من المحتمل أن تخسر الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من 100 مليار دولار بسبب العقوبات الأمريكية على هواوي عملاق التكنولوجيا الصيني، وتحديداً منع الشركة من المشاركة في بناء شبكات 5G بسبب مخاوف الأمن القومي.
وقبل بضع سنوات تفوقت هواوي على آبل الأمريكية في مبيعات الهواتف الذكية، ونافست سامسونغ الكورية على المركز الأول، كما أصبحت الشركة صاحبة أكبر عدد براءات اختراعات في العالم.
ثم فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات واسعة على شركة هواوي الصينية عام 2019، أدت لاستبعادها من بناء شبكات الجيل الخامس من العديد من الدول الحليفة لواشنطن، كما أجبرت الشركات العالمية على وقف توريد التكنولوجيا للشركة، مما اضطرها لإنهاء اعتمادها على العديد من التطبيقات الأمريكية، مثل تطبيق تشغيل هواتفها من طراز أندرويد التابع لغوغل الأمريكية، كما منعت الشركة من الحصول على العديد من المعالجات والأجزاء المتطورة، مثل المكونات المستوردة من رقائق Qualcomm.
بعد معاقبة الولايات المتحدة لهواوي عام 2019، شهدت الشركة عجزاً قدره 12 مليار دولار أمريكي في إيراداتها في نفس العام، حيث كافحت الشركة للحفاظ على سلاسل التوريد واضطرت إلى زيادة البحث والتطوير بشكل كبير. بدأت أعمال الهواتف الذكية في التدهور وبعد أربع سنوات، يبدو أن الوضع يزداد سوءاً بالنسبة لشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة.
وفي الربع الأول من عام 2020، رغم العقوبات تفوقت هواوي في مبيعات الهواتف الذكية على العملاق الكوري سامسونغ والأمريكي آبل.
وفي عام 2022، تراجعت أرباح شركة هواوي تكنولوجيز بنحو 67% في الربع الأول بسبب عقوبات التجارة والاستثمار الأمريكية، كما تراجعت مبيعات الشركة من الهواتف المحمولة بشكل كبير، ولكن حلت محلها بشكل كبير الشركات الصينية الأخرى مثل شاومي، oppo، وvivo.
ولكن رغم أن هواوي كانت تبدو مرشحة لأن تتربع بقوة على عرش الهواتف المحمولة، ولكن نقطة تفوقها كانت في مجال بناء شبكات الجيل الخامس للهواتف المحمولة، وهو المجال الذي تركت فيه العقوبات الأمريكية الأثر الأكبر، ليس على الشركة الصينية فقط، بل على الدول الغربية ولا سيما الأوروبية، حيث ما زالت تداعيات هذه العقوبات قائمة.
فلماذا لا تستطيع الدول الغربية تعويض غياب شركة هواوي عن هذا المجال، وما سر إصرارها على الالتزام بهذه العقوبات رغم الخسائر التي سببتها؟
أكثر من 100 مليار دولار خسائر غربية بسبب العقوبات الأمريكية على هواوي
وفقاً لتقديرات صناعة شبكات الجيل الخامس قد تكلف العقوبات الأمريكية على هواوي، الولايات المتحدة وحلفاءها أكثر من 100 مليار دولار أمريكي، حسبما ورد في تقرير لموقع Asia Times الذي يوجد مقره الرئيسي في إقليم هونغ كونغ الصيني المتمتع بالحكم الذاتي.
لكن أولئك الذين يرغبون في استبعادها من شبكات 5G الخاصة بهم يقولون إنه لا يوجد سعر مرتفع للغاية بالنسبة للأمن القومي.
جعلت قضايا السياسة الصناعية واحتكار القلة والمنافسة السعرية وظهور الحمائية المشكلة أكثر تعقيداً وسط حرب تكنولوجية متصاعدة؛ حيث تسعى الولايات المتحدة إلى منع وصول الصين إلى التكنولوجيا المتقدمة بما في ذلك أشباه الموصلات المتطورة.
10 مليارات لاستبدال معدات هواوي القائمة
تشير حسابات مشغلي شبكات الاتصالات ومستشاري الصناعة والاقتصاديين والحكومات إلى أن استبدال معدات Huawei التي تم تركيبها بالفعل قد يكلف الولايات المتحدة وحلفاءها في النهاية أكثر من 10 مليارات دولار.
إن الأثر الاقتصادي السلبي لطرح أبطأ لخدمات 5G يمكن أن يكون ضعف أو ثلاثة أضعاف؛ وإن دفع الأسعار الأعلى التي يفرضها منافسو Huawei يمكن أن يرفع التكلفة الإجمالية لتطبيق 5G إلى مستوى أعلى عدة مرات على مدار العقد.
أوروبا ستتأخر في إدخال شبكات الجيل الخامس
في عام 2019، عندما أدرجت الولايات المتحدة شركة Huawei في القائمة السوداء لأول مرة، قدّر اتحاد الاتصالات المتنقلة العالمي GSMA أن حظر معدات الاتصالات الصينية سيؤدي إلى تأخير نشر شبكات 5G في أوروبا بنحو 18 شهراً وزيادة تكلفتها بنحو 55 مليار يورو.
في نفس العام، خلص تقرير يستند إلى البيانات الحكومية والمدخلات من مشغلي الاتصالات المتنقلة إلى أن حظر Huawei من سلسلة التوريد في المملكة المتحدة قد يؤخر 5G لمدة 18 إلى 24 شهراً، ويكلف الاقتصاد البريطاني ما يصل إلى 6.8 مليار جنيه إسترليني.
خلصت دراسة أجراها معهد أكسفورد للاقتصاد في أستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان والهند والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى أن استبعاد Huawei يمكن أن يزيد تكاليف الاستثمار في شبكات 5G بنسبة 16-19% وينتج عنه انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 105.5 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدار 15 سنة حتى 2035 في سيناريو متوسط التكلفة.
في عام 2022، أخبرت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية الكونغرس أن إزالة جميع معدات Huawei وشركة ZTE الصينية في الولايات المتحدة وحدها سيكلف حوالي 5 مليارات دولار. وقدر متوسط تقدير معهد أكسفورد البريطاني للتأثير طويل الأجل على الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنحو 35.8 مليار دولار.
في مارس/آذار 2023، أشار تقرير في مجلة Light Reading المتخصصة في مجال الاتصالات إلى أن إزالة جميع معدات Huawei قد تكلف شركة Deutsche Telekom الألمانية أكثر من 6 مليارات دولار، وأن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى خمس سنوات.
فمن بين 134 ألف هوائي 5G في ألمانيا، ورد أن حوالي 80 ألف هوائي تم توفيرها من قبل هواوي.
لا تشمل هذه التقديرات المبيعات المفقودة من أشباه الموصلات وغيرها من المنتجات المحظورة على شركة هواوي، والتي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.
أسعار معدات الاتصالات من هواوي أرخص من منافسيها بنسبة 30%
يقال إن أسعار معدات الاتصالات من هواوي غالباً ما تكون أقل بنسبة 20-30% من منافسيها. إنها ليست دائماً منخفضة، لكنها كانت منخفضة بما يكفي لتمكين هواوي من الحصول على حصص سوقية عالية في أوروبا، موطن منافستيها Nokia الفنلندية و Ericsson السويدية.
السعر، بالطبع، ليس العامل الوحيد ذا الصلة بشركات الاتصالات: يعتمد نجاح هواوي أيضاً على الجودة الجيدة وأحياناً الجودة الفائقة.
وفقاً لـ Strand Consult، وهي شركة استشارية للاتصالات مقرها الدنمارك، فإن النسبة المئوية للمعدات الصينية (معظمها من هواوي ولكن البعض من ZTE) في عمليات طرح 5G الوطنية الأوروبية تراوحت النسبة من 100% في قبرص إلى صفر في السويد والنرويج والدنمارك وثماني دول أخرى في نهاية عام 2022.
وفي البلدان الأخرى، تراوحت النسبة بين 72% في النرويج و17% في فرنسا، وألمانيا 59% وإيطاليا 51% والمملكة المتحدة 41%.
استثمارات هواوي أخطر من الغاز الروسي، ولكن هل هناك دليل على ذلك؟
يرى جون ستراند، مؤسس شركة استشارات في مجال الاتصالات، "أن الاعتماد على شبكات الاتصالات الصينية أكثر خطورة من الاعتماد على الغاز الروسي". وقال إن البنية التحتية الرقمية هي أساس المجتمع.
في فبراير/شباط 2020، قال روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب آنذاك: "لدينا دليل على أن هواوي لديها القدرة سراً على الوصول إلى المعلومات الحساسة والشخصية المعلومات في الأنظمة التي تحتفظ بها وتبيعها حول العالم".
وبحسب ما ورد تم تقديم هذا الدليل إلى المملكة المتحدة وألمانيا وحلفاء آخرين للولايات المتحدة.
قبل ذلك، في مايو/أيار 2019، ذكرت صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد الأسترالية أن وكلاء مديرية الإشارات الأسترالية (ASD)، وكالة التنصت شديدة السرية في البلاد، قد واجهوا تحدياً: مع وجود كل الأدوات الإلكترونية الهجومية المتاحة لهواوي، وتساءلت عن الضرر الذي يمكن أن تلحقه الشركة الصينية عبر قدرتها على الوصول إلى المعدات المثبتة في شبكات 5G في أي دولة مستهدفة؟.
وجدت ASD أن "الإمكانات الهجومية لـ 5G كانت كبيرة جداً؛ لدرجة أنه إذا كانت أستراليا في الطرف المتلقي لمثل هذه الهجمات، فقد تتعرض البلاد لهجمات إلكترونية بشكل خطير".
لم تكن المشكلة الرئيسية هي التنصت على المكالمات الهاتفية أو رسائل البريد الإلكتروني، ولكن بدلاً من ذلك كانت هناك مخاوف من تعطيل المياه والكهرباء والبنية التحتية الأخرى.
بعد ستة أشهر، استبعدت الحكومة الأسترالية شركة Huawei من طرح شبكة الجيل الخامس.
عندما سئل عما إذا كان قد رأى أي دليل قاطع على استخدام Huawei لمعدات 5G لأغراض التجسس، قال إيفان أندرسون، الرئيس التنفيذي لخدمة المعلومات "INVNT / IP": "على الرغم من أنني لست على علم بحالة تم فيها ضبط هواوي، وهي تراقب مواطنين أجانب مباشرة، إلا أنها تحتفظ بالدافع والقدرة والدعم الحكومي للقيام بذلك. كما هو الحال مع أي شركة في الصين، لا يمكنهم قول لا للحكومة أو للحزب الشيوعي، بموجب القانون".
وأضاف أنهم ذراع بحكم الأمر الواقع للدولة الصينية. لافتاً إلى أنه يمكن تحقيق المراقبة بطرق لا تعد ولا تحصى باستخدام أطراف ثالثة.
قد لا يكون هناك أي دليل قاطع متاح للجمهور، لكن مخاوف الأمن القومي تركز على استباق التهديدات المحتملة، وليس حول براءة أو إدانة هواوي.
البعض يرى أن الدليل جاء من مقر الاتحاد الإفريقي
في عام 2018، كشفت فضيحة تجسس مدوية للصين على مقر الاتحاد الإفريقي بإثيوبيا، ورغم كشف الفضيحة أفادت تقارير غربية باستمرار الصين في مساعيها بعد ذلك وسط تحذيرات أمريكية من أنها تجمع معلومات لابتزاز القادة الأفارقة.
وخرجت الشكوك حول تجسس الصين على الاتحاد الإفريقي إلى العلن في عام 2018، عندما ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن موظفي الاتحاد الإفريقي وجدوا أن الخوادم المصنعة من قبل شركة هواوي الصينية في مركز المؤتمرات الجديد ترسل نسخاً من محتوياتها إلى شنغهاي كل ليلة.
ورغم إنكار الصين ذلك مراراً، كُشف بعد ذلك عن عملية جديدة تشير إلى استمرار تجسس الصين على الاتحاد الإفريقي، عبر الاستفادة من بنية الاتصالات بمقر الاتحاد التي بنتها هواوي (المقر الفخم كله مبني من قبل الصين، وتبين أن جدرانه كانت مليئة بأجهزة الاستماع)، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وأمريكا تتجسس على هواوي بدورها
ضعف شبكة الجيل الخامس هو طريق ذو اتجاهين. ذكرت مقالة سيدني مورنينغ هيرالد، "إنه من المؤكد أن الصين ستكون أيضاً عرضة للهجمات من الولايات المتحدة وحلفائها".
في عام 2014، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، كشفت الوثائق التي قدمها إدوارد سنودن مؤسس ويكيليكس أن وكالة الأمن القومي الأمريكية قد اخترقت بالفعل خوادم شركة هواوي لتنفيذ عمليات تجسس خاص بها.
ولكن ما يقلق واشنطن على ما يبدو، هو أن شبكة تبادل المعلومات الاستخباراتية The Five Eyes (الأعين الخمسة) التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، تفقد أو فقدت بالفعل احتكارها السابق للتجسس على الاتصالات – ومن الواضح أنهم لا يحبون ذلك.
لا يمكن التوفيق بين الحجة الاقتصادية للاستمرار في استخدام معدات Huawei وحجة الأمن القومي ضدها. لكن معدات الاتصالات هي بنية تحتية حيوية ومفتاح لتنمية اقتصاد متقدم.
هذا هو السبب في أن اليابان وكوريا الجنوبية والصين كرست عقوداً من الجهد وأكوام رأس المال لتطوير تكنولوجيا الاتصالات الخاصة بها من الدرجة الأولى.
لقد ألغت البلدان الثلاثة الاعتماد المفرط على الموردين الأجانب وأنشأت سلاسل توريد وملكية فكرية محلية تحقق عوائد تفوق بكثير التكاليف الأولية للتنمية.
وتنوي الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوروبا الآن أن تفعل الشيء نفسه. يبقى أن نرى كم من الوقت قد يستغرق الأمر وما إذا كان بإمكانهم تجنب إغراءات احتكار القلة والتدمير الحمائي لحوافز الأسعار.
يتوقع أن تؤدي العقوبات الأمريكية على هواوي والحصار التكنولوجي على بكين إلى ارتفاع أسعار التكنولوجيا، وعرقلة سلاسل التوريد التي خلقت العولمة الحديثة.
ولكن لا صوت يعلو فوق صوت الأمن القومي.