هل اقتربنا من عودة العلاقات بين مصر وإيران أم أننا أمام محاولة إيرانية لإعادة العلاقات وتمنع مصري، ولماذا استمرت القطيعة بين البلدين كل هذه السنوات؟
في السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1981، احتفل المصريون بالذكرى الثامنة لعملية بدر التي مثلت انطلاقة حرب عام 1973، وذلك بإقامة موكبٍ للنصر في القاهرة.
ومع اقتراب الجنود من المنصة، هجمت خلية في الجيش بقيادة الملازم أول خالد الإسلامبولي على الرئيس المصري أنور السادات، ونجحت في اغتياله في احتجاج قاتل على توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978.
وقد أُعدِم الإسلامبولي رمياً بالرصاص في العام التالي. وفي ذلك الوقت، أعلنت حكومة إيران الثورية الجديدة، بقياد آية الله روح الله الخميني، عن اعتبار الإسلامبولي شهيداً وأطلقت اسمه على شارعٍ في طهران. ويمكن القول إن علاقة السادات الوطيدة بشاه إيران (الذي استقبله في مصر بعد الإطاحة به عام 1979)، ودعم القاهرة لبغداد في حرب إيران-العراق، ومعاهدة السلام المصرية مع إسرائيل منحت الجمهورية الإسلامية أسباباً كافية لتمجيد الإسلامبولي. وظلت علاقة القاهرة بطهران مضطربة منذ اغتيال السادات، لكنها شهدت بعض فترات الانفراج من آنٍ لآخر.
أما اليوم، فيبدو أن مصر وإيران تدخلان فصلاً جديداً من فصول علاقتهما؛ إذ انتشرت الأخبار في الشهر الماضي عن خطط القاهرة وطهران المزعومة لتبادل السفراء خلال العام الجاري، مع ترتيبات للقاء بين الرئيسين.
وفي عام 2004 أفادت تقارير بأن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية ووزارة الخارجية الإيرانية اعتمدا قرار بلدية طهران بتغيير اسم شارع "خالد الإسلامبولي" -قاتل الرئيس المصري أنور السادات- إلى شارع "الانتفاضة"؛ وذلك في إطار الخطوات الهادفة إلى تمهيد الطريق أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، رغم ورود تقارير لاحقة تنفي ذلك.
ومن المرجح أن يستمر غياب الثقة والشكوك في تشكيل العلاقات الثنائية بينهما، لكن الأحداث الإقليمية ومصالحهما الخاصة تشيران إلى أن إعادة التقارب بين القاهرة وطهران قد تكون وشيكة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وقال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي في Quincy Institute وخبير الدبلوماسية الإيرانية: "كانت هناك العديد من الجهود لتطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران في الماضي، لكنها فشلت جميعاً لأسباب مختلفة. أما هذه المرة، فقد صارت تكلفة الإبقاء على حالة عدم التطبيع باهظة جداً للطرفين نتيجة التحولات الجيوسياسية في المنطقة، بينما أصبحت مكاسب التطبيع أكبر".
وإضافة للعوامل المتعلقة بالإحتفاء بقاتل السادات ودعم القاهرة لبغداد خلال الحرب العراقية الإيرانية، والخلاف حول الصراع العربي الإسرائيلي ودول الخليج واتهامات مصر لطهران بدعم التطرف، تشعر القوى الأمنية المصرية تقليدياً بالقلق من طهران، لأسباب خاصة بها.
وخلال عهد مبارك وما بعده، خفت التوتر في العلاقة بين البلدين، وكان هناك تنسيق بين البلدين في بعض القضايا في بعض الأوقات بالمحافل الدولية مثل الانتشار النووي دون الوصول لمرحلة عودة العلاقات.
وأصبحت مصر نادراً مما تتورط بعمق في المشادات الكلامية بين إيران ودول الخليج، رغم دعمها الرسمي لدول الخليج، كما لم تشارك في حرب اليمن مع السعودية ضد الحوثيين حلفاء طهران، إضافة لتقارب المواقف بين البلدين في الأزمة السورية بعد سقوط الرئيس المنتخب محمد مرسي.
ولكن ظلت القاهرة حذرة في مسألة العلاقات مع طهران، فلم تدخل معها في مشكلات ولم تحاول تحسين العلاقات معها، والأمن المصري تقليدياً يقلق من التطبيع مع إيران بسبب المخاوف من توغل النفوذ الإيراني والشيعي، حسبما قال مصدر دبلوماسي مصري لـ"عربي بوست".
المصالحة السعودية الإيرانية تدفع نحو عودة العلاقات بين مصر وإيران
ولا شك أن تراجع التوترات بين السعودية والإمارات من ناحية وبين إيران من ناحية يزيد احتمالية إعادة التقارب المصري الإيراني؛ حيث قال كينيث كاتسمان، الزميل الأقدم في Soufan Center، خلال مقابلةٍ مع موقع Responsible Statecraft الأمريكي: "من الواضح أن مصر منحازة إلى السعودية والإمارات بدرجةٍ كبيرة. وحقيقة أن الدول الخليجية تتفاعل مع إيران ستسهل على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سلك المسار نفسه".
وأكد خليل العناني، الزميل الأقدم في Arab Center Washington، أن الانفراجة السعودية-الإيرانية "قد ترددت أصداؤها في أرجاء المنطقة، وخلقت حالةً من التفاؤل بتهدئة صراعات المنطقة لدرجةٍ لم نشهدها طوال العقد الماضي". وإذا استطاعت الرياض تطبيع علاقاتها مع طهران، فليس هناك ما يمنع الدول العربية الأخرى -مثل مصر- من فعل الأمر نفسه.
"إن التطبيع بين السعودية وإيران يلغي أي اعتراض أو 'فيتو خليجي' -إذا كان هناك شيء من ذلك القبيل- على تطبيع نظام السيسي للعلاقات مع طهران. أو يمكن للسيسي استغلال التطبيع السعودي كذريعةٍ لتبرير تطبيعه مع طهران على الأقل".
وتأتي الانفراجة المحتملة كذلك معززة ببعض العوامل الجيوسياسية الأخرى، مثل الحرب في أوكرانيا، وكذلك نفوذ موسكو وبكين المتنامي في الشرق الأوسط؛ حيث أردف العناني: "تتمتع مصر وإيران بعلاقات قوية مع روسيا والصين، ولهذا فهناك فرص كبيرة لتحقيق المكاسب السياسية، والاقتصادية، والجيوستراتيجية".
لماذا تعد عمان هي الوسيط المفضل للبلدين؟
تُعَدُّ عمان أكثر دول مجلس التعاون الخليجي توازناً من الناحية الجيوسياسية، وقد انضمت إلى العراق في جهودها الدبلوماسية لتسهيل إعادة التقارب المصري الإيراني. وليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد لعب العمانيين لدور في بناء جسور التواصل بين مصر وإيران. حيث فعلت مسقط ذلك من قبل في عام 1991.
إذ أوضح كاتسمان: "تتمتع عمان بعلاقةٍ ثابتة مع طهران. ولا شك أن هذا الأمر يمنحها ثقةً من القاهرة في قدرتها على إقناع طهران بإبرام اتفاقٍ معها".
ولا خلاف على أهمية السياق التاريخي هنا؛ إذ أدت عمان دور الصديق الموثوق لمصر وإيران في الربع الأخير من القرن الـ20، عندما كانت غالبية دول العالم العربي تتجنب التعامل مع البلدين.
وبعد إبرام مصر لاتفاق سلام مع إسرائيل عام 1978، كانت عمان والصومال والسودان هي دول الجامعة العربية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها بحكومة السادات. كما رفضت عمان المشاركة في قمة بغداد 1978. وفي مايو/أيار 1982، أصبح السلطان قابوس أول زعيم عربي يزور خليفة السادات، حسني مبارك، منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد.
وعلى نحوٍ مماثل، اتخذ السلطان قابوس خطوات عقب الثورة الإسلامية عام 1979، وذلك لضمان الحفاظ على علاقات بلاده الوثيقة مع طهران كما كانت في عهد الشاه. وعندما دعمت دول الخليج الأخرى صدام حسين في حرب إيران والعراق، حافظت عمان على حيادها واستضافت محادثات سرية لوقف إطلاق النار بين بغداد وطهران من أجل إنهاء الصراع. إذ أدرك السلطان قابوس أن الحفاظ على علاقات ودية مع جارته الأقوى يخدم المصالح الأمنية لبلاده، نظراً لتشارك البلدين في ملكية مضيق هرمز.
ويُمكن القول إن زيارات السلطان هيثم لمصر وإيران في الشهر الماضي تسلط الضوء على الأهمية التي توليها القيادة العمانية لإعادة التقارب بين البلدين. وخلال زيارة السلطان لإيران، نُقِلَ عن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قوله إنه يرحب باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر.
ماذا تريد مصر من إيران؟
تأمل مصر أن تطبيع العلاقات سيدفع إيران لفرض تأثير أكثر اعتدالاً على حماس والجهاد الإسلامي في غزة؛ إذ تتكفل مصر وقطر هذه الأيام بكافة المهام الدبلوماسية الثقيلة اللازمة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وذلك عندما تتحول التوترات بين إسرائيل وبين حركتي حماس و/أو الجهاد الإسلامي (وكلاهما تدعمه طهران) إلى صراع مسلح. وأوضح كاتسمان: "ترتفع احتمالات التصعيد في كل مرةٍ تشهد اشتباك إسرائيل مع مسلحي غزة. وسيكون هذا هو المحرك الرئيسي لدوافع مصر نحو إعادة التقارب المحتملة مع إيران".
وماذا تريد طهران من القاهرة؟
وتريد إيران من ناحيتها تحسين علاقاتها مع المزيد من دول الشرق الأوسط؛ حيث إن تحسين العلاقات مع مصر سيساعد إيران في تقليل عزلتها داخل المنطقة نسبياً، وخاصةً في ضوء إعادة تقاربها مع السعودية والإمارات. كما أن العلاقات الأكثر ودية مع مصر قد تساعد الإيرانيين في مواجهة الجهود الأمريكية والإسرائيلية، الرامية لحشد العرب ضد الجمهورية الإسلامية. فضلاً عن أن هذه العلاقات ستسهل على طهران المجادلة بأنه لا يجب معاملتها كدولةٍ "مارقة".
وفسّر بارسي ذلك قائلاً: "منذ أدركت دول الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة لم تعد في مكانةٍ تسمح لها بالحفاظ على هيمنتها العسكرية في المنطقة؛ شهدنا طفرةً في الدبلوماسية داخل المنطقة لأن الاحتفاظ بالصراعات أصبح مكلفاً للغاية، بينما برز حل التوترات عن طريق الدبلوماسية باعتباره السياسة المثلى لغالبية الدول. وتُعايش المنطقة إحساساً جديداً بالثقة في النفس، بالتزامن مع إعادة اكتشافها لقوتها الخاصة. ومن المحتمل تسوية ميزان قوى جديد في المنطقة خلال الأشهر المقبلة، لهذا ستستفيد مصر وإيران من تعزيز قدرتهما على المناورة عن طريق الالتزام بالحوار".
غزل إيراني وصمت مصري
ولكن اللافت أن مصر قابلت بالصمت تصريحات خامنئي بما في ذلك تغريدته على حسابه بتويتر التي قال فيها: "نرحب برغبة مصر في استئناف العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ولا مشكلة لدينا في هذا الصدد".
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قال في تصريح تلفزيوني مقتضب لدى مغادرته للمشاركة في القمة العربية بالسعودية إن "العلاقة مستمرة مع إيران على ما هي عليه وعندما تكون هناك مصلحة في تغيير منهج ما، فبالتأكيد نلجأ دائماً لتحقيق المصلحة".
ويقول المحلل السياسي المختص في الشؤون الإيرانية، محمد عباس ناجي، إن كل التصريحات بشأن تطوير العلاقات مع مصر وتحسينها تصدر فقط من الجانب الإيراني، ومصر لم تصدر بيانات رسمية بهذا الشأن.
واعتبر ناجي، في حديثه لموقع "الحرة" الأمريكي، أن تغريدة خامنئي "محاولة لاستغلال التطورات في المنطقة مثل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وعودة سوريا لجامعة الدول العربية، مما يفسر سبب التصريحات الإيرانية المتكررة بشأن ذلك الأمر".
وكانت مصر أعلنت في نهاية مارس/آذار الماضي، أنها ستسمح للإيرانيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول، ولكن إلى جنوب سيناء (البعيدة عن القاهرة والمدن الأخرى المكتظة بالسكان) فقط، في خطوة تمهيدية لبحث إمكانية السماح لهم بزيارة أماكن أخرى في البلاد.
ونقلت رويترز، عن وزير السياحة المصري أحمد عيسى، قوله إنه سيتم تقييم تجربة دخول السياح الإيرانيين إلى جنوب سيناء، التي تضم مدناً سياحية مثل شرم الشيخ ودهب، مضيفاً: "بناء عليها سنحدد إن كان سيُسمح لهم بأماكن أخرى أم لا".
من جانبه، قال النائب عبد الله مبروك عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، في تصريح لموقع "الطريق" إنه من السابق لأوانه الحديث عن إجراءات عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، وخاصة أن الأمر يتعلق بما سوف يترتب عليه الحوار بين البلدين من نتائج، مشيراً إلى أن مصر ترحب بالتعاون مع جميع الدول بما يخدم المصالح المشتركة.
هل تفضل مصر التريث؟
وكشف مسؤول بوزارة الخارجية المصرية للجزيرة نت النقاب عن استمرار الخلافات بشأن عدد من الملفات، وقال إن مصر "ليست في عجلة من أمرها".
وأوضح المصدر أن موقف إيران الداعم لحركتي حماس والجهاد في فلسطين يأتي في مقدمة نقاط الخلاف التي لا تزال قائمة، كما ذكر أن مصر تشترط توقف إيران عن التدخل في شؤونها الداخلية وكذلك دول الجوار والالتزام بمحددات الأمن القومي المصري مع تسوية أمنية لملف عناصر مصرية متهمة بما سماه الإرهاب وتلجأ إلى طهران.
وقال إن هناك صعوبة في التكهن بأي موعد لاستئناف أو تطبيع العلاقات، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التقدير الرسمي الإيراني لمصر وللرئيس عبد الفتاح السيسي يتزايد بصورة كبيرة.
ويذهب الباحث في الشؤون الآسيوية بجامعة القاهرة ولدى وزارة الخارجية أسامة السباعي إلى الاعتقاد بأن القاهرة سوف تتمهل قليلاً قبل اتخاذ أي خطوة أو الرد بشكل إيجابي على "الغزل الدبلوماسي الإيراني"، معتبراً في حديثه للجزيرة نت أنه لا توجد حاجة استراتيجية لتسريع خطوات تطوير العلاقات رغم إدراك مصر لأهمية الدور الإيراني في المنطقة.
وقال السباعي متسائلاً: "هل برهنت إيران على تغيير سياستها وتوقفت عن التدخل في شؤون مصر وعن دعم الجماعات الجهادية؟"، مضيفاً: "علينا أن ننتظر ونراقب سلوك إيران في المرحلة المقبلة".