستوى، وهل هذا يعني نهاية الأزمة الاقتصادية المصرية أم مجرد تخفيف لها؟
وصدرت هذه التوقعات من قبل بنك سيتي غروب الأمريكي، حسب تقرير نُشر في موقع اقتصاد الشرق مع بلومبرغ.
وتبدلت معنويات الأسواق بعد ظهور مؤشرات على أن الحكومة المصرية تكثف جهودها لبيع أو إدراج حصص من الشركات المملوكة للدولة، إضافة إلى الانتعاش المتوقع في قطاع السياحة، المرتقبة عودته إلى مستويات ما قبل الوباء.
وصعدت العقود الآجلة غير القابلة للتسليم للجنيه لأجل 3 شهور بنسبة 1% تقريباً هذا الشهر إلى 33.2 مقابل الدولار يوم الخميس الماضي. بعدما ارتفعت بنسبة 9% في مايو/أيار الماضي، الذي يعد أفضل شهر لها منذ فبراير/شباط 2017. بينما يتداول الجنيه بالقرب من 30.9 في السوق الفورية، بعد مسيرته الهبوطية منذ مارس/آذار الماضي.
وتمر مصر بأزمة اقتصادية عميقة، تراجع خلالها سعر الصرف من 15.5 للدولار، كسعر رسمي في بداية عام 2022، إلى 31، ونحو 39، كسعر في السوق الموازية في الوقت الحالي بعد أن كان قد تجاوز حاجز الأربعين في السوق الموازية خلال الفترة الماضية.
وأدت الحرب في أوكرانيا إلى هذه الأزمة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء (مصر أكبر مستورد للقمح في العالم)، إضافة لتأثير السياحة وهروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة.
ورغم ذلك، فإن جذور الأزمة تعود للتوسع في مشروعات البنية التحتية الممولة من ديون خارجية قصيرة الأمد، وقد أدت الأزمة إلى ارتفاع التضخم الذي أصاب الطبقة المتوسطة والعاملة بشكل خاص.
ولجأت مصر لصندوق النقد الدولي نهاية العام الماضي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، وهو مبلغ ضئيل مقارنة باحتياجاتها، ولكن القاهرة وصلت لحدود استدانتها من الصندوق؛ حيث تعد أكبر مدين له بعد الأرجنتين، ولكن من المتوقع أن يحفز برنامج تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الإقليميين في دول الخليج، رغم تقارير عن خلافات بين الجانبين حول العديد من القضايا أبرزها طلب دول الخليج استجابة القاهرة لشروط صندوق النقد بتخفيف دور الجيش في الاقتصاد، وتحرير حقيقي لسعر الصرف، إضافة لخلافات حول تقييم الأصول المعروضة للبيع.
ويعتقد أن حجم الديون المصرية المسجلة بلغ في منتصف عام 2022 نحو 157.8 مليار دولار، وتعد هذه أكبر مشكلة أمام الاقتصاد المصري، لأن كثيراً منها ديون قصيرة الأجل.
تراجع للتوقعات التشاؤمية وتأجيل لعملية تخفيض الجنيه لحين المراجعة الدورية القادمة لصندوق النقد
وقال لويس كوستا، الرئيس العالمي للائتمانات السيادية في الأسواق الناشئة في المجموعة المصرفية الأمريكية "سيتي غروب"، في مقابلة: "توقعاتنا التشاؤمية للاقتصاد المصري وصلت إلى ذروتها جزئياً".
أوضح كوستا أن أي قرار بشأن خفض العملة المصرية قد يُؤجَّل حتى سبتمبر/أيلول المقبل، بالتزامن مع موعد مراجعة صندوق النقد الدولي لمدى الالتزام ببرنامج إنقاذ تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، أو بعد شهر من ذلك التاريخ خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مدينة مراكش المغربية.
جاء ذلك مع تخفيف العائدات السياحية الوفيرة المتوقعة، ومبيعات الأصول الحكومية، من الضغط الملقى على عاتق الاقتصاد المصري.
تراجع المخاوف من تخلف مصر عن سداد ديونها
كما تراجعت المخاوف من تخلف مصر عن سداد ديونها بشكل كبير، كما يتضح من تضييق الفارق بين العائد على السندات المصرية المقومة بالدولار وسندات الخزانة الأمريكية. منذ منتصف مايو، انخفض الفارق بنحو 350 نقطة أساس، بعد أن وصل سابقاً إلى مستوى قياسي بلغ 1486 نقطة.
ينظر المستثمرون عادة إلى اختلاف يزيد على ألف نقطة أساس، كعلامة محتملة لأزمة الديون السيادية. تضييق هذه الفجوة مؤشر إيجابي على تحسن الاستقرار الاقتصادي في مصر.
على الجانب الحكومي، صرح مسؤولون مصريون أن الدولة لن تتخلف عن سداد أي التزامات.
ماذا يقول صندوق النقد الدولي؟
في ديسمبر/كانون الأول 2023، وافق صندوق النقد على برنامج مدته 46 شهراً لمصر، وأظهرت وثيقة الصندوق التي نُشرت وقتها أن البرنامج المصري سيخضع لمراجعتين سنوياً، حتى منتصف سبتمبر/أيلول 2026، بإجمالي 8 مراجعات.
وحصلت مصر على الشريحة الأولى بقيمة 347 مليون دولار، ولكن لم يتم إجراء المراجعة من قبل صندوق النقد الدولي المخطط لها في شهر مارس/آذار الماضي، ولم يتم صرف القسط المقرر بناء على هذه المراجعة، ومن المقرر أن تبلغ قيمة الشريحة الثانية 347 مليون دولار.
وزارت أنطوانيت سايح، نائبة المدير العام لصندوق النقد الدولي، القاهرة مؤخراً كجزء من المراجعة الأولى لبرنامج التمويل.
ونقلت صحيفة الأهرام الحكومية عن السايح قولها: تتخذ الحكومة خطوات مهمة نحو إعادة تحديد دور الدولة في الاقتصاد وتحقيق تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص. كانت الخطوة الأولى من خلال وثيقة سياسة ملكية الدولة، والخطوة التالية هي تنفيذ شروط الوثيقة بسرعة حتى نتمكن من الحصول على نتائج إيجابية.
وحثت البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة في ظل أرقام التضخم المرتفعة، ولكنها تجنبت تحديد موعد صرف الشريحة الثانية من قرض الصندوق، وقالت: ينصبّ تركيزنا على دعم الإصلاحات الضرورية في مصر. والأولوية هي تنفيذ إجراءات الإصلاح المطلوبة لتحقيق نتائج ملموسة، هذا ما سيحدد تاريخ المراجعة. المهم هو القيام بالإصلاحات اللازمة.
ولكن مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، قالت للصحفيين في واشنطن مطلع الشهر، إن مصر قد تحتاج إلى تنفيذ المشروعات القومية بشكل أبطأ مما كان متصوراً في الأصل لتجنب الإضرار باستقرار الاقتصاد الكلي.
وجدد الصندوق مؤخراً التأكيد على شروطه السابقة، حيث قالت مديرة الاتصالات في الصندوق، جولي كوزاك، أن على الحكومة تنفيذ السياسات التي توفر الحياد التنافسي لجميع الشركات لتعزيز تكافؤ الفرص. (في إشارة لتقليل بصمة شركات الجيش على الاقتصاد)، كما قالت إن المناقشات تبحث أيضاً سعر الصرف والتحرك المستدام نحو سعر صرف مرن للتخفيف من نقص النقد الأجنبي.
من جانبها، رحّبت السايح بإعلان وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، أن الدولة ستخفض وتيرة تنفيذ مشروعاتها العملاقة التي تتطلب العملة الأجنبية تماشياً مع مقترحات صندوق النقد الدولي.
توقعات متفائلة للسندات المصرية
كما ظهرت بعض الأخبار الإيجابية في مايو/أيار فيما يتعلق بالتمويل الخارجي للقاهرة، إذ وافق البنك الإفريقي للتنمية على ضمان ائتمان جزئي (PCG) من الرنمينبي (العملة الصينية) بقيمة تعادل 345 مليون دولار لمصر التي تدخل إلى سوق سندات الباندا لأول مرة لتمويل المشاريع الخضراء والتنمية الاجتماعية، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.
وقال بنك التنمية ومقره أبيدجان بكوت ديفوار، إن هذا الضمان الجزئي سيسمح لمصر بجمع ما يعادل 500 مليون دولار في سوق سندات الباندا الصينية.
وفي مؤشر إيجابي آخر للاقتصاد المصري، باعت القاهرة صكوكاً سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار لأجل 3 سنوات. وقد تجاوزت نسبة تغطيتها 4 أضعاف بعد أن جذب طرحها طلبات بقيمة 6.1 مليار دولار.
وفي أبريل/نيسان 2023، باع البنك المركزي المصري جزءاً ضئيلاً من سندات طرحها أجل 3 سنوات عرضها للبيع في مزاد بقيمة 3 مليارات جنيه، حيث باع نحو مليون جنيه من السندات أي نحو 35 ألف دولار فقط بعائد 21.7%، وهو أقل ما جمعته على الإطلاق في بيع سندات محلية، وفقاً لبيانات "بلومبرغ".
ورفضت الحكومة آنذاك زيادة العائد الذي طالب به المستثمرون القلقون من احتمال خفض قيمة العملة، حيث طالب بعض المستثمرين بعوائد وصلت إلى 28%.
كما تخلى متداولو المشتقات المرتبطة بالجنيه عن رهاناتهم على سماح السلطات الاقتصادية المصرية للعملة بالهبوط بشكل حاد مرة أخرى في الأشهر المقبلة، بعدما فقد نصف قيمته في أعقاب سلسلة من الخفض التي اندلعت منذ مارس 2022.
ما الذي تغيّر؟ بيع الأصول ووعود بتحسين مناخ الاستثمار
بحسب ما نقلته بلومبرغ، قال الرئيس العالمي للائتمانات السيادية في الأسواق الناشئة بسيتي بنك: أدى تراجع أزمة العملات الأجنبية في البلاد، وتهدئة مخاوف المستثمرين من إعادة هيكلة الديون، إلى دفع البنك الأمريكي إلى تبني توقعات أكثر إيجابية للسندات المقومة بالجنيه والدولار على المدى القصير.
ومن المتوقع بيع أصول حكومية أكثر خلال الأسابيع المقبلة. وتحاول السلطات أيضاً تحسين مناخ الاستثمار، بما في ذلك تسهيل إنشاء شركات للأجانب، مع العمل على تعزيز مشاركة القطاع الخاص.
وكشف عن"تبدل معنويات الأسواق بعد ظهور مؤشرات على أن الحكومة المصرية تكثف جهودها لبيع أو إدراج حصص من الشركات المملوكة للدولة، إضافة إلى الانتعاش المتوقع في قطاع السياحة، المرتقب عودته إلى مستويات ما قبل الوباء.
تابع الرئيس العالمي للائتمانات السيادية في الأسواق الناشئة، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الاستراتيجية في وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا: "يمكن أن يشكل موسم الصيف الحالي فترة استقرار مهمة على المدى القصير، حتى نبدأ في الحصول على بيانات أكثر واقعية مجدداً في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول القادمين".
وودائع قطرية وليبية
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري التي صدرت الأحد، 11 يونيو/حزيران 2023، حصول مصر على وديعة بقيمة مليار دولار إضافية من قطر، وأخرى بقيمة 700 مليون دولار من ليبيا بنهاية العام الماضي 2022.
ووفقاً لهذه البيانات، يصل إجمالي الودائع القطرية قصيرة الأجل لدى المركزي المصري إلى 4 مليارات دولار، فيما وصلت ودائع ليبيا إلى 900 مليون دولار مقابل 200 مليون بنهاية سبتمبر 2022.
ووصلت الودائع قصيرة الأجل من دول عربية لدى المركزي المصري إلى 14.9 مليار دولار، مقارنة مع 13.2 مليار دولار نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، واستقرت الودائع طويلة الأجل من الدول العربية عند 15 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
رغم أن هذه الودائع تعود لنهاية العام الماضي، ولكن الإعلان عنها مؤخراً ساهم فيما يبدو في تعزيز المعنويات تجاه الاقتصاد المصري.
ولكن مازالت هناك فجوة كبيرة بين سعري الجنيه الرسمي والواقعي
في الوقت الحالي، فإن السعر الرسمي للجنيه المصري أقل قليلاً من 31 جنيهاً مصرياً، وفعلياً يتم تنفيذ صفقات محدودة على هذا السعر، في ظل قيود كبيرة على بيع العملة في المصارف، كما أن التحويلات للخارج، عبر البطاقات المصرفية مقيدة بحد أقصى، عمولة تصل إلى 15% تصل بسعر الدولار لنحو 35 جنيهاً، إضافة لتعزيز هذه القيود بطريقة أدت فعلياً لعدم قدرة أغلب المصريين على استخدام البطاقات المصرفية في الخارج أو عبر الشراء عن طريق الإنترنت.
في المقابل، يدور سعر الجنيه في السوق السوداء (الموازية) حول الـ39 أو الأربعين، وبينما تجاوز عدة مرات عتبة الأربعين، عاد ليتراجع إلى 39 و39.5 جنيه للدولار، ويبدو أن مستوى الـ40 يشكل حاجزاً معنوياً قوياً يصعب اختراقه، خاصة أنه يمثل أكثر من ضعف سعر الجنيه، منذ رفع السعر الأول في مارس/آذار 2022، عقب الأزمة الاقتصادية التي اندلعت إثر الحرب الأوكرانية.
رهان على عودة المغتربين لذويهم وذهابهم للمنتجعات الصيفية
وتشهد مصر عادة خلال الصيف عودة مؤقتة لملايين المغتربين، خاصة من أولئك الذين يعيشون في دول الخليج، حيث يضخون مليارات الدولارات في اقتصاد البلاد مع قدومهم لقضاء الإجازات السنوية مع عائلاتهم، وذهابهم للمنتجعات الصيفية، وتنفيذهم بعض الصفقات العقارية وشراء السيارات.
ورغم أنه مع الفجوة الكبيرة بين سعري السوقين الرسمية والموازية، سوف تجعل أغلب المغتربين على الأرجح يحولون العملة الأجنبية عبر السوق الموازية، والابتعاد عن الجهاز المصرفي، ولكن هذا من شأنه أيضاَ الضغط على سعر الدولار في السوق الموازية، مما قد يزيد فرص استقراره، خاصة أن هناك مزاعم ان البنك المركزي يشتري دولارات من السوق السوداء.
كما نفذت الحكومة برنامجاً لإعفاء المغتربين من جمارك السيارات وضرائبها، مقابل إيداع قيمة المبالغ (التي تم تخفيضها بالدولار)، أدى البرنامج لإدخال 700 مليون دولار، حسب البيانات الحكومية، ورغم أن المبلغ أقل من طموحات الحكومة السابقة التي كانت تتحدث عن 5 أو 10 مليارات دولار، ولكن يظل المبلغ الواقعي جيداً، وله تأثيره.
قيود صارمة على الاستيراد، والمستهلكون منهكون
إضافة لكل ذلك، فرضت الحكومة المصرية قيوداً مشددة على الاستيراد، أدت لوقف فعلي لاستيراد بعض السلع مثل السيارات التي تقدر قيمة وارداتها بنحو 4 مليارات دولار.
ورغم تخفيف بعض القيود على الاستيراد، فهناك مؤشرات على العودة لبعض التقييد السابق.
علاوة على ذلك، فإن السوق في مصر بات منهكاً، ويعتقد أن ارتفاع الأسعار بدأ يؤثر على الاستهلاك بشكل كبير، كما أن جزءاً كبيراً من المصريين حول مدخراته بالفعل، إلى شراء دولارات وسيارات وذهب وبصورة أقل للعقارات، مما ترك قدراً أقل من المدخرات متاحاً ليمثل ضغطاً على الجنيه.
كما وصلت أسعار العقارات والسيارات والذهب هي ملاذات أساسية لجأ إليها المصريون إلى مستويات مرتفعة للغاية.
في مؤشر على ذلك، فإن متعاملاً في سوق محافظة مصرية ساحلية تشتهر بالتجارة والاستيراد والتصدير وتخزين الدولار، يقول لـ"عربي بوست" إن سعر العملة الأمريكية ينخفض في كل نهاية أسبوع، وهو موعد تسليم الأجور للحرفيين في المحافظة الصناعية، في مؤشر على أن أصحاب العمل حوّلوا أموالهم للدولار، ويحتاجون لتسييلها كل خميس لمنح العمال أجورهم الأسبوعية.
ومن المؤشرات على تراجع الضغط على الجنيه، تراجع الفجوة بين السعر في السوق الموازية والسعر المقوم به الذهب الذي تحول لملاذ رئيسي لمدخرات المصريين خلال الأشهر الماضية، ولكن أسعاره بدأت تتراجع ببطء مع السماح الحكومة للمغتربين باستقدامه، كما تراجعت الفجوة بين سعر الدولار في السوق الموازي، وسعر تقويم أثمان السلع.
وتسارع التضخم في مصر إلى نحو 33% في مايو/أيار 2023 مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات.
خطة بيع الأصول تتلقى عدة دفعات
وتسعى مصر لبيع كل أو أجزاء من أكثر عشرين شركة وأصول مملوكة للدولة، ويتوقع أن يكون حلفاء القاهرة العرب الخليجيون هم المشترون الرئيسيون، لكن هناك خلافات مع الشركاء الخليجيين حول أسعار هذه الأصول وكذلك حول قيمة الجنيه، في ظل نظرة إليه أنه مقوم أعلى من قيمته الحقيقية، إضافة لخلافات حول هل يتم البيع بالدولار أم الجنيه، خاصة أن بعض الشركات الخليجية عرضت الشراء بواسطة حيازاتها من العملة المصرية في الداخل، وهو ما يعني عدم إدخال دولارات جديدة.
ولكن تعززت معنويات المستثمرين تجاه الاقتصاد المصري في مايو/أيار2023، مدفوعة بالتطورات الواعدة في برنامج الطرح العام الأولي للحكومة، ونجحت مصر في تنفيذ أولى صفقاتها في إطار البرنامج، بما في ذلك بيع حصتها في شركة الأصباغ والصناعات الكيماوية (باكين) وحصة 10% في المصرية للاتصالات. وقد أظهرت هذه المعاملات الأولية تقدماً وجذبت اهتماماً إيجابياً من المستثمرين.
وقد تحصل خطة بيع الأصول في مصر على دعم بمقدار ملياري دولار؛ حيث تتطلع شركتا Actis LLP (مقرها لندن) و Edra Power Holdings Sdn Bhd الماليزية لشراء محطة كهرباء مصرية كبرى تقع في محافظة بني سويف، جنوب القاهرة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأن المداولات خاصة.
هل باتت نهاية الأزمة الاقتصادية المصرية وشيكة، وما هو السعر المتوقع للجنيه؟
يؤشر ما سبق، ليس إلى نهاية الأزمة الاقتصادية المصرية، بقدر أنها وصلت لذروتها، تحقق ذلك بثمن باهظ وهو فرض قيود مشددة على الاستيراد خلقت سلسلة من الأزمات في السلع بعضها حيوي مثل أعلاف الحيوانات، والأجهزة الكهربائية.
في المقابل، فإن تراجع سعر الجنيه بشكل كبير، حفز التصدير والسياحة وشراء المصريين في الخارج للعقارات.
كما أن المؤشرات على تنفيذ الحكومة المصرية لوعودها بتخفيف البصمة العسكرية في الاقتصاد وبيع أصول حكومية، أعطت دفعة إيجابية، ولكن يظل المحك الرئيسي هو التنفيذ، خاصة في ظل شكوى رجال الأعمال المصريين.
والمفارقة أنه في ظل الحديث عن تخفيف دور الجيش في الاقتصاد، فإن هناك ملمحا لافتا في السوق المحلي، حيث تعاني مجموعة العربي أكبر منتج للأجهزة الكهربائية في البلاد من عدم قدرتها على تلبية الطلب على بعض الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات من طراز "شارب" اليابانية المجمعة محلياً، بسبب صعوبة الحصول على الدولار لاستيراد المكونات، بينما تتوافر ثلاجات "توشيبا" المنافسة التي يقال إن الجيش سبق أن اقتنص توكيلها من العربي، وهو ما يثير تساؤلات حول إذا ما كان ذلك نتيجة ميزات تنافسية توفر للجيش أمام منافسيه، كما يقول مصدر مصري مطلع على سوق الأجهزة الكهربائية لـ"عربي بوست".
رغم ترجيحات "الاستقرار المعقول" للعملة المصرية خلال الشهرين المقبلين، توقع "سيتي غروب" ضعف الجنيه مجدداً إلى ما يصل لـ36 مقابل الدولار الواحد بحلول نهاية 2023، (سعر رسمي)، ووصوله إلى عتبة 37 جنيهاً مقابل الدولار في العام المقبل، حسبما قال الخبير الاستراتيجي المقيم في لندن. مضيفاً أن العملة المصرية تتحرك حالياً ضمن "نطاق تقييم محايد".
وقال كوستا: "خفض الجنيه المصري قد لا يعني بالضرورة انتهاء أزمة نقص الدولار محلياً.. الحل في صفقات الاستثمار الأجنبي المباشر".
ولكنه لا يعرف هل هذا التقييم لسعر الجنيه المستقبلي، يفترض نهاية السوق السوداء، أم أنها سوف تظل موجودة، وهل تظل الفجوة بين السعرين بنفس الحجم الحالي، الذي يقل قليلاً عن 10 جنيهات أي نحو 30%، وهو أمر لو استمر معناه اقتراب سعر الجنيه من حاجز الـ50 مقابل الدولار، ولكن الأرجح أن السعر المنطقي للجنيه في حال تنفيذ إصلاحات فعالة قد يدور في نهاية الـ30 مع إمكانية تخفيض تدريجي ليصل لبداية الـ40.
ومن الواضح أن مصر بالنسبة لدول الخليج والغرب، وحتى الصين، أهم من أن تترك للإفلاس، كما أن اقتصادها أصغر من أن تشكل المساعدة عبئاً كبيرًا على المانحين.
وفي الوقت ذاته، فإن مركزية وقوة الدولة في مصر خاصة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لها ميزات وعيوب، فرغم أن هذه المركزية أدت للتوسع في القروض بدون مراجعة برلمانية كافية، ولكن قوة الدولة هذه سمحت لها بتنفيذ إجراءات اقتصادية قاسية غير شعبية، منعت مزيداً من التدهور حتى ولو على حساب المواطن.
عكس دولة مثل تونس، أدى دور الاتحاد العام للشغل النشط جماهيرياً، فيها إلى عرقلة اتفاق صندوق النقد الدولي، ويعتقد أنه شجع الرئيس قيس سعيد على المجاهرة برفضه.
لا يعني ذلك أن نهاية الأزمة الاقتصادية المصرية أصبحت وشيكة، إذ تحتاج القاهرة لاتخاذ قرارات مؤلمة، مثل تحرير حقيقي لسعر صرف الجنيه، والمحروقات، إضافة لتخفيف حقيقي لدور الجيش في الاقتصاد وليس تخفيفاً شكلياً موجهاً للداعمين الأجانب، مع تعزيز الشفافية في الحصول على القروض ودراسات جدوى فعالة للمشروعات القومية.