السودان على “فوهة البندقية” .. كيف ضاعت الأرواح والثروات في صراع سياسي وقبليّ وانقلابات عسكرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/24 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/24 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش

كل التفاصيل في المشهد السوداني في أزمة أبريل/نيسان 2023 تبدو خارقة للمألوف.

في هذا البلد الذي يعاني من نخباته الحاكمة منذ استقلاله قبل عقود، جيشان رسميان وعشرات الفصائل القبلية والحدودية المسلحة، وصراعات على الموارد والنفوذ وأمجاد العشيرة.

وعندما وقع الخلاف أصبحت المدن السودانية ساحات قتال، تتهاوى فيها القذائف على رؤوس وبيوت المدنيين.

لا خطوط حمراء يتوقف عندها الخصوم. 

لا يكترثون بمعاناة المدنيين الذين أصبح ثلثهم تقريباً في حاجة إلى إغاثات إنسانية عاجلة بعد أيام من بدء القتال.

ولا يستمعون لنداءات المنظمات الإنسانية أو بيانات المنظمات الدولية والحلفاء، القريبين منهم والبعيدين.

إنها حرب وجودية، مَن ينتصر فيها يحكم السودان، ومَن يخسر قد يفقد حياته في ميادين الموت، أو يخضع لمحاكمة بأكبر الاتهامات التي يبرع الساسة في تدبيجها للخصوم. 

صور الأقمار الاصطناعية أظهرت الدمار في مطارَي الخرطوم ومروي. وتابع الملايين على شاشات الأخبار ألسنة اللهيب والدخان وهي تتهادى في سماء الخرطوم الصافية، في بداية صيف لا أحد يعرف نهايته. 

وسقط عشرات القتلى من المدنيين في الأيام الأولى للصراع، فيما بقيت الخسائر في الأرواح العسكرية غير معروفة.

منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، الذي أطاح باتفاق المرحلة الانتقالية، عاش السودان هذه الحالة من عدم الاستقرار والاضطرابات والاحتجاجات.
وعندما توصلت القوى المختلفة إلى اتفاق إطاري جديد يحكم المرحلة الانتقالية، أدت نقاط الخلاف الرئيسية بين الجيش، بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع، بزعامة حميدتي، إلى وقوع المحظور واندلاع القتال في شوارع الخرطوم الآمنة.

هذا التقرير يستعرض الطريق إلى أزمة أبريل/نيسان 2023 وجذورها المزمنة في اللعبة السياسية، وعن مغامرات العسكر التي أنهكت البلد بالانقلابات والحروب الأهلية، وصولاً إلى حالة يتفرَّد بها السودان في العالم، وهي وجود جيشين رسميين بقيادة مختلفة.

كلمة السر في الحريق السوداني الكبير هي قوات الدعم السريع، الوحش الذي ابتكره وأطعمه البشير، فالتهم البشير ونظامه في ساعة الحقيقة.

اللقاء الأول بين الغريمين كان على أرض دارفور المشتعلة وقتها في غرب البلاد، وكان البشير هو مهندس التقارب والتحالف في البداية، كما تشرح السطور التالية.

في البدء كان "الجنجويد" في صحاري دارفور الغامضة

يعود ظهور الميليشيات القبلية في السودان إلى الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط الرئيس جعفر النميري في العام 1985 في انقلاب المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي شرع في تسليح بعض القبائل ذات الأصول العربية في إقليم كردفان.

اختارت حكومة سوار الذهب التحالف مع هذه القبائل المعروفة بـ "المراحيل"؛ لمعاونة الحكومة الانتقالية في حربها مع تمرد جنوب السودان وحماية الحدود.

بمرور السنوات أصبحت هذه الميليشيات تقدم مساندة فعالة للقوات المسلحة في حربها ضد جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان بالجنوب، بزعامة جون قرنق وقتها، فتوسع نظام البشير في استخدام هذه التشكيلات شبه العسكرية منذ 1994.

خاضت هذه الميليشيات الحرب التي اندلعت في العام 2003 بإقليم دارفور، وبرز وقتها مسمى ميليشيات "الجنجويد" مرادفاً لها.

تشكلت ميليشيا "الجنجويد" من رعاة إبل من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد. 

في عام 2003 ظهرت في صورة ميليشيات لتأمين القوافل التجارية خلال مسيرتها الطويلة، ثم تم إلحاقها بوحدة استخبارات حرس الحدود بالقوات المسلحة.

وخلال الحرب الضارية في دارفور 2003-2005، كان قائد الجنجويد الأكثر شهرة والأسوأ سمعة هو موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد، الذي التقط ابن عمه الشاب حميدتي، 28 عاماً وقتها، وجعله ساعده الأيمن في قيادة هذه الميليشيات التي واجهت لاحقاً اتهامات بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي.

 هكذا بدأ حميدتي صعوده الدرامي بعد نجاحه في توسيع الميليشيا التي يقودها من الماهرية وضم قبائل أخرى. 

وعندما نشب الخلاف بين البشير وموسى هلال، اختار الرئيس هذا الشاب ليصبح قائد الدعم السريع، في شهر عسل انتهى مع الرئيس عام 2007.

تمرد حميدتي على الدولة عندما تم تهميشه خلال مفاوضات السلام في دارفور، وغضب عندما انقطعت رواتب جنوده لأكثر من ستة أشهر.

أما نقطة الانفجار فكانت تعيين البشير لـ"ميني مناوي" المنتسب لقبيلة الزغاوة مستشاراً له.

بدأ حميدتي انشقاقه عن الحكومة في أغسطس/آب 2007، وانصاعت الحكومة لتمرده، الذي أنهاه وهو يحمل لأول مرّة لقباً عسكرياً "عميد"، ويتحوّل من تاجر إبل وأمير حرب إلى قائد عسكري.

اللافت أن أياً من الجهات الدولية لم توجه اتهاماً مباشراً لحميدتي بارتكاب جرائم مثلما فعلت مع سلفه موسى هلال أو البشير نفسه.

ثم كانت "قوات الدعم السريع" هي التطور الطبيعي لميليشيات القبائل والجنجويد سابقاً، وتم الإعلان عنها رسمياً صيف 2013 بعد إعادة هيكلتها لتصبح تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

للمزيد من المعلومات الرجاء الضغط هنا

تحميل المزيد