مغازلة المحافظين أم قناعة.. كيف تغيرت أيديولوجية حزب الشعب الجمهوري التركي عن الإسلاميين؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/13 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/13 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
كارض

لم يتبقَّ على الانتخابات التركية بشقَّيها الرئاسي والبرلماني إلا نحو شهر تقريباً، الأمر الذي فتح باب الاستعداد بكل الطاقة أمام جميع الأحزاب المشاركة في هذا الماراثون الانتخابي.

وكعادة الأحزاب السياسية في العالم دوماً ما تغازل الناخبين بالكثير من العبارات مثل رفع الحد الأدنى للأجور أو دمج عدد كبير من المواطنين في التأمين الاجتماعي أو غيرها من الأمور الأخرى، إلا أن في تركيا كان الأمر مغايراً بعض الشيء، خاصة بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري التركي صاحب الأيديولوجية اليسارية العلمانية.

فمنذ وقت ليس بقريب وتصريحات قادة هذا الحزب تميل نحو استقطاب الناخبين المحافظين في تركيا عبر الحديث عن الحجاب وممارسة بعض القادة في الحزب للشعائر الدينية على الرغم من أن هذه الممارسات تتنافى مع هوية الحزب العلماني.

في الانتخابات البلدية التي أجريت قبل 4 أعوام حرص مرشحو حزب الشعب الجمهوري على إظهار بعض المظاهر التي توحي بأنهم غير معادين للإسلام، مثل الصلاة في المساجد بشكل علني، وفي بعض الأوقات تلاوة القرآن، كما وصل الأمر إلى إظهار والدة المرشح عن بلدية إسطنبول أكرم إمام أغلو، والتي كانت ترتدي الحجاب، والذي ربما ساهم في كسب مزيد من أصوات المحافظين الناقمين على مرشح الحزب الحاكم رئيس الوزراء التركي السابق بنعلي يلدرم.

الطاولة السداسية المعارضة في تركيا / رويترز

لكن في هذه الجولة من الانتخابات ذهب حزب الشعب الجمهوري إلى أبعد من إظهار مظاهر التدين أو عدم معادة الإسلاميين؛ إذ وصل الأمر إلى التحالف مع 3 أحزاب ذات خلفية إسلامية، مثل حزب السعادة الإسلامي، وحزب المستقبل الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، بالإضافة إلى وزير الاقتصاد الأسبق، ورفيق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علي بابا جان.

فماذا حدث للحزب الكمالي الذي كان يعاني مظاهر التدين في البلاد؟

شهد خطاب حزب الشعب الجمهوري تغيراً واضحاً تجاه الناخبين المحافظين، ما يدعو للتساؤل حول ما إذا كان ذلك مجرد مغازلة ظرفية لأصواتهم قبيل أسابيع من الانتخابات الرئاسية، أما أنها مراجعة لأيديولوجية الحزب العلمانية المتطرفة والبحث عن قواسم مشتركة مع النصف الآخر من المجتمع؟

فحزب الشعب الجمهوري، لطالما كانت ملاحقة مظاهر التدين وعلى رأسها الحجاب، قضيته الرئيسية، بحجة الدفاع عن علمانية الدولة، من خلال التضييق على المحجبات الالتحاق بالجامعات والعمل.

تركيا الانتخابات التركية أردوغان
رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كليجدار أوغلو / رويترز

 بل وصل الأمر إلى طرد النائبة من حزب الفضيلة "مروة قاوقجي"، من البرلمان في 1999، بسبب حجابها، وحُرمت من ممارسة السياسة لخمس سنوات، كما سُحبت منها الجنسية التركية أيضاً، ولم تستعِدها إلا في 2016.

رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو ذاته رفع قضية إلى المحكمة الدستورية مع مجموعة من النواب من حزبه، طالبوا فيها بإلغاء القانون الذي سنَّه حزب العدالة والتنمية عام 2008 حول إلغاء حظر الحجاب، وفق الكاتب التركي نبي ميش.

طلب المسامحة لاستقطاب المحافظين

معارك وقصص كثيرة خاضها حزب الشعب الجمهوري ضد المحجبات، لكنه بعد إخفاقه طيلة أكثر من 20 عاماً الأخيرة في هزيمة حزب العدالة والتنمية (محافظ) أدرك أنه لا يمكنه العودة إلى الحكم إلا من بوابة أصوات المحافظين، الذين يمثلون نحو 50 بالمئة من الشعب.

وأمام هذا الواقع، لم يجد حزب الشعب الجمهوري من بُد سوى إعلان "توبته" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والاعتذار للمحجبات، عندما طلب كليجدار أوغلو "المسامحة من الشعب"، قائلاً: "هناك جروح عميقة تسبب بها الحزب، الذي أقوده، في الماضي".

وأضاف: "سنشفي الجروح التي تسبب بها 28 فبراير/شباط 1997 (الانقلاب العسكري) ونطلب المسامحة، وسنطلب السماح من فتياتنا المحجبات اللواتي أدخلن إلى غرف الإقناع (التعذيب)".

الادعاء التركي يحقق في مخالفات انتخابية في إسطنبول، ويستدعي مسؤولي اللجان للاستجواب
أكرم إمام أوغلو الفائز في بلدية إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض/ رويترز

هذا الاعتذار لكليجدار أوغلو، سبقه استقطاب أحزاب محافظة مثل حزب السعادة، بقيادة تمل كرامولا أوغلو، وحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم (دواء) برئاسة علي باباجان.

ورغم أن الأحزاب الثلاثة المحافظة، حجمها صغير، ونسبتها مجتمعة تتراوح ما بين 2 و5 بالمئة بحسب بعض التقديرات، فإن حزب الشعب الجمهوري يسعى من خلالها لطمأنة توجسات الناخبين المحافظين من صدق نواياه رغم تاريخ طويل من التضييق على هويتهم ومعتقداتهم.

وزايد حزب الشعب الجمهوري على حزب العدالة والتنمية، أكبر المدافعين عن الحجاب، عندما اقترح في أكتوبر/تشرين الأول 2022، سن قانون يضمن حرية ارتداء الحجاب في البلاد، بعدما كان أكبر الداعين لحظره في المؤسسات الرسمية.

وتحدى الرئيس أردوغان، كليجدار أوغلو، باقتراح وضع ضمانة دستورية تضمن حق المرأة في ارتداء الحجاب داخل مؤسسات الدولة والمدارس والجامعات.

فلدى المحافظين توجسات من أن يتم إلغاء أي قانون يحمي حق المرأة في ارتداء الحجاب، بمجرد وصول حزب الشعب الجمهوري للسلطة، في ظل وجود أصوات معارضة داخله تريد إعادة فرض حظر الحجاب، وتبغض كل الرموز الإسلامية.

ويقول ياسين أقطاي، المستشار السابق لأردوغان، إن "حزب الشعب الجمهوري يحتاج إلى هذا الضمان؛ لأنه مارسه في السابق، وهناك مخاوف من أن يعود إلى ممارسة نفس السياسات".

علماني برداء المتدينين

كثَّف كليجدار أوغلو، مرشح تحالف الأمة، الذي رشحته الطاولة السداسية (حزب الجيد، والحزب الديمقراطي، وحزب السعادة، وحزب المستقبل، وحزب الدواء، بالإضافة إلى الشعب الجمهوري) من زياراته للمساجد، وموائد الإفطار الرمضانية، ومن ترديد آيات وأحاديث، لكنه وقع في العديد من العثرات.

وأثار أداء كليجدار أوغلو صلاة الجمعة، بمحافظة ملاطية، التي تضررت من الزلزال، ضجيجاً على شبكة التواصل الاجتماعي خاصة، في مارس/آذار الماضي، بعدما أصبح موعد الانتخابات رسمياً.

وكتبت صحيفة "بوصولا" التركية بالبنط العريض: "المجاهد كليجدار أوغلو أدى صلاة الجمعة"، ونقلت عدة تعليقات ساخرة على شبكات التواصل الاجتماعي على هذا التحول غير المعتاد.

وأشارت الصحيفة إلى أن حزب السعادة، شريك كليجدار أوغلو، من وصفه بـ"المجاهد".

تركيا
زعماء الطاولة السداسية التي تضم 6 أحزاب معارضة / رويترز

ونقلت بعض التغريدات، على غرار ما كتبه المغرِّد زكي بهجة: "ماذا فعل أردوغان؟ في نهاية 20 عاماً (من حكمه) بدأ كليجدارأوغلو أداء صلاة الجمعة".

وأضاف: "إذا بقي (أردوغان) لفترة أخرى، آمل أن يبدأ جميع أعضاء حزب الشعب الجمهوري بالصلاة 5 مرات في اليوم.. تهانينا".

 فحزب الشعب الجمهوري، الذي لطالما أدار ظهره للعالم العربي والإسلامي، محمّلاً إياه سبب تخلف تركيا، غير بوصلته وتماهى مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، في مواقفه الدولية.

ففي مأدبة إفطار سفراء الدول الإسلامية، وعد كليجدار أوغلو بحل مشاكل العالم الإسلامي، الذي قال إنه "حقق النهضة في العلوم"، ودعا إلى تعليم الأطفال "عن الإسلام جيداً"، واستشهد بقوله تعالى: "أفلا تتفكرون"، ونقل حديث: "يقبض العلم بموت العلماء".

هذه المواقف والتصريحات جعلت من يعرفون كليجدار أوغلو، المنتمي للطائفة أو الديانة العلوية، مذهولين من هذا التحول نحو الإسلام، ومشككين فيما إذا كان الأمر مرتبطاً بالانتخابات أو قناعة تشكلت بعد عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية.

حزب الشعب الجمهوري انتخابات إسطنبول
إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول – رويترز

لكن رئيس حزب الشعب الجمهوري وقع في زلات قاتلة، عندما أخطأ في ترديد حديث نبوي قائلاً: "الجنة تحت أقدام النساء"، بدل "الجنة تحت أقدام الأمهات".

كما التقطت له صورة وهو يقف بحذائه على سجادة صلاة ما أثار غضباً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي، لم يخمده تأسف كليجدار أوغلو عن هذا التصرف، قائلاً: "أنا حزين، حزين جداً لأني لم ألاحظ سجادة الصلاة.. لا أرغب بكسر خاطر أحد حول العالم". 

وفي تغريدة لها دلالات، قال وزير الصناعة والتكنولوجيا مصطفى ورانك: "كمال كليتشدار أوغلو لم يرَ السجادة، وجنان كفتانجي أوغلو لم ترَها، ولا السيدات اللاتي كنَّ بجانبه، حتى المصور لم يرَها، وأعضاء حزبه الذين في المكان لم يروها!"

وأردف: "إذا كان هؤلاء الأشخاص، الغريبون عن قيم شعبهم، سيحكمون البلاد، فهل سيحترمون هذه القيم ويراعونها؟".

 وعمق أردوغان جراح كليجدار أوغلو، عندما علق على سجادة صلاة أهداها له رئيس بلدية باغجلار في إسطنبول، أمام حشوده من أنصاره، قائلاً: "سجادة الصلاة هذه ليس للدوس عليها بالأحذية؛ بل لأداء صلاة الشكر في 15 مايو/أيار (يوم إعلان نتائج الانتخابات) إن شاء الله".

فالخلاف الإيديولوجي حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية لم يعد مستعراً كما كان طيلة عقود مضت، وتحول إلى منافسة حول برامج إعادة إعمار ما دمره زلزال فبراير/شباط الماضي، وتحسين القدرة المعيشية للمواطن، وتطوير اقتصاد البلاد.

تحميل المزيد