رغم الضغوط الأمريكية عليها.. ما الذي يجعل أوروبا بحاجة إلى الصين الآن أكثر من أي وقت مضى؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/06 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/06 الساعة 13:32 بتوقيت غرينتش
العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي تمر بتحولات جديدة رغم الانزعاج الأمريكي/ Creative Commons

في لحظة حرجة؛ حيث يستمر الصراع بين روسيا وأوكرانيا في التدهور، ووصلت العلاقة الثلاثية بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا إلى طريق مسدود، تزامناً مع أزمة الطاقة وشلل المصانع وارتفاع نسب التضخم، يسعى القادة الأوروبيون تباعاً للتودد إلى الصين الآن، حيث باتت بكين وجهتهم المفضلة، حسبما كتبت مجلة جلوبال تايمز الصينية. فما الذي يجعل أوروبا بحاجة للصين الآن أكثر من أي وقت مضى رغم الانزعاج الأمريكي؟

كيف أطفأت أمريكا بريق العلاقات بين أوروبا والصين؟

في الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي في "مرحلة شهر العسل"، كانت الزيارات الثنائية رفيعة المستوى متكررة، وكان التعاون الاقتصادي والتجاري مثمراً، وكانت الثقة السياسية المتبادلة حجر الزاوية للتنمية المستقرة للعلاقة بين الصين والاتحاد الأوروبي.

لكن مع التطور السريع للصين وتنفيذ الولايات المتحدة لاستراتيجية احتواء تجاه تجاهها، كان على العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي مواجهة تحديات جديدة. فمنذ عام 2019، كان للاتحاد الأوروبي موقف مختلف في علاقاته مع الصين، أي إن الصين ليست فقط شريكاً لأوروبا في القضايا العالمية الرئيسية مثل التجارة وتغير المناخ، ولكنها أيضاً منافس في قطاعَي التكنولوجيا الفائقة والاقتصاد.

ومع اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وانتشار وباء COVID-19، وزيادة سيطرة الولايات المتحدة على أوروبا، زادت جوانب المنافسة والمواجهة بين الصين والاتحاد الأوروبي وانخفضت فرص التعاون والاتصال التي كان لها تأثير طويل الأمد على استقرار العلاقات الثنائية وتنميتها.

"أوروبا ليست كياناً مستقلاً عن واشنطن"

يقول تقرير مجلة modern diplomacy الأوروبية، إنه لا يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي كياناً مستقلاً بشكل كامل عن واشنطن، فهو يفتقر إلى القوة العسكرية التي تجعله مستقلاً حقاً عن إرادة القوى العظمى.

وتضيف المجلة أن الاتحاد الأوروبي هو نوع من "الهجين الدولي" بدون إرادة خاصة به، وهذا هو السبب الذي يجعل الدول الأعضاء فيه تفضل اتخاذ إجراءات بمفردها، وليس باسم كيان موحد غير موجود بالفعل.

وتتخذ الدول الأعضاء الأضعف في الاتحاد الأوروبي إجراءات نيابة عن الاتحاد الأوروبي فقط، لأنها تشعر بحماية أكبر من قِبَل مظلة الولايات المتحدة النووية، فهم يخشون من أن أي مبادرات خاصة بهم قد تزعج الولايات المتحدة.

وخلال العقد الماضي كان القادة الأوروبيون يتعاملون مع بكين، ويوازنون استراتيجيتهم تجاه الصين، في الوقت الذي تكثف فيه الولايات المتحدة ضغوطها لاختيار أحد الجانبين في الخلاف المتزايد بين القوتين العظميين، مما يعني أنهم باتوا أمام خيار وحيد، وهو إما معنا أو مع الصين.

وخلال الأشهر الأخيرة، زار المستشار الألماني، أولاف شولتز، بكين، تبعه شارل ميشيل من المجلس الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول. ويجري رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، زيارته هذا الأسبوع. وخلال الأسبوع المقبل، سيذهب إلى هناك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين. 

الأوروبيون يأملون أن تلعب الصين دوراً في وضع حد للحرب الروسية الأوكرانية

تتزامن فورة النشاط الدبلوماسي مع إعلان الصين عن "شراكة غير محدودة" مع روسيا وجهود بكين المربكة للتوسط في الحرب في أوكرانيا. وقد وضع قرب الصين المتزايد من موسكو أوروبا في موقف صعب، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية. 

فمن ناحية، جلبت الحرب في أوكرانيا اصطفافاً عميقاً بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين وقفا متحدين في مواجهة التدخل الروسي بأوكرانيا. ومن ناحية أخرى، تعد الصين شريكاً تجارياً واستثمارياً رئيسياً لا تستطيع القوى الأوروبية الكبرى، وخاصة ألمانيا، تحمل تنفيرها. 

في الوقت نفسه، فإن دول أوروبا الغربية مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، بينما تدعم أوكرانيا، ترغب في التوصل إلى نتيجة دبلوماسية أسرع للحرب. إنهم يرون الصين على أنها قيد محتمل على روسيا من أجل ضبط النفس، وصوت يجب أن يستمع إليه فلاديمير بوتين. ولا يزالون يأملون في أن تلعب الصين دوراً مهماً لضمان أي تسوية نهائية، إن لم تكن وسيطاً محايداً. 

وقالت جانكا أورتيل، مديرة قسم آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين: "من المثير للاهتمام أن نرى هذا المستوى من الذعر من جانب الأوروبيين ونهجهم الذي يكاد يكون وهمياً". 

وأشارت إلى أن زعيم الصين، شي جين بينغ، كان قد زار موسكو قبل أسابيع وأعاد تأكيد شراكته مع بوتين ورغبتهما المشتركة في إنشاء نظام عالمي جديد. فقالت: "الذهاب إلى بكين والقول "نسعى لجعل الصين تساهم في السلام أمر غير عادي". 

ما الذي يجعل أوروبا بحاجة للصين الآن أكثر من أي وقت مضى؟

لكن التطور الشامل للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي – إذا كان لدى الاتحاد الأوروبي القدرة على اتخاذ إجراءات بمفرده دون الحصول على إذن من أطراف ثالثة – من شأنه أن يساعد في تعزيز الانتعاش الاقتصادي للقارة، كما أنه سيعمل على الحفاظ على السلام العالمي، ومواجهة هيمنة القوى العظمى في كل من الشرق والغرب، دون انحياز، كما تقول مجلة modern diplomacy الأوروبية.

ومارست إدارة بايدن الأمريكية ضغوطاً طويلة ومستمرة على الاتحاد الأوروبي، في محاولة لاستغلال الأزمة وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى حصن لتطويق الصين في الوقت نفسه وجعل الاتحاد مزوداً للأسلحة لأوكرانيا. 

وفي الوقت الذي يكتسب فيه حلف الناتو بقيادة واشنطن اليد العليا ويتم قمع الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بشكل أكبر، يدفع الاقتصاد والمجتمع الأوروبيان ثمناً باهظاً، حيث أدت مشاركة أوروبا في العقوبات ضد روسيا بشكل مباشر إلى أزمات الطاقة والتصنيع والتضخم والاضطرابات الاجتماعية، كما تقول المجلة الأوروبية.

على الجانب الآخر، أصبح نمو الصين قضية سياسية لا مفر منها ومستمرة في أوروبا. وأشار القادة الأوروبيون إلى قوة الصين ورأوا أيضاً نفوذاً دبلوماسياً للصين في تعزيز المصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية؛ وفي محاولة تعزيز المحادثات حول الصراع الروسي الأوكراني؛ وتعزيز الحوار والتعاون مع الاتحاد الأوروبي بشأن القضايا العالمية الرئيسية، والتي أصبحت مؤخراً نداء سياسياً مهماً للسياسيين الأوروبيين الذين يزورون الصين واحداً تلو الآخر.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير سابق، إن الصين لا ترغب في شيء أكثر من فصل أوروبا عن الولايات المتحدة، وهي حريصة على التأكيد على أن وضعاً أفضل لن يكون مفيداً للأعمال التجارية فحسب، بل يفيد أيضاً سعي أوروبا من أجل "الاستقلال الاستراتيجي" -الحفاظ على استقلالها في العمل، حتى عن الولايات المتحدة. 

تحميل المزيد