تحول الصراع على السلطة في السودان، من قصة قصيرة كما كان يأمل طرفاه، إلى رواية لا أحد يعلم عدد فصولها إلا الله!
فدون مقدمات، بدأ صيف السودان مبكراً وملتهباً وفرض على أهله فصلاً جديداً من الصراع على السلطة. اعتقد طرفا هذا الصراع أن الأمر يسير وسيتم حسمه سريعاً، لكن خابت الظنون، فماذا كانت النتيجة؟
الساعات تحولت إلى أيام، والأيام امتدت لأسابيع دون أن يقضي طرف على الطرف الآخر. فلا الجيش بقيادة البرهان تمكن من القضاء على الدعم السريع بقيادة حميدتي، ولا معسكر حميدتي تمكن من قتل البرهان أو اعتقاله كما كانوا يأملون.
بدأت مشاهد النزوح من الخرطوم العاصمة تتصدر المشهد، فالدول الكبرى إقليمياً ودولياً كثفت جهودها لإقناع الطرفين بالتوقف مؤقتاً عن القتال حتى تتمكن من إجلاء رعاياها، أي إنهم يتوقعون صراعاً ممتداً قد يتحول إلى حرب أهلية.
ماذا عن السودانيين ومن يحميهم من تلك النار المستعرة؟ من يجليهم إلى مناطق أكثر أمنا؟ الإجابة ليست جديدة واعتادها ذلك الشعب الذي لم يتوقف يوماً عن النضال من أجل وطن آمن وحياة أفضل: لا أحد!
في هذا التقرير نرصد المشهد الحالي في السودان بحسابات طرفيه التي أدت إلى انهيار الموقف أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وسيناريوهات المستقبل في ظل حسابات القوى الخارجية وفرص الحل السياسي على المدى القصير واحتمالات الضياع التام على المدى البعيد.
استيقظ السودانيون الآمنون في الخرطوم، السبت 15 أبريل/نيسان 2023، على أصوات الرصاص وانفجارات القنابل وقذائف المدافع والصواريخ، لكن هذا المشهد المرعب لم يحدث فجأة أو دون مقدمات.
فالموقف بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، كان متوتراً للغاية خلال الشهور السابقة على الانفجار.
كان البرهان وحميدتي حليفين في مواجهة القوى المدنية في البلاد منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالرئيس السابق عمر البشير، الذي حكم البلاد لثلاثين عاماً بالحديد والنار وشهد حكمه حرباً أهلية انتهت بانفصال جنوب السودان، وتمرداً دموياً في دارفور كانت ميليشيات الدعم السريع واحدة من تداعياته.
خرج السودانيون إلى الشوارع بعد أن فاض بهم الكيل وتحملوا، لأكثر من 4 شهور متواصلة، الغاز المسيل للدموع والرصاص بأنواعه، وفقد المئات حياتهم وأصيب الآلاف، دون أن يخافوا أو يتراجعوا حتى أجبروا الجنرالات الأقوياء على التخلي عن البشير وعزله، وكان ذلك في أبريل/نيسان 2019.
ومنذ تلك اللحظة التي تم فيها عزل البشير حتى لحظة انطلاق الرصاصة الأولى في شوارع الخرطوم خلال الصراع الدموي الحالي، أي مدة 4 سنوات، تجمعت على السودانيين فصول المأساة التي يعانون منها وشارك في الإعداد لها، عن غير قصد على الأرجح، أطراف داخلية وخارجية، جمع بينها السعي لتحقيق مصالحها الخاصة، بأي طريقة وعلى حساب أياً كان.
وكان يوم 3 يونيو/حزيران أحد الأيام الدموية في تلك السنوات الأربع. داهمت قوات الأمن اعتصاماً للقوى المدنية أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، وقتلت أكثر من 100 شخص، لتعرف المداهمة إعلامياً بوصف "مجزرة القيادة"، ووجهت القوى المدنية المعتصمة أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع.
لم تفت المجزرة في عضد السودانيين الساعين إلى نظام حكم يحميهم ويحمي بلادهم الغنية بالثروات ويجعلهم يتطلعون لمستقبل أفضل، فاستمر الحراك والتظاهر حتى جاء يوم 17 أغسطس/آب 2019، ليشهد توقيع قوى الحرية والتغيير اتفاقاً لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية كان يفترض أن تؤدي إلى إجراء انتخابات، وتم تعيين عبد الله حمدوك الاقتصادي والمسؤول السابق في الأمم المتحدة على رأس الحكومة في وقت لاحق من الشهر.
كان من المفترض أن تكون تلك الأيام مفتاح الفرج وبداية الطريق نحو حكم مدني وديمقراطي، لكن القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة لم تحرك ساكناً، بل استغلت واشنطن الموقف لتحقيق مصالحها الخاصة. فساوم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وماطل الحكومة السودانية الساعية إلى رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى رضخت الخرطوم لطلبات ترامب فوافقت على التطبيع مع إسرائيل ودفع تعويضات قيمتها أكثر 330 مليون دولار لأسر أمريكيين قتلوا في هجمات إرهابية وقعت قبل أكثر من ربع قرن واتهم نظام البشير في الضلوع فيها. وللمزيد من المعلومات اضغط على الرابط