محاكمة ترامب وإدانته قد تمثل فرصة ذهبية له للعودة للرئاسة الأمريكية، إذ يبدو أن لديه خطة للتهرب من المحاكمة إلى حين قدوم موعد الانتخابات، وهو أمر يراهن عليه كثير من قادة أوروبا والشرق الأوسط.
وقال جو تاكوبينا، محامي الدفاع عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إنه طُلب من ترامب تسليم نفسه للسلطات في نيويورك، الجمعة 31 مارس/آذار 2023، بعد يوم من تصويت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن على توجيه لائحة اتهام بحقه، وذلك حسبما نشرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية في تقرير لها.
والتداعيات السياسية لقرار إدانة ترامب معقدة، ويرجح أن يلجأ ترامب لاستراتيجية قانونية تعتمد على تكتيك المماطلة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
ولهذا قد تستغرق المحاكمة عاماً، وحينها، قد يكون ترامب في طريقه لأن يصبح المرشح الجمهوري لانتخابات 2024 الرئاسية. فهو لا يزال المرشح المفضل في النهاية. ومقاضاته لا تحول بينه وبين الفوز بالبيت الأبيض. وحينها يمكنه، نظرياً على الأقل، إدارة أقوى دولة في العالم من وراء القضبان.
محاكمة ترامب فرصة ذهبية بالنسبة له
ومن منظور الانتخابات، فإن خبر محاكمة ترامب وتوجيه اتهام له بدفع "رشوة لممثلة إباحية لكي تكتم علاقته بها، خبر سار لترامب ومستشاريه.
واجتمع دونالد ترامب بمستشاريه المقربين، السبت 1 أبريل/نيسان، في منتجع إقامته "مارالاغو" بولاية فلوريدا، لوضع استراتيجيته السياسية المقبلة، بعد أن فوجئ بأن هيئة محلفين كبرى في مانهاتن وجَّهت اتهامات جنائية إليه في قضية دفع "رشوة صمت"، لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز في عام 2016.
وبد ترامب سعيداً بنتائج استطلاعات الرأي الجديدة، التي أعقبت إصدار لائحة الاتهام، وفق لما نقلته صحيفة The Guardian البريطانية، عن مصدر بحملته.
وقال مصدر مطلع إن دونالد ترامب أسعدته نتائج استطلاعات الرأي الجديدة التي أعقبت إصدار لائحة الاتهام، والتي أظهرته متقدماً بفارقٍ كبير على منافسه المتوقع في انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية على بطاقة الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2024، رون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا، وغيره من المنافسين.
وأعلنت حملة دونالد ترامب الرئاسية أنها جمعت أكثر من 4 ملايين دولار خلال الـ24 ساعة التي أعقبت نشر خبر إدانة الرئيس الأمريكي السابق من هيئة محلفين كبرى في مانهاتن بتهم تتعلق بدفعه أموالاً للتستر على علاقة سابقة في قضية الأموال الصامتة، بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية، السبت الأول من أبريل/نيسان 2023.
وقال أحد الجمهوريين المقربين من الرئيس السابق: "يدرك كل من حول ترامب أن هذا مكسب سياسي. فلو لم يصبح ترامب المرشح للرئاسة، يكون هذا التدخل في الانتخابات قد نجح وانتصر المدعون العموميون الفاسدون. ولن نسمح بحدوث ذلك".
منافسو الرئيس السابق الجمهوريون ينتقدون قرار الاتهام
حجم الغضب الذي أثارته محاكمة ترامب بين الناخبين الجمهوريين دفع المرشحين المحتملين، من مايك بنس إلى نيكي هالي، للانصياع لانتقاد قرار الاتهام القضائي.
وحتى رون ديسانتس، حاكم ولاية فلوريدا، وأبرز منافسي ترامب في ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، علق على ما يحدث بالقول إنه "لا يتوافق مع المبادئ الأمريكية".
وقال الجمهوري المقرب من ترامب: "حدث هذا في أسوأ وقت ممكن لديسانتس. ففي اللحظة التي احتاج فيها إلى تهدئة المتبرعين واتخاذ خطوة إيجابية، احتل ترامب المشهد بأكمله".
كيف ينظر قادة العالم إلى إدانة ترامب واحتمالات عودته للرئاسة؟
وسواء كانت نظرة القادة الأجانب لعودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض يحدوها الأمل أو الرعب، تظل احتمالية عودته راسخة بعمق في دول العالم؛ لدرجة أن قادة العديد من البلدان يتحوطون لذلك في الدبلوماسية والأمن وحتى في الأماكن التي يستثمرون فيها ثرواتهم، وفقاً لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ولم يظهر ما يدل على أن لائحة الاتهامات الجنائية التي وجهت لترامب الأسبوع الماضي في نيويورك قد غيرت هذه الحسابات.
إذ شاهده قادة العالم وهو يخرج سالماً من كوارث عديدة، وفقاً لدبلوماسيين وخبراء في السياسة الخارجية، لدرجة أنهم باتوا يعتبرون نجاته السياسية أشبه بقدر مكتوب.
قادة أوروبا يخشون عودة ترامب أو وصول أشباهه الانعزاليين للبيت الأبيض
وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على أوروبا، التي اضطر قادتها لتحمل أربع سنوات من إجراءات ترامب الاندفاعية في مجموعة من القضايا، مثل الإنفاق العسكري وتغير المناخ.
وحتى لو أنهت متاعب ترامب القانونية صلاحيته السياسية بطريقة لم تنجح فيها محاولتان لعزله وهزيمته في الانتخابات أمام جو بايدن، يخشى كثيرون أن يحل محله عدد لا محدود من بدائل يسيرون على خطى ترامب، وأبرز مثال على هؤلاء، الحاكم الجمهوري لفلوريدا، رون ديسانتس.
يقول وولفغانغ إيشينغر، السفير الألماني السابق لدى الولايات المتحدة الذي أدار مؤتمر ميونخ للأمن حتى عام 2022: "لو انتهى أمر ترامب حقاً، لارتاح كثيرون في أوروبا قليلاً، لكن الخوف الجذري الذي زرعه ترامب قبل ست سنوات لن يختفي".
وأضاف: "فماذا لو استمر فيروس الانعزالية الذي أطلقه ترامب في إصابة المرشحين الآخرين؟. وماذا لو رشح الجمهوريون شخصاً آخر يؤمن بالانعزالية للرئاسة؟ وماذا لو فاز هذا المرشح؟".
بديل ترامب المحتمل يقلل من أهمية حرب أوكرانيا
وازدادت هذه المخاوف تعمقاً حين وصف ديسانتس حرب روسيا على أوكرانيا بأنها "حرب على أراضٍ". وقد تراجع بعدها عن تعليقه بعد انتقادات غاضبة تعرض لها من زملائه الجمهوريين.
لكن تصريحه، الذي يعكس نظرة ترامب للغزو الروسي، كان وقعه على العواصم الأوروبية أكبر من الولايات المتحدة، بالنظر لاعتماد أوروبا الشديد على الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي للحفاظ على جبهة موحدة في صد العدوان الروسي.
يقول كيم داروتش، السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة: "ترامب ظاهرة، لكنها لم تعد فريدة. لقد أخرج جيلاً كاملاً من نماذج ترامب المصغرة".
وقال داروتش، الذي اُضطر للرحيل عن منصبه في واشنطن بعد تسريب برقيات ينتقد فيها ترامب عام 2019: "فلو تظن أن فكرة الانعزالية تزداد نمواً في أمريكا، أو بدا لك أن المشهد السياسي يؤكد ذلك، فلا تُحمِّل كامل المسؤولية لترامب، فقد بات له بدائل كثر".
ولا يعني أي من هذا أن ترامب لم يعد شخصية فريدة، أو أن مشكلاته القانونية لا تلفت الانتباه في الخارج. فاتهام ترامب الذي جاء على خلفية قضية أموال "شراء الصمت" التي دُفعت لممثلة أفلام إباحية، من نوع المشاهد التي تتفرد بها أمريكا والتي تشق طريقها لعناوين الصحف الشعبية.
إذ نشرت صحيفة Daily Star اللندنية في صفحتها الأولى مقالاً يحمل عنوان "المتهم الكبير المعتاد" مع مجموعة من الصور الساخرة لترامب على خلفية تستخدم لالتقاط صور المتهمين.
ونشرت صحيفة The Times of London مقالاً يحمل عنوان "ترامب سيرفض تصفيده" على صفحتها الأولى يوم السبت الأول من أبريل/نيسان تضمن مقابلة مع ستورمي دانيلز، الممثلة التي قالت إنها أقامت علاقة جنسية مع ترامب وحصلت على مال من محامي ترامب مقابل صمتها.
المفارقة أن بعض القادة الأوروبيين سعداء باحتمال عودة ترامب من بينهم ماكرون
لكن صحيفة The Daily Telegraph، ذات الميول اليمينية، ركزت على المنفعة المحتملة لترامب بقاعدته السياسية اليمينية المتشددة، معلنة أن "قرار الاتهام فرصة ذهبية لترامب"، بمعنى أن مشكلات ترامب القانونية قد تمتد بشكل غير متوقع لتشمل برلمانات وهيئات حكومية.
وقال داروتش إن من يتابعون ملحمة ترامب عن كثب سيدركون أن هذا القرار واحد من عدة قرارات اتهام أخرى محتملة، في قضايا تدخل في الانتخابات وسوء التعامل مع وثائق سرية. أما المراقبين الأقل اهتماماً فسيركزون على تقدمه في استطلاعات الرأي على منافسيه الجمهوريين.
وقال إن أحد الأسباب التي تجعل بعض الأوروبيين يروجون لفكرة صمود ترامب وإفلاته هو أنه يعزز أجنداتهم الجيوسياسية.
ففي بريطانيا، يعلن بعض اليمينيين صراحة عن رغبتهم في عودة ترامب، الذي دافع عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولوح باحتمال التوصل إلى اتفاقية تجارة بين البلدين. ولم يمض الرئيس بايدن في هذه الاتفاقية، فهو، رغم علاقته الودية ببريطانيا، أقل اندفاعاً من ترامب. ولن يحضر بايدن حفل تتويج الملك تشارلز الثالث، الذي يعد من نوعية المراسم المبهجة التي كان سلفه يستمتع بها.
وفي فرنسا، طرح الرئيس إيمانويل ماكرون فكرة "الحكم الذاتي الاستراتيجي" في أوروبا، أي أن على أوروبا أن تتولى مسؤولية الدفاع عن نفسها بعيداً عن الولايات المتحدة. وكان استهزاء ترامب بحلف الناتو من أهم المحفزات لطرح هذه الفكرة، وستجعلها ولاية ترامب الثانية، التي قد ينسحب خلالها من الحلف فعلياً، شبه ضرورية.
وبعض القادة العرب يراهنون على فوزه بالرئاسة أيضاَ
وفي الشرق الأوسط أيضاً، تحوطت بعض البلدان لعودة ترامب إلى السلطة. فاستثمرت السعودية وقطر والإمارات في صندوق الأسهم الخاصة الذي أطلقه صهر ترامب ومستشاره السابق جاريد كوشنر. ويقول الخبراء إن هذه الاستثمارات تؤكد رغبتهم في الحفاظ على علاقة متينة بكوشنر، المتزوج من إيفانكا ترامب، ابنة ترامب الكبرى.
يقول مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل: "السعوديون تحديداً يراهنون على عودة ترامب، أو على الأقل رئيس جمهوري. فالعلاقة بين بايدن ومحمد بن سلمان مشحونة؛ لدرجة أن أي شخص غير بايدن سيكون موضع ترحيب".
وقال إنديك إنه لا يظن أن القادة العرب سيغيرون حساباتهم بعد قرار الاتهام. وقال: "لا أظن أنهم يتصورون أن هذا سيُخرج ترامب من المنافسة. ولو حدث ذلك، فقد يفتح الطريق أمام جمهوري فرصته أكبر في هزيمة بايدن".
والأمر ذاته ينطبق على نتنياهو وبوتين، ولكن ماذا عن الصين؟
وفي إسرائيل، من المرجح أن يرحب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعودة ترامب، لأسباب ليس أقلها أنهما يتشاركان نفس المشكلات، وفقاً لمحللين. فكلاهما يواجه اتهامات قانونية، وفي حالة نتنياهو، مزاعم رشوة واحتيال وخيانة أمانة، يحاول التخلص منها بفرض تعديلات على النظام القضائي قوبلت باحتجاجات هائلة. ومثل ترامب، اتهم نتنياهو المدعين العموميين بأن دوافعهم سياسية.
أما عند حلفائه الأمريكيين، فهجوم ترامب المتواصل على النظام القانوني الأمريكي، وحقيقة أنه مدعوم من الكثير من الجمهوريين الآخرين، ربما يكون أحد أكثر التداعيات المقلقة على المدى القصير لقرار الاتهام.
على أنه بالنسبة للخصوم مثل روسيا والصين، فاحتمال مشاركة ترامب في حملة رئاسية أخرى، فيما في الوقت نفسه يواجه اتهامات جنائية، يعزز روايتهم عن نظام الولايات المتحدة الفوضوي وانهيارها.
يقول إيفان ميديروس، مستشار الصين السابق للرئيس باراك أوباما: "الصينيون سيستغلون هذا لتعزيز روايتهم بأن أمريكا أهلكها نظامها الديمقراطي المختل، وأن الصين فرصتها أفضل".