برز اسم ميرال أكشنار، زعيمة حزب الجيد المعارض في تركيا، كواحدة من الفاعلين البارزين في الحياة السياسية داخلياً، حيث تتمتع بتاريخ طويل من العمل السياسي وشغلت منصب وزيرة الداخلية أواخر تسعينيات القرن الماضي، وكانت نائبة بارزة بحزب الحركة القومية قبل أن تُطرد منها لتؤسس حزبها الخاص في 2017.
لا تبدو أكشنار سياسية عادية، فمسيرتها السياسية مليئة بالتقلبات، فهي التي شاركت في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم عام 2001، ثم غادرته نحو الحركة القومية، قبل أن تُطرد من الأخير وتؤسس حزب الجيد، وتحالفت مع اليسار وهي اليمينية الصلبة حينما كانت وزيرة داخلية، وكادت تنقلب على تحالف "الطاولة السداسية" المعارض في 2023، فمن هي ميرال أكشنار؟
وُلدت أكشنار في 18 يوليو/تموز عام 1956 بمدينة إزميت من عائلة مهاجرة من البلقان. ودرست التاريخ في كلية الآداب بجامعة إسطنبول وتخرجت فيها عام 1979، كما حصلت على دكتوراه في السياسة بجامعة مرمرة. وعملت بجانب ذلك أستاذة محاضرة بجامعتي كوجالي ومرمرة، ورئيسة لقسم تاريخ الثورة، وهي متزوجة ولها ولد واحد.
ميرال أكشنار تدخل السياسة من باب "الطريق القويم"
دخلت أكشنار عالم السياسة عام 1994 لأول مرة عبر حزب "الطريق القويم" الذي كان حزباً رئيسياً ضمن الحكومات الائتلافية التي حكمت تركيا في تسعينيات القرن الماضي، لتدخل البرلمان عام 1995 كنائبة للحزب عن ولاية كوجالي.
حازت أكشنار لقب أول وزيرة داخلية بين عامَي 1996 و1997، بفضل الحكومة الائتلافية التي شكلها الراحل نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه آنذاك، قبل الإطاحة بحكومته عبر انقلاب ناعم في 28 فبراير/شباط 1998، شمل إجراءات وصفت بالراديكالية بحق الشريحة المحافظة لا سيما المحجبات، وحظيت بتأييد من أكشنار نفسها.
حيث رحبت أكشنار في ذلك الوقت بالقيود التي فرضها مجلس الأمن القومي على اللباس الديني لتشمل أيضاً إغلاق مدارس "الإمام خطيب" الشرعية، واعتبرت أنها إجراءات "يجب تطبيقها"، مشددة على ضرورة تطبيق "قانون اللباس" المتعلق بمنع المحجبات من ارتياد المدارس والجامعات والعمل ضمن مؤسسات الدولة.
ومن المفارقة أن أكشنار اليوم تجلس على الطاولة السداسية بجانب حزب السعادة المحافظ تركة الراحل أربكان.
في 4 يوليو/تموز 2001 استقالت أكشنار من "الطريق القويم" لتنضم إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتشاركه بتأسيس حزب العدالة والتنمية الذي سيقلب المعادلة بعد وقت قصير منهياً حكم التحالفات الحزبية، لكن أكشنار سرعان ما غادرت الحزب لتنضم إلى حزب الحركة القومية اليميني في 3 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته.
بقيت أكشنار سنوات عدة خارج البرلمان، بعدما فقدت مقعدها والوزارة معاً، لتعود في 2007 كنائبة برلمانية للحزب عن مدينة إسطنبول، ويستمر بها الحال كامرأة معارضة من الصفوف الأولى ضد الحكومة التركية بقيادة أردوغان.
لكن مسيرتها في الحركة القومية تعرضت لانتكاسة بسبب عدم ترشيحها في الانتخابات البرلمانية عام 2015، مما دفعها مؤخراً في عام 2016 للدعوة إلى مؤتمر استثنائي للحزب في 15 مايو/أيار 2016 معلنة ترشحها لرئاسة الحزب بدلاً عن باهجلي، مما تسبب بخلاف كبير بين الطرفين.
على إثر ذلك، أحيلت أكشنار إلى لجنة التأديب ليتم طردها من الحزب بشكل نهائي أواخر 2016، وبذلك أنهت مسيرة طويلة من التقلبات بين الأحزاب الكبرى التي كان لها بصمات في التاريخ السياسي التركي.
زعيمة حزب ومرشحة رئاسية
كان قرار طرد أكشنار من الحركة القومية مرحلة فاصلة في حياتها السياسية، حيث دفع ذلك بانشقاق عدد من الأسماء البارزة بالحزب للاصطفاف بجانبها وتأسيس حزب "الجيد" في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017، كحزب معارض بات منافساً صلباً للحركة القومية وحليفه العدالة والتنمية.
كان عام 2018 امتحاناً حقيقياً لشعبية أكشنار، التي وصفت آنذاك بـ"المرأة الحديدية" بعدما أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 يونيو/حزيران من ذلك العام، إثر فشل أحزاب المعارضة على تسمية مرشح رئاسي واحد.
رغم أن أصواتها لم تتجاوز 7.3%، إلا أنها نجحت في إدخال حزبها إلى البرلمان حيث تجاوزت العتبة الانتخابية التي كانت ذلك الوقت تبلغ 10% (تم تخفيضها في 2022 إلى 7% بموجب مشروع قانون صادق عليه البرلمان)".
كان دخول حزبها للبرلمان نجاحاً جعل منها لاعباً مهماً في "تحالف الأمة" الذي أسسته مع حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليجدار أوغلو آنذاك، ليتحول لاحقاً إلى ما بات يعرف بتحالف "الطاولة السداسية" حيث يضم 6 أحزاب معارضة من خلفيات فكرية مختلفة.
أكشنار تقلب الطاولة السداسية
تجلس أكشنار على الطاولة السداسية المعارضة كزعيمة ثاني أكبر حزب بعد الشعب الجمهوري، يليهما أحزاب السعادة، الديمقراطي، المستقبل، الديمقراطية والتقدم، وهي أحزاب صغيرة محسوبة على وسط اليمين المحافظ.
رغم أن هناك هدفاً واحداً يجمع بين هؤلاء المتحالفين يتمثل في إنهاء حكم أردوغان الممتد منذ أكثر من عشرين عاماً، فإن خلافات كبيرة كانت تطفو على سطح الطاولة من حين لآخر، وجل تلك الخلافات كان اسم أكشنار حاضراً فيها بقوة.
عارضت أكشنار ترشيح كليجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية في 14 مايو/أيار 2023، وأوضحت ذلك بشكل صريح مطلع مارس/آذار من العام ذاته، حيث ترى ضرورة ترشيح أحد رئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول، منصور ياواش وأكرم إمام أوغلو على التوالي.
في تلك الأثناء، هاجمت أكشنار الطاولة السداسية واعتبرتها أنها لم تعد تمثّل الشعب، وتحدثت بصراحة عن رفضها لترشيح كليجدار أوغلو، لكن بعد 3 أيام فقط انتهت تلك الزوبعة لتعود أكشنار مجدداً للطاولة وتقرّ ترشيح كليجدار أوغلو عقب اجتماع للطاولة في 6 مارس/آذار، مع اشتراط أن يكون ياواش وإمام أوغلو نائبين للرئيس.
هذا الخلاف ومثله موقف أكشنار وحزبها من العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) عزز من نظرية انعكاس ذلك على التصويت في انتخابات مايو/أيار 2023، حيث إن مناصريها وهم من اليمين ينظرون للشعوب الديمقراطي على أنه امتداد سياسي لمنظمة بي كا كا المسلحة والمصنفة إرهابياً من قِبل تركيا.
ويتفق حزبها في هذه النقطة تحديداً مع تحالف "الجمهور" الحاكم بذراعيه العدالة والتنمية، والحركة القومية، ولذا فإن مسألة ترشيح كليجدار أوغلو بجانب العلاقة مع الشعوب الديمقراطي تبرز كعامل مؤثر على إمكانية امتناع أنصار أكشنار عن منح أصواتهم إلى كليجدار أوغلو.
وكان من الملاحظ أن حملة أكشنار الانتخابية ركزت على إبراز صورتها بجانب كل من ياواش وإمام أوغلو دون وجود مرشح تحالفها نفسه كليجدار أوغلو، وهو ما اُعتبر رسالة مقصودة من أكشنار والجيد بأنهم عادوا إلى الطاولة على مضض.
وتشهد تركيا في 14 مايو/أيار المقبل انتخابات رئاسية وبرلمانية توصف بالمصيرية، يتنافس فيها 4 مرشحين رئاسيين على رأسهم أردوغان وكليجدار أوغلو، إلى جانب أحزاب عدة تتنافس على مقاعد البرلمان ضمن تحالفات.