هل يتحول الصراع الدموي بين البرهان وحميدتي إلى حرب أهلية في السودان؟ وما الفرق بين الحرب الأهلية وحرب الشوارع؟ أسئلة كثيرة تتردد بعد أن وقع المحظور واندلعت المواجهة الوجودية بين الجنرالين.
كانت الاشتباكات قد اندلعت، السبت 15 أبريل/نيسان، بين وحدات من الجيش السوداني موالية لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
وتستمر حرب الشوارع في السودان بين جيش البرهان ودعم حميدتي رغم الإعلان عن هدنة مدتها 24 ساعة مرتين خلال 3 أيام دون أن يتم الالتزام بهما، وهذه الاشتباكات الدموية هي الأولى منذ أن اشترك البرهان وحميدتي في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بسبب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، في إطار المرحلة الانتقالية نحو الحكم المدني، والتي كان انقلاب عسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021 قد أعادها للمربع صفر.
ما يحدث في السودان أقرب إلى حرب الشوارع
"قلق من شبح الحرب الأهلية بينما تنهال القذائف على مدن السودان"، كان هذا عنواناً لتحليل في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فهل ما يعاني منه السودانيون حالياً حرب أهلية أم حرب شوارع؟
ما يشهده السودان حالياً هو صراع دموي بين قوتين مسلحتين، بغض النظر عن مدى قوة وتسليح كل منهما، ولم تصل المواجهات بعد إلى الوصف الكامل لحرب الشوارع، وإن كان البعض يصفون ما يحدث الآن في الخرطوم ومدن أخرى في السودان بأنه حرب شوارع بالفعل.
من يصفون الصراع الدموي في السودان الآن بأنه "حرب شوارع" يعتمدون على ما قامت به قوات الدعم السريع في بداية اشتعال المواجهات، حيث تركوا قواعدهم وانتقلوا إلى مواقع أخرى داخل الأحياء السكنية، وهو ما يفسر الدمار الهائل الذي طال شوارع العاصمة الخرطوم ومرافقها الحيوية، حيث لم تعد الاشتباكات قاصرة على القواعد والمقرات العسكرية حيث يتمترس الطرفان.
وأسفر القتال، حتى مساء الأربعاء 19 أبريل/نيسان، عن مقتل 270 شخصاً على الأقل وإصابة 2600 آخرين، وإجبار عشرات المستشفيات على الإغلاق، ودفع السكان إلى الاحتماء بمنازلهم بسبب تضاؤل الإمدادات.
والمفترض أن السودان يعيش هدنة ثانية مدتها 24 ساعة بدأت من السادسة مساءً بالتوقيت المحلي يوم الأربعاء، وتنتهي في الساعة ذاتها الخميس 20 أبريل/نيسان، وجاء في بيان إعلان الهدنة، والذي نُشر على الحساب الرسمي لقوات الدعم السريع على تويتر: "تمت الموافقة على هدنة لمدة 24 ساعة تبدأ من الساعة السادسة من مساء اليوم الأربعاء وحتى السادسة من مساء يوم غد الخميس". وأكدت قوات الدعم السريع في البيان بقولها: "التزامنا التام بوقف كامل لإطلاق النار، ونأمل أن يلتزم الطرف الآخر بالهدنة حسب التوقيت المعلن".
لكن أفادت تقارير بإطلاق النار بكثافة من جديد، صباح الخميس، في وسط العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، مع محاولة الكثيرين الفرار من المدينة مع اقتراب عيد الفطر، بحسب رويترز.
وأظهر بث قنوات تلفزيونية من الخرطوم انحسار الدخان والحرائق التي شهدتها المدينة في الأيام القليلة الماضية قبل أن يندلع القتال من جديد، وسُمع إطلاق نار في بحري، وتحدث سكان عن اشتباكات عنيفة غربي أم درمان التي قالوا إن الجيش تحرك إليها لمنع وصول تعزيزات لقوات الدعم السريع.
وأصدرت قوات الدعم السريع بياناً عن خرق الهدنة، وقالت إنها تعرضت للهجوم في أم درمان وكبدت الجيش خسائر رداً على ذلك، بما في ذلك إسقاط طائرتيْ هليكوبتر، ولم يتسنّ لرويترز التحقق من مزاعم قوات الدعم السريع على نحو مستقل.
وتركز بعض من أعنف القتال حول المجمع الذي يضم مقر القيادة العامة للجيش ومقر إقامة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بينما يتحكم الجيش في مداخل الخرطوم ويحاول فيما يبدو قطع طرق الإمدادات لمقاتلي قوات الدعم السريع، حسب ما قال سكان وشهود.
هل يتحول الصراع في السودان إلى حرب أهلية؟
لكن على الرغم من استمرار الاشتباكات الدامية لأيام متتالية في مدن السودان، إلا أن الأمور لم تصل إلى مرحلة الحرب الأهلية، ويأمل الجميع داخل وخارج السودان ألا تصل إلى تلك المرحلة الوحشية أبداً.
فالحرب الأهلية تعني أن الاقتتال بين طوائف المجتمع جميعها وليس فقط الاقتتال بين الجيش وميليشيات الدعم السريع كما يحدث الآن، وقد عاش السودان بالفعل حرباً أهلية مرتين من قبل. لكن الصراع المستعر حالياً هو صراع على السلطة بين البرهان وحميدتي، في أعقاب فشل خطة مدعومة دولياً لتشكيل حكومة مدنية جديدة ودمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي. وأفسد الصراع آمال إحراز تقدم باتجاه الديمقراطية في السودان، وينذر بجرّ جيران السودان إليه، وقد تتدخل فيه قوى إقليمية.
ويخشى مراقبون ومحللون من أسوأ سيناريوهات الوضع الحالي والمتمثل في فشل أي من الطرفين في حسم الأمور لصالحه سريعاً، ومن ثمّ يتحول الاقتتال إلى صراع ممتد، ما يجعل شبح الحرب الأهلية في البلاد أكثر ترجيحاً.
ومن شأن استمرار العنف أن يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة، وأن يلعب دوراً في التنافس على النفوذ هناك بين روسيا والولايات المتحدة وقوى أخرى في المنطقة، تتودد إلى جهات فاعلة مختلفة في السودان.
وبحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية، يُعتبر اندلاع القتال في السودان هو "أسوأ السيناريوهات" على الإطلاق، ومن غير المرجح أن تمارس واشنطن ضغوطاً على البرهان، في ظل علاقات حميدتي مع موسكو. وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC فإنه على الرغم من أن كفة الجيش تبدو أرجح نظراً لامتلاك قوات جوية وطائرات، إلا أن عدم حسم الأمور يعني أن شبح الحرب الأهلية أصبح قريباً للغاية، خصوصاً في حالة نجاح الجيش في السيطرة على الأوضاع في العاصمة الخرطوم، وانسحاب قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي إلى مقرها الرئيسي في دارفور.
ويعني هذا أن التهديد الأبرز هو انتهاء مخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وميل قياداته لتفكيك هذه المنظومة بدلاً من احتوائها، يعني على الأرجح تحول الدعم السريع إلى ميليشيا إقليمية متمردة، خاصةً في مناطق نفوذها غربي السودان، ما يزيد من التهديدات المتعلقة بتماسك ووحدة البلاد، التي تعاني أصلاً من تداعيات انحسار ظل الدولة مقابل تعميق الولاءات الجهوية والقبلية والعرقية، بحسب تحليل لموقع أسباب.
وفي ظل فشل الوساطات المتعددة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، تزداد مؤشرات الاقتراب من الحرب الأهلية بطبيعة الحال. فمعركة الخرطوم الآن تستعر في غمرة قتال شرس للسيطرة على مواقع استراتيجية مثل المطار ومقر الجيش والتلفزيون الحكومي.
ولا يبدو أن أياً من الجنرالين سيتراجع عن موقفه؛ إذ أمر البرهان بحل قوات الدعم السريع وأعلن أنها جماعة متمردة. وقال مصدران عسكريان إن الجيش يريد دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي لتصبح تحت سيطرته. بينما قالت شخصية معارضة لرويترز: "خطط حميدتي ليصبح الرجل الأول في السودان.. طموحه بلا حدود". وكان حميدتي قد وصف البرهان بأنه "مجرم"، وقال إنهم يعرفون المكان الذي يختبئ فيه وسيصلون إليه وسيسلمونه إلى العدالة أو سيموت "زي أي كلب".
وهنا يثار سؤال مهم: ماذا سيحدث في حالة اختفاء أي من الجنرالين من المشهد بطريقة ما؟ يرى كثير من المحللين أن غياب البرهان أو حميدتي ربما يؤدي إلى حسم الأمور لصالح الطرف الآخر، وإن كان ذلك ليس أمراً مؤكداً بطبيعة الحال.
لكن ربما تكون أخطر المؤشرات على أن الصراع الحالي في طريقه للتحول إلى قتال طويل الأجل، ومن ثم ارتفاع مخاطر تحوله إلى حرب أهلية، فهو بدء كثير من الدول إجلاء رعاياها من السودان.
وكان حوالي ربع سكان السودان يعانون بالفعل من الجوع الشديد حتى قبل اندلاع الصراع، وأوقف برنامج الأغذية العالمي واحدة من كبرى عمليات المساعدات العالمية التي يقدمها في السودان، يوم السبت، بعد مقتل ثلاثة من موظفيه، فإلى أين تتجه معاناة السودانيين؟ ومتى تنتهي؟!