تحمل المعارك التي اندلعت منذ 3 أيام في السودان كل علامات حرب أهلية محتمَلة، وهي حرب مرشحة أن تطول وما قد يعني "ذلك من تدخل محتمَل لقوى خارجية، خاصة في ظل موقع السودان وأهميته وحدوده الواسعة، فمن من القوى الدولية والإقليمية سيقف مع الجيش السوداني، ومن مع الدعم السريع، وهل يتطور الأمر لحرب إقليمية أو صراع دولي؟
المعارك الحالية هي بين أكبر قوتين في البلاد، وهما جيش البلاد، بقيادة الرئيس السوداني والقائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب الرئيس محمد حمدان دقلو، وهي تدور في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.
يقول آلان بوزويل، كبير المحللين لمنطقة القرن الإفريقي في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، لصحيفة Financial Times البريطانية: "يملك كلا الطرفين قواعد في البلاد. وكلاهما يعتبر هذه المعركة وجودية. هذا صراع خالص على سلطة الحكم في السودان".
وقال بوزويل إن "هذه الحرب تبدد أي آمال في استعادة الحكم المدني سريعاً"، وأضاف أنها "قد تؤدي إلى تدخُّل كثير من الأطراف الخارجية"، وأن "آثارها قد تمتد إلى خارج حدود السودان، إذا لم تتوقف قريباً".
وكتب مات ناشد في مجلة New Lines الأمريكية: "والآن، قد يتحول هذا القتال إلى صراع طويل الأمد، ويخشى كثيرون أن تجر هذه الحرب رعاة إقليميين ودولاً مجاورة مثل تشاد ومصر وإريتريا وإثيوبيا. وفي النهاية، لا أحد يعرف من سيهزم الآخر، لكن هذا الصراع قد يقلب المنطقة رأساً على عقب".
أبرز الأطراف الخارجية المؤثرة في السودان
وفي حين أن هذه الفوضى في السودان قد تمتد إلى خارج الحدود، فهي تغذيها، جزئياً، أطراف خارجية، فالنظام المؤقت الذي يهيمن عليه البرهان وحميدتي تدعمه الإمارات والسعودية بمليارات الدولارات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
بينما ينظر إلى الدول العربية الرئيسية مثل مصر وأغلب دول الخليج بأنهم حلفاء لمجمل القوى العسكرية الحاكمة في السودان بقيادة البرهان وحميدتي، معاً، فإن مواقف هذه الدول قد تتباين في حال الخلاف بين الرجلين.
وعززت مصر دعمها لقوات البرهان، بينما نسجت السعودية والإمارات علاقات قوية مع حميدتي.
أما الولايات المتحدة فتبدو راعية القوى المدنية لحد كبير، مع احتفاظها بعلاقات وثيقة مع الجيش السوداني والدعم السريع على السواء.
فيما أقامت روسيا، وتحديداً مرتزقة شركة فاغنر، علاقات واتصالات مع قوات حميدتي. وانتهى المطاف بالمقاتلين السودانيين، وخاصة من دارفور، في الخطوط الأمامية للحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، وكذلك الحرب في ليبيا، التي تنخرط فيها قوى إقليمية، مثل الإمارات وقطر وليبيا وروسيا.
روسيا والإمارات تريدان بناء قاعدة على ساحل البحر الأحمر
وتستهدف قوى إقليمية مختلفة الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر، ومنها روسيا التي تعمل على إبرام اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية في السودان، ستمنح موسكو طريقاً إلى المحيط الهندي.
وكذلك الإمارات، التي "تأمل في حماية مصالحها الإستراتيجية طويلة الأمد في السودان، مثل قدرتها على إبراز قوتها العسكرية والاقتصادية في اليمن والقرن الإفريقي من الموانئ والمنشآت الأخرى هناك، وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2022، بالتزامن مع الاتفاق الإطاري بين الجيش السوداني والقوى المدنية، وقعت الإمارات والسودان اتفاقية بقيمة 6 مليارات دولار مع شركتين إماراتيتين لبناء ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر السوداني"، وفقاً لما أشار إليه موجز سياسي من مركز صوفان الاستشاري للشؤون الأمنية.
وتساعدان حميدتي على بيع الذهب
وتشير تقارير إلى أن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي تسيطر على الجزء الأكبر من مناجم الذهب المربحة في السودان، التي منحته مصدراً مستقلاً للتمويل تغذيه تجارة غير مشروعة في الذهب الخام المهرَّب، الذي يقول محللون إنه يشق طريقه إلى الإمارات وروسيا، يجعل ذلك البلدين مهمين لحميدتي، ويجعلهما قادرين على الضغط عليه، رغم أن الذهب عادة يمكن إيجاد زبائن آخرين له.
يقول Middle East Eye البريطاني إن وجود مجموعة فاغنر في السودان والمنطقة المحيطة أمر مثبت.
ويُعتقد أن حميدتي مرتبط بفاغنر، من خلال ميليشيا قوات الدعم السريع وله علاقات وثيقة مع موسكو، التي زارها مع بدء الحرب في أوكرانيا.
وهناك تقارير غير مؤكدة عن توفير الروس لتدريب قوات الدعم السريع، إضافة لتقديم موسكو عربات مدرعة لها.
ويخشى محللون غربيون من توسع نفوذ فاغنر، التي تقيم علاقات مع الأنظمة الانقلابية في مالي وبوركينا فاسو، ونفذت عمليات لصد التمرد في جمهورية إفريقيا الوسطى. وحذّر مسؤولون فرنسيون تحديداً من نفوذ الكرملين المتزايد في منطقة الساحل المضطربة.
وكتبت خلود خير، المحللة المقيمة في الخرطوم: "في عالم ما بعد الغزو الأوكراني، علاقة حميدتي الواضحة مع شركة المرتزقة الروسية فاغنر وضعته في مرمى نيران المكائد الدولية في منطقة الساحل.
مصر من أقوى المؤيدين للبرهان وتلميحات لوجود خلافات مع دول الخليج
أما القاهرة، فترى في احتمالية القضاء على حميدتي فرصة قوية لا ترغب في تفويتها، والتوقيت مناسب في ظل تركز الاهتمام الغربي على وقف تأثير الدومينو الناجم عن إدارة المستعمرات الفرنسية السابقة ظهورها لباريس وتوجهها لموسكو"، حسبما ورد في تقرير لمجلة New Lines الأمريكية.
ومصر، التي دعمت مؤخراً مبادرات السعودية والإمارات في المنطقة، من أقوى المؤيدين للبرهان، الذي تعتبره القاهرة حصناً للاستقرار وحليفاً محتملاً في الخلافات الجيوسياسية مع إثيوبيا حول بناء سد النهضة.
وتحتجز قوات حميدتي مجموعة من الجنود المصريين المنتشرين في السودان، وهي خطوة قد تؤدي إلى توسيع دائرة الصراع.
وأعلنت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، الإثنين 17 أبريل/نيسان 2023، أنها أبلغت "الطرفين السودانيين" في الأزمة الحالية، ضرورة وقف إطلاق النار، وأنها تنسق مع السعودية جهود إنهاء الأزمة.
وكان لافتاً تصريح السياسي المخضرم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، عن أن "بعض المصالح العربية قد تتعارض مع مصالح مصر الأكثر عمقاً بالسودان"، وقال "هنا يُتوقع من مصر وقفة صريحة وجريئة، إذ إن مصالحنا الحيوية في تلك المنطقة بأسرها أصبحت مهددة وعلى المحك".
وأكد في تغريدة أخرى أنه "يتوقع سياسة ديناميكية من جانبنا وجولات نشطة للدبلوماسية المصرية على مختلف مستوياتها، علنية وسرية، في المجالين العربي والإفريقي، تحجز موقعاً رئيسياً لمصر في مسار الأمور، وتقضي على محاولات الاستبعاد من الاتصالات الجارية حالياً".
إثيوبيا وإريتريا مع من تقفان؟
إثيوبيا وإريتريا أصبحتا حليفتين منذ تولي رئيس الوزراء آبي أحمد السلطة؛ حيث استخدم القوات الإريترية لقمع متمردي جبهة تحرير تيغراي، والدولتان تاريخياً لهما تأثير كبير في السودان، خاصة شرقه، وجنوبه (بالنسبة لإثيوبيا).
وتوسط آبي أحمد بين المعارضة السودانية وبين الجيش السوداني، ولكن بعد اندلاع الحرب في إقليم تيغراي استغل الجيش السوداني الحرب للتوغل في منطقة الشفقة السودانية لاستعادتها من أيدي العصابات والمزارعين الإثيوبيين. كما كان موقف السودان في بعض الأوقات أقرب لموقف مصر في أزمة سد النهضة.
قد يعني ذلك أن آبي أحمد قد يميل لتأييد حميدتي في مواجهة البرهان، خاصة أن قائد قوات الدعم السريع يحظى بدعم خجول من القوى المدنية، التي هي بدورها يُنظر لها أنها كانت راضية بوساطة آبي أحمد.
وفيما بدا أنه تبادل للتحذيرات الضمنية بين مصر وإثيوبيا ، أشارعمرو موسى إلى أن "احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد بالنسبة لنا".
كما قال محمد العرابى وزير الخارجية المصري الأسبق، إن إثيوبيا تسعى للاستفادة من مشاكل مصر والسودان، وسبق لها أن استغلت ثورة 25 يناير فى بناء السد، موضحاً أنهم سيحاولون استغلال الوضع فى السودان بنفس الطريقة.
في المقابل، حذّر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي مما وصفه بـ"أية محاولات ذات دوافع وأجندات خفية للتدخل في الشأن السوداني تسعى لتدمير مقدرات البلاد".
وقال أبي أحمد في بيان الإثنين "نحن في إثيوبيا لدينا إيمان راسخ بأن الشعب السوداني الأبي لديه كل الحكمة لتجاوز هذه المحنة التي يمر بها الآن"، معتبراً أنه "من الصواب أن يترك له حلها بنفسه، وأن أي تدخل في الشأن السوداني يجب أن يكون هدفه فقط قصد تحقيق المصالحة بين الأشقاء وإحلال السلام، معرباً عن إدانته بشدة كل المحاولات التي تسعى للتدخل في الشأن السوداني بطرق غير مشروعة".
الدول الغربية نفوذها محدود
وقد حثت مجموعة من الحكومات الأجنبية، من ضمنها الأمريكية والسعودية والإماراتية، على وقف القتال. لكن كلا القائدين العسكريين يتوعدان بعضهما بسحق الآخر، ولم يبديا أي نية للتراجع، "الدول الغربية نفوذها محدود الآن"، حسب صحيفة The Washington Post:
فالسودان في عزلة كبيرة منذ استيلاء حميدتي والبرهان على السلطة في انقلاب 2021 ضد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي أنهى حكومة مدنية قصيرة العمر. والدولة المثقلة بالديون بحاجة ماسة إلى عشرات المليارات من الدولارات لدعم اقتصادها المحتضر، لكن إبرام صفقات يبدو مستبعداً ما دام الرجلان يتقاتلان على السلطة. وقد انهار اقتصاد السودان بعد استقلال الجنوب الغني بالنفط عام 2011، والتضخم المفرط يغذي الاحتجاجات الشعبية المتكررة".
وقد أدت إطاحة البشير إلى خروج السودان، ثالث أكبر دولة في إفريقيا، من عزلته إلى حد ما. إذ رفعته وزارة الخارجية الأمريكية من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فيما زار البرهان وحميدتي عواصم العالم المختلفة. لكن خلود وشخصيات أخرى في المجتمع المدني السوداني يرون أنه في هذه الظروف الحالية، لا يصح دعم أي من الحاكمين العسكريين لتهدئة الموقف.
تقول داليا محمد عبد المنعم، وهي من سكان الخرطوم وصحفية سابقة، لصحيفة The Washington Post: "جميع النشطاء والمدنيين كانوا يحذرون طوال الوقت من الثقة بهما. فهما قاتلان؛ ويقتلان منذ 30 عاماً. هذان هما من كان المجتمع الدولي يحاول استرضائهما".