يبدو أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، قد غير شكل حربه على بوليوود، فبدلاً من مهاجمتها ومحاولة حصارها، كما كان يفعل سابقاً، يحاول اختراقها، في محاولة لتحويلها من ساحة للتمازج بين المسلمين والهندوس في الهند لأداة للتحريض على الأقلية المسلمة.
حافظت بوليوود، في أغلب الأحيان، على خلوها من ويلات الصراع بين الهندوس والمسلمين في الهند. وبفضل قيمها الليبرالية ونجومها المسلمين وزيجات المشاهير بين الهندوس والمسلمين، كانت صناعة السينما الهندية في بعض النواحي ترياقاً قوياً ضد هذه الصراعات.
لكن يشير الخلاف المُسيَّس بشدة حول فيلم منخفض الميزانية، يُزعَم أنه معادٍ للإسلام بعنوان "قصة كيرالا"، الذي صدر هذا الشهر، إلى أنَّ تاريخ التسامح هذا في خطر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Economist البريطانية.
وقد أثار الجدل المحيط بالفيلم اشتباكات طائفية، أسفرت عن مقتل شخص واحد على الأقل، واعتقال أكثر من 100 في ولاية ماهاراشترا الغربية.
العلاقة بين بوليوود والمسلمين تغضب مودي
رغم نفوذ مودي القوي في بوليوود، وتأييد عدد من النجوم الهنود له، ولكن كان لديه معها دوماً مشكلة.
فلطالما احتفلت أفلام بوليوود بالهند التعددية، مما جعل الصناعة – والنخبة المسلمة فيها – هدفاً رئيسياً لرئيس وزراء الهند المتشدد ناريندرا مودي.
وعلى عكس بوليوود، لا ينظر مودي إلى الهند على أنها ثقافة متنوعة، ساهم فيها كل من الهندوس والمسلمين والسيخ والمسيحيين، بل ككيان هندوسي أساساً يكمن مصيره في إحداث نهضة ثقافية هندوسية.
وهذا متوقع من سياسي شهد تاريخه عندما كان رئيساً لوزراء ولاية غوجارات الغربية التواطؤ في أعمال شغب شبيهة بالمذبحة عام 2002، قُتل فيها أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المسلمين، حسبما ورد في تقرير لموقع the Atlantic الأمريكي.
كما أن للمسلمين تأثيراً قوياً في بوليوود، حيث برز ممثلون مثل شاروخان وسلمان خان وأمير خان على مدار الثلاثين عاماً الماضية: من بين الأفلام العشرة الأكثر ربحاً في تاريخ بوليوود، 6 أفلام من عائلة خان. (الثلاثة غير مرتبطين) العديد من استوديوهات بوليوود الأكثر نفوذاً كانت مملوكة لعائلات مسلمة.
والزيجات المشتركة بين المسلمين والهندوس شائعة في بوليوود أكثر من بقية المجتمع الهندي.
ولذلك طالما، كانت بوليوود هدفاً لحزب بهارتيا جاناتا، خاصة أنها تبدو من المعاقل القليلة في البلاد التي ما زالت خارجة عن سيطرته الكاملة.
دعوة لقطع أنف ممثلة بسبب علاقة حب في فيلم بين ملك مسلم وملكة هندوسية
في عام 2018، قدّم القوميون الهندوس مكافأة لمن يقطع أنف الممثلة ديبيكا بادوكون، لأنها كانت تلعب دور البطولة في فيلم تاريخي يُشاع أنه يصور مشهداً حميمياً بين ملك مسلم وملكة هندوسية.
تستخدم حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وحزبه الهندوسي القومي حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) أدوات قوية للحدّ من الحرية الإبداعية لبوليوود – ولا سيما تأثير المسلمين، الذين لديهم حجم كبير من الحضور في الصناعة.
تشمل الإجراءات التي دفعتها حكومة مودي تحقيقات ضريبية عشوائية، واتهامات ملفقة ضد الممثلين والمخرجين، والترهيب والمضايقات رداً على بعض الأفلام والبرامج التلفزيونية، حسب موقع the Atlantic.
خوفاً من حدوث ما هو أسوأ، التزمت بوليوود الصمت في الغالب في مواجهة استجابة الحكومة الكارثية لوباء فيروس كورونا، رغم أنها شهدت اعتراضات على قانون يحرم بعض فئات المسلمين من الجنسية.
مودي يغيّر أسلوبه، يحاول تجنيد بوليوود في حملته ضد المسلمين
ولكن يبدو أن مودي وحزبه يقومان بتغيير تكتيكاتهم، عبر الدفع أو الترويج لأفلام تعبّر عن نظرتهم القومية المتشددة واستخدام الأفلام للتحريض على المسلمين.
وقد بدأ الجدل حتى قبل الإصدار الحديث لفيلم "قصة كيرالا"، الذي يدور حول امرأة هندوسية خيالية تحوّلت إلى الإسلام، ثم تحولت إلى التطرف.
وزعم إعلان تسويقي للفيلم أنَّ 32000 فتاة من ولاية كيرالا الجنوبية قد تحوّلن قسراً إلى الإسلام، ثم انضممن إلى الجماعات الجهادية في سوريا واليمن. وكانت هذه مبالغة فادحة.
إعفاءات ضريبية للفيلم المثير للجدل
في عام 2016، غادر نحو 20 شاباً وشابة ولاية كيرالا الجنوبية المزدهرة والمعروفة بمستوياتها التعليمية العالية؛ للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". لكن ذلك لم يمنع ناريندرا مودي وحزبه الهندوسي القومي (بهاراتيا جاناتا) من الدفاع عن الفيلم بحماس. وأثناء مشاركته في الحملة الانتخابية لولاية كارناتاكا الأخيرة، زعم رئيس وزراء الهند أنَّ الفيلم كشف عن "شكل جديد من الإرهاب".
وأعلنت ولايتان كبيرتان يديرهما حزب بهاراتيا جاناتا، وهما ماديا براديش وأوتار براديش، عن إعفاءات ضريبية للفيلم. وكتب رئيس وزراء حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية آسام، في تغريدة: "يجب على الجميع مشاهدة هذا الفيلم مع بناتهم". بينما أدان زعماء المعارضة ذلك. ووصف رئيس الوزراء الشيوعي في ولاية كيرالا الفيلم بأنه "من إنتاج سانغ باريفار"، وهي مجموعة من المنظمات الهندوسية اليمينية. بينما في ولاية تاميل نادو، سحبت دور السينما الفيلم. وحظرته ولاية البنغال الغربية، على الرغم من إلغاء المحكمة العليا في الهند الحظر لاحقاً.
الفيلم يحاول الترويج لأكذوبة جهاد الحب
ويستغل فيلم "قصة كيرالا" التطرف الواقعي لحفنة من مسلمي كيرالا لنشر نظرية مؤامرة هندوسية يمينية تُعرَف باسم "جهاد الحب"، التي تقول إنَّ رجالاً مسلمين أقوياء يوقعون شابات بريئات غير مسلمات فريسات لهم. وأدت مثل هذه المؤامرات الهندوسية، التي أجّجها سياسيو حزب بهاراتيا جاناتا، إلى تصاعد الهجمات على غير الهندوس، كما ورد هذا الشهر في أحدث تقرير سنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول الحرية الدينية: "الهجمات على أفراد الأقليات الدينية؛ بما في ذلك القتل والاعتداء والتخويف، وقعت على مدار العام".
ولطالما حمل الزواج العابر للأديان وصمة عار اجتماعية، وواجه مقاومةً من جميع الأديان في الهند، لأن مثل هذا الزواج يتطلَّب في كثيرٍ من الأحيان التحوُّل الديني.
ولكن في السنوات الأخيرة، منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى السلطة، أصبحت مثل هذه الزيجات -لا سيَّما بين النساء الهندوس والرجال المسلمين- بؤرةً سياسيةً خطيرة بسبب مؤامرةٍ فاقدة للمصداقية، ولكنها منتشرة تُعرف باسم "جهاد الحب".
يزعم أولئك الذين يؤمنون بهذه النظرية أن الرجال المسلمين يغرون النساء الهندوسيات بالزواج بدعوى كاذبة، من أجل تحويلهن إلى الإسلام وضمان هيمنة المسلمين على الهندوس في الهند.
لكن وفقاً لوكالة التحقيق الوطنية الهندية لا يوجد دليلٌ على "جهاد الحب"، ولا ينعكس ذلك في بيانات السكان في الهند، حيث لا يزال الهندوس يشكِّلون حوالي 80% والمسلمون 14%.
ولكن ما كان من قبل نظريةً متطرِّفة هامشية صار الآن جزءاً من التيار السياسي السائد، وفي العام الماضي أصدرت العديد من الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، بما في ذلك أوتار براديش ومادهيا براديش، تشريعاتٍ لتضييق الخناق على الزواج العابر للأديان، وهي قوانين تُعرَف باسم قوانين "جهاد الحب".
في حين أن التشريع يشمل جميع الأديان، فقد استُخدِمَ في الغالب على مدار العام الماضي لاستهداف الأقليات، بالإضافة إلى تشجيع الجماعات الهندوسية اليمينية الأهلية لوقف الزواج العابر للأديان.
لكن قانون حظر التحول الديني غير المشروع يهدف إلى مكافحة "جهاد الحب"، وهو مصطلح معاد للإسلام تستخدمه الجماعات الهندوسية المتشددة لمنع زواج المسلمين من النساء الهندوسيات، بحجة أن هذا الزواج يهدف إلى إرغام المرأة الهندوسية على تغيير ديانتها إلى الإسلام.
في ولاية أوتار براديش، تعرَّض الرجال المسلمون الذين حاولوا الزواج من نساءٍ هندوسيات لهجماتٍ عنيفة، وأُجبِروا على الاختباء أو زُجَّ بهم في السجن. والأشخاص الـ208 الذين اعتُقِلوا بموجب قانون مكافحة التحوُّل الجديد، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وأغسطس/آب 2021، كانوا جميعاً مسلمين.
ويُزعَم أنَّ فيلماً هندياً آخر مثيراً للانقسام، باسم "ملفات كشمير"، وهي رواية مؤيدة للهندوس عن مأساة كشمير المستمرة، الذي صدر العام الماضي، حرّض أيضاً على بعض هذا العنف. وروّج مودي وحزبه لهذا الفيلم أيضاً بقوة. ولهذا، يمثل فيلم "قصة كيرالا"، الذي يُعرَض الآن في ما يقرب من 1500 دار سينما في الهند وخارجها، اتجاهاً مثيراً للقلق؛ وهو تعاون متزايد بين السياسة الشوفينية لمودي والثقافة الشعبية الهندية.