مع اقتراب جولة الإعادة في انتخابات تركيا الرئاسية 2023، رفعت المعارضة بزعامة كليجدار أوغلو شعارات طرد اللاجئين كعنوان رئيسي وربما وحيد لها، فلماذا لن تنجح تلك الوسائل الخشنة في الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان يوم 28 مايو/أيار، كما ترى صحيفة التايمز؟
كانت الانتخابات الرئاسية في تركيا، التي أقيمت جولتها الأولى يوم الأحد 14 مايو/أيار، قد شهدت فوز الرئيس أردوغان بالمرتبة الأولى بنسبة 49.51%، تلاه في المركز الثاني كليجدار أوغلو الذي حصل على 44.88%، ليصعدا معاً إلى جولة الحسم، المقررة في 28 مايو/أيار الجاري، بينما جاء سنان أوغان في المرتبة الثالثة بنحو 5.20% فقط من الأصوات، حسبما أعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات التركية، أحمد ينار.
هذه هي المرة الأولى في تاريخ رئاسيات تركيا التي يتأجل الحسم فيها إلى جولة الإعادة، ففي انتخابات 2014، فاز أردوغان بـ51.79%، وفي 2018 رفع نسبة التصويت لصالحه بنسبة 52.38%، ليحسم الأمور من الجولة الأولى.
كليجدار أوغلو يشدد خطابه قبل جولة الإعادة
شهدت الأيام الأخيرة تشديد كمال كليجدار أوغلو نبرته بخصوص المهاجرين، وتعهد يوم الخميس 18 مايو/أيار، بإعادتهم جميعاً إلى بلادهم بمجرد فوزه في جولة الإعادة، في تحول لافت عن خطابه خلال الحملة الانتخابية الأولى، التي كان يتبنى خلالها الهدف نفسه ولكن خلال عامين، مشيراً إلى ضرورة العمل على تهيئة الظروف لإعادتهم، وبصفة خاصةٍ السوريين.
وجاءت تصريحات كليجدار أوغلو المتشددة، وسط توقعات بأن يعلن سنان أوغان، الذي حل ثالثاً في السباق الرئاسي، قراره بخصوص المرشح الذي سيدعمه في جولة الإعادة. وأوغان سياسي قومي أيّده حزب مناهض للاجئين.
وفي كلمة لأعضاء حزبه بمقر حزب الشعب الجمهوري، شدد كليجدار أوغلو على لهجته المتحدّية لسياسات أردوغان المتعلقة بالهجرة، وقال: "أردوغان.. سمحت عن قصد بدخول عشرة ملايين لاجئ إلى تركيا. بل إنك عرضت الجنسية التركية للبيع للحصول على أصوات مستوردة"، دون أن يقدم أدلة على تلك الاتهامات.
وأضاف كليجدار أوغلو: "أعلن هنا أنني سأعيد جميع اللاجئين إلى بلادهم بمجرد انتخابي رئيساً"، وهو تحوُّل صارخ عما كان يقوله خلال حملته الانتخابية الأولى، حيث كان يقول إنهم يعتزمون إعادة السوريين الموجودين بتركيا إلى بلادهم في غضون عامين، بعد إبرام اتفاق مع الرئيس بشار الأسد من أجل سلامتهم وبالتنسيق مع الأمم المتحدة.
ولأن الانتخابات التركية هي الأهم على الإطلاق في تاريخ تركيا الحديث، كما تمثل أهمية قصوى للعالم وتتم متابعتها عن قرب في العواصم الغربية والشرقية والإقليمية، تناولت كثير من الصحف العالمية موقف كلا المرشحين وفرصهما في الفوز بجولة الحسم، وكان للكتلة التصويتية الخاصة بأوغان نصيب واضح من تلك التغطية.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، على سبيل المثال، نشرت تحليلاً يرصد الموقف الصعب للغاية لمرشح المعارضة كليجدار أوغلو، متوقعةً أن يحصل الرئيس رجب طيب أردوغان على أغلب الأصوات التي حصل عليها المرشح الثالث أوغان في الجولة الأولى من التصويت.
فأغلب من صوتوا لسنان أوغان في الجولة الأولى اختاروه بدافع قومي، وهو ما يشير إلى تنامي الشعور القومي في تركيا بشكل عام، وهي المشاعر التي تصب في صالح الرئيس أردوغان، الذي انتهج سياسات تؤكد المصالح القومية لبلاده، حتى وإن أغضبت الغرب وجعلت قادته يعادونه ويتمنون خسارته.
خطاب "التخويف" في انتخابات الرئاسة
لكن التغيير في خطاب كليجدار أوغلو ليس مجرد تغيير بسيط في اللهجة، بل أقرب إلى من خضع "لعملية زرع شخصية"، بحسب تحليل لصحيفة The Times البريطانية عنوانه "منافس أردوغان يتخلى عن خطابه الناعم في محاولة للفوز بأصوات اليمين المتطرف"، رصد كيف "تبددت شخصية الرجل الودود اللطيف، الذي يتحدث عن العودة إلى الديمقراطية والتعددية، والذي عُرف بالقلوب التي يصنعها بيديه أثناء حملته الانتخابية".
فبعد تخلفه عن الرئيس أردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، تحول إلى قومي متشدد يؤكد باستمرارٍ اعتزامه إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. ورغم أنه كان يغلف هذا الخطاب في السابق بلغة الحماية، أصبحت نبرته الآن شديدة الفظاظة. إذ قال مخاطباً أردوغان: "جلبتَ إلى هذا البلد أكثر من عشرة ملايين لاجئ عمداً. وسأعيد جميع اللاجئين إلى وطنهم".
لكن تركيا لا تضم عشرة ملايين لاجئ، إذ تقول الأمم المتحدة إنهم أقل من أربعة ملايين، معظمهم سوريون وبضع مئات الآلاف من جنسيات أخرى، معظمهم من الأفغان، فعلام يدل هذا التضخيم في الأرقام بأكثر من ضعفين ونصف؟
ترى التايمز أن خطاب كليجدار أوغلو يؤكد أنه في حاجة ماسة للفوز بأصوات القوميين المتطرفين. وكي يفعل ذلك، كان عليه أن يتخلى عن شخصية "الرجل اللطيف". والتقى هو وأردوغان، الجمعة 19 مايو/أيار، بقادة المتشددين؛ سعياً للفوز بدعمهم، لكن الأوان كان قد فات لكثير من داعمي كليجدار أوغلو.
إذ قال أحد الناخبين المؤيدين لحزب كليجدار أوغلو، حزب الشعب الجمهوري، للصحيفة البريطانية: "الأتراك لا يحبون القلوب وهذه الأشياء. نريد شخصاً قوياً".
ويُنظر إلى الناخبين الأتراك عادة على أنهم منقسمون بين متدينين يدعمون أردوغان في الغالب، وعلمانيين يدعمون أحزاب المعارضة الرئيسية، وأكراد. لكن الناخبين القوميين المتطرفين لا ينتمون إلى أي من هذه الفئات. فبعضهم متدين، والبعض الآخر ليس كذلك، لكن جميعهم يمقتون الانفصالية الكردية ويرغبون في إخراج السوريين من بلادهم.
أحد هؤلاء القوميين، وهو تاجر من إسطنبول، قال لـ"التايمز": "أولاً نحن أتراك، ثم بعد ذلك إما علمانيون وإمل متدينون. ليس سهلاً أن تكون تركيّاً. فربما يكون أهم شيء لك هو العائلة. أما لنا فهو هذا البلد".
كيف قد يؤثر هذا على فرص أردوغان في الفوز؟
قبل الانتخابات، كان العديد من القوميين المتطرفين يشاركون مقاطع من مسلسلات تلفزيونية، أحدها يسمى "وادي الذئاب"، تصور رجالاً يموتون في سبيل بلدهم. وواضحٌ أن كليجدار أوغلو لم يكن الرجل الذي تخيلوه في أذهانهم.
إلكان دالكوك، المحلل في مؤسسة داكتيلو 1984، قال لـ"التايمز": "هم يهتمون بالهوية القومية، ولديهم ميول معادية للأكراد والمهاجرين"، وقال إن نسبة المشاركة العالية- 88%- أفادت الرئيس أردوغان. وقال: "يريدون رؤية رجل قوي على رأس الدولة".
وما أضعف كليجدار أوغلو ربما يكون هويته العلوية، إذ تعتبر هذه الأقلية، التي تشكل 20% من السكان، جزءاً من الشيعة. وجميع الآخرين تقريباً من السنة. ويتساءل تاجر إسطنبول: "لماذا ترشح المعارضة علوياً. كل من أعرفهم لن يصوتوا لشخص ينتمي لهذه الطائفة".
وانزعج القوميون أيضاً من تساهل كليجدار أوغلو وتحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يهيمن عليه الأكراد، والذي يقبع زعيمه صلاح الدين دميرطاش في السجن، ويربط الأتراك من مختلف الأطياف هذا الحزب الكردي بالانفصاليين، الذين من بينهم حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه بريطانيا منظمة إرهابية.
وقال صاحب متجر في طرابزون: "لا يمكنني دعم كليجدار أوغلو، لأنه يدعم الإرهابيين. وجنودنا ماتوا على أيدي مسلحين أكراد".
ووظف الرئيس أردوغان هذه النقطة، فدأب على تصوير المعارضة بإرهابيين منحرفين يخدمون القوى الغربية التي "تريد تسليم البلاد إلى الجماعات الإرهابية".
وقبل زلازل فبراير/شباط، الذي أودت بحياة أكثر من 50 ألفاً، كانت الهجرة أكبر قضية انتخابية. وفي المدن الكبرى على وجه الخصوص، مثل إسطنبول، يتخلل كل المحادثات تقريباً الحديث عن عدد "الأجانب" هناك.
وقد حاول أردوغان الموازنة بين التعهد بإعادة بعض اللاجئين- تم ترحيل الآلاف بالفعل- والتأكيد أيضاً على اعتبارهم إخوة، وقال يوم الجمعة إن تركيا ستبني مشاريع سكنية للسوريين لإعادة مليون لاجئ إلى وطنهم.
وقال وزير الداخلية سليمان صويلو: "لن نجعل تركيا مستودعاً للاجئين، ولم نفعل يوماً. السوريون إخواننا. ولا يمكننا إرسالهم إلى حتفهم. لم ولا نفعل ذلك".
واللافت للنظر في هذه الانتخابات أيضاً، أن بعض القوميين المتطرفين يتعاطفون مع حركة "الأتراك الشباب"، وهم مجموعة من الثوار الذين عارضوا نظام السلطان عبد الحميد الثاني أوائل القرن العشرين، لكن أتاتورك أدانهم لاحقاً.
وكثير من القوميين المتطرفين لم يختاروا مرشحاً حتى الآن. يقول المحامي جنكيز (38 عاماً) الذي صوّت لأوغان: "أنا متردد. لا كليجدار أوغلو ولا أردوغان قوميان بما يكفي بالنسبة لي".
وكان أحد مسؤولي المعارضة التركية من حزب "الشعب الجمهوري"، قد قال إن حملة كليجدار أوغلو في جولة الإعادة "ستكون متوترة ومستقطبة وأكثر قومية"، وستبنى على زرع فكرة "الخوف" لدى المواطنين من فوز الرئيس التركي أردوغان، بحسب ما نقله موقع Middle East Eye البريطاني.
من جانبه، كشف الصحفي التركي إسماعيل سايماز، في مقال بصحيفة "سوزجو" المعارضة، عن تفاصيل أخرى للحملة الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري وتحالف المعارضة خلال الأيام المتبقية قبل الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
سايماز قال في مقاله، إن الحملة الانتخابية لكليجدار أوغلو ستتبنى الخطاب ذاته الذي تبنته حملة مرشح تحالف "الأجداد"، سنان أوغان، الرافض للاجئين والعرب في البلاد، مع التركيز على الضرر الذي سيصيب البلاد جراء تزايد أعدادهم في تركيا.
أما حلمي داشديمير، رئيس شركة "أوبتيمار" لاستطلاعات الرأي في تركيا، فيرى أن تغيير كمال كليجدار أوغلو لاستراتيجيته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لن يسهم بتغيير كبير في حصة مرشح المعارضة.
داشديمير في تصريح لـ"عربي بوست"، أوضح أن رسائل المعارضة التركية التي ستركز عليها خلال الحملة الانتخابية في جولة الإعادة لن تستطيع جلب أكثر من 2% من أصوات الناخبين، في حال نجاحها في جذب ناخبي وأنصار الرؤية الخاصة بتحالف الأجداد وحزب الظفر بزعامة أوميت أوزداغ وسنان أوغان.
وعن توقعاته لنتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، قال داشديمير إنه يتوقع أن يفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهذه الجولة بفارق لن يقل بأي حال من الأحوال عن 3% من أصوات الناخبين، رغم تغيير الحملة الانتخابية للمعارضة لرسائلها وأهدافها.