"الإمارات ستنضم لتحالف بحري تؤسسه إيران بعد انسحابها من القوة البحرية الدولية التي تقودها أمريكا"، هكذا زعمت طهران مؤخراً في ظل تغييرات كبيرة في المواقف في منطقة الخليج.
وأعلنت الإمارات، 31 مايو/أيار، أنها انسحبت قبل شهرين من "القوة البحرية الموحدة" (CTF)، والتي تعمل بقيادة أمريكية كفرقة عمل خاصة تستخدم مسيرات الاستطلاع الشراعية غير المأهولة لتوسيع قدرات الاستجابة للتهديدات، وتعزيز الأمن البحري في الشرق الأوسط.
في نفس اليوم؛ أجرى وزير الدولة الإماراتي خليفة شاهين المرر، زيارة رسمية إلى طهران، التقى خلالها بوزير الخارجية أمير عبد اللهيان. وجاء إعلان الانسحاب بعد يوم واحد من كشف مسؤولين أمريكيين وخليجيين لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن أبوظبي تشعر بالغضب وتضغط على واشنطن لاتخاذ خطوات أكثر قوة لردع إيران بعد استيلائها على ناقلة نفط بعد أن غادرت ميناء دبي؛ بما يوحي بأن المياه الإماراتية غير آمنة.
والقوات البحرية المشتركة (CMF) المتمركزة في البحرين هي قوة أنشأتها البحرية الأمريكية كـ"شراكة أمنية متعددة الجنسيات".
إيران تعلن تأسيس تحالف بحري يضم الدول الخليجية بالتزامن مع الانسحاب الإماراتي
في 3 مايو/أيار، استقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في واشنطن، نظيره الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، حيث أكد التزام بلاده بردع التهديدات ضد الإمارات. وفي مساء نفس اليوم، أعلن قائد بحرية الجيش الإيراني، الأدميرال شهرام إيراني، أن تحالفاً بحرياً إقليمياً سيتشكل قريباً، سيضمّ إيران، والسعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، والعراق، وباكستان، والهند، "لتحقيق الأمن بشكل مشترك"، مضيفاً أن المنطقة قريباً "ستخلو من أي قوة غير مبرر وجودها".
الهدف الأساسي لهذا التحالف المزعوم هو ضمان سلامة الملاحة في الخليج العربي ذي الأهمية الاستراتيجية.
خلال برنامج تلفزيوني، صرح قائد البحرية الإيرانية أن جميع الدول الساحلية تقريباً في الأجزاء الشمالية من المحيط الهندي مستعدة لدعم إيران والتعاون بشكل جماعي لضمان الأمن. وتابع أنه بينما أجرت إيران وسلطنة عمان العديد من التدريبات البحرية المشتركة في الماضي، فإن دولاً أخرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والعراق وباكستان والهند حريصة أيضاً على الانخراط في تعاون بحري مشترك. وزعم إيراني أن الوجود "غير العادل" للقوى الأجنبية في المنطقة سينتهي قريباً، وأن دول المنطقة ستتحمل مسؤولية الحفاظ عليه.
ولم يقدم الإيرانيون تفاصيل محددة حول هذا التطور، ولم ترد أي تصريحات من الدول التي يُزعم تورطها في تشكيل هذا التحالف.
في 6 يونيو/حزيران، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين أن بكين تؤيد مفهوم قوة بحرية مشتركة تتألف من إيران والسعودية والإمارات ودول إقليمية أخرى.
وفقاً للإذاعة الإيرانية الحكومية "برس تي في" ، يُنظر إلى اقتراح إنشاء تحالف بحري إقليمي على أنه رد على الاقتراحات الأمريكية والإسرائيلية التي قدمت العام الماضي لإنشاء حلف نانوغ في الشرق الأوسط. من جانبه، انتقد القائد تيم هوكينز، المتحدث باسم الأسطول الأمريكي الخامس والقوات البحرية المشتركة، ادعاء إيران بتشكيل تحالف أمني بحري، مشيراً إلى أن إيران هي السبب الرئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي ولا يمكنها الادعاء بحماية المياه التي تهددها. وذكر هوكينز أن إيران هاجمت أو استولت على 15 سفينة تجارية ترفع علماً دولياً في العامين الماضيين، وقال إن الولايات المتحدة تعزز دفاعاتها حول مضيق هرمز مع شركائها.
لماذا انسحب الإماراتيون من القوة البحرية الدولية التي تقودها أمريكا؟ رسالة قوية للبيت الأبيض
على الرغم من أن المسؤولين الإماراتيين نفوا أن انسحابهم من القوات البحرية المشتركة كان نتيجة مباشرة لتقاعس الولايات المتحدة عن الأنشطة البحرية الإيرانية، فإن المكالمة الهاتفية التي جرت في 2 يونيو/حزيران بين مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان ونظيره الأمريكي جيك سوليفان تشير إلى عدم اليقين والتوتر بشأن مسار العمل في غياب ضمانات أمنية أمريكية.
احتجزت قوات الحرس الثوري الإيراني البحرية في نهاية أبريل/نيسان، بالقرب من مضيق هرمز، ناقلة تحمل شحنة من النفط الخام الكويتي وتعمل لصالح شركة "شيفرون" الأمريكية في طريقها إلى الولايات المتحدة. وبعد أيام قليلة، احتجزت إيران ناقلة نفط أخرى بين ميناءي دبي والفجيرة الإماراتيين. وجاءت التحركات الإيرانية رداً على استيلاء واشنطن، أواخر أبريل/نيسان، على ناقلة النفط "السويس راجان"، التي كانت تحمل النفط الخام الإيراني، وإعادة توجيهها من الصين إلى الولايات المتحدة.
وتمثل هذه سياسة ثابتة لإيران؛ ففي العامين الماضيين، حسب تقرير لمركز أسباب، حيث هاجمت إيران أو صادرت 15 سفينة تجارية ترفع أعلاماً دولية، وفي عام 2019 استولت على ناقلتين بريطانيتين رداً على استيلاء البحرية البريطانية على ناقلة نفط إيرانية قبالة سواحل جبل طارق. وتسعى إيران بذلك إلى إرساء معادلة ردع تُظهر خلالها قدرتها على الرد بالمثل، وتهديد المصالح الأمريكية والغربية في مضيق هرمز، الذي يمر منه حوالي 20% من الطلب العالمي اليومي للنفط؛ مما يجعل له أهمية جيوستراتيجية دولية.
ويعكس انسحاب الإمارات من "القوة البحرية الموحدة" تواصل الخلافات مع واشنطن، حيث تعتبر الإمارات أن الولايات المتحدة تتراجع عن دورها التقليدي كضامن للأمن الإقليمي، لا سيما بعد الانسحاب المفاجئ من أفغانستان، وردود فعل واشنطن البطيئة وغير الملائمة للهجمات المدعومة من إيران على الأراضي السعودية والإماراتية، وكذلك تعنت واشنطن في صفقة طائرات F-35 والذي دفع أبو ظبي لتعليق المفاوضات حول الصفقة نهاية عام 2021.
وقال المسؤولون الأمريكيون لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن الإماراتيين شعروا بالإحباط بسبب عدم وجود رد أمريكي على استيلاء إيران على ناقلتي نفط في 27 أبريل/نيسان و3 مايو/مايو.
وطبقاً للصحيفة، فإن أحد المسؤولين الأمريكيين قارن موقف الإمارات برد فعلها الغاضب في يناير/كانون الثاني عام 2022 عندما تباطأت الولايات المتحدة في تقديم المساعدة للدولة الخليجية بعد أن شن الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن هجوماً مميتاً بطائرة بدون طيار على العاصمة أبوظبي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.
أدت خيبة أمل أبوظبي من ضعف الالتزامات الأمريكية تجاه التهديدات الأمنية التي تتعرض لها إلى تحول في السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، مع التركيز على الدبلوماسية والشراكات مع الصين وروسيا لمواجهة التهديدات الإقليمية من إيران. قد يعكس هذا النهج كلاً من الاعتراف بتراجع نفوذ الولايات المتحدة في بيئة جيوسياسية متعددة الأقطاب واستراتيجية لتأمين التزامات أمريكية أقوى.
كما أن تصور الولايات المتحدة كضامن أمني غير موثوق به دفع دول الخليج إلى زيادة الجهود الدبلوماسية لمواجهة التهديد المتصور من إيران، حسب تقرير لموقع politics today.
فمن الواضح، أن إيران كانت تعمد للرد على أي تصعيد أمريكي ضدها باستهداف حلفائها الخليجيين، الذين يرون أن استجابة واشنطن لهذه الممارسات الإيرانية ضعيفة، ومع تعقد أزمة الملف النووي الإيراني يبدو أن دول الخليج رأت أنها سوف تكون ساحة لأي انتقام إيراني من أمريكا، ولذا تفضل التهدئة مع إيران بل حتى شكل من أشكال المصالحة.
وقد يكون هذا من ضمن دوافع المصالحة السعودية مع إيران والانسحاب الإماراتي من القوة البحرية الدولية، حيث تبدو خطوة أبوظبي بمثابة خليط من رسالة احتجاج وتحسباً لتعرضها للانتقام الإيراني إذا تصاعد النزاع الإيراني الأمريكي أو الإيراني الإسرائيلي.
هل يمكن بالفعل إقامة تحالف بحري بين إيران ودول الخليج؟
ولكن اللافت هو الحديث عن تحالف بحري يضم إيران ودول الخليج العربية التي هي نفسها تعتبر طهران التهديد الأول لأمنها لا سيما البحري.
بالنظر إلى أن الدول المعنية لم تنكر خطة إنشاء قوة بحرية مشتركة، يمكن الاستدلال على أن المناقشات حول هذه المسألة قد جرت، حسب موقع politics today.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن التركيز قد يكون أكثر على العمل المشترك أو التخطيط بدلاً من تشكيل تحالف بحري رسمي.
أي إنه قد يكون بمثابة إطار عمل للتنسيق على الأرض وتخفيف التوترات.
بيان قائد البحرية الإيرانية بشأن التدريبات البحرية المشتركة السابقة بين إيران وسلطنة عمان، وكذلك الاهتمام الذي أبدته السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق ودول أخرى بالتعاون البحري مع إيران، يمكن أن يشير إلى خطط إيران لإجراء تدريبات مشتركة. في خليج أو بحر عمان، قد تكون على غرار التدريبات السنوية مع الصين وروسيا في المحيط الهندي.
يأتي ذلك في ظل تسارع وتيرة تطبيع العلاقات الإماراتية الإيرانية في سياق تهدئة العلاقات بين دول الخليج العربي وإيران، خاصة بعد اتفاق السعودية وإيران استئناف العلاقات بوساطة الصين. بدأت الإمارات في منتصف 2021 خطوات جدية لتطبيع العلاقات مع إيران ضمن إطار أوسع لنهج تصفير المشاكل مدفوعاً برغبة الإمارات في توفير مناخ مناسب لطموحاتها الاقتصادية، وتجلى مسار تفاهمات الإمارات مع إيران في إعادة التموضع في اليمن وتوطيد العلاقات التجارية، وتأكيد أبوظبي على أنها لن تكون جزءاً من تحالفات إقليمية تستهدف أي دولة بعينها.
التغيير في مسار العلاقات
في حين أن التدريبات البحرية الإيرانية العربية المشتركة لن تكون أكثر من مجرد رسائل، فإنها ستكون مؤشراً على أن إيران ودول الخليج تبذل جهوداً لتغيير مسار العلاقات بينهما. على الرغم من أنه لم يتم الكشف عن تفاصيل هذا المشروع بعد، إلا أنه يشير إلى تحول جيوسياسي مهم يحدث في الشرق الأوسط.
في المقابل، أعلنت القوات البحرية المشتركة (CMF) المتمركزة في البحرين، والتي أنشأتها البحرية الأمريكية كـ"شراكة أمنية متعددة الجنسيات" في 22 مايو/أيار 2023 عن إنشاء فرقة عمل مشتركة جديدة ضمن هيكلها.
ستركز فرقة العمل المشكلة حديثاً هذه، والتي تحمل اسم "CTF 154″، على الشرق الأوسط وتركز على تدريب القوات البحرية الحليفة وتعزيز القدرات العملياتية داخل المنطقة الممتدة من الخليج إلى قناة السويس. من خلال القيام بذلك، تهدف الولايات المتحدة إلى ثني دول الخليج عن التعاون مع إيران والإبقاء عليها بدلاً من ذلك في إطار مفهوم الدفاع الأطلسي.
واشنطن بدورها غاضبة من أبوظبي
على الجانب الآخر؛ ترى واشنطن أن أبوظبي قد ساهمت في جهود موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية المرتبطة بالحرب الأوكرانية عبر استقبالها للشركات والمستثمرين الروس، الأمر الذي دفع واشنطن إلى إرسال عدة وفود رفيعة المستوى إلى الإمـارات مطلع العام الجاري لتوجيه تحذيرات لأبوظبي والجهات التجارية المنخرطة في علاقات مع روسيا.
كما أن العلاقات الصينية الإماراتية المزدهرة تسببت هي الأخرى في مزيد من التوتر، خاصة بعد أن كشفت أمريكا عن بناء الصين منشأة عسكرية سرية في ميناء إماراتي، ما أدى إلى ضغوط أمريكية على الإمارات التي أعلنت وقف العمل بالمنشأة.
وتشير هذه التطورات عموماً إلى أن العلاقات الأمريكية الإماراتية (والأمريكية السعودية بالمناسبة) ما زالت تخضع لعملية تقييم تستهدف إعادة بناء الثقة والاتفاق على حدود الشراكة وإلزاميتها.
وإذا كان من غير المضمون تماماً الجزم بمآل هذه العملية في ظل التحولات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، فإن مبررات استعادة الثقة والمضي قدماً بقدر أكبر من الشراكة المتفق عليها، ما زالت أقوى من احتمالات تدهور العلاقة، خاصة أن الطرفين بالفعل يتجنبان مثل هذا التدهور، حسب تقرير مركز أسباب.
هل تفض الإمارات شراكتها مع أمريكا أم تريد توجيه رسالة قوية لها؟
لذلك؛ من المبالغة النظر لقرار الإمـارات بالانسحاب، والذي فيما يبدو ليس نهائياً بعد، بأنه بداية لإنهاء الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة والتوجه لتنسيق أمني مع إيران، كما حاول أن يوحي قائد بحرية الجيش الإيراني، وحتى لو كان هذا الإعلان حقيقياً.
على العكس من ذلك؛ فإن الغضب الإماراتي يعبر عن تقييم سلبي لجدوى المبادرات الأمنية المجمعة التي تروج لها واشنطن في التصدي للتهديدات الإيرانية، والتي تتسم بطابع فضفاض ولا يرتب التزامات أمنية واضحة وكافية من وجهة نظر أبوظبي، التي ما زالت تتمسك بالتوصل لاتفاقية أمنية ثنائية مع واشنطن.
أي أنه رغم تطبيع العلاقات بين أبوظبي وطهران فإن "التهديد الإيراني" يظل حاضراً في تقييم الإمـارات للتوازنات الجيوسياسية في الإقليم.
وبالتالي ستظل استراتيجية الإمارات تمزج بين نهج تجنب العداء المباشر مع طهران، وفي نفس الوقت السعي لإحداث توازن مضاد؛ من خلال تطوير شراكات أمنية ثنائية مع القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، والقوى الإقليمية الأخرى، خاصة تركيا.