زعمت إيران أنها اختبرت صاروخًا فرط صوتي يمكنه اختراق جميع الدفاعات الجوية، فهل تستطيع إيران إنتاج صواريخ فرط صوتية حقاً؟ أم أننا أمام مجرد دعاية؟ وكيف سينعكس ذلك على الأوضاع في الشرق الأوسط إذا صح الإعلان الإيراني؟
وقال قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني مؤخراً، إن إيران تستعد للكشف عن صاروخ فرط صوتي في المستقبل القريب.
ويطلق مفهوم الصاروخ الفرط صوتي على الصواريخ التي لديها سرعة عالية تصل لخمسة أضعاف سرعة الصوت ويمكنها المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي، ويعتقد أنه ليست هناك أية أنظمة قادرة على التصدي لها حالياً.
يأتي ذلك بعد أن كشفت إيران الأسبوع الماضي عن صاروخ باليستي جديد باسم خيبر، قادر على الوصول إلى مدى 2000 كيلومتر (1242 ميلاً)، ويحمل رؤوساً حربية تزن أكثر من طن، ومداه يطول إسرائيل ومعظم الشرق الأوسط.
وقالت إيران إن الصاروخ تم اختباره بنجاح، حيث بث التلفزيون الحكومي بضع ثوانٍ من لقطات لما قالت إنه عملية الإطلاق.
إيران تقول إن صاروخها الفرط صوتي اجتاز الاختبارات
وقال اللواء أمير علي حاج زاده، قائد وحدة الطيران في الحرس الثوري الإسلامي، إن تطوير إيران للصاروخ الفرط صوتي يمثل "قفزة كبيرة في مجال الصواريخ"، وإن "الصاروخ الفرط صوتي له سرعة عالية ويمكنه المناورة داخل وخارج أجواء الأرض.".
ونقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء عن أمير علي حاجي زاده، رئيس وحدة الفضاء في الحرس الثوري الإيراني، قوله: "لقد اجتاز الصاروخ الأسرع من الصوت اختباراته، وسيُكشف النقاب عنه قريباً".
وكشف حاجي زاده لأول مرة عن تطوير الصاروخ الفرط صوتي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقال الجنرال في ذلك الوقت: "سيكون قادراً على اختراق جميع أنظمة الدفاع المضاد للصواريخ"، مضيفاً أنه يعتقد أن الأمر سيستغرق عقوداً قبل تطوير نظام قادر على اعتراضه.
قوبل هذا الادعاء بشكوك من واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث قال متحدث باسم البنتاغون إن الولايات المتحدة "متشككة" في هذا الإعلان.
هل يمكن إسقاط الصواريخ فرط صوتية؟
يمكن للصواريخ الفرط صوتية أن تطير بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمس مرات على الأقل، باتباع مسارات معقدة تجعل اعتراضها صعباً، على عكس الصواريخ الباليستية، وتنتقل على ارتفاعات منخفضة في الغلاف الجوي، ما يمكّنها من الوصول إلى الأهداف بسرعة أكبر.
بينما طورت دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل أنظمة مصممة للدفاع ضد الصواريخ الجوالة (كروز)، والصواريخ الباليستية، تظل القدرة على تعقب وإسقاط صاروخ فرط صوتي محل تساؤل، حسب صحيفة the Time of Israel الإسرائيلية.
حتى الآن الصين وروسيا فقط المؤكد أنهما ينتجان صواريخ فرط صوتية، وحتى الولايات المتحدة لم تنتج صواريخ فرط صوتية، رغم أنها تجري تجارب بشأنها، إضافة لتجارب لأنظمة دفاعية مضادة للصواريخ الفرط صوتية.
كما أعلنت كوريا الشمالية أنها طورت أو تطور صواريخ فرط صوتية.
واستخدمت روسيا بكثافة الصواريخ الفرط صوتية في حرب أوكرانيا، وتحديداً صاروخ كينجال الذي يطلق من القاذفات والمقاتلات ميغ 31 المشهورة بسرعتها التي تصل لـ2.8 ماخ، ويستفيد الصاروخ من سرعة الطائرة في اكتساب مزيد من السرعة.
تفيد التقارير بأن الصواريخ الفرط صوتية يصعب اعتراضها، رغم ادعاء أوكرانيا أنها أسقطت بعضها بصواريخ باتريوت، وفي الوقت ذاته أفادت تقارير باستخدام روسيا لصواريخ كينغال لاستهداف بطاريات صواريخ باتريوت.
يعني ذلك أن إيران لو تمكنت من إنتاج صواريخ فرط صوتية؛ قد تستطيع اختراق أنظمة صواريخ باتريوت التي تحمي دول الخليج وإسرائيل (لدى إسرائيل عدة أنظمة محلية الصنع إضافة لباتريوت).
ولكن الصواريخ الفرط صوتية باهظة التكلفة، وهذا يعني عدم القدرة على إنتاجها بأعداد كبيرة، ما يقلل من تأثيراتها التدميرية، كما أن الصاروخ يوجه جزء كبير من حجمه لتوفير الطاقة اللازمة لتحريكه بسرعة.
ولكنه يمكن استخدامه ضد الأهداف عالية القيمة (بفرض دقته)، مثل المطارات والأنظمة الدفاعية الجوية، للتمهيد لاستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الأرخص تكلفة.
هل تستطيع إيران إنتاج صواريخ فرط صوتية أم أنها مجرد دعاية؟
يميل النظام الإيراني دوماً إلى المبالغة في الحديث عن قدراته العسكرية، وسبق له أن تحدث عن إنتاج مقاتلات شبحية تبين للمحللين الغربيين أنها نماذج لطائرات مشكوك أصلاً في إمكانية أن تكفي لاستيعاب طيار بشري بداخلها.
كما أن المسؤولين الإيرانيين، خاصة قيادات الحرس الثوري، مشهورون بخطابات الوعيد المتكررة التي تهدد إسرائيل بالدمار وإزالتها من الوجود أحياناً، علماً بأن تل أبيب لديها أسلحة نووية ووسائل توصِّلها لإيران، بينما ليس لدى الأخيرة أسلحة نووية.
ولكن وسط غمامة الدعاية الإيرانية فإن البلاد أنتجت بالفعل عدداً من الأسلحة التي جُربت وأثبتت فعالياتها في بعض المعارك، خاصة في اليمن ولبنان وفلسطين وسوريا والعراق. كما أن الإيرانيين طوروا برنامج صواريخ باليستية من الثورة الإسلامية عام 1979 من الصفر اعتماداً على معونة محدودة من الخارج (يعتقد أن أغلبها من كوريا الشمالية).
وأثبت مصنعو الأسلحة الإيرانيون أنهم مهرة في استنساخ الأسلحة، سواء الأمريكية القديمة التي بحوزتهم أم الروسية والصينية.
بل إنهم أنتجوا أسلحة من محاكاة حطام طائرات أمريكية وإسرائيلية مسيرة قاموا بإسقاطها.
ولكن لا يعني الحديث الإيراني عن عزمها إطلاق صواريخ فرط صوتية أنها استطاعت التوصل لهذه التكنولوجيا بالضرورة.
ولكن هذا مؤشر على أنها تسعى بالفعل إلى تحقيق هذا الهدف، خاصة أن ترسانتها من الصواريخ الباليستية الحالية يعتقد أنها لن تكون فعالة بشكل كبير أمام الأنظمة الأمريكية والإسرائيلية الدفاعية المنتشرة في المنطقة.
قد يحاول الإيرانيون الحصول على بعض المساعدة في مجال تكنولوجيا الصواريخ الفرط صوتية من الروس بعدما تعززت علاقتهم بموسكو وأمدوها بأعداد كبيرة من المسيرات، ويقال الصواريخ أيضاً.
ولكن في الأغلب فإن موسكو لن تزودهم بمثل هذه التقنيات المتطورة، فروسيا دوماً كانت حذرة في نقل التكنولوجيا والأسلحة إلى إيران خصمها التاريخي القديم.
وقد يحاول الإيرانيون في المقابل الحصول على هذه التقنية من كوريا الشمالية إذا صحت التقارير على أنها أنتجت صواريخ فرط صوتية، خاصة أن بيونغ يانغ ليس لديها شيء تخسره، وهي بالأصل محاصرة من أمريكا وحلفائها.
والأكثر احتمالاً أن طهران، في ضوء هذه التقرير وفي ضوء التجارب السابقة لها، تحاول أن تخط مسارها الخاص في تطوير تكنولوجيا محلية لإنتاج صواريخ فرط صوتية اعتماداً على ذاتها.
ماذا يعني امتلاك إيران مثل هذه الصواريخ للشرق الأوسط؟
دون استيراد أي تكنولوجيا من الخارج فإن إنتاج إيران لصواريخ فرط صوتية قد يطول، ولكن كما تشير تجربة إيران فإنها قد تستطيع أن تفعل ذلك في نهاية المطاف، وهو أمر من شأنه أن يمثل انقلاباً في موازين القوى في الشرق الأوسط، خاصة إذا عمدت طهران إلى إنتاج قنابل نووية مع توسعها في تخصيب اليورانيوم، بشكل يقول الغرب إنه يقربها من ساعة الصفر النووية.
لأن هذا يعني أنها سوف يصبح لديها أسلحة دمار شامل مع أدوات توصيل تتخطى الأنظمة الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية الحالية.
وعلى الأرجح فإن هذا الاحتمال قد يدفع الولايات المتحدة إلى تسريع مشروعاتها لإنتاج أنظمة مضادة للصواريخ الفرط صوتية، وكذلك ستفعل إسرائيل، خاصة أن البلدين يستثمران بشكل كثيف في تطوير أسلحة الليزر لاستخدامها في مواجهة الأهداف الجوية.
وقد يدفع برنامج إيران المحتمل لإنتاج الصواريخ الفرط صوتية، تل أبيب، لتشجيع الولايات المتحدة على ضربها عسكرياً قبل أن يُستكمل هذا البرنامج أو بذريعته على الأقل.
في المقابل، فقد يكون الإعلان الإيراني عن هذا البرنامج هدفه ردع إسرائيل عن قصفها.
ويبدو أن العالم بما فيه في منطقة الشرق الأوسط سوف يشهد سباقاً بين محاولات تطوير صواريخ فرط صوتية من قبل روسيا والصين، وقد تلحق بهما كوريا وإيران، وبين أنظمة الليزر الدفاعية التي تسعى إليها أمريكا وإسرائيل.