بينما تستعد المملكة العربية السعودية للانضمام المحتمل إلى مجموعة بريكس الاقتصادية، هناك الكثير مما يجب مراعاته من حيث التأثير على اقتصاد البلاد. في حين أن البعض قد ينظر إلى هذا على أنه تحرك جيوسياسي بسيط، فقد تكون له آثار اقتصادية كبيرة على المنطقة والعالم ككل، كما يقول تقرير لمجلة modern diplomacy الأوروبية.
ما هي مجموعة بريكس التي تسعى لضم السعودية؟
يعتبر مصطلح بريكس (BRICS) اختصاراً يشير إلى الأحرف الأولى من أسماء البلدان هذه على التوالي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، الدول التي تعتبر صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي دول في مرحلة مماثلة من التنمية الاقتصادية المتقدمة حديثاً، وفي طريقها إلى أن تصبح دولاً متقدمة.
في حزيران/يونيو 2009 عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة لهذه المجموعة (البرازيل وروسيا والهند والصين) في مدينة يكاترينبورغ في روسيا، حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس "نظام عالمي ثنائي القطبية"، يدعو إلى تمثيل أكبر للاقتصادات الناشئة الرئيسية على المسرح العالمي، ويقف ضد "هيمنة غير متكافئة للقوى الغربية على العالم".
واتفق رؤساء الدول الأربع على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية. انضمت دولة جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى "بريكس" بدلاً من "بريك" سابقاً.
تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض، وتمتلك 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً، حسب مجموعة غولدمان ساكس البنكية العالمية، كما تسعى هذه الدول لتشكيل حلف أو نادٍ سياسي فيما بينها مستقبلاً.
وهناك عدد من المكونات التركيبات المالية والاقتصادية في البنية المالية لبريكس، أهمها بنك التنمية الجديد (NDB) ومقره شنغهاي، ليكون إطاراً للدول الأعضاء لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية.
كيف سينعكس انضمام السعودية لمجموعة بريكس على اقتصاد المملكة؟
تقول المجلة الأوروبية إنه مع إدراك حجم القوة الاقتصادية لدول البريكس التي تمثل 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وإذا انضمت السعودية إلى هذه المجموعة، فلن يؤدي ذلك إلى زيادة حجم الكتلة وتأثيرها بشكل كبير فحسب، بل سيوفر أيضاً للبلاد إمكانية الوصول إلى شبكة قوية من الشركاء الاقتصاديين.
تتمثل إحدى الفوائد المحتملة لانضمام السعودية إلى بريكس في زيادة الفرص التجارية. وبفضل مواردها القوية من النفط والغاز الطبيعي، يمكن أن تصبح المملكة لاعباً رئيسياً في تجارة الطاقة داخل الكتلة، التي تهيمن بالفعل على الاستهلاك العالمي للنفط والغاز بنسبة 30٪ و22٪ من الحصة العالمية على التوالي.
بالإضافة إلى ذلك، بصفتها عضوًا في مجموعة بريكس، ستتاح للمملكة الفرصة لتنويع علاقاتها التجارية بما يتجاوز شركاءها التقليديين في الغرب، مما قد يؤدي إلى أسواق جديدة وزيادة الاستقرار الاقتصادي.
إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للطاقة العالمية
بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، فإن تحالف السعودية مع دول البريكس من شأنه أن يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للطاقة ويحتمل أن يتحدى هيمنة أسواق النفط الغربية.
ونظرًا لأن دول البريكس تمثل مجتمعة حصة كبيرة من استهلاك النفط العالمي، فإن إضافة المملكة العربية السعودية ستعزز مكانة الكتلة كلاعب رئيسي في سوق الطاقة. يمكن أن تؤدي هذه الشراكة الاستراتيجية إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة، والمشاريع المشتركة في التنقيب عن النفط وإنتاجه، وإنشاء آليات تداول الطاقة البديلة، ما يؤدي في النهاية إلى تعزيز قدر أكبر من أمن الطاقة والقدرة على الصمود لجميع الدول الأعضاء.
فائدة اقتصادية أخرى للانضمام إلى البريكس هي زيادة فرص الاستثمار. وأنشأت الكتلة بالفعل "بنك التنمية الجديد" برأسمال 100 مليار دولار لمنافسة صندوق النقد الدولي، وسيضيف ضم السعودية موارد كبيرة إلى هذا الجهد. وكان عائد السندات الأخير من قبل NDB 5.1٪ وهو أعلى بنسبة 100 نقطة أساس من مثيلاتها في البنك الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يجعل الموقع الاستراتيجي للبلاد والنمو الصناعي للبلاد وجهة جذابة للاستثمار الأجنبي داخل الكتلة.
في الوقت نفسه، فإن وصول السعودية إلى الصين والهند، وهما من أكبر الأسواق في العالم، من شأنه أن يسهل زيادة الصادرات والشراكات الاقتصادية. كما أن الاستفادة من الابتكار التكنولوجي وقدرات التصنيع لأعضاء البريكس، ولا سيما الصين، من شأنها تسريع نمو المملكة العربية السعودية في هذه القطاعات.
أما صناعة السياحة، التي يغذيها التراث الثقافي الثري للمملكة العربية السعودية ومواردها الطبيعية، ستستفيد أيضًا من عضوية البريكس، وجذب المزيد من الزوار وتوليد فرص العمل.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز العلاقات التجارية التاريخية للبلاد مع الصين والهند علاقاتها مع مجموعة البريكس، ما يعزز التفاعلات بين الأفراد والتبادلات الثقافية.
لكن ما مخاطر انضمام السعودية لمجموعة بريكس؟
مع ذلك، فإن الانضمام إلى البريكس يمثل أيضًا مخاطر وتحديات محتملة. أحد هذه التحديات هو احتمال زيادة المنافسة الجيوسياسية بين الغرب وكتلة القوى الشرقية بقيادة بريكس. مع تزايد انقسام الاقتصاد العالمي، قد يعود ذلك بشكل سلبي على المملكة التي لطالما تم احتسابها على المعسكر الغربي ورعايتها أمنياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن بشكل عام، يمثل انضمام السعودية المحتمل إلى مجموعة البريكس فرصة مربحة للمملكة؛ لأنها ستسرع من التنويع الاقتصادي والتنمية للأمة وتقليل اعتمادها على الكتل الغربية. ويعد قرار المملكة الأخير لتعزيز العلاقة مع إيران، بوساطة الصين، علامة على التحولات "التكتونية" في الشرق الأوسط، والتي قد تجلب تغيرات كبيرة للمنطقة وعلاقتها مع القوى الكبرى.