تحدث رموز من المعارضة التركية يوم الانتخابات عن أنهم متقدمون في الأصوات، ويقتربون من الفوز على الرئيس رجب طيب أردوغان، ولكن المسؤول عن إحصاء الأصوات في حزب الشعب اعترف بأن كليجدار أوغلو لم يتقدم إطلاقاً، وأن هذه كانت مجرد دعاية، فهل تستطيع المعارضة استعادة الزخم بعدما صدمت أنصارها.
بعد قضاء اليوم في التمشية تحت أشعة الشمس من أجل بلوغ صناديق الاقتراع والتصويت لصالح المعارضة التركية، اجتمعت آيتن البالغة 24 عاماً مع أصدقائها بكل حماس لمشاهدة النتائج على شاشة التلفزيون، بينما يتصفحون التغريدات على تويتر. لكن حماسهم تبخّر تدريجياً مع استمرار فرز الأصوات الانتخابية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وبحلول الساعة الثالثة من صباح 15 مايو/أيار، ألقى رجب طيب أردوغان خطبة النصر أمام حشد يقف خارج المقر الرئيسي لحزبه في أنقرة، وامتدح تقدمه على المعارضة والأغلبية التي حظي بها ائتلافه داخل البرلمان، والتي خالفت توقعات المعارضة.
وربما أجبرت المعارضة التركية بقيادة المحاسب السابق كمال كليجدار أوغلو الرئيس أردوغان على خوض جولة إعادة، في عثرةٍ نادرة للزعيم الذي يشغل المنصب منذ عقدين. لكن يبدو أن أردوغان استرد عافيته ويحتل الصدارة قبل الاقتراع المنتظر في 28 مايو/أيار، بعد أن حصد 49.5% من الأصوات مقابل 44.9% لصالح كليجدار أوغلو في الجولة الأولى.
كليجدار يصرخ أنا موجود.. والمعارضة التركية فقدت ثقة أنصارها
ويقول ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الغارديان البريطانية سابقاً: لقد أثار أداء الرئيس رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التركية صدمةً كبيرة في صفوف المعارضة، لدرجة أنهم استغرقوا أربعة أيام للتعافي.
في تلك الأثناء وصلت المعارضة إلى درجةٍ من التخبُّط، أجبرت مرشحها الرئاسي على نشر فيديو ليُثبت أنه لا يزال في المنافسة، إذ صرخ في مقطع الفيديو وهو يضرب براحته على الطاولة قائلاً: "أنا هنا"، لكننا شهدنا ظهور مرشح مختلف كلياً مع استئناف حملته.
بينما تعاني المعارضة التركية من فقدان الحماس بين صفوف أنصارها؛ إذ قالت آيتن: "يجب على المعارضة أن تُشعِر مؤيديها بالثقة، لكن هذا لا يحدث. ولا يصوت الناس من منطلق الثقة، بل من منطلق شعورهم بضرورة التصويت".
وعند استطلاع آراء الناخبين قبل الجولة الأولى، ذكر غالبيتهم أن مصدر قلقهم الرئيسي يتمثل في الأزمة الاقتصادية الجارية. واعتقدت المعارضة أن ذلك الأمر سيكفي لإقناع العامة بالتخلي عن أردوغان بعد مرور عقدين. لكن غالبية الناخبين لم يكونوا مقتنعين بقدرة كليجدار أوغلو على الفوز، حتى في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات.
وشجّع أردوغان أنصاره على النزول إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية، وحذرهم من الشعور بالطمأنينة. وقال عن المعارضة: "على الرغم من تخلّفهم في النتائج، لكنهم يفعلون كل ما بوسعهم لتعكير صفو الأجواء والتغطية على الإرادة الوطنية. وتأكدوا أنهم سيحافظون على هذا الموقف حتى الـ28 من مايو/أيار: وإذا لم نقف بصلابة ونواصل بالنهج الذي بدأناه؛ فلا شك أن الجانب الآخر سينقض على صناديق الاقتراع حاملاً مواقفه الفاشية وعديمة الاحترام".
وفي دفعةٍ إضافية للرئيس، أعلن المرشح القومي سنان أوغان -الذي حلّ ثالثاً في الجولة الأولى وحصل على أكثر من 5 % من الأصوات- عن دعمه لأردوغان رسمياً في يوم الإثنين، 22 مايو/أيار.
وذلك بعد أن سمعوا قادة المعارضة يقولون إنهم يفوزون
وقال غالبية ناخبي المعارضة إنهم ينوون التصويت في جولة الإعادة، لكن بعضهم قال إنه سيمتنع عن المشاركة، مما قد يمثل خسارةً مميتة بالنسبة لكليجدار أوغلو.
وقال فايز (41 عاماً)، مالك أحد المقاهي: "لا أنوي التصويت في الجولة الثانية، ولا أريد الوقوف في الطابور لساعات. أعتقد أن الجميع قد تقبل فكرة إخفاق المعارضة. والناس على قناعةٍ بأن أردوغان قد فاز بالفعل".
يُذكر أن فايز قد صوت لكليجدار أوغلو وحزبه، حزب الشعب الجمهوري، خلال الجولة الأولى. وأوضح فايز أنه فعل ذلك "لأنه كان هناك أمل. لكن لا أحد يشعر بأي أمل الآن".
وكما هو حال آيتن، فقد هرع فايز عائداً إلى منزله لمتابعة النتائج. واستمع بإنصات إلى عمدتي إسطنبول وأنقرة، إكرام إمام أوغلو ومنصور يواش، وهما يعلنان تقدم المعارضة ويزعمان أن النتائج التي تنشرها وكالة الأناضول غير جديرة بالثقة.
وأوضح فايز: "لقد صدقتهما عندما سمعتهما يقولان ذلك في التلفزيون، ثم أدركت أن الوضع لم يكن كذلك". وفي الصباح التالي ليوم الاقتراع، كانت آمال فايز قد تبخرت وفقد ثقته في المعارضة.
ومع تقدم الأسبوع، بدأ أنصار المعارضة في استغلال الأمثلة على وجود اختلافات في فرز الأصوات، بما في ذلك البيانات التي أُدخِلَت بطريقة خاطئة في المنظومة التي يديرها المجلس الأعلى للانتخابات. بينما صرّح مسؤول حزب الشعب الجمهوري، محرم إركيك، بعدها، بأن المعارضة طعنت في نتائج 2,269 صندوق اقتراع للانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى عدد أكبر من الأصوات البرلمانية. لكن تلك الاختلافات البسيطة لم تكن ستغير حقيقة خسارتهم؛ حيث قال إركيك: "نتابع كل صوت حتى وإن لم يكن سيغير النتائج العامة".
ووعد حزب الشعب الجمهوري بإجراء عملية فرز موازية للأصوات ونشر بياناته الخاصة أمام الرأي العام، لكن تلك البيانات لم تُنشر بعد. وبدلاً من ذلك، ترددت وسط ناخبي المعارضة مشاعر الخوف والذعر حيال ربط خسارتهم بتلاعب انتخابي غير واضح المعالم.
ولكن المسؤول عن الانتخابات في حزب الشعب كشف حقيقة صادمة
وكشف رئيس الأمن السيبراني في حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا سادات دوغان زيف المزاعم التي صدرت من مسؤولين كبار من الحزب بشأن تقدم كليجدار في البداية، حيث قال عبر حسابه في "لينكد إن"، الإثنين 22 مايو/أيار، إن الوقت قد حان "لقول الحقيقة"، محتجاً على مزاعم أوردها صحفيون وجهات معارضة حول حصول "تضليل" و"سرقة أصوات" وأن لدى حزب الشعب الجمهوري بيانات مختلفة عن التي نشرتها الهيئة العليا للانتخابات في تركيا.
وكتب: "لقد عملت المنظومة بسلاسة، ولم تتعطل لثانيةٍ واحدة، ولم تسجل أي خطأ.. والنتيجة التي ظهرت على شاشاتنا في تمام الساعة التاسعة (مساء بتوقيت تركيا) هي النتيجة الصحيحة، بغض النظر عن فحواها".
وكان أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول القيادي بحزب الشعب الجمهوري، قد أدلى بتصريح "مستفز للغاية" أثناء فرز الأصوات مساء 14 مايو/أيار، عندما قال: "نحن متقدمون. نحن نفوز"، وفق "يني شفق".
وقال الصحفي أوزلام غورسيس إن حزب الشعب الجمهوري كان يتلقى نتائج الانتخابات من أربعة مصادر مختلفة، وكانت هناك اختلافات كبيرة بين البيانات الواردة، مما تسبب في حدوث ارتباك.
وقال رئيس الأمن السيبراني في حزب الشعب "هناك أيضاً صحفيون كنا نستمع إليهم كرجالٍ ونساء.. لكنهم يكذبون على عامة الشعب. وسيلحقهم العار عندما أنشر تسجيلاتهم. لا أفهم كيف يُقبلون على مخاطرة كهذه".
وقال رئيس الأمن السيبراني في حزب الشعب: "كليجدار أوغلو لم يحقق الفوز في منظومتنا مطلقاً. لكن الفرق الخاصة برؤساء البلدية كانت تعمل بشكل منفصل".
ماذا قالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن الانتخابات؟
بينما قال مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن عملية التصويت قد تمت بعدالة، على الرغم من إجرائها وسط بيئة سياسية غير ديمقراطية، حسب زعمهم دون أن توضح ماذا يعني ذلك، حيث قالوا: "تمت إدارة الانتخابات العامة التركية بصورة جيدة، ومنحت الناخبين فرصة الاختيار بين بدائل سياسية حقيقية، لكن الرئيس الحالي والأحزاب الحاكمة تمتعت بأفضلية غير مبررة"، حسب ما نقلت عنهم الصحيفة البريطانية، بالطبع دون الإشارة لأدلة على ذلك.
بالطبع، وسائل الإعلام الغربية والمراقبون الغربيون لم يلتفتوا كثيراً إلى عملية التحريض العنصري ضد اللاجئين والمحافظين ومتضرري الزلزال بما في ذلك طردهم من محال إقامتهم، وكذلك الإساءة للمحجبات المسجلة في فيديوهات، والتحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى قيام شاب بحبس والده حتى لا يصوت لأردوغان، باعتبارها أشكالاً من الانتهاكات من قبل المعارضة، إضافة للتحريض الغربي، مما خلق أحياناً بيئة غير مواتية لأردوغان في حقيقة الأمر.
ناهيك عن حقيقة أن الانحياز الجزئي للنخب التركية لحزب الشعب، والتاريخ الطويل من التهميش للمحافظين، هو في حد ذاته أكبر مظهر من مظاهرة الظروف غير المواتية لصالح أردوغان وحزبه.
وكانت أيتن من بين ناخبي المعارضة الذين تولّد لديهم شعور بعدم الثقة في نتائج الجولة الأولى، وذلك نتيجةً لمزاعم ما قبل الانتخابات من أن الحكومة لن تحترم النتيجة حال خسارتها. وقالت: "لم أثق في النتائج المعلنة".
كليجدار يلجأ للتحريض ضد اللاجئين
وتطرقت صحيفة The Guardian البريطانية اليسارية لتحول كليجدار للتحريض على اللاجئين السوريين، فاكتفت بوصفها بأنها محاولة يائسة لسد الفجوة مع خصمه وحصد أصوات اليمين القومي التركي.
وقالت: لقد زاد كليجدار أوغلو من حدة خطابه وكرر وعوده بترحيل ملايين اللاجئين؛ حيث قال: "يجب على من يحبون بلدهم أن يتوجهوا لصناديق الاقتراع!".
تجدر الإشارة إلى أن كليجدار تلقى تأييد رئيس حزب النظر المتطرف واتفقها على طرد اللاجئين خلال عام واحد، حسب قوله.
ويبدو أن تصوير كليجدار لنفسه كنسخة تركية من غاندي، قد ذهب أدراج الرياح، حسب تعبير ديفيد هيرست، حيث كان يُصوّر رسائل حملته من المطبخ، واختفت أيضاً شخصية المفاوض الشامل الذي يسعى لتحقيق التوافق، والذي سيقود تركيا إلى عصر ما بعد الاستبداد، كما اختفت رموز القلب التعبيرية التي كانت ترافق منشوراته.
وظهر كليجدار بذلك كقومي متشدد يحاول شق طريقه نحو السلطة محمولاً على أكتاف الفصيل الأكثر ضعفاً في بلاده، وهم اللاجئون السوريون الذين يصل عددهم إلى 3.6 مليون شخص داخل تركيا، حسب وصف ديفيد هيرست.
وأدلى مسؤول معارض بتصريح أكثر صراحةً من اللازم لموقع "Middle East Eye" البريطاني، عندما قال: "هذا خيار بسيط بين كليجدار أوغلو وأردوغان، وموضوعنا الرئيسي هو الخوف، حيث سنُذكِّر الناس بما سيبدو عليه شكل السنوات الخمس المقبلة في حال إعادة انتخابه".
بعد الإدلاء بذلك التصريح انتشرت اللوحات الدعائية للحملة الانتخابية في كل مكان وهي تحمل العبارة التالية: "سيرحل السوريون، القرار لك!".
وناك تقارير عن غضب بل استقالات في أوساط حزب المستقبل المحافظ الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، حيث قدم 4 من أعضاء حزب المستقبل استقالاتهم مؤخراً، حسبما قال عضو الهيئة التأسيسية في حزب المستقبل التركي المعارض خالد خوجة لموقع الجزيرة.نت.
كما انتقد نائب رئيس الحزب تحالف كليدجار مع حزب النصر، والذي تخالف بنوده اتفاق الطاولة السداسية، خاصة فيما يتعلق بالمهاجرين والأكراد.
تهدد هذه السياسة بفقدان كليدجار لأصوات المعتدلين من المحافظين والليبراليين وكذلك الأكراد.
على جانب آخر، دعا كليجدار أوغلو لزيادة عدد مراقبي الانتخابات، متجاهلاً اتهامات بعض الصحفيين الأتراك لحزب الشعب الجمهوري بترك 20,000 صندوق اقتراع دون مراقبين في الجولة الأولى، رغم وعودهم بتشديد إجراءات حماية الانتخابات.
وأردف كليجدار أوغلو: "لا نحتاج هذه المرة إلى مراقب أو اثنين، بل نحتاج لخمسة مراقبين عند كل صندوق اقتراع. ونحتاج للمزيد من مراقبي الصناديق الشجعان… الذين يمكننا الاعتماد عليهم تحت أي ظروف".
لكن تحركات كليجدار أوغلو لم تُطمئن آيتن التي لا تزال تشعر باليأس؛ إذ قالت: "أنا وعائلتي وأصدقائي سنصوّت ثانيةً. يقولون إن واجبنا كمواطنين أن ندلي بأصواتنا؛ لكنني لا أعلم ما إن كان يجب على المرء التفاؤل بشأن النتيجة".