غموض حول شروط عودة سوريا للجامعة العربية، وما الثمن الذي قدمه نظام الأسد لهذا القرار الذي يصوره للداخل السوري على أنه عودة مظفرة؟ فما هذه الشروط وما نفذ منها أو الضمانات لتنفيذها؟ وما فرص تحقيق الشرط الأهم للدول العربية المتعلق بمشكلة سيل المخدرات المتدفق من سوريا؟
وصوَّتت الجامعة العربية، أمس، على إعادة مقعد سوريا إلى النظام بعد مرور أكثر من 11 عاماً على الحرب الأهلية السورية، عندما اُتخذ قرار تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة العربية ومنظماتها في 16 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، بناء على قرار من مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، إثر فشل مهمة بعثة عسكرية تابعة للجامعة العربية أُرسلت لضمان عدم قمع الاحتجاجات في عام 2011.
الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية بالسعودية
قرر وزراء الخارجية العرب، الأحد 7 مايو/أيار 2023، استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من يوم صدور القرار، ولكن اللافت أن دمشق لم تبادر بإرسال وفد أو ممثل لها للجامعة العربية، حتى مثول هذا التقرير للنشر.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الأحد 7 مايو/أيار 2023، بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إن الرئيس السوري بشار الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية المقررة في السعودية خلال شهر مايو/أيار 2023، "إذا ما رغب".
ما شروط عودة سوريا للجامعة العربية؟
ولكن يبدو هناك غموض واضح، فيما يتعلق بمدى تنفيذ النظام لـ"شروط عودة سوريا للجامعة العربية"، التي كانت مطروحة في السابق من قِبَل الدول العربية والأمين العام للجامعة، وهي شروط يتعلق أغلبها بتطبيق القرار الدولي رقم 2254، بما في ذلك إطلاق عملية سياسية تتضمن الحوار مع المعارضة السورية، وتعديل الدستور السوري، بما يضمن مشاركتها في عملية سياسية مقبولة بالبلاد.
وهناك الشرط الأهم لدول جوار سوريا والدول الأوروبية وهو عودة آمنة لملايين السوريين، وهذه الشروط نفسها طُرحت مراراً عبر مسار أستانة الذي تقوده الدول المنخرطة في الأزمة السورية "روسيا وتركيا وإيران".
وخلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن عودة سوريا، كان لافتاً أن وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي ترأس الاجتماع بصفته رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية، أكد في كلمة بدت قوية أن عودة سوريا تأتي في سياسة "خطوة مقابل خطوة"، ملمحاً إلى أن شروط عودة سوريا للجامعة العربية تشمل تسوية سياسية داخلية، وهي مسألة من مسؤوليات النظام والمكونات السورية، في إشارة للمعارضة.
ويفهم من سياسة "خطوة مقابل خطوة" أنها تعني تقديم خطوات تمثل تنازلاً من قِبل النظام مقابل خطوات إيجابية من العرب، منها العودة للجامعة.
الجامعة العربية تلمح لعدم وجود ضمانات لتنفيذ هذه الشروط من قِبل النظام
ولكن في المؤتمر الصحفي الذي عقده شكري مع أبو الغيط، عقب الاجتماع، وعندما سُئلا عما تم تطبيقه من شروط عودة سوريا للجامعة العربية، لمَّح وزير الخارجية المصري بأن نظام الأسد قدم خطوات مسبقة قبل عودته للجامعة العربية، دون أن يشير لمثل هذه الخطوات.
وعندما سئل أبو الغيط هل سيكون هناك مراجعة لالتزام نظام الأسد بتلبية شروط عودة سوريا للجامعة العربية (بما في ذلك احتمال العودة عن القرار)؟.. حملت إجابة أبو الغيط ما معناه أن عودة سوريا خارج شرط الخطوة بخطوة، ولم يشر إلى إمكانية مراجعة مسألة عودة النظام لشغل مقعد دمشق إذا لم تنفذ شروط عودة سوريا للجامعة العربية.
ثم عندما سُئل أبو الغيط من إعلامي لبناني بشأن مسألة عودة اللاجئين السوريين من لبنان، والتي تعد مسألة حساسة للبلد العربي الصغير والمفلس والحساس في توازاته الطائفية.. أكد أبو الغيط أهمية المسألة دون أن يتحدث عن وعود محددة من النظام بشأن أي عودة للاجئين أو المصالحة مع المعارضة.
الوزراء العرب يتحدثون عن وعود، ولكن النظام يتجاهلها
اللافت أن بيان مجلس وزراء الخارجية العرب لم يشِر إلى شروط عودة سوريا للجامعة العربية، ولكن اكتفى بالترحيب باستعداد سوريا للتعاون مع الدول العربية لتطبيق مخرجات البيانات الصادرة عن اجتماعي جدة وعمان الذي ضم عدداً من وزراء خارجية الدول المعنية بشكل مباشر بأزمة سوريا (مصر والأردن والعراق إضافة لدول الخليج)، ويمكن القول إن هذين البيانين هما اللذان يتضمنان شروط عودة سوريا للجامعة من وجهة نظر الدول المشاركة.
واتفق الوزراء المشاركون في اجتماع جدة على تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، حسبما ورد في وكالة الأنباء السعودية.
ولكن لم يصدر عن النظام السوري ما يفيد بأنه على استعداد لتنفيذ شروط متعلقة بمسار التسوية السياسية أو عودة اللاجئين، بل إن النظام رد بعجرفة على قرار إعادة شغره لمقعد سوريا بالجامعة العربية، بدعوة الدول العربية، الأحد، في المقابل لإظهار ما وصفه بـ"الاحترام المتبادل".
وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان: "المرحلة المقبلة تتطلب نهجاً عربياً فاعلاً.. يستند إلى الحوار والاحترام المتبادل". وأكد البيان "أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية".
لهذا السبب يصعب قبول النظام لعودة اللاجئين.. فهي تتعلق بمشروعه الطائفي
مسألة عودة اللاجئين يمكن القول إنه يستحيل أن يوافق عليها نظام الأسد؛ بل على العكس اتخذ النظام قرارات لمنع عودتهم وإسقاط الجنسية عنهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم عبر قوانين تشبه قوانين مصادرة أملاك الغائبين الذي تنفذه سلطات الاحتلال بحق المهجرين من القدس المحتلة.
وحتى روسيا أكبر داعم لنظام الأسد، سبق أن حاولت طرح صفقة يطبع بها الاتحاد الأوروبي مع نظام الأسد مقابل عودة ولو جزئية للاجئين السوريين من أوروبا، ولكن النظام تجاهل المبادرة الروسية في بادرة تمنع نادرة من الأسد الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي الروسي، ويسلم له بعض مرافق ومناطق البلاد بالتوازي مع إيران.
بالنسبة لنظام الأسد، فإن عملية التهجير ليست نتاجاً عرضياً للحرب، بل عمل متعمد ومنظم أفضى للمكسب الأكبر والأكثر ديمومة لنظام طائفي يعتمد على حكم منبثق من الأقلية العلوية، في مقابل معارضة جزء كبير من الأغلبية العربية السنية في البلاد (تمثل ما يتراوح بين 65 % و70 % من سكان البلاد).
فتهجير اللاجئين وأغلبهم من السنة العرب إلى خارج البلاد أو مناطق المعارضة في الشمال، حقق هدفاً تاريخياً للنظام هو الوصول بعدد العرب السنة في المناطق الخاضعة لسيطرته إلى أقل من النصف على الأرجح، وأصبح مجموع الأقليات أغلبية.
ومع أن العلويين لا يمثلون سوى ما يتراوح بين 10% إلى 12 % من السكان قبل الأزمة، ولكن تحول مجموع الأقليات لأغلبية مفيدٌ للنظام في ظل ميل الأقليات إما للحياد أو التعايش مع النظام أو تأييده، خاصة أن جزءاً من نشطاء الأقليات كان مؤيداً للثورة السورية في بدايتها، ولكن انتابهم الخوف مع ظهور بعض الجماعات المتطرفة، ولاسيما داعش، ونفخ النظام في المخاوف التاريخية من سيطرة العرب السنّة والتطرف.
وتؤيد إيران زعيمة المشروع الطائفي في المنطقة مسلك النظام في هذا الملف.
هل يمكن أن يخرج حزب الله من سوريا؟
أكد الوزراء العرب المشاركون في اجتماع جدة الذي أقر مخرجاته مجلس الجامعة، أمس، أهمية مكافحة الإرهاب بأشكاله كافة وتنظيماته، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، في إشارة واضحة إلى مطلب عربي بضرورة خروج الميليشيات الموالية لإيران، وعلى رأسها حزب الله.
ولكن مثل قضية اللاجئين، فمسألة خروج الميليشيات الشيعية الموالية لإيران مثل حزب الله، مطلب يصعب على الأسد الموافقة عليه؛ لأن هذه الميليشيات هي التي تحمي النظام في ظل ضعف جيشه.
كما أن وجود هذه الميليشيات سبب رئيسي لأهمية سوريا بالنسبة لإيران ودافع وراء إمداد الأخيرة للنظام المفلس بأسباب الحياة بجانب البعد الطائفي في العلاقة، فضلاً عن أن الأسد في ظل قبضته الضعيفة يعمل على خلق توازن عسكري بين نفوذي إيران وموسكو عبر وجودهما معاً وليس إحداهما فقط.
وقد يكون النظام راغباً في تخفيف نشاط إيران وحزب الله ضد إسرائيل لتجنب ضربات الأخيرة لسوريا، رغم أنه واقعياً، فإن تل أبيب تتجنب ضرب وحدات النظام العسكري، وتقصف تلك التابعة لحزب الله وإيران أو المرافق المشتركة بين الأسد والقوى الموالية لإيران مثل المطارات.
كما أن المصالحة السعودية مع إيران تقلل الحوافز السعودية للإلحاح في مسألة خروج حزب الله من سوريا، خاصة أنها تعلم أن هذا لن يحدث، فالميليشيات الموالية لإيران أمر واقع في العراق واليمن ولبنان.
هل يمكن أن يطلق الأسد حواراً مع المعارضة؟
أما الحوار مع المعارضة لإطلاق تسوية سياسية، وتعديل الدستور، فالنظام ماطل في التعامل مع هذا المطلب الأساسي في مسارات جنيف وأستانا، رغم دعم الروس له من الناحية الرسمية على الأقل.
كما قد يكون هذا المطلب الأقل إلحاحاً بالنسبة للدول العربية التي تخلت أغلبها عن دعم المعارضة السورية المسلحة في شمال وجنوب البلاد، وأصبحت معارضة الشمال أكثر اعتماداً على تركيا، ومعارضة الجنوب تحت رحمة التسويات الروسية الجزئية.
وفي ظل الطابع الإسلامي والديمقراطي للمعارضة السورية في الشمال، فإنها غير مفضلة للأنظمة العربية.
ويبقى ما يعرف بمعارضة الداخل التي يشكك الكثيرون في كونها معارضة للأسد حقاً، مثل هيئة التنسيق السورية، وهي الجهة المرضيّ عنها من قِبل الروس، ويسمح لها النظام بالعمل في الداخل، ولها علاقة وثيقة مع القاهرة، وقد تشارك في خطوات شديدة الشكلية لإعطاء طابع دستوري للسلطة في البلاد.
المطلب العربي الأهم وقف تهريب المخدرات من سوريا
أما المطلب الأهم بالنسبة للدول العربية فهو مسألة وقف تدفق المخدرات من سوريا إلى الأردن ودول الخليج والسعودية تحديداً، وهو في الأغلب الدافع الرئيسي للتحرك السعودي الأردني لإعادة سوريا للجامعة.
وأكد الوزراء المشاركون في اجتماع جدة أهمية مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها في سوريا.
ولقد جادلت الدول العربية مع واشنطن (المعترضة على التطبيع مع الأسد) بأنَّ الوضع الراهن في سوريا غير محتمل، وتسبب في حدوث صداع لها، خاصة بسبب مسألة المخدرات.
وتحولت سوريا على مدى العقد الماضي إلى دولة مخدرات، حيث تصدر الأمفيتامينات (حبوب الكبتاغون) المسببة للإدمان عبر الحدود إلى الأردن والمملكة العربية السعودية، فيما أصبحت المملكة توصف بأنها عاصمة استهلاك المخدرات في الشرق الأوسط.
وصار مخدرٌ الكبتاغون بمثابة شريان حياة للاقتصاد السوري طوال عقدٍ من العزلة، ثم تحوّل اليوم إلى ورقةٍ للمساومة في يد النظام السوري -بالتزامن مع محاولته تطبيع علاقاته مع الدول المجاورة، حسبما ورد في تقرير سابق لشبكة CNN الأمريكية.
وسبق أن قدّر خبراء في الكبتاغون أن حجم التجارة في هذا العقار المخدر التي يقودها النظام السوري وحلفاؤه بلغ 5.7 مليار دولار عام 2021، فيما قالت الخارجية البريطانية إن 80% من إمدادات العالم من هذا المخدر تُنتَج في سوريا.
فالسعودية يبدو أنها قد تخلت عن شروطها السابقة للتطبيع مع الأسد ورفع الفيتو عن عودته للجامعة العربية، والتي كان أغلبها يتعلق بخروجه من الفلك الإيراني وتخفيف قبضة حزب الله على لبنان أو الحوار مع المعارضة السورية، لتطرح شرطاً أكثر إلحاحاً بالنسبة لها وهو وقف تدفق المخدرات السورية التي تهدد شبابها.
ورجّح المحللون أن تحظى مسألة الكبتاغون بأولويةٍ كبيرة على جدول الأعمال خلال محاولات التطبيع السعودي مع نظام الأسد، في ظل حديث عن احتمال دعوة الرياض للأسد لحضور القمة العربية القادمة المقررة بالمملكة في شهر مايو/أيار الجاري.
وتخوض السلطات الأردنية معارك يومية عبر مركزي نصيب وجابر وأيضاً عبر الحدود البرية المفتوحة مع سوريا.
وقد يكون هذا الملف الذي سيقدم به الأسد تنازلات جزئية، إذ قد يخفف من تدفق المخدرات من سوريا للأردن ومنها للسعودية، ولكن سيكون تخفيضاً لا منعاً، لأن النظام في ظل عزلة سوريا لا يستطيع الاستغناء عن عائدات المخدرات الضخمة.
كما أن شبكات هذه التجارة غير المشروعة لها مصالح كبيرة متداخلة مع الميليشيات المؤيدة للنظام وبعض وحداته العسكرية، وعشائر البقاع اللبنانية الشيعية الموالية لحزب الله، والمساس بها يزعزع النظام.
قد يحول النظام هذه التجارة من حالتها الفجة الحالية التي لا يخفي أنها وسيلة للانتقام إلى تجارة مخدرات هادفة للربح مع محاولة الحصول على مقابل مالي من الدول المعنية لتقليلها.
وقد يحول جزءاً كبيراً من مساراتها لأوروبا، لربما تفلح كأداة ابتزاز مع الاتحاد الأوروبي مثلما أفلحت مع الدول العربية.
أما الوقف الكامل أو الكبير لتجارة الكبتاغون التي بأرباح على نظام الأسد تفوق حجم ميزانية سوريا بثلاثة أضعاف، فيبدو أمراً صعباً.
موقف مؤيدي النظام من عودته للجامعة العربية
اللافت أن موالين لنظام أسد استهزأوا من الجامعة العربية بعد إعلان الأخيرة عودته لشغل مقعد سوريا الذي تم تجميده قبل 12 عاماً، حسبما ورد في مواقع محسوبة على المعارضة السورية.
واعتبروا أن الجامعة العربية هي التي عادت إلى سوريا وليس العكس.
وهنأت صفحات وحسابات على مواقع التواصل رأس النظام بشار الأسد بهذا "النصر".
ومن المعروف أن نظام الأسد الذي طالما كان يتبنى من الناحية الرسمية مفهوم القومية العربية، وبرر عبرها قمعه لعقود للمعارضة والتدخل في لبنان ومحاولة السيطرة على الحركات الفلسطينية، تبنى خلال السنوات الماضية خطاباً يهاجم الجامعة العربية، وأحياناً العرب والعروبة نفسها، في محاولة على ما يبدو لتبرير عزلته ومخاطبة النزعات المعادية للعالم العربي لدى بعض الأقليات، وتبرير تحالفه التام مع إيران الدولة غير العربية.
ويظهر من سلوك النظام أنه يحاول التأكيد أنه لا يحتاج إلى تطبيع عربي أو دولي حتى إنه إما يقبل به النظام العربي والدولي وبلدان الجوار أو إنه ليس لديه مشكلة في بقاء عزلته، خاصة أن البعد الأمني والطائفي سياسة النظام أهم من الجوانب الاقتصادية.
هل يتحسن وضع الأسد بالعودة للجامعة العربية؟
نظراً للنطاق الواسع للعقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد، فمن المرجح أن يمنح التطبيع سوريا شريان حياة سياسياً أكثر منه اقتصادياً، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وعلى الأقل لن يستفيد الأسد من العودة للجامعة العربية، إلى أن تتمكن الدول العربية من إقناع المجتمع الدولي بقبول الرئيس السوري، لكن يقول المحللون إنها خطوة سيصعُب إقناع المجتمع الدولي بها، أو تحديداً الدول الغربية.
وقال تشارلز ليستر، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، لشبكة CNN: "لا أعتقد أننا سنشهد أكثر من مجرد اتصال سياسي. لن نشهد بالتأكيد بعض التحول الكبير نحو الاستثمار في سوريا.. ولن يكون أي من ذلك ممكناً بدون الدعم الدبلوماسي والاقتصادي الغربي. وهذا غير مطروح نهائياً".
قد يتيح التطبيع العربي مع الأسد المجال لتدفق بعض المساعدات العربية، ولكنها لن تكون كبيرة، فالسعودية على الأرجح لن تدعم بشكل كبير حليف غريمتها إيران، حتى لو تصالحت معه ومع طهران، وقد تكون الإمارات أكثر سخاءً.
وقد يفتح التطبيع العربي مورداً مالياً للنظام عبر السماح للسوريين بتحويل أموالهم لذويهم في البلاد، علماً بأن أغلب المغتربين السوريين من المعارضين أو المحسوبين على التشكيلات المعارضة أو المستهدفة من قِبل النظام.
ومن الناحية العسكرية والأمنية، فلن يحدث تغيير كبير في وضع النظام، فقد خرجت الدول العربية التي كانت تدعم المعارضة عسكرياً من المعادلة منذ سنوات، واعتماد النظام الأساسي في مسألة البقاء على الدعم الروسي- الإيراني.
وروسيا تحديداً مشغولة في أوكرانيا وهي عززت التنسيق مع تركيا في الشأن السوري بشكل أكثر مناسبة لشروط أنقرة في ظل تعاون البلدين في ملفات أهم بكثير، وحاجة موسكو لتركيا في ظل محاصرة الغرب لها.
وهو ما يرجح أن موسكو أصبحت أكثر استعداداً، للضغط على الأسد في مسألة التطبيع مع أنقرة التي طرحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل حملة الانتخابات الرئاسية، وهو أمر يمكن التوصل عبره لحلول بين أنقرة ودمشق فيما يتعلق بالتنسيق ضد الإدارة الكردية الذاتية بالأساس والإرهاب القادم من سوريا لتركيا.
ولكن الملف الأصعب هو عودة اللاجئين، ولكن تركيا تعطيه أولوية، وهي تريد عودة كريمة وآمنة وطوعية للاجئين، ورغم سعيها للتطبيع مع الأسد، لكن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ومساعد الرئيس التركي ياسين أقطاي، سبق أن لوَّحا ببدائل أخرى إذا رفض الأسد، بما في ذلك اقتراح مساعد الرئيس التركي بإعادة اللاجئين طوعاً لحلب (باعتبار أغلب اللاجئين منها) على أن تخضع حلب لشكل من الإدارة المستقلة عن النظام من قِبل المعارضة وإشراف دولي ودور تركي.
فرغم أنه يبدو أن الأسد قد عاد مظفراً للجامعة العربية، فإن موقفه بات أضعف منذ انشغال روسيا بأزمة أوكرانيا ومع ترسخ الإدارة التابعة للمعارضة في منطقتين بالشمال خاصة إدلب، ونجاحها بالتعاون مع أنقرة في الدفاع ضد الهجوم الروسي- السوري على إدلب عام 2020، وتأسيس وضع اقتصادي ومؤسسات أفضل مما لدى نظام الأسد (رغم الخلافات الداخلية بين فصائل المعارضة).
وبالتالي، فإن موقف الأسد في الداخل مرتبط بشكل كبير بتوازنات العلاقة بين موسكو وأنقرة، وبكيفية تعامله مع العرض التركي للتطبيع بعد انتخابات الرئاسة وخيارات أنقرة إذا رفض هذا التطبيع.