كانت الطائرات المروحية الهجومية أحد الأسلحة الهجومية الرئيسية في الحروب، لكن الحرب في أوكرانيا شهدت بداية النهاية لذلك المفهوم، فما علاقة المسيرات القاتلة وأنظمة الصواريخ بهذا التحول العسكري الكبير؟
فالطائرات الهليكوبتر الهجومية مزودة بجميع أنواع الذخائر، من المدافع الرشاشة إلى الصواريخ أرض-جو، كما تمثل قدرتها على الثبات في سماء المعركة ميزة كبيرة للقوات البرية التي تواجه مقاومة شرسة، حيث تمثل غطاء نارياً ثابتاً فوق رؤوسهم مباشرة، وتمثل عامل تخويف مهماً لقوات العدو.
لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، حمل أنباء سيئة للغاية للمقاتلات العامودية، فهل اقتربت نهايتها؟
حرب أوكرانيا.. نذير شؤم للهليكوبتر الهجومية
"هل أفلت شمس الهليكوبتر الهجومية أخيراً؟"، تحت هذا العنوان نشر موقع Popular Mechanics العسكري الأمريكي تقريراً يلقي الضوء على الخطر الداهم الذي تواجهه صناعة الطائرات العامودية العسكرية ككل، بعد التطور المذهل في أنظمة الصواريخ عموماً، والمحمولة كتفاً بشكل خاص.
ومنذ اختراع طائرات الهليكوبتر القتالية، كان أحد أبرز المشاهد المحفزة في ساحة المعركة الحديثة يتمثل في رؤية تلك المقاتلات الهجومية، المدججة بالمدافع والقذائف والصواريخ، تحوم على ارتفاع منخفض وتنفث نيرانها القاتلة نحو قوات العدو.
لكن تشير الأدلة إلى تغيير كبير في تلك الصورة، حيث أصبحت الطائرات من هذا النوع تتمركز خلف القوات المهاجمة وتطلق قذائفها نحو العدو من مسافات أبعد، ويرجع هذا التحول إلى سببين رئيسيين: الأول هو طبيعة الطائرات الهليكوبتر نفسها، أما السبب الثاني فهو انتشار الصواريخ المحمولة على الكتف، من الأنواع المضادة للطائرات، والتي تسقط الطائرات الهليكوبتر كما يتساقط الذباب.
وفي هذا السياق ربما تكون حرب أوكرانيا، التي بدأت يوم 24 فبراير/شباط 2022، هي المحطة الأخيرة في حياة الطائرات الهليكوبتر القتالية، بعد أن تم إسقاط أعداد كبيرة من تلك المقاتلات الروسية والأوكرانية، حيث أشارت تقارير إلى إسقاط 62 مقاتلة روسية على الأقل، منها 35 من طراز كاموف كا-52 و12 من طراز ميل-مي-28 و9 من طراز مي-35 و6 من طراز أقدم هو مي-24.
وتمثل هذه الخسائر ضربة موجعة لترسانة روسيا من الطائرات الهليكوبتر القتالية، خصوصاً من طراز كاموف-كا-52، إذ يمثل ما تم إسقاطه من هذا الطراز 30% من أسطول روسيا منه. أما أوكرانيا، فالأمور تبدو أفضل قليلاً، إذ تم إسقاط 4 طائرات فقط من طراز مي-24، لكن تلك المقاتلات الأربع تمثل أكثر من 10% مما تمتلكه أوكرانيا من طائرات عامودية حربية بالكامل.
فما السبب في تلك الخسائر الضخمة؟ بما أن روسيا في وضع الهجوم، تتعرض طائراتها الهليكوبتر إلى مواقف تكون فيها أكثر ضعفا، حيث يتم نشرها في مناطق تواجد القوات الأوكرانية، التي تكون متمرسة ومستعدة لاستهداف تلك المقاتلات.
لكن ما يزيد من حجم المخاطر بشكل لافت هو العدد الضخم من الصواريخ أرض-جو قصيرة المدى التي يوفرها حلف الناتو لأوكرانيا، إذ أرسل الحلف العسكري الغربي الآلاف من الصواريخ المحمولة على الكتف، ومنها 2557 صاروخ من طراز سترينغر، وعدد غير معلوم من صواريخ بوريوم وسونغور وصواريخ ستريلا-2 وصواريخ إيغلا وغيرها من الأنواع.
وتمثل هذه الأنظمة الصاروخية التي يحملها الأفراد ويختبأون في خنادقهم ويطلقونها تجاه الطائرات الهليكوبتر القتالية لتتساقط كالذباب، خطراً داهماً على تلك المقاتلات ذات الأجنحة الثابتة والمروحية الدوارة، بسبب سهولة إطلاق الصواريخ ودقتها العالية.
حرب فيتنام.. تطور مقاتلات الهليكوبتر
يرجع تاريخ التطور الكبير الذي شهدته المقاتلات العامودية إلى الحرب الأمريكية في فيتنام، حيث وظفها الجيش الأمريكي بشكل موسع في نقل الجنود من وإلى ساحات القتال، وكانت تلك الطائرات الهليكوبتر تتعرض لإطلاق نار كثيف بطبيعة الحال.
وبالتالي كانت الخطوة الأولى في التطوير هي تزويد المرحيات بمدافع رشاشة وصواريخ جو-أرض لتتمكن من إسكات نيران الفيتناميين، لكن الجيش قرر أنه بحاجة إلى طائرات هليكوبتر مسلحة بشكل جيد للقيام بمهام قتالية هجومية في ساحة المعركة وتكون بمثابة سلاح مدفعية طائر، وليس فقط نقل الجنود وإخلاء الجرحى.
وكانت النتيجة هي الطائرة إيه إتش-1 من طراز كوبرا، المزودة بمدفع عيار 20 ملم وقذائف صاروخية عيار 70 ملم. وبعد حرب فيتنام، طور الجيش طائرات كوبرا لتقوم بدور مدفعية مضادة للدبابات، فتم تزويدها بصواريخ جو-أرض مضادة للدروع. وفي حالة اندلاع الحرب العالمية الثالثة واجتياح الاتحاد السوفييتي لأوروبا، كانت طائرات كوبرا هي السلاح الأبرز لمواجهة الدبابات السوفييتية، بحسب سيناريوهات الحرب في تلك الفترة.
لكن رغم المميزات الواضحة لطائرات كوبرا القتالية، كان هناك تخوف منطقي يتعلق بالأسلحة الأكثر تطوراً في ترسانة الاتحاد السوفييتي، فالطائرات الهليكوبتر تتسم بالسرعة والتسليح الجيد، لكنها أقل سرعة من الطائرات ذات المحركات النفاثة، كما أن الحاجة للحفاظ على أخف وزن ممكن للطائرة يجعلها أقل تسليحاً من الدبابات.
وكانت الولايات المتحدة قد فقدت عدداً مرعباً من طائراتها الهليكوبتر القتالية، من جميع الموديلات والطرازات، بلغ عددها 5607 طائرة، تم إسقاطها بواسطة أسلحة صغيرة ومضادات طائرات خفيفة المقذوف.
على أية حال، لم تندلع الحرب العالمية الثالثة، حيث تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1990 وانتهت الحرب الباردة دون أن تتعرض أوروبا للاجتياح كما كان متوقعاً من جانب الأمريكيين، ومن ثم لم تتعرض الطائرات المروحية القتالية لاختبار حقيقي في حرب كبرى.
لكن كانت هناك مؤشرات على ما ينتظر الطائرات العامودية القتالية، ففي عام 1999، خلال الحرب في البلقان، نشرت القوات الأمريكية مروحيات قتالية هجومية في ألبانيا للتدخل في حرب يوغسلافيا السابقة، لكن لم يتم إرسال أي منها إلى ساحات القتال، خوفاً من الصواريخ أرض-جو المحمولة على الكتف، والقذائف المضادة للطائرات وغيرها من الأسلحة القاتلة لذلك النوع من الطائرات.
وخلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تم نشر 32 طائرة من طراز أباتشي بغرض التحليق فوق أماكن تمركز القوات العراقية، فتم إسقاط إحداها، كما تعرضت العديد منها لإصابات بالغة أجبرتها على التراجع، بعد أن تعرض السرب لنيران كثيفة من جانب القوات العراقية.
هل انتهى عصر المروحيات القتالية؟
الآن وبعد التطور المذهل في أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية والمدفعية المضادة للطائرات والمسيرات القتالية، من الطبيعي أن يصبح التساؤل متعلقاً بمستقبل صناعة المرحيات القتالية الهجومية بشكل عام، فهل اقتربت نهاية هذا السلاح؟
يمتلك الجيش الأمريكي حالياً نحو ألف مروحية مقاتلة، الغالبية العظمى منها من طراز أباتشي، و91 منها من طراز إيه إتش-64، علماً أن الطائرة الواحدة من هذا الطراز المتطور يبلغ ثمنها 36 مليون دولار، وهو رقم باهظ للغاية.
ويقود الطائرة المروحية طيار ومساعده، وكما أثبتت الحرب في أوكرانيا، لا ينجو أي منهما في حالة إسقاط المقاتلة بصاروخ أرض-جو محمول على الكتف، وهو ما يعني تعريض حياة طياري تلك المقاتلات لخطر داهم، على عكس المسيرات التي يتم التحكم فيها عن بعد على سبيل المثال. وبالتالي فإن استمرار هذه المقارنة يعني أن الوقت ربما قد حان للتخلي تماماً عن المروحيات الهجومية لصالح المسيرات.
وهذا الرأي عبَّر عنه مارك كانسيان، المستشار البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بقوله لموقع Popular Mechanics إن "أمر المروحيات الهجومية قد حسم"، مضيفاً أن ذلك النوع من أنظمة القتال "لم يحقق نجاحاً يذكر في حرب أوكرانيا، كما أن كييف لم تطلب التزود بأي منها، وهو ما يشير إلى فقدان المروحيات لأهميتها، بناء على تجربة الحرب".
ويبدو أن رسالة الحرب في أوكرانيا المتعلقة بعدم جدوى المروحيات القتالية قد تردد صداها وصولاً إلى الصين، حيث قرر جيش التحرير الشعبي التركيز أكثر على إنتاج وتطوير الطائرات المسيرة عوضاً عن الإنفاق على إنتاج وتطوير الهليكوبتر القتالة الهجومية تحديداً.
وفي الوقت الذي لا تبدي الولايات المتحدة نواياها في هذا المسألة، ربما بسبب امتلاكها أعداداً كبيرة وأنواعاً عديدة من المروحيات بتكلفة باهظة، ومن ثم تواصل توظيفها أو على الأقل بيعها لمشترين راغبين، لكن السؤال هنا: إلى متى؟