"ذبح القرابين في المسجد الأقصى نذير حرب قادمة"، هكذا حذرت رابطة علماء فلسطين في ظل محاولات محمومة من قبل المستوطنين الإسرائيليين لذبح القرابين بالمسجد هذا العام، فلماذا تمثل هذه الخطوة خطورة شديدة على مستقبل الأقصى، وهل يكون المسجد ضحية أزمة نتنياهو الداخلية.
ففي خطوة عدوانية غير مسبوقة، دعت "منظمات الهيكل"، أنصارها إلى إحضار قرابينهم الحيوانية والتجمع مساء اليوم الأربعاء الموافق 14 رمضان و5 إبريل/نيسان 2023 عند أبواب الأقصى، عشية ما يسمى "عيد الفصح اليهودي" الذي يبدأ في السادس من أبريل/نيسان الجاري، ويستمر لثمانية أيام، وحددت ساعة التجمع عند 10:30 ليلاً، حسبما ورد في تقرير لوكالة الصحافة الفلسطينية "صفا".
ومنذ أيام تستعد ما تسمى جماعات "الهيكل" المزعوم اليهودية لهذه الجريمة.
وبالتزامن مع اقتحام قوات الاحتلال والمستوطنين للمسجد الأقصى، حاول أعضاء من جماعات "الهيكل اليهودية"، صباح اليوم الأربعاء، إدخال خراف وماعز إلى المسجد الأقصى لذبحها كـ"قرابين" بمناسبة اقتراب حلول عيد الفصح اليهودي.
وبينما شهد رمضان خلال الأعوام الماضية تصعيداً من المستوطنين بحماية قوات الاحتلال في عيد الفصح اليهودي ويتخلله عادة تنظيم قطعان المستوطنين اقتحامات جماعية للأقصى، بحراسة جنود الاحتلال الإسرائيلي وعناصر الشرطة.
ولكن هذا العام تركيز المتطرفين على ذبح القرابين في الأقصى، والتي تمثل خطوة شديدة الرمزية بالنسبة لهم، وبالتالي خطوة شديدة الخطورة على الأقصى.
وألقت الشرطة الإسرائيلية القبض على ناشط مؤيد لذبح القرابين في المسجد الأقصى أمس الأول الإثنين، بحسب وكالة رويترز.
مكافأة لمن يتمكن من ذبح القرابين داخل الأقصى، وأخرى لمن يتم اعتقاله
وتواصل "جماعات الهيكل" المزعوم حشد أنصارها من المستوطنين المتطرفين، في محاولة لتنفيذ مخططها لإدخال وذبح "قرابين الفصح" العبري داخل المسجد الأقصى المبارك؛ إذ رصدت حركة "عائدون لجبل الهيكل" المتطرفة مكافأة مالية بقيمة 20 ألف شيكل أي نحو 5 آلاف دولار، لكل مستوطن ينجح بذبحها في المسجد؛ الدولار يساوي 3.75 شيكل.
كما رصدت الحركة مبلغ 5 آلاف شيكل لأي مستوطن يتم اعتقاله أو منعه من إدخال القربان إلى الحرم القدسي.
ويتأهب الفلسطينيون المرابطون في الأقصى للتصدّي للاقتحامات وإجهاض طقوس ذبح القرابين، وقد خاضوا مواجهات عنيفة اليوم للتصدي لعمليات الاقتحام من قبل جنود الاحتلال، التي اعتقلت 450 فلسطينياً بالأقصى، وفقاً لحصيلة إسرائيلية صدرت اليوم الأربعاء.
كما اقتحم مستوطنون إسرائيليون، الأربعاء، المسجد الأقصى بالقدس الشرقية بحراسة الشرطة الإسرائيلية التي حظرت دخوله على المصلين تحت الـ45 عاماً، وردت فصائل المقاومة في غزة بإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل.
ليست المرة الأولى ولكنها الأخطر
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تسعى فيها المجموعات اليهودية إلى ذبح القرابين في المسجد الأقصى المبارك، فقد عملت على مدار ثماني سنوات بخطوات متدرجة من أجل الوصول إلى هذه المرحلة التي يصفها بعض حاخاماتهم بأنها "البناء المعنوي" للهيكل الثالث المزعوم.
ولكن المحاولات تكتسب خطورة خاصة في ظل تولي حكومة نتنياهو اليمينية التي توصف بأنها الأكثر تطرفاً على مدار التاريخ للسلطة، ومن بين قادتها السياسي المتطرف إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي المسؤول عن القدس.
ودعا قادة المستوطنين إلى تنفيذ أكبر اقتحام للمسجد الأقصى خلال عيد الفصح العبري، وبعث 15 حاخاماً رسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، طالبوا فيها بالسماح للمستوطنين بذبح قرابين عيد الفصح هذا العام.
يأتي ذلك تزامناً مع ما أعلنه جيش الاحتلال بفرض إغلاق على الضفة الغربية وقطاع غزة، وإغلاق الحواجز كافة خلال فترة العيد.
وحذرت فصائل المقاومة الفلسطينية من إقدام المستوطنين على ذبح القرابين في المسجد الأقصى، وحمّلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الاحتلال كامل المسؤولية عن تداعيات هذه الخطوة، وأشارت الحركة -في بيان- إلى أن "الشعب الفلسطيني لن يقف مكتوف الأيدي أمام المساس بالأقصى وتدنيسه، والاستخفاف بمشاعر ملايين المسلمين حول العالم".
ما معنى ذبح القرابين في المسجد الأقصى بالنسبة للمتطرفين اليهود؟
منذ عام ٢٠١٤، و"منظمات الهيكل" تضع نصب أعينها قضية تقديم "قربان الفصح" داخل الأقصى، وتعمل على الإحياء العملي لتلك الطقوس، وتجري تدريبات عملية لتحقيق ذلك.
ووفقاً للتعاليم التوراتية التي يروّج لها هؤلاء المتطرفون، فإن "القربان يجب أن يُذبح عشية عيد الفصح، وأن يُنثر دمه عند قبة السلسلة التي يزعم المتطرفون أنها بُنيت داخل ساحات الأقصى لإخفاء آثار المذبح التوراتي".
و"القربان هو الطقس اليهودي المركزي الأهم، الذي اندثر باندثار الهيكل، بحسب زعم المتطرفين الإسرائيليين، وحين اندثر الهيكل، اندثر معه تقديم القرابين، وخسرت اليهودية هذا الشكل من العبادة القربانية".
إنه بمثابة "إحياء معنوي للهيكل"
وبالتالي فإن "إحياء طقس ذبح القرابين يعد إحياءً معنوياً للهيكل المزعوم"، حيث يتم التعامل من قبل المتطرفين مع المسجد الأقصى، باعتباره هيكلاً حتى وإن كانت أبنيته ومعالمه لا تزال إسلامية.
وبالتالي، فإنه لو تم ذبح القرابين داخل الأقصى، فإنهم سيسعون بعد ذلك لممارسة شعائرهم بانتظام وقد يحاولون اقتسام الأقصى زمانياً ومكانياً مثلما فعلوا في الحرم الإبراهيمي بل قد يحاولون طرد المسلمين منه.
وهم مقتنعون بأن الوقت قد حان لتقديم القربان في الأقصى
وخلال سنوات ماضية، قدمت "جماعات الهيكل" طلباً عبر محاكم الاحتلال لإحياء "طقوس القربان" في المسجد الأقصى، إلا أنها تتلقى رفضاً، خشية انفجار الأوضاع.
لكن اليوم تنظر الجماعات إلى وجود "الصهيونية الدينية" في حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، باعتبارها نافذة تاريخية لفرض أحلامها تجاه الأقصى، وبدأت حملة محمومة للدعوة إلى فرض القربان داخل المسجد المبارك، حسبما ورد في تقرير وكالة "صفا" الفلسطينية.
وبات معظم حاخامات وناشطي الجماعات المتطرفة مقتنعين أن "الوقت حان لتقديم القربان في المسجد الأقصى بعد المسيرة الطويلة من المحاولة عبر المحكمة منذ عام 2010، والإحياء العملي لطقوس القربان في عدة أماكن حول الأقصى منذ 2014".
ويعد زعيم حركة "العودة إلى جبل المعبد" المتطرف رفائيل موريس من "صقور جماعات المعبد"، ويتزعم التيار المنادي بفرض كامل الطقوس بالمسجد الأقصى، وهو يحاول مع جماعته تهريب سخل (صغير الماعز) إلى المسجد في كل عام لذبح "القربان" فيه.
ولتحقيق هذه الخطوة العدوانية، أرسل 15 حاخاماً من حزب "الصهيونية الدينية" رسالة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، يطالبونهما فيها بالسماح لهم بـ"ذبح قرابين عيد الفصح" في المسجد الأقصى.
كل عام ينظمون مسيرة للتدريب على ذبح القربان وهي تقترب رويداً رويداً من المسجد
ومضى على مسيرة إحياء "طقوس القربان" 15 عاماً، وتقدم القرابين في كل عام في مكان مختلف انتظاراً لتحقيق هدفهم بذبح القرابين في الأقصى.
ولكن للعام التاسع على التوالي، تجري "جماعات الهيكل" محاكاة لـ "قربان الفصح" قرب الأقصى، تمهيداً لفرضه داخل المسجد في أقرب فرصة مواتية.
وقبل ذلك كان يتم تنظيم المسيرة بعيداً عن الأقصى.
ولكن في عام 2016، وبعدما تأكدت من إتقان "طقوس القربان"، نقلت "جماعات الهيكل" المحاكاة إلى جبل الزيتون شرق المسجد الأقصى.
أما في عام 2017، فنقلت "جماعات الهيكل" القربان إلى داخل البلدة القديمة أمام "كنيس الخراب"، لأول مرة منذ احتلال الأقصى.
وفي عام 2018، نفذت محاكاة القربان عند القصور الأموية الملاصقة للسور الجنوبي للمسجد الأقصى.
وفي العام 2019، قُدّمت في البلدة القديمة قرب سوق اللحامين المطل على الأقصى، فيما قُدمت عام 2021 في ساحة مركز "ديفيدسون" داخل باب المغاربة في سور المدينة المقدسة.
وفي عام 2022، نفذت الجماعات المتطرفة محاكاة "تقديم القربان" في منطقة القصور الأموية الملاصقة للأقصى.
والأحد الماضي، نظمت الجماعات المتطرفة محاكاة لـ"قربان الفصح" التوراتي في ساحة مركز "ديفيدسون" جنوب غربي المسجد الأقصى، بمشاركة مجموعة من نشطائها الذين تؤهلهم للتحول إلى طبقة "الكهنة" للهيكل المزعوم.
وبدأت "مسيرة إحياء القربان، باعتباره ذروة الطقوس التوراتية في الهيكل المزعوم، بحسب التخيل التوراتي، وبدأت بتأهيل "طبقة الكهنة" وتدريبها على طقوس القربان، متخذة من ذلك مدخلاً للتأسيس المعنوي للهيكل على طريق تأسيسه المادي".
والآن، تحاول "جماعات الهيكل" إدخال و"ذبح القرابين" داخل الأقصى، مستغلة نفوذها الحكومي غير المسبوق، عبر وجود 16 وزيراً في حكومة نتنياهو يتبنون مقولاتها، بعضهم من أعضائها المباشرين؛ مثل المتطرف إيتمار بن غفير، المسؤول المباشر عن قواعد الاشتباك في الأقصى.
موقف بن غفير ونتنياهو، وكيف سترد المقاومة الفلسطينية؟
أعلن كبير حاخامات إسرائيل الحاخام شموئيل رابينوفيتش، أمس الثلاثاء، حظر حمل قرابين عيد الفصح اليهودي للتضحية بها عند المسجد الأقصى في القدس المحتلة، كما نشر الحاخام الإسرائيلي لليهود الشرقيين، يتسحاق يوسف، الثلاثاء، مذكرة تمنع المصلين من زيارة الأقصى، لأنه "انتهاك صارخ للقانون اليهودي".
وقالت الشرطة الإسرائيلية إنها "ألقت القبض، الإثنين، على مسؤول جماعة أمناء الهيكل التي تقود العملية كإجراء وقائي".
وأطلق بن غفير إعلاناً غامضاً يرفض أداء طقوس الذبح، الذي قد يكون إعلاناً مخادعاً شبيهاً بإعلانه إبان توليه الوزارة عدم نيته اقتحام الأقصى، إلا أنه اقتحمه صبيحة اليوم التالي، كما يعتقد حاخامات يهود أن وقت أداء "قربان الفصح" في المسجد الأقصى حان ولم يعد يحول دونه شيء.
كما أن تفجير أزمة مع الفلسطينيين، فرصة لا تعوّض للحكومة المتطرفة بما فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المحاصر بالقضايا، لجبر الانقسام غير المسبوق الذي حدث في إسرائيل جراء الانقلاب القضائي الذي يقوده نتنياهو وحلفاؤه.
وهكذا يمكن أن تستعيد الحكومة شرعيتها من خلال افتعال أزمة مع الفلسطينيين، خاصة إذا ردت فصائل المقاومة في غزة بهجوم صاروخي على إسرائيل مثلما فعلت رداً على استهداف الأقصى من قبل المستوطنين عام 2021، حيث أطلقت حماس صاروخاً على المسيرة التي كانت متوجهة للأقصى ذاتها، الأمر الذي أدى إندلاع حرب غزة.
وقد تؤدي هذه الممارسات الإسرائيلية إلى انفجار أيضاً بين عرب 48 والسلطات الإسرائيلية خاصة بعد اغتيال طبيب فلسطيني من أراضي الداخل أمام الأقصى بينما كان يدافع عن فتاة تعرضت للإيذاء من قبل جنود الاحتلال، بينما رواية إسرائيل بأنه هاجم الجنود تشكك فيها حتى الصحف الإسرائيلية.
كما أن الضفة الغربية أصلاً باتت مشتعلة وبات الشباب المقاوم غير المنتمي لفصائل ظاهرة منتشرة بها خاصة في جنين ونابلس.
قد يعني ذلك فتح عدة جبهات مع إسرائيل أكثر حتى مما جرى في حرب مايو/أيار 2021.
ورغم ذلك يستبعد الكثيرون سماح إسرائيل للمستوطنين بذبح القرابين داخل الأقصى، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة الميادين، ولكن يرجّح اقتحام أعداد كبيرة من المستوطنين باحات الأقصى خلال عيد الفصح.
ويتوقع التقرير أنّ بن غفير سيقتحم الأقصى خلال العيد على غير رغبة نتنياهو والجهاز الأمني الإسرائيلي.
وحتى لو تم هذا الاقتحام، دون ذبح القرابين في الأقصى، فقد ترد حركات المقاومة الفلسطينية على مثل هذا العدوان مما قد يطلق حرباً جديدة.