حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، يوم الإثنين 17 أبريل/نيسان 2023، من أن الاقتصاد العالمي قد بدأ ينقسم إلى كتل متنافسة بسبب التوترات الجيوسياسية، حيث تحاول كل كتلة جذب أكبر قدر ممكن من بقية العالم إلى مصالحها الاستراتيجية والقيم المشتركة.
وأشارت لاغارد في خطاب أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك إلى التأثيرات بعيدة المدى لذلك الانقسام، والذي سيتسبب في أضرار لصناعة السياسات النقدية من جانب البنوك المركزية، واضطرابات محتملة في سلاسل الإمداد. فماذا يعني ذلك؟
إجراءات واشنطن وبكين المقيدة للتجارة تهدد نمو الاقتصاد العالمي
تفاقمت الصراعات الجيوسياسية دولياً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والعلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، ما ينذر بتداعيات على الاقتصاد العالمي من حيث تعطيل التجارة وإضعاف النمو وارتفاع التضخم، كما يقول موقع أسباب المتخصص في التحليلات الاستراتيجية.
وتشير توقعات إلى أن الانقسامات الجيوسياسية الناجمة عن التنافس بين الولايات المتحدة والصين قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم بنسبة 5%؛ حيث يتزايد تأثير الاعتبارات الأمنية على العلاقات الاقتصادية بين الغرب والصين، ومن غير المرجح أن تعود تلك العلاقات إلى مسارها السابق، المتمثل في زيادة الاعتماد المشترك والتكامل الاقتصادي.
في الوقت نفسه، تتزايد شكوك واشنطن وحلفائها الأوروبيين من تمدد النفوذ الصيني داخل الاقتصادات الغربية، وكذلك من الزيادة السريعة في عمليات الاستحواذ الصينية على الشركات ذات القيمة المضافة العالية والبنية التحتية الحيوية حول العالم.
إضافة إلى ذلك تسعى الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة إلى الحد من الاعتماد على المدخلات الاستراتيجية الوافدة من الصين، ويظهر هذا التوجه في قيود التصدير التي تفرضها واشنطن على تكنولوجيا أشباه الموصلات، ودعوة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، لإعطاء الأولوية لسلاسل التوريد "مع البلدان التي يمكن الاعتماد عليها"، في إشارة إلى رغبة واشنطن في تشكيل سلاسل توريد بمعزل عن مخاطر محاولات الإكراه من قبل الصين.
الصين والتحول إلى الداخل
على عكس السياسات الاقتصادية الانفتاحية التي تبنتها بكين في العقود السابقة، تتجه الصين نحو المزيد من الاعتماد على الذات والتحول إلى الداخل، الأمر الذي تسبب في إغلاق العديد من القطاعات أمام المنافسة الأجنبية، وأدى إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين منذ عام 2020.
ويكشف تقرير العمل الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عن استراتيجية الصين الاقتصادية في السنوات القادمة، والتي تقوم على مواصلة إخضاع الاقتصاد الصيني إلى سيطرة الدولة ولعب الحكومة الصينية الدور الرئيسي في توجيه الاستثمار في قطاعات معينة، مثل الاستثمار التكنولوجي بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي والحد من الاعتماد على الدول الغربية.
وهكذا تدفع الإجراءات المقيدة للتجارة من قبل الولايات المتحدة والصين نحو تسريع وتيرة انقسام الاقتصاد العالمي إلى كتل متنافسة، وحصر التكامل والتعاون الاقتصادي بين الحلفاء أو الدول الصديقة التي تحمل نفس السياسات والتوجهات، ومن المحتمل أن يكون لهذا الانقسام ارتدادات سلبية على نمو الاقتصاد العالمي ومرونة سلاسل التوريد وأمن الغذاء والطاقة.
كيف يمكن لأمريكا والصين التضرر من هذه التحولات؟
سيكون لهذا الانقسام، بحسب موقع أسباب، انعكاسات مباشرة على واشنطن وبكين؛ إذ إن القيود التجارية وفصل التكنولوجيا قد يلحقان الضرر بتوليد المعرفة والابتكار في كلتا الدولتين.
على سبيل المثال يمكن أن يتسبب تعطيل أو تجزئة سلاسل التوريد العالمية في الإضرار بقطاعات مهمة مثل صناعة السيارات الكهربائية، والتي تعتمد على ورادات من مناطق متفرقة حول العالم، حيث تعتمد الولايات المتحدة كلياً على واردات 14 مادة مهمة، وتعتمد أوروبا على الصين في 98% من المعادن النادرة اللازمة لبطاريات السيارات الكهربائية.
كما سيكون للانقسام الاقتصادي المتوقع آثاره أيضاً غير المباشرة على الاقتصادات الناشئة، والمتمثلة في إعاقة تدفقات رأس المال، كما أنه سيضعها تحت ضغوط جيوسياسية متزايدة من قبل القوى الكبرى المتنافسة، وهو ما سنلاحظه بصورة متزايدة في دول المنطقة، خاصة دول الخليج ومصر وتركيا، والتي ستواصل نهج تنويع علاقاتها التجارية والاقتصادية، لكنّ قدرتها ستكون متفاوتة على تحدي القيود الأمريكية المتزايدة إزاء الانفتاح التكنولوجي المتقدم على الصين.