وقعت قبرص واليونان اتفاقيات تعاون عسكري وأمني مع إسرائيل بهدف تعزيز التحالف بينهم، فهل يؤثر تطبيع العلاقات مع تركيا على هذه الشراكة، في ظل الخلاف اليوناني-القبرصي-التركي؟
إذ إن قصة ظهور اليونان وقبرص في ملفات وقضايا الشرق الأوسط مرتبطة بالأساس بالصراع بينهما من جهة وبين تركيا من جهة أخرى في شرق المتوسط. فاليونان وقبرص لديهما مع تركيا نزاعات متعددة تاريخية وحدودية وسياسية، منها ترسيم الحدود البحرية والأزمة القبرصية، وعندما بدأت اكتشافات الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ازدادت حدة الصراع مع تمسك كل طرف بموقفه والسعي لضم حلفاء لمساعدته.
التحالف بين إسرائيل واليونان وقبرص
موقع أسباب، المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، تناول كيف أن الشراكة بين إسرائيل من جهة واليونان وقبرص من جهة تواصل التقدم، على الرغم من التطبيع مع تركيا.
ففي منتصف شهر مارس/آذار الماضي، وقعت كل من اليونان وقبرص، بشكل منفرد، مع القوات المسلحة الإسرائيلية على برنامج التعاون الدفاعي الثنائي لعام 2023. كما تم التوقيع في نفس اليوم في تل أبيب، مع الجانب الإسرائيلي، على خطة العمل المشتركة "اليونان – قبرص – إسرائيل" لعام 2023.
هيئة الأركان العامة للدفاع الوطني اليوناني اعتبرت، من جانبها، أن التعاون العسكري الوثيق مع الدولة العبرية يساهم في "تعزيز الدور الذي يلعبه البلدان في ضمان الاستقرار والأمن في منطقة شرق البحر المتوسط وما وراء ذلك"، بينما وصف قائد الحرس الوطني القبرصي التعاون الثلاثي بالشراكة الاستراتيجية.
وفي هذا السياق، كانت الأطراف الثلاثة قد وقعت العام الماضي في اليونان، خطة العمل المشتركة الثلاثية لعام 2022، وكان ذلك في منتصف فبراير/شباط. ويُعد البرنامجان الثنائيان، والبرنامج الثلاثي، جزءاً من شبكة واسعة من الإجراءات التي طورتها الجهات الثلاث لتعزيز التعاون الأمني والعسكري.
وتوفر هذه البرامج مجتمعة تدريبات وتمرينات مشتركة ودورات لتبادل الخبرات، وتغطي التعاون في مجالات مثل القوات والعمليات الخاصة، الدفاع السيبراني، الشرطة العسكرية، وإدارة الأزمات.
ويأتي برنامج "خطة العمل المشتركة" كجزء من الإعلان المشترك الصادر عن القمة الثلاثية بين اليونان – قبرص – إسرائيل، والتي تم عقدها يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، في القدس المحتلة، بحضور رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي وقتها، نفتالي بينيت، ورئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، ورئيس جمهورية قبرص، نيكوس أناستاسياديس.
كان الإعلان قد أكد أن الشراكة بين الأطراف الثلاثة يمكنها أن تؤسس لتحالف إقليمي يقوم على مواجهة "التطرف" وتعزيز المصالح الاقتصادية، كما اعتبر أن "اتفاقيات أبراهام" توفر "فرصة فريدة" لتعزيز علاقات الأطراف الثلاثة مع دول الخليج وشمال إفريقيا. كما أشار الإعلان إلى صيغة (3+1)، التي تضع إطاراً لتعاون الأطراف الثلاثة مع الولايات المتحدة في منطقة شرق المتوسط.
واتفاقات أبراهام هي تلك الاتفاقيات التي رعتها وتوسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وشهدت إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولة العبرية والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وإن كانت تطورت تلك العلاقات إلى شراكة استراتيجية وتحالف تفاوت من دولة إلى أخرى.
هل يؤثر التحول في العلاقات مع تركيا؟
على أية حال، أصبح التعاون بين اليونان وقبرص وإسرائيل عميقاً بالفعل، فإضافة إلى أن هذه التطورات تؤكد التقدم الكبير الذي تحرزه الأطراف الثلاثة في مجالات التعاون القائمة، جرى أيضاً مناقشة أولية حول مجالات إضافية سيتم تضمينها في البرامج المستقبلية، وهو ما يعطي دلالة على استثمار الأطراف الثلاثة في هذا التعاون باعتباره شراكة طويلة الأمد.
ومن المهم هنا أن نشير إلى أن تواصل تعميق التعاون بين إسرائيل من جهة وكل من اليونان وقبرص من جهة أخرى يستند إلى تعريف مشترك للمصالح الاقتصادية المرتبطة باكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط ومشروعات الربط الكهربائي، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية.
أما من الزاوية الجيوسياسية، فإن قائمة الشركاء الإقليميين المحتملين للأطراف الثلاثة تبدو منسجمة أيضاً، وتأتي في مقدمتها مصر التي تمثل أهمية خاصة لتعزيز التنسيق في شرق المتوسط وتساعد الأطراف الثلاثة على تعزيز التوازن الجيوسياسي ضد أنقرة، خاصة اليونان في ظل الخلافات طويلة الأمد مع تركيا.
إذ شهدت السنوات الماضية سعياً حثيثاً من جانب اليونان وقبرص للحصول على دعم قوي من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في نزاعهما مع تركيا، لكن يمكن القول إن تلك المحاولات إجمالاً لم تحقق لأثينا أهدافها، وبالتالي فإن البحث عن تحالفات في المنطقة يعتبر أحد أبرز ملفات السياسة الخارجية للدولتين. لكن مسار الأحداث والتحالفات في المنطقة شهد تحولات جذرية خلال العامين الماضيين، ويبدو أن جميع دول المنطقة تسعى الآن إلى تصفير المشكلات.
وبالتالي فإنه بينما تتقدم وتيرة تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، فمن المرجح أنها لن تأتي على حساب تعزيز الشراكة الثلاثية "اليونان – قبرص – إسرائيل"، وهو الأمر نفسه المتوقع على صعيد مساعي تطبيع العلاقات المصرية التركية.
إذ بينما عملت أنقرة على خلخلة الجبهة المناوئة لها في شرق المتوسط، والتي تشمل الأطراف الثلاثة بالإضافة إلى مصر، من خلال التطبيع مع كل من إسرائيل ومصر، فإن القاهرة على الأرجح ستظل أسيرة مخاوفها التاريخية من النفوذ التركي، في المتوسط والإقليم عموماً، وستحافظ على شراكتها المتنامية مع اليونان وقبرص، وستحرص، كما تحرص تل أبيب، على ألا تؤثر استعادة العلاقات مع تركيا على الشراكة مع اليونان وقبرص.