لا يزال الهجوم الذي نفذه المجند المصري وقتل خلاله 3 من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصاب 2 آخرين، حديث الساعة في إسرائيل رغم الصمت الرسمي المصري، فما قصة معبر العوجة أو نيتسانا الحدودي الذي شهد الهجوم؟
كانت مصر وإسرائيل قد قالتا إن ثلاثة جنود إسرائيليين قُتلوا بالقرب من الحدود بين البلدين، السبت 3 يونيو/حزيران، في حادث نادر نفذه شرطي مصري من قوات حرس الحدود، فقد حياته خلال الاشتباك.
وبعد مرور يومين على الحادث، الذي وقع عند معبر نيتسانا، أول معبر حدودي تم افتتاحه بين مصر وإسرائيل في أعقاب توقيع اتفاقية السلام بينهما، بدأت تتضح الصورة أكثر بشأن تفاصيل الهجوم وشخصية منفذه، وإن كان أغلب المعلومات يأتي من الجانب العبري في ظل صمت رسمي مصري.
متى افتتح معبر العوجة؟
يرجع تاريخ إنشاء المعبر الحدودي الذي شهد الهجوم إلى عام 1982، بعد أن استردت مصر شبه جزيرة سيناء التي كانت إسرائيل قد احتلتها خلال حرب 1967، وكان معبر العوجة/نيتسانا أحد المعابر الحدودية التي تم الاتفاق على إنشائها بعد توقيع اتفاقية السلام بينهما عام 1979 بوساطة أمريكية، في أعقاب انتصار مصر في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
يربط المعبر بين منطقة العوجة في شبه جزيرة سيناء ومنطقة نيتسانا التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويقع على بعد 40 كلم في الجنوب الشرقي من الحدود المصرية مع قطاع غزة.
وعندما افتتح عام 1982، كان يستخدم لعبور المسافرين والبضائع، لكن منذ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بعد اتفاقيات أوسلو، أصبح معبر نيتسانا/العوجة مقتصراً على عبور البضائع فقط.
وتظهر التقارير الإسرائيلية عبور نحو 11 ألف شاحنة مصرية سنوياً تحمل بضائع متنوعة. وكان هناك حديث حول عودة فتح المعبر أمام عبور الأشخاص مرة أخرى، لكن الهجوم الذي نفذه المجند المصري على الأرجح قد يؤدي إلى تأجيل هذه الخطوة أو ربما إلغائها نهائياً.
وكان المتحدث باسم جيش الاحتلال قد قال إن الشرطي المصري عبر الحدود من خلال ممر طوارئ مخصص لمرور القوات الإسرائيلية إلى الجانب المصري من الحدود في حالة الحاجة، بحسب ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية: "نحو الساعة الـ4:15 صباحاً، كان هناك آخر اتصال مع الجنديين اللذين كانا في الموقع، وبعد 5 ساعات (نحو الساعة الـ9:00) عثر عليهما مقتولين".
كما أشار المتحدث إلى أن "طائرة مسيرة هي التي رصدت الشرطي لاحقاً، وكان على عمق كيلومتر ونصف داخل الحدود بعد تسلله، وبدأت المواجهة وتبادل إطلاق النار معه".
وتتسم تلك المنطقة الحدودية بوعورة تضاريسها وندرة أو انعدام السكان فيها من الجانبين، خصوصاً بعد أن قام الجيش المصري بتهجير السكان على طول الحدود مع قطاع غزة قبل سنوات، وهو ما قد يفسر تمكن منفذ الهجوم من التخفي طوال مدة التنفيذ التي استمرت عدة ساعات.
من هو المجند المصري الذي زلزل إسرائيل؟
رغم مرور أكثر من ثلاثة أيام على وقوع الحادث، لا تزال المعلومات بشأن منفذ العملية مصدرها الوحيد تقريباً هو الجانب الإسرائيلي، في ظل التزام القاهرة الصمت بعد البيان الذي أصدره المتحدث العسكري المصري عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: "فجر اليوم، السبت، قام أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية بمطاردة عناصر تهريب المخدرات، وأثناء المطاردة قام فرد الأمن باختراق حاجز التأمين، وتبادل إطلاق النيران، مما أدى إلى وفاة 3 أفراد من عناصر التأمين الإسرائيلية وإصابة اثنين آخرين، إضافة إلى وفاة فرد التأمين المصري أثناء تبادل إطلاق النيران".
لكن التفاصيل التي كشف عنها جيش الاحتلال ومصادر عبرية أخرى رسمت صورة مختلفة شكلاً وموضوعاً عن الرواية الرسمية المصرية، حيث نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر في جيش الاحتلال تفاصيل متعددة تؤكد أن المجند المصري أعد العدة للهجوم ونفذ عملية استهداف لنقطة حراسة حدودية إسرائيلية بالقرب من معبر العوجة المصري أو نيتسانا الإسرائيلي، كان يوجد بها عنصران من جيش الاحتلال، مجند ومجندة، قتلهما، ثم ظل مختبئاً لمدة تقترب من 6 ساعات، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست نقلاً عن متحدث باسم جيش الاحتلال.
وبعد اكتشاف مقتل العنصرين، في أعقاب عدم ردهما على الاتصالات اللاسلكية، وصلت تعزيزات من جيش الاحتلال مصحوبة بطائرة مسيرة كشفت مكان الشرطي المصري، الذي تبادل إطلاق النار مع قوات الاحتلال فأردى ضابطاً وأصاب عنصرين آخرين قبل أن يفقد حياته. وبحسب تلك الرواية، فإن الشرطي المصري كان يحمل سلاحه العسكري من نوع كلاشينكوف ونسخة من القرآن الكريم.
ولاحقاً كشفت مصادر إسرائيلية عن هوية المجند المصري الذي نفذ العملية، وقالت إن اسمه محمد صلاح ويبلغ من العمر 22 عاماً، ونشرت صورة له، لتعج منصات التواصل الاجتماعي بالصورة وسط احتفاء شعبي مصري وعربي به وبما قام به، وأصبح "فخر العرب الحقيقي" من أكثر الترندات بروزاً في مصر، في إشارة إلى تشابه الأسماء بين المجند ولاعب كرة القدم المصري المحترف في نادي ليفربول الإنجليزي، محمد صلاح، والذي يلقب بفخر العرب.
والإثنين 5 يونيو/حزيران 2023، كشفت وسائل إعلام عبرية أن تل أبيب أعادت جثة الجندي منفذ العملية إلى مصر في إطار تعامل البلدين المشترك مع الحادث، لافتة إلى أن ذلك يعود إلى رغبة إسرائيل في الحفاظ على الثقة المصرية، على الرغم من النتائج المأساوية للهجوم وعدم وجود سبب أمني لإسرائيل للاحتفاظ بالجثة.
وبحسب القناة 12 الإسرائيلية، فإنه بعد قرابة يومين على الهجوم الخطير على الحدود المصرية والذي أسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين إسرائيليين، نشرت هُوية منفذ الهجوم، وهو جندي مصري وأصله من منطقة عين شمس في العاصمة المصرية القاهرة، وصرح أحد أقاربه بأنه كان من المفترض أن يُنهي خدمته في الجيش المصري قريباً. كما تداولت عدة مواقع وقنوات صورة الشرطي المصري، بينما لم يصدر على الفور تعليق من الجانب المصري حول هذا الشأن.
هل يؤثر الحادث على علاقات مصر وإسرائيل؟
وعلى الرغم من التنسيق الأمني الوثيق والصداقة العلنية في السنوات الأخيرة بين تل أبيب والقاهرة، فإن الهجوم قد كشف عما يصفه الإسرائيليون حالياً بالثغرة: وهي أن الحدود في هذا القطاع طويلة، والقوات المنتشرة قليلة، والاستخبارات ضعيفة التأهب، ومن ثم يُمكن لمهاجم حازم التدبير أن يخترق الحدود بسهولة ويترك وراءه قتلى وجرحى، وذلك بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ومنذ أن وقع الهجوم، تجري محادثات مكثفة بين المسؤولين العسكريين الإسرائيليين والمصريين لإعادة الهدوء على الحدود، وتحديد ما إذا كان أي شخص قد ساعد فرد الأمن في التخطيط للعملية أو أُخبر بها قبل وقوعها.
إضافة إلى ذلك، فإن التعاون مع مصر له حدود معينة، والقوة المتعددة الجنسيات والمراقبين الذين تقودهم الولايات المتحدة في سيناء ليس منها فائدة تُذكر. ومن ثم إذا كانت هذه العملية تُنذر بأن الأمور تتجه نحو مزيد من الاضطراب، فربما يتجه جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى زيادة الموارد والمعدات المخصصة لتأمين هذه المنطقة، وربما حتى الاستعانة بقوات أعلى تدريباً، ولو لمدة محدودة على الأقل.
أما على المدى الطويل، فربما تقتضي هذه العملية مراجعة تدابير الدفاع الإسرائيلية بأكملها، والنظر فيما إذا كانت القوات والمراكز ووسائل المراقبة متوازنة الانتشار على طول هذه الحدود، لا سيما أنها أطول من بقية المناطق الحدودية الإسرائيلية (السياج يبلغ طوله نحو 240 كيلومتراً).
السؤال الآخر الذي يواجهه الجيش الإسرائيلي هو تحديد ما إذا كان الخطر على طول الحدود المصرية قد ازداد إلى حدٍّ يستدعي نشر قوات أعلى تجهيزاً. علاوة على ذلك، صار من الواضح منذ سنواتٍ أن المخابرات الإسرائيلية باتت أقل اهتماماً بالحدود المصرية وأنها تصرف مواردها ومعداتها التكنولوجية إلى المناطق المضطربة عند حدود لبنان والأراضي المحتلة، فهل تشير هذه العملية إلى ضرورة زيادة التدابير الموجهة إلى الحدود المصرية؟
كما أن السياج المرتفع وصعب التسلق الذي أقيم على الحدود المصرية منذ أكثر من عقد من الزمان، وإن كان يخدم الغرض منه -بإيقافه تدفق طالبي اللجوء والمهاجرين لأسباب اقتصادية من إفريقيا- إلا أنه ليس محكم الإغلاق.
والدليل على ذلك أن شبكات التهريب البدوية على جانبي الحدود كثيراً ما تنجح في تجاوز تدابير الجيش والشرطة. وقد يؤدي نجاح هذه العملية إلى محاولات أخرى لتقليدها، وإرسال مهاجمين إلى إسرائيل من قطاع غزة عبر سيناء، أو اختطاف جندي على الحدود.
الخلاصة هنا أن هذا الحادث النادر على الحدود المصرية الإسرائيلية ستكون له تداعيات كبيرة على طبيعة الوجود الإسرائيلي في المنطقة، أما تأثيره على العلاقات بين تل أبيب والقاهرة فلا يبدو أنه سيكون سلبياً؛ في ظل التعاون بين الجانبين والتحقيق المشترك الذي يجري حالياً. إذ قال جيش الاحتلال ومصدران أمنيان مصريان لـ"رويترز"، إن مسؤولين من مصر وإسرائيل يحققون في الواقعة بتعاون كامل.