بينما سيتم تذكر القمة العربية بجدة بأنها هي التي فرشت السجاد الأحمر لعودة النظام السوري وبشار الأسد إلى الجامعة العربية بدون أن ينفذ أي شروط من تلك التي فرضها العرب لأكثر من 11 عاماً عليه، فإن هذه العودة لا تعني بالضرورة أن أزمة هذا النظام وعزلته الدولية وحتى العربية قد انتهت.
فرغم الترحيب من قبل العديد من الدول العربية بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ومشاركتها في القمة العربية؛ حيث سيترأس وفدها في القمة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلا أن التصريحات الصادرة عن مسؤولي جامعة الدول العربية وبعض وزراء الخارجية العرب تلمح إلى أن هذا لا يعني بالضرورة التطبيع العربي الكامل مع سوريا خاصة في المجال اقتصادي.
تلميحات إلى أن النظام لن يتنازل في مسألة اللاجئين، والعرب لن يستطيعوا مساعدته في مسألة الإعمار
وبحسب مصدر لـ"عربي بوست" فعندما سئل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي عن مسألة عودة اللاجئين وحل الأزمة السورية كشرط من شروط عدة وضعتها الجامعة العربية لسنوات وكيف سيتم التأكد من الالتزام بها.. كانت إجابته ما معناه أن القرار المتعلق بسوريا يتسم بأنه قرار واقعي، كما لفت إلى أن مسألة اللاجئين وغيرها (مما كان يسمى شروطاً عربية على دمشق) معقدة وكبيرة تستحق اجتماعاً منفصلاً.
اللافت في إجابته أنها تحمل ضمنياً إشارة إلى أن مسألة الشروط التي وضعتها الجامعة العربية على نظام الأسد من أجل العودة قد تم تجاوزها.
في المقابل، حينما سئل عن مسألة المشاركة العربية في عملية إعادة إعمار سوريا، لفت الى مسألة حساسة لأنه يعرقلها بشكل كبير وجود عقوبات غربية واسعة على دمشق.
الأردن يطالب دمشق بتطبيق الشروط العربية التي لم تنفذها حتى يتسنى مساعدته في رفع العقوبات الغربية
في المقابل، طالب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بنقل مسألة الشروط العربية على سوريا إلى مستوى آخر في حديثه خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة بما يشير إلى أنها لم تعد شروطاً عربية على سوريا بل دولية.
والسبب على ما يبدو أن نظام الأسد قد عاد للجامعة دون تلبية أي من هذه الشروط حسب ما هو معروف، ويعتقد أن المفاوضات بين الدول العربية ودمشق في هذا الصدد لم تثمر عن أي تقدم ملموس إلا في ملف تجارة وتهريب المخدرات، وهي مسألة أصبحت لها الأولوية بالنسبة للدول العربية، كما يعبر عن ذلك الصفدي.
أما فيما يتعلق بمسألة الإصلاح السياسي والدستوري في سوريا، فهي لم تعد تحظى بأهمية بالنسبة للدول العربية على ما يبدو، بحسب ما دار في جلسات القمة التحضيرية للقمة العربية التي تقعد في المملكة العربية السعودية.
أما المسألة الثانية التي تهم الدول العربية فهي مسألة عودة اللاجئين وتهم بشكل خاص الأردن ولبنان.
ولكن من الواضح أنه ليس هناك أي مؤشرات على عملية عودة اللاجئين ولو جزئية مقابل عودة سوريا للجامعة العربية، وعندما سئل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد عن الدور العربي المحتمل في مسألة إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين أجاب باقتضاب: نرحب بالدور العربي في هذا الصدد.
بينما نقل عن مسؤولين سوريين قولهم إن قاموس الدبلوماسية السورية لا يعرف كلمة شروط.
ولكن وزير الخارجية الأردني ألمح إلى أن الشروط للموافقة على عودة سوريا للجامعة العربية (التي لم تنفذ) يمكن أن تستخدم كوسيلة للحديث مع المجتمع الدولي، ويقصد هنا الدول الغربية من أجل العمل على رفع تدريجي للعقوبات الدولية المفروض على سوريا.
أي أن المنظومة العربية والدول العربية بعد أن كانت تضع شروطها على سوريا من أجل العودة للجامعة؛ مثل المصالحة مع المعارضة وتعديل الدستور وإعادة اللاجئين وإنهاء وجود القوات والميليشيات الأجنبية في سوريا فإنها قبلت عودة سوريا لجامعة الدول العربية دون تنفيذ هذه الشروط، ولكنها تريد تحفيز دمشق على تنفيذها عبر التلويح باحتمال أن تساعدها في رفع العقوبات الغربية على سوريا بإظهار جديتها في تنفيذ الشروط العربية التي لم تنفذها.
وكأن العرب يقولون لدمشق نحن لم نكن جادين في شروطنا ولكن الغرب مختلف.
لبنان مرحب وبقوة
من جانبه، كان موقف وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، المحسوب على التيار العوني الحليف للأسد، لافتاً عندما سُئل عن موقف بلاده من عودة سوريا للجامعة العربية، فأعرب عن الارتياح لهذه العودة، مشيراً إلى أن لبنان كان قد رفض منذ البداية تجميد أنشطة سوريا في الجامعة العربية ولم يشر بطبيعة الحال لأن الموقف من دمشق مسألة خلافية كبيرة في أوساط الحكم اللبناني وأن لبنان كان عادة ينأى بنفسه عن قرارات سوريا أكثر من الاعتراض عليها بسبب الخلافات الحادة حول الموقف من دمشق بين الأطراف اللبنانية الحاكمة.
وبحسب مصدر "عربي بوست" عندما سئل المسؤول اللبناني عن تأثير هذه العودة على مسألة اللاجئين في لبنان وهي مسألة شديدة الأهمية في الدولة العربية الصغيرة التي تتسم بحساسية عالية في توازناتها الطائفية كما أنه شخصياً ينتمي لتيار معروف بعدائه للاجئين السوريين والمطالبة بترحيلهم.
ولكن في إجابته لم يحاول التحدث عن ضرورة أن يتولى النظام في دمشق عملية استقبال اللاجئين بل نقل المسؤولية إلى المجتمع الدولي، معتبراً أن تحسن الأوضاع في سوريا يعني أن يقوم المجتمع الدولي بدوره في إعادة اللاجئين إلى هناك.
لهذا السبب يصعب قبول النظام لعودة اللاجئين.. فهي تتعلق بمشروعه الطائفية
وتعد مسألة عودة اللاجئين يمكن القول إنه يستحيل أن يوافق عليها نظام الأسد؛ بل على العكس اتخذ النظام قرارات لمنع عودتهم وإسقاط الجنسية عنهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم عبر قوانين تشبه قوانين مصادرة أملاك الغائبين الذي تنفذه سلطات الاحتلال بحق المهجرين من القدس المحتلة.
وحتى روسيا أكبر داعم لنظام الأسد، سبق أن حاولت طرح صفقة يطبع بها الاتحاد الأوروبي مع نظام الأسد مقابل عودة ولو جزئية للاجئين السوريين من أوروبا، ولكن النظام تجاهل المبادرة الروسية في بادرة تمنع نادرة من الأسد الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي الروسي، ويسلم له بعض مرافق ومناطق البلاد بالتوازي مع إيران.
بالنسبة لنظام الأسد، فإن عملية التهجير ليست نتاجاً عرضياً للحرب، بل عمل متعمد ومنظم أفضى للمكسب الأكبر والأكثر ديمومة لنظام طائفي يعتمد على حكم منبثق من الأقلية العلوية، في مقابل معارضة جزء كبير من الأغلبية العربية السنية في البلاد (تمثل ما يتراوح بين 65 % و70 % من سكان البلاد).
هل يتحسن وضع الأسد بالعودة للجامعة العربية؟
نظراً للنطاق الواسع للعقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد، فمن المرجح أن يمنح التطبيع سوريا شريان حياة سياسياً أكثر منه اقتصادياً، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وعلى الأقل لن يستفيد الأسد من العودة للجامعة العربية، إلى أن تتمكن الدول العربية من إقناع المجتمع الدولي بقبول الرئيس السوري، لكن يقول المحللون إنها خطوة سيصعُب إقناع المجتمع الدولي بها، أو تحديداً الدول الغربية.
وقال تشارلز ليستر، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، لشبكة CNN: "لا أعتقد أننا سنشهد أكثر من مجرد اتصال سياسي. لن نشهد بالتأكيد بعض التحول الكبير نحو الاستثمار في سوريا.. ولن يكون أي من ذلك ممكناً بدون الدعم الدبلوماسي والاقتصادي الغربي. وهذا غير مطروح نهائياً".
قد يتيح التطبيع العربي مع الأسد المجال لتدفق بعض المساعدات العربية، ولكنها لن تكون كبيرة، فالسعودية على الأرجح لن تدعم بشكل كبير حليف غريمتها إيران، حتى لو تصالحت معه ومع طهران، وقد تكون الإمارات أكثر سخاءً.
وقد يفتح التطبيع العربي مورداً مالياً للنظام عبر السماح للسوريين بتحويل أموالهم لذويهم في البلاد، علماً بأن أغلب المغتربين السوريين من المعارضين أو المحسوبين على التشكيلات المعارضة أو المستهدفة من قِبل النظام.
ومن الناحية العسكرية والأمنية، فلن يحدث تغيير كبير في وضع النظام، فقد خرجت الدول العربية التي كانت تدعم المعارضة عسكرياً من المعادلة منذ سنوات، واعتماد النظام الأساسي في مسألة البقاء على الدعم الروسي- الإيراني.
وروسيا تحديداً مشغولة في أوكرانيا وهي عززت التنسيق مع تركيا في الشأن السوري بشكل أكثر مناسبة لشروط أنقرة في ظل تعاون البلدين في ملفات أهم بكثير، وحاجة موسكو لتركيا في ظل محاصرة الغرب لها.
وهو ما يرجح أن موسكو أصبحت أكثر استعداداً، للضغط على الأسد في مسألة التطبيع مع أنقرة التي طرحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل حملة الانتخابات الرئاسية، وهو أمر يمكن التوصل عبره لحلول بين أنقرة ودمشق فيما يتعلق بالتنسيق ضد الإدارة الكردية الذاتية بالأساس والإرهاب القادم من سوريا لتركيا.
ولكن الملف الأصعب هو عودة اللاجئين، ولكن تركيا تعطيه أولوية، وهي تريد عودة كريمة وآمنة وطوعية للاجئين، ورغم سعيها للتطبيع مع الأسد، لكن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ومساعد الرئيس التركي ياسين أقطاي، سبق أن لوَّحا ببدائل أخرى إذا رفض الأسد، بما في ذلك اقتراح مساعد الرئيس التركي بإعادة اللاجئين طوعاً لحلب (باعتبار أغلب اللاجئين منها) على أن تخضع حلب لشكل من الإدارة المستقلة عن النظام من قِبل المعارضة وإشراف دولي ودور تركي.
فرغم أنه يبدو أن الأسد قد عاد مظفراً للجامعة العربية، فإن موقفه بات أضعف منذ انشغال روسيا بأزمة أوكرانيا ومع ترسخ الإدارة التابعة للمعارضة في منطقتين بالشمال خاصة إدلب، ونجاحها بالتعاون مع أنقرة في الدفاع ضد الهجوم الروسي- السوري على إدلب عام 2020، وتأسيس وضع اقتصادي ومؤسسات أفضل مما لدى نظام الأسد (رغم الخلافات الداخلية بين فصائل المعارضة).
وبالتالي، فإن موقف الأسد في الداخل مرتبط بشكل كبير بتوازنات العلاقة بين موسكو وأنقرة، وبكيفية تعامله مع العرض التركي للتطبيع بعد انتخابات الرئاسة وخيارات أنقرة إذا رفض هذا التطبيع.