توقع تقرير أعدته وحدة معلومات "الإيكونوميست" البريطانية أن يفوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في انتخابات 14 مايو/أيار المقبل، على حساب مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
وتشهد تركيا أهم انتخابات في تاريخها منذ تأسيس الجمهورية قبل 100 عام، وفيها يسعى أردوغان، الذي يحكم البلاد منذ عقدين تقريباً، الفوز بفترة رئاسية جديدة، كما يسعى الحزب الحاكم العدالة والتنمية إلى الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية.
لماذا أردوغان الأقرب للفوز برئاسة تركيا؟
يواجه الرئيس المخضرم مرشحاً يدعمه تحالف المعارضة التركية، المكون من تحالف يضم 6 أحزاب، وهو كمال كليجدار أوغلو (74 عاماً)، وهو رئيس ثاني أكبر حزب في البلاد، ويسعى إلى الإطاحة بأردوغان، الذي حكم البلاد لمدة عقدين من الزمان، وأحدث تحولاً في البلد العضو في حلف الناتو، وجعل اقتصاد تركيا واحداً من الاقتصادات الرئيسية في الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر تقدم أوغلو بنسبة طفيفة، فإن تحليل وحدة المعلومات في الإيكونوميست توقع أن يكون الفوز من نصيب الرئيس الحالي، راصداً عدداً من الأسباب، منها ما يتعلق بالرئيس نفسه، ومنها ما يتعلق بأوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية.
ومن المتوقع أن تشهد الانتخابات منافسة حامية، وأن تكون النتيجة متقاربة للغاية، "إلا أننا نتوقع أن يضيف الرئيس الذي يحكم تركيا منذ 20 عاماً مدة رئاسية جديدة… إذ إن نسبة المصوتين الذين لم يحسموا أمرهم بعد (الناخبين المتأرجحين) مرتفعة وتزيد على 13%. وسيستفيد الرئيس أردوغان من تاريخه الطويل من النجاحات منذ تولى المسؤولية وشخصيته الكاريزمية وقاعدة الناخبين المؤيدة له من المحافظين"، بحسب التحليل، الذي رصد عوامل أخرى تصبّ في صالح الرئيس، وسيكون لها على الأرجح الكلمة الفصل في النتيجة النهائية.
كما رصد التحليل عناصر أخرى تتعلق بـ"اقتصاد الانتخابات"، حسب وصفه، في إشارة إلى الإجراءات المتعددة التي اتخذتها حكومة الرئيس أردوغان للتخفيف على المواطنين من أعباء الأزمة الاقتصادية، ومنها على سبيل المثال رفع الحد الأعلى للأجور وتخفيض سن المعاش وإصدار إجراءات أخرى تتعلق بتأجيل أو تخفيض الضرائب والرسوم المستحقة للدولة.
كانت الحكومة التركية قد بدأت في تطبيق تلك الإجراءات خلال عام 2022، بعد أن تسببت الأزمة الاقتصادية في انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار الأمريكي بصورة كبيرة، حيث أدت الحرب في أوكرانيا، والتي اندلعت 24 فبراير/شباط 2022 وتصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر"، إلى تأجيج أزمة الاقتصاد حول العالم.
لكن على الجانب الآخر، أدت طريقة تعامل الرئيس التركي مع الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى الإشادة به، وعززت التأييد له بصورة لافتة، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، نشرته مطلع العام الجاري، بعنوان "الانتخابات الأهم في العالم خلال عام 2023 ستكون في تركيا"، ألقى الضوء على الأسباب والملابسات التي تجعل ذلك السباق الانتخابي بهذه الأهمية، ليس فقط لتركيا، ولكن للعالم أيضاً.
لماذا انتخابات تركيا هي الأهم منذ 100 عام؟
وعلى الرغم من شراسة الانتخابات هذه المرة واشتداد المنافسة بصورة تجعل من الصعب الجزم بنتيجتها، سواء على منصب الرئيس أو لاختيار البرلمان الذي سيشكل الحكومة، فإن النقطة الوحيدة التي عليها إجماع هي الأهمية التي تحظى بها.
فنتائج الانتخابات التركية، أياً كانت، سوف يكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً: "ما يحدث في تركيا لن يبقى في تركيا فقط"، كما قال ضياء ميرال، الباحث في معهد خدمات رويال المتحد لدراسات الدفاع والأمن لواشنطن بوست، مضيفاً أن "تركيا قد تكون قوة متوسطة، لكن القوى الكبرى ستتأثر بنتائج الانتخابات في أنقرة".
ولا شك أن الدور والتأثير التركي في الشؤون الدولية يمثل شهادة على إنجازات أردوغان خلال عقدين من وجوده على رأس السلطة في البلاد، ورغم ذلك فإن سعي المعارضة التركية للإطاحة بالرئيس يجد صدى ومتعاطفين خارج تركيا أيضاً.
وبحسب الإيكونوميست، التي تتوقع فوز أردوغان، "تمثل الانتخابات فرصة تاريخية لهزيمة الرئيس، لكنها تظل فرصة ضئيلة للغاية". لكن نتيجة هذه الانتخابات لن تحدد فقط من سيحكم تركيا، بل أيضاً كيف ستحكم البلاد في المرحلة المقبلة.
فما سيقرره الناخبون الأتراك، يوم 14 مايو/أيار، يتعلق أيضاً بالمسار الاقتصادي الذي ستسلكه تركيا، ودورها في تخفيف حدة الصراعات العالمية والإقليمية، مثل الحرب في أوكرانيا، والاضطرابات في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، تعهد تكتل المعارضة بالتراجع عن كثير من سياسات أردوغان في الاقتصاد والشؤون السياسية والسياسة الخارجية، وهو ما يضيف بعداً رئيسياً آخر يجعل كثيرين يعتبرونها الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية الممتد 100 عام.
وجاء الإعلان عن اختيار أوغلو مرشحاً رئيسياً مصحوباً بتعديلات من 12 بنداً، تعهدت أحزاب المعارضة بتنفيذها في حالة الفوز في الانتخابات، أبرزها يتعلق بطريقة الحكم نفسها، إذ يقولون إنهم سيغيرون النظام الرئاسي الحالي إلى النظام البرلماني.
كانت "الطاولة السداسية"، تكتل المعارضة، قد أعلنت خارطة طريق مكونة من 12 مادة لإدارة البلاد بعد الانتخابات، وجاءت تلك البنود على النحو التالي: 1- ستُدار تركيا في المرحلة الانتقالية عبر التشاور والتوافق، في ضوء مبادئ وأهداف النظام البرلماني المعزز، والنصوص المرجعية التي اتفقنا عليها، وفي إطار الدستور والقانون وفصل السلطات وأسس الموازنة والمراقبة.
2- سيتم الانتهاء من التعديلات الدستورية المتعلقة بالانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، لتدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن تحت مظلة البرلمان الذي سيتشكل عقب الانتخابات.
3- سيكون رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى نواباً لرئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية. 4- سيكون توزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب السياسية المشكّلة لتحالف الأمة وفقاً لعدد نواب هذه الأحزاب المنتخبة في الانتخابات البرلمانية. بينما ستكون حقيبة وزارية على الأقل تمثل كل حزب من هذه الأحزاب في الحكومة، في حين سيتم إلغاء مكاتب ومجالس السياسات العائدة لرئاسة الجمهورية، والتي تم تأسيسها بالتوازي مع الوزارات.
5- تعيين وإلغاء الوزراء سيكون من خلال التشاور مع رؤساء الأحزاب التي يتبع لها الوزراء. 6- يستخدم رئيس الجمهورية سلطته التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية وفقاً لمبادئ المشاركة والتشاور والإجماع. 7- يتم توزيع صلاحيات ومهام مجلس الوزراء ونواب الرئيس من خلال مرسوم رئاسي في إطار الدستور والقوانين.
8- سيتخذ رئيس الجمهورية قرارات إعادة الانتخابات، وإعلان حالة الطوارئ، وسياسات الأمن القومي، والقرارات الرئاسية، والإجراءات التنظيمية العامة، والتعيينات في المناصب العليا؛ بالتوافق مع قادة الأحزاب في تحالف الأمة.
9- سيتم إنشاء آليات لتنسيق التعاون في العملية التشريعية خلال المرحلة الانتقالية. 10- ستنتهي عضوية رئيس الجمهورية الحزبية- إن كانت موجودة- بمجرد استكمال عملية الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز.
11- بعد الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز سيواصل رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مهامهم، دون الحاجة إلى إعادة الانتخابات. 12- سيتم تعيين رئيسي بلدية أنقرة وإسطنبول نائبين لرئيس الجمهورية، في الوقت الذي يراه الرئيس مناسباً، وضمن واجبات محددة.
ماذا عن فرص حزب التنمية والعدالة؟
أما عن فرص فوز حزب الحرية والعدالة بالأغلبية في البرلمان المقبل، فيتوقع تحليل الإيكونوميست ألا يتمكن الحزب من ذلك، لكن ذلك لا يعني بطبيعة الحال أن يتحول الحزب إلى مقاعد المعارضة، إذ يتوقف الأمر – حال تحققت تلك التوقعات – بعدد المقاعد التي قد يفقدها.
وحزب العدالة والتنمية هو الحزب الحاكم الذي يقود تركيا منذ عام 2002، بعد تأسيسه في 14 أغسطس/آب 2001، من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يترأسه حتى الآن. والحزب حالياً هو الأقوى داخل البرلمان، حيث يمتلك 285 مقعداً، والحزب متحالف منذ 2018 مع حزب "الحركة القومية"، وهو رابع أقوى أحزاب البرلمان بـ48 مقعداً.
وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن السباق الانتخابي الرئاسي سيكون محتدماً للغاية هذه المرة، وإن كانت الانشقاقات الأخيرة في صفوف التحالف المعارض قد تصبّ في صالح حزب الرئيس أردوغان، إذ يفتقد التحالف المعارض الانسجام في المبادئ والتوجهات العامة.
وفي هذا السياق، كان انسحاب واحدة من القادة الرئيسيين في تحالف المعارضة، ميرال أكشنار، زعيمة حزب "الجيد"، المنشقة عن حزب الحركة القومية منذ 2017، قبل أن تعود مرة أخرى إلى الطاولة السداسية، مؤشراً لافتاً على تلك الاختلافات.
كانت أكشنار قد أعلنت، الجمعة 3 مارس/آذار، الانسحاب من الطاولة السداسية، واعتبرت أن كليجدار أوغلو يفتقر إلى تأييد الرأي العام، ولا يمكنه إلحاق الهزيمة بأردوغان في الانتخابات الرئاسية. وأرادت السياسية المعارضة أن يتم ترشيح واحد من رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة، المنتميين إلى حزب الشعب الجمهوري.
أما كليجدار أوغلو، فقد جادل سابقاً بأنه يجب على منصور يافاش وإمام أوغلو، رئيسي البلديتين على التوالي، البقاء في منصبيهما لتجنب إجراء انتخابات جديدة يمكن أن تعيد أياً من المدينتين إلى إدارة حزب التنمية والعدالة.
وتركز المعارضة، بقيادة كليجدار أوغلو، وهو موظف مدني سابق، على استغلال الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم، بالإضافة إلى الزلازل التي ضربت تركيا، في فبراير/شباط الماضي، وأثارت في بدايتها انتقادات لطريقة استجابة الدولة للكارثة، للتشكيك في قيادة أردوغان والفوز بالانتخابات.
الخلاصة هنا هي أن الانتخابات التركية، سواء على مقعد الرئيس أو مقاعد البرلمان، مفتوحة على جميع الاحتمالات، وعلى الأرجح ستكون نتائجها متقاربة للغاية، نظراً لأهميتها القصوى، ليس فقط للأتراك، بل للمنطقة والقوى الكبرى حول العالم.