كان اندلاع الاشتباكات في السودان خبراً سيئاً لدول الخليج لأكثر من سبب، وعلى الرغم من تباين المواقف تجاه طرفيها، الجيش بقيادة البرهان، والدعم السريع بقيادة حميدتي، فإن الهدف الآن بات مشتركاً، فما فرص تحقيقه؟
كان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد، وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
ورغم الاتفاق على هدنة تلو الأخرى، كان آخرها لمدة 72 ساعة بدأت مساء الخميس 27 أبريل/نيسان، وتنتهي مساء الأحد 30 أبريل/نيسان، إلا أن الضربات الجوية والقصف المدفعي هز العاصمة الخرطوم السبت 29 أبريل/نيسان، مع دخول البلاد أسبوعاً ثالثاً من القتال بين الفصيلين العسكريين المتناحرين، ما دفع المزيد من المدنيين إلى الفرار، وأثار مجدداً تحذيرات من اتساع نطاق عدم الاستقرار إذا لم تتوقف الحرب.
موقف السعودية من صراع السودان
يتسم موقف المجتمع الدولي من الصراع على السلطة في السودان باللامبالاة إلى حد كبير، رغم أن أمريكا وحلفاءها الغربيين لعبوا دوراً كبيراً في تفويت فرصة ذهبية لانتقال البلاد إلى الحكم المدني قبل 4 سنوات بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، بضغط من الشارع السوداني.
لكن استمرار هذا الصراع الآن وتحوله إلى حرب أهلية ممتدة يمثل "كابوساً للمنطقة وللعالم أجمع"، كما قال الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء في الفترة الانتقالية، الذي أطاح به انقلاب عسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وخلال مؤتمر في العاصمة الكينية نيروبي السبت، قال حمدوك: "هذه دولة ضخمة ومتشعبة للغاية… أعتقد أنها (الحرب) ستكون كابوساً للعالم. هذه ليست حرباً بين جيش وتمرد صغير، إنهما تقريباً مثل جيشين مدربين تدريباً جيداً ومسلحين بشكل جيد".
وبحسب تحليل لموقع Middle East Eye البريطاني، عنوانه "صراع السودان يختبر حدود الدبلوماسية الجديدة للقوى الخليجية"، الواضح الآن أن دولاً خليجية كالسعودية والإمارات باتت تدرك تلك الحقيقة، وتسعى لأن ينتهي الصراع في السودان سريعاً قبل أن يتحول إلى كابوس.
كين كاتزمان، كبير المستشارين في مركز صوفان، قال للموقع البريطاني: "دول الخليج لا ترغب إلا في تسوية الوضع مع السودان. وهي ترى أن بإمكانها التعامل مع من يعتلي السلطة مهما كان، لكن التصعيد هو ما لا ترغب فيه".
ويرى الخبراء أن الصراع في السودان سيئ التوقيت للسعودية تحديداً، لأن خطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع اقتصاده تعتمد بدرجة كبيرة على ساحل البحر الأحمر.
فمن المقرر أن يكون الساحل الشمالي للسعودية موطناً لمدينة نيوم المستقبلية، التي ستبلغ تكلفتها 500 مليار دولار. وقبل أيام قليلة من اندلاع القتال في السودان، أعلنت الرياض عن خطط لإقامة منطقتين اقتصاديتين خاصتين على البحر الأحمر.
ويقول عزيز الغشيان، الباحث السعودي في السياسة الخارجية في الرياض، لموقع Middle East Eye: "آخر ما تحتاجه السعودية الآن سوريا على بحر الرياض"، مضيفاً: "السعودية تريد فعلاً أن يكون السودان مستقراً. ولو غاب الاستقرار عن السودان، فلن تحقق مشاريع البحر الأحمر إمكاناتها، وهذا هو مصدر القلق في الرياض الآن".
ويرى محللون أن قرب السعودية من السودان أحد الأسباب التي تدفعها لاتباع نهج أكثر حذراً مع الصراع هناك، لكنهم يقولون إن تحولاً أعمق في القصر الملكي أسهم في ذلك أيضاً. فعام 2015، قاد وزير الدفاع السعودي آنذاك، محمد بن سلمان، بلاده إلى حرب على الحوثيين في اليمن. ورغم شن التحالف آلاف الضربات الجوية على الدولة الفقيرة، لم يتمكن من القضاء عليهم.
توربيورن سولفيت، المحلل في شركة المخاطر Verisk Maplecroft، يرى أن الرياض تعلمت حدود سياستها الخارجية العدوانية من اليمن. وقال لموقع Middle East Eye: "هذا النهج الحذر يدين كثيراً للدروس المستفادة من التدخل الفاشل في اليمن. وهذا الفشل في صد النفوذ الإيراني في المنطقة دفع السعودية أيضاً إلى تبني موقف أكثر تصالحية".
ورغم العلاقات القوية التي تربط السعوديين بقائد الجيش البرهان، حرصوا أيضاً على توطيد علاقتهم بقائد قوات الدعم السريع، حميدتي، وذلك بمشاركتهم، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات، في "اللجنة الرباعية"، التي أعربت عن دعمها لعملية الانتقال الديمقراطي في السودان.
تقول جاكلين بيرنز، المستشارة السابقة للمبعوث الأمريكي الخاص للسودان، لموقع Middle East Eye إن الرياض على الأرجح ترغب في قوات موحدة تحت قيادة الجيش السوداني، وهذا الموقف المحابي للبرهان يجعلها أقرب إلى مصر، التي تقول جاكلين إنها تدعم الجيش دعماً واضحاً. ويقول بيرنز إن السعودية في الوقت نفسه اتخذت إجراءات "تحوطية" مع حميدتي.
ماذا عن الإمارات؟
يُنظر إلى الإمارات على أنها مقربة من حميدتي، التي دفعت له لإرسال قواته للقتال في اليمن. ويقال إن قوات الدعم السريع التي يقودها آزرت، قائد الجيش الليبي وحليف الإمارات خليفة حفتر، الذي ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه أرسل ذخيرة إلى حميدتي في القتال الأخير.
وقد برر حميدتي القتال في تغريداته بالزعم أن قواته تقاتل "الإسلاميين المتطرفين"، وهو تصريح قال الغشيان إن هدفه على الأرجح استمالة الإمارات. وفي الوقت نفسه، عزا القائد العسكري المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور معركته مع الجيش إلى الرغبة في إقامة نظام ديمقراطي.
وكان حميدتي أمضى أسبوعين في الإمارات، في فبراير/شباط، وهناك التقى بكبار القادة الإماراتيين، ومن ضمنهم نائب رئيس الدولة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان.
يقول جوناس هورنر، محلل شؤون السودان المستقل، إن الإمارات تدعم حميدتي، لكنها ربما شعرت ببعض الندم بعد احتدام القتال في السودان.
وقال: "من الجائز جداً أن الإمارات تفاجأت باندلاع القتال، ورغم علاقتهم القوية مع حميدتي التي عززت قوته المالية والعسكرية، لا أظن أن ذلك كان بنية تمكينه من خوض حرب مع الجيش السوداني".
وتستثمر كل من السعودية والإمارات في السودان، بما يشمل مشاريع زراعية واسعة النطاق، لكن سولفيت يقول إن حضور الرياض أخف.
إذ تعمل أبوظبي على إنشاء شبكة بحرية تمتد من جزيرة سقطرى اليمنية إلى دويلة القرن الإفريقي غير المعترف بها، أرض الصومال.
وفي ديسمبر/كانون الأول، وقعت مجموعة موانئ أبوظبي صفقة لتطوير ميناء جديد بقيمة 6 مليارات دولار على بعد حوالي 322 كم شمال بورتسودان. وهذا المشروع يسلط الضوء على الشبكة المعقدة للمصالح التجارية والجيوسياسية الإماراتية في السودان. وموانئ أبوظبي مملوكة لشركة القابضة ADQ، التي يديرها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان رئيس الأمن الوطني الإماراتي.
وقال كاتزمان لموقع Middle East Eye: "دول الخليج تدعم برهان وحميدتي، ولكن في نهاية المطاف ربما تكون الإمارات مشغولة أكثر بمن يكون الفائز المباشر".
البرهان وحميدتي وفرص الجلوس معاً على الطاولة
رغبة الإمارات في المخاطرة ستكون محل اختبار، إذ مُدد وقف إطلاق النار الجزئي يوم الخميس لمدة 72 ساعة إضافية، لكن القتال استمر في الخرطوم ومعظم أنحاء البلاد. ويتوقع عديد من المحللين صراعاً طويل الأمد يتطلب توفير الأموال والموارد.
وقال هورنر لموقع Middle East Eye إن قوات حميدتي تنفذ عمليات نهب، لكنها تحصل أيضاً على رواتب أعلى من خصومها في الجيش السوداني. وقال: "الكثير من الشباب انضموا إلى قوات الدعم السريع على حساب الجيش، لمجرد أن يستفيدوا من الرواتب العالية، وقوات الدعم السريع معرضة بشكل خاص للضغوط المالية".
وبعد مرور أسبوعين على القتال، لا توجد مؤشرات تذكر على توقف التدفق النقدي لحميدتي، وهو شكل من أشكال التقاعس الذي قال هورنر إنه يمكن اعتباره "سياسة".
وانضمت قطر إلى هذا المزيج أيضاً، إذ يقول محللون إنها تتطلع لاستعادة نفوذها في السودان منذ إطاحة البشير، الذي رفض الموافقة على جهود سعودية وإماراتية لعزل الدوحة. وفي مارس/آذار، سافر البرهان إلى الدوحة لمناقشة التعاون العسكري بين البلدين مع وزير الدفاع القطري.
لكن هورنر يرى أن القوى الرئيسية التي يمكنها ممارسة ضغوط على القائدين المتصارعين هي السعودية والإمارات ومصر. وقال: "هي في وضع يسمح لها بإحضار الجنرالين إلى طاولة المفاوضات لوقف الصراع باستخدام نفوذها المالي".
وكان مبعوث للأمم المتحدة قدم في وقت سابق بصيصاً من الأمل لإنهاء القتال، إذ قال إن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اللذين لم يظهرا حتى الآن أي إشارة على إمكانية التوصل إلى حل وسط أصبحا منفتحين الآن على المفاوضات وإن لم يتحدد موعد لها.
لكن احتمالات إجراء مفاوضات بين زعيمي الطرفين تبدو واهية حتى الآن، إذ كان البرهان قد قال الجمعة إنه لن يجلس أبداً مع زعيم "المتمردين" في قوات الدعم السريع، في إشارة إلى حميدتي. وقال قائد قوات الدعم السريع بدوره إنه لن يبدأ التفاوض إلا بعد أن يوقف الجيش الأعمال القتالية.
فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، قال لرويترز إنه استشعر تغيراً في مواقف الجانبين في الآونة الأخيرة، وإنهما منفتحان على المفاوضات.
وأضاف بيرتس أن الطرفين رشحا ممثلين عنهما للمحادثات التي اقتُرحت إقامتها إما في جدة بالسعودية، أو في جوبا بجنوب السودان، لكنه استطرد قائلاً إن ثمة سؤالاً عملياً حول ما إذا كان بوسعهما الذهاب إلى هناك "للجلوس معاً فعلياً"، مضيفاً أن المهمة التي لا تحتمل التأخير هي تطوير آلية لمراقبة وقف إطلاق النار: "أقر كلاهما بأن هذه الحرب لا يمكن أن تستمر".
الخلاصة هنا هي أن دول الخليج، ومعها مصر بطبيعة الحال، لا تريد أن يتحول الصراع في السودان إلى حرب أهلية، وربما تتفق السعودية وقطر ومصر في دعم الجيش، وإن بدرجات متفاوتة، بينما تميل الإمارات نحو حميدتي، لكن يتفق الجميع على أن الصراع لا بد أن يتوقف سريعاً، فهل يتحقق هذا الهدف؟.