الاستثمار وحرب أوكرانيا وأمور أخرى.. ماذا يريد ماكرون من زيارة الصين في هذا التوقيت؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/05 الساعة 17:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/05 الساعة 17:38 بتوقيت غرينتش
ماكرون ونظيره الصيني شي/ رويترز

يقوم إيمانويل ماكرون بزيارة الصين، هادفاً إلى إقناع الرئيس شي جين بينغ بممارسة ضغوط على نظيره الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، فما فرص نجاح الرئيس الفرنسي في مهمته؟

هذه هي زيارة ماكرون الأولى لبكين منذ عام 2019، حيث كان قد أعلن خلال وجوده هناك وقتها، أنه سيزور الصين مرة واحدة على الأقل كل عام، لكن ذلك لم يحدث لأسباب متعددة،أبرزها جائحة كورونا وسياسة صفر-كوفيد التي انتهجتها الصين، إضافة إلى أسباب أخرى سياسية.

وصل الرئيس الفرنسي إلى بكين الأربعاء 5 أبريل/نيسان، وتستمر الزيارة حتى الجمعة 7 أبريل/نيسان، ولحقت به رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لتنضم إلى جانب من المفاوضات مع المسؤولين الصينيين.

حرب أوكرانيا والوساطة الصينية

وقبل زيارة الدولة هذه التي تستمر ثلاثة أيام، رأى قصر الإليزيه أن الصين بسبب قربها من روسيا "هي البلد الوحيد في العالم، القادر على أن يؤثر بشكل مباشر وجذري على النزاع باتجاه أو بآخر".

ويبدو أن ماكرون يعتقد أن موقف الصين من حرب أوكرانيا يمكن أن "يغير" اتجاهها جذرياً، ويبدو أيضاً أن الرئيس الفرنسي لديه قناعة بأن بكين طرف "لا يمكن تجاوزه" أمام التحديات الكثيرة التي يشهدها العالم.

ومن هذا المنطلق يريد أن يقنع الرئيس الصيني شي جين بينغ، بتغيير موقف بلاده من الحرب وتبنّي موقف المعسكر الغربي، دون وجود أي مؤشرات على إمكانية تحقيق ذلك، بحسب تحليل لمجلة Politico الأمريكية.

لكن ماكرون يقول إنه من الضروري عدم السماح لروسيا بإجراء حوارات حصرية مع الصين، وإنه من الممكن أن تساعد بكين في التوسط لإنهاء الصراع في أوكرانيا.

وفي هذا السياق، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أجرى مكالمة هاتفية، الثلاثاء 4 أبريل/نيسان، مع نظيره الفرنسي ماكرون وتناقشا بشأن زيارة ماكرون للصين، مضيفاً أنهما تحدثا أيضاً عن مواصلة دعم أوكرانيا ضد الهجوم الروسي، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر".

ومن المهم هنا ذكر عدد من الحقائق؛ أولاها أن الصين اقترحت بالفعل خطة لإنهاء الحرب وإحلال السلام في أوكرانيا، مكونة من 12 نقطة تهدف إلى حل الأزمة الأوكرانية وتدعو الجانبين إلى الموافقة على خفض تدريجي للتصعيد بما يؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار.

لكن الخطة لاقت رفضاً كبيراً من الغرب، بقيادة واشنطن، بسبب "إحجام الصين عن إدانة روسيا"، وقالت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد ذلك، إن الصين تدرس إرسال أسلحة إلى روسيا، وهو ما نفته بكين بشدة.

باخموت
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – رويترز

وزادت الشكوك الغربية حول نوايا الصين بعد أن سافر الرئيس الصيني إلى موسكو لعقد اجتماعات مغلقة استمرت لساعات، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الشهر الماضي.

رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، قال إنه شجع شي خلال لقاء معه الأسبوع الماضي، على التحدث إلى القيادة الأوكرانية والتعرف على صيغة السلام الخاصة بها. ومن المتوقع أن ينقل ماكرون وفون دير لاين الرسالة نفسها بأنه من الضروري أن يتحدث شي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ويقول ماكرون إن الحفاظ على الحوار مع الصين أمر مهم؛ نظراً إلى علاقاتها الوثيقة مع روسيا، ورداً على سؤال حول مخاوف الغرب من احتمال أن تفكر بكين في إرسال أسلحة إلى موسكو، قال ماكرون إن أي دولة تفعل ذلك ستكون متواطئة في انتهاك للقانون الدولي. وأضاف: "ليس من مصلحة الصين أن تكون في حرب دائمة".

ماذا عن علاقات الصين وأوروبا؟

تأتي زيارة ماكرون للصين في توقيت تشهد فيه علاقات بكين مع الاتحاد الأوروبي توترات متصاعدة، فرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي تنضم إليه في زيارة هي الأولى بالنسبة لها منذ توليها المنصب قبل أكثر من ثلاثة أعوام، قالت الأسبوع الماضي إن على الاتحاد الأوروبي "تقليل المخاطر" في العلاقات مع بكين، بما في ذلك تقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا الحساسة وتقليل الاعتماد على الصين في المواد الأساسية.

لكن الرئيس الفرنسي قال للصحفيين إن تقليل المخاطر لا يعني قطع العلاقات التجارية مع الصين، وأضاف أنه لا يوجد تعارض بين تقليل اعتماد أوروبا على الصين في القطاعات الاستراتيجية مثل الاتصالات، وتعزيز الروابط التجارية في مجالات أخرى.

وكانت العلاقات الأوروبية مع الصين قد توترت في السنوات القليلة الماضية، وبدأ التأزم بتعثر اتفاق للاستثمار في عام 2021، ثم جاءت الحرب الأوكرانية ورفض بكين إدانة روسيا أو تبني وجهة النظر الغربية لتزيد التوترات.

كما يشن الغرب حرباً شعواء، تهدف إلى محاصرة تطبيق تيك توك، رافعاً شعار "التجسس" لصالح الصين، وتناول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية قصة تلك الحرب الغربية على التطبيق الصيني، في تقرير بعنوان "تيك توك.. كيف انقلب الغرب على التطبيق المفضل للجيل زد؟"، كشف أبعاداً مختلفة لذلك الصراع لا تتعلق فقط بالخوف من التجسس.

كان النقاش المحتدم حول تطبيق تيك توك قد بدأ في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قبل أن يستمر تحت قيادة الرئيس الحالي جو بايدن. فعلاوةً على حظر تنزيل التطبيق في جميع أجهزة الحكومة الفيدرالية، حظرت 27 ولاية تنزيل تطبيق تيك توك على أجهزتها، ما أثر على عددٍ كبير من المدارس والجامعات الأمريكية أيضاً. بينما شهد الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تقديم مشروع قانون من الحزبين، لفرض حظرٍ على استخدام أي أحدٍ للتطبيق داخل حدود الولايات المتحدة.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين/رويترز

ورغم ذلك يرى الرئيس الفرنسي أنه ينبغي لأوروبا أن تقاوم الحد من العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الصين؛ في مسعى لتفنيد أي شعور بوجود "دوامة لا مفر منها" من التوتر بين بكين والغرب.

وقال ماكرون للصحفيين عند السفارة الفرنسية في بكين: "هناك أصوات تعلو وتعبر عن قلق شديد إزاء مستقبل العلاقات بين الغرب والصين، وأدت بشكل ما إلى استنتاج أن هناك دوامة لا مفر منها من التوترات المتفاقمة". وأضاف أن هناك انطباعاً بأن الانفصال عن الاقتصاد الصيني يجري بالفعل، وأنه لم يتبق سوى تحديد وتيرة ذلك وشدته.

وتشير التقارير الإعلامية الفرنسية إلى أن باريس تسعى إلى "إحياء" التبادل والحوار على كل المستويات مع الصين بعد انقطاع ناجم، خصوصاً عن القيود الصارمة جداً التي فرضتها بكين في إطار مكافحتها وباء كوفيد-19.

وفي هذا السياق، قال ماكرون للصحفيين: "لا أصدق، بأي حال من الأحوال، لا أريد أن أصدق هذا السيناريو"، في إشارة إلى الصراع بين الغرب وبكين والمطالبات بقطع التبادل التجاري والاقتصادي عموماً بين الجانبين.

استراحة من "الصداع الداخلي"

وإضافة إلى ملفي الحرب في أوكرانيا والعلاقات الأوروبية الصينية بشكل عام، فإن زيارة ماكرون للصين تمثل استراحة قصيرة من الاحتجاجات المربكة المرتبطة بتعديلات نظام التقاعد في بلاده، والتي تهدد بالخروج عن السيطرة.

إذ أدى تمسك إيمانويل ماكرون  بقانون رفع سن التقاعد إلى ازدياد حدة الإضرابات والاحتجاجات، ولا أحد يعرف إلى أين تتجه هذه المواجهة المشتعلة أو ما قد تعنيه بالنسبة للأوضاع في فرنسا.

فالرئيس الفرنسي يصر على أن القانون الجديد لإصلاح نظام التقاعد، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة ويرفع سن التقاعد، ضروري وسيدخل حيز التنفيذ بحلول نهاية العام، ويقول: "لست نادماً"، لكنه أشار إلى رغبته في تحسين العلاقة المشحونة مع النقابات العمالية وإشراكها بشكل أكبر في الإصلاحات في المستقبل.

ورغم الغضب الشعبي المتصاعد وإضرابات النقابات العمالية المستمرة منذ شهور، ورغم فشل ماكرون في الحصول على الأغلبية اللازمة لإقرار القانون بالطريقة البرلمانية الديمقراطية، فإن الرئيس الفرنسي وحكومته قرّرا تفادي التصويت البرلماني وتم إقرار القانون باستخدام الصلاحيات التنفيذية.

وبالتالي فإن زيارة الصين في هذا التوقيت تمثل متنفساً يحتاجه الرئيس الفرنسي، الذي يصطحب معه وفداً من قطاع الأعمال يضم 50 فرداً، من بينهم ممثلون لشركة إيرباص التي تتفاوض بشأن طلبية طائرات كبيرة، ومجموعة إل.في.إم.إتش للسلع الفاخرة، وشركة إي.دي.إف للطاقة النووية.

كما يصحب الرئيس الفرنسي أيضاً عشرات الخبراء الاقتصاديين ورؤساء الشركات الفرنسية بهدف دعوة الشركات الصينية إلى زيادة استثماراتها في فرنسا ودول الاتحاد، ولإفساح المجال أمام الشركات الأوروبية- لا سيما الفرنسية- للاستثمار في الصين.

احتجاجات فرنسا الثورة الفرنسية
الاحتجاجات في فرنسا ضد ماكرون وقانون التقاعد الذي يتمسك به الرئيس بقوة، رويترز

وأوضحت أوساط ماكرون أن الرئيس ينوي الاستمرار في الدفع باتجاه "ولوجٍ أفضل إلى السوق الصينية" و"أجواء منافسة عادلة" على غرار ما فعل في زيارتيه عامي 2018 و2019.

ورأت منظمة هيومن رايتس ووتش أن إيمانويل ماكرون و أورسولا فون دير لاين "يُتوقع ألا يثيرا قضية الاستبداد المتنامي للحكومة الصينية"، معربة عن خشيتها من حجب مسألة حقوق الإنسان.

ويؤكد قصر الإليزيه أن مسألة حقوق الإنسان ستُطرح، لا سيما وضع "أقارب لرعايا فرنسيين في شينجيانغ" التي يندد مراقبون بحدوث قمع شديد فيها؛ "لكي يتمكنوا من مغادرة الصين".

الخلاصة هنا هي أن ماكرون يسعى، خلال زيارته للصين، إلى تحقيق أهداف لا تبدو قابلة للتحقق، خصوصاً ما يتعلق بتغيير موقف بكين من حرب أوكرانيا، فهل اعتاد ماكرون إطلاق مبادرات في السياسة الخارجية تنتهي في الغالب إلى لا شيء؟

تحميل المزيد