فاجأ إعلان المملكة المتحدة يوم الثلاثاء 28 مارس/آذار بفرض عقوبات على عدد من الأشخاص في الشرق الأوسط بتهمة تهريب الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون، كثيراً من الناس. ومنبع هذه الدهشة لم يكن الأشخاص المستهدفين بالعقوبات، وإنما لأن البريطانيين قدروا حجم تجارة الكبتاغون في سوريا بـ 57 مليار دولار سنوياً، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
ففي الوقت الذي بلغ فيه إجمالي الناتج المحلي للأردن المجاور 45 مليار دولار، بدا هذا الرقم غريباً لبلد مزقته الحرب ودمرت اقتصاده. وأعلنت وسائل إعلام وصحف من بينها صحيفة Financial Times، الخبر لاحقاً دون أي تعليق عليه.
خطأ في علامة عشرية أم تقدير خاطئ.. ما حقيقة حجم تجارة الكبتاغون في سوريا؟
يقول الموقع البريطاني إنه سبق أن قدّر خبراء في الكبتاغون أن حجم التجارة في هذا العقار بلغت 5.7 مليار دولار عام 2021. فهل هذا الرقم الجديد في سوريا وقع في خطأ علامة عشرية؟
يقول مصدر قريب من قرار وزارة الخارجية البريطانية لموقع Middle East Eye إن المملكة المتحدة توصلت إلى هذا الرقم "57 مليار دولار" من خلال معلومات استخبارية و"مصادر خارجية على الإنترنت". وقال المصدر إن أحد هذه المصادر تشارلز ليستر، الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط (MEI) في واشنطن.
ففي 9 يناير/كانون الثاني، نشر ليستر تحليلاً على موقع المعهد الإلكتروني، قال فيه: "عام 2021، صادرت السلطات في الشرق الأوسط وفي مناطق بعيدة مثل ماليزيا ونيجيريا والسودان ما لا يقل عن 5.7 مليار دولار من الكبتاغون الذي ينتجه النظام السوري ويهرّبه إلى الخارج".
وأضاف أن "مسؤولي الأمن يقدرون أن مضبوطات الكبتاغون السوري لا تمثل سوى 5-10% من إجمالي التجارة، وهذا يشير إلى أن قيمته الإجمالية عام 2021 كانت 57 مليار دولار على الأقل، أو عشرة أضعاف الميزانية السنوية للبلاد".
لكن في أبريل/نيسان من العام الماضي، قال معهد نيو لاينز إنه جمع بيانات تقدر قيمة سوق تجارة الكبتاغون بالكامل عام 2021 بما لا يقل عن 5.7 مليار دولار، بناءً على القيمة التجارية لمضبوطات الكبتاغون السنوية.
وقال: "لكن هذه التقديرات مستنبطة من بيانات محدودة إلى حد ما، وقائمة فقط على المضبوطات المسجلة (معظمها مضبوطات كبيرة، وبالتالي لا تشمل عدداً كبيراً من المضبوطات غير المسجلة على مستوى الشارع) ومتوسط السعر لكل قرص في المنطقة، وهذا يشير إلى أن القيمة الإجمالية لتجارة الكبتاغون قد تكون أكبر بكثير".
"رقم 57 مليار يفتقر إلى المصداقية"
وسبق أن عرض ليستر أرقاماً مختلفة. ففي أكتوبر/تشرين الأول، قال إن الحجم الحقيقي لسوق الكبتاغون في سوريا يبلغ 30 مليار دولار تقريباً. وفي ديسمبر/كانون الأول، قال في تغريدة إن حجم تجارة الكبتاغون ربما يتراوح بين 55 مليار دولار و110 مليارات دولار. ولم يرد ليستر على طلبات موقع Middle East Eye للتعليق.
ويرى سام هيلر، الباحث في شركة Century International ومحلل الشأن السوري، أن رقم الـ 57 مليار دولار الذي أعلنته المملكة المتحدة وليستر يفتقر إلى المصداقية، وقال: "واضح جداً ان هذا الرقم سخيف".
وقال لموقع MEE: "من الواضح أنه يوجد اهتمام سياسي وإعلامي بتهريب الكبتاغون في الوقت الحالي"، وأضاف أن حكومة المملكة المتحدة ارتكبت خطأ بإعلانها رقماً يبدو له مبالغاً فيه بشكل كبير. وقال: "أظن أن هذا يهدد مصداقيتهم في هذه الإجراءات العقابية ومع سوريا عموماً".
الخارجية البريطانية: 80% من إمدادات العالم من الكبتاغون تُنتَج في سوريا
ويُعرف الكبتاغون في شوارع الشرق الأوسط باسم "أبو هلالين"، وذلك بسبب الهلالين المميزين المرسومين على كل حبة. وإنتاجه يكلف بضعة دولارات لكنه يُباع بثلاثة أضعاف هذا السعر تقريباً.
وبدأ استخدام هذه الحبوب المنشطة على نطاق واسع في سوريا خلال الحرب الداخلية وأصبحت البلاد مصدّراً رئيسيًا للأسواق الأخرى، وتحديداً في الشرق الأوسط والسعودية بصفة خاصة.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن 80% من إمدادات العالم من هذا المخدر تُنتَج في سوريا وتشحن من ميناء اللاذقية. وانتشرت صور ضبط شحنات الكبتاغون المخبأة في الرمان وسلع أخرى على الإنترنت.
وكان عقار الكبتاغون قانونياً طيلة 25 عاماً تقريباً. وبدأت صناعته في ألمانيا الغربية عام 1961 وكان يوصف لعلاج الاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال. ولكن عام 1986 صنفته منظمة الصحة العالمية على أنه مادة مخدرة محظورة.
وظلت بلغاريا لفترة طويلة منتجاً مهماً لهذا العقار، لكن حملة على مختبرات تصنيعه حوّلت الإنتاج إلى سوريا في أواخر التسعينيات وأوائل الألفينيات. والآن يُعتقد أن الحكومة السورية تسهّل إنتاج الكبتاغون وتتغاضى عنه.
عقوبات على آل الأسد
ويوم الأربعاء 29 مارس/آذار 2023، قالت السفارة البريطانية في لبنان، غداة إدراج وزارة الخزانة الأمريكية 6 أشخاص على قائمة العقوبات، بالتنسيق مع السلطات البريطانية، بينهم اثنان من أبناء عمومة بشار الأسد، إن النظام السوري يستفيد من تجارة مخدر الكبتاغون بـ57 مليار دولار سنوياً.
وبحسب السفارة فإن "ماهر، شقيق الرئيس بشار الأسد، يقود وحدة الجيش السوري التي تُيسّر توزيع وإنتاج هذه المادة المخدرة"، ورأت أن "تجارة المخدرات تمثل شريان حياة لنظام الأسد، وتبلغ تقريباً 3 أضعاف قيمة تجارة كرتيلات (عصابات) المخدرات المكسيكية مجتمعة".
فيما قالت إن "إنتاج وتهريب الكبتاغون يُثري أعضاء الدائرة الداخلية المحيطة بالأسد والميليشيات وتجار الحرب، على حساب الشعب السوري، الذي يستمر في مواجهة فقر مدقع وقمع على أيدي النظام".
وأوضحت أنه لأجل ذلك "فرضت المملكة المتحدة والولايات المتحدة عقوبات منسّقة على أشخاص ضالعين بتجارة الكبتاغون بالنظام السوري، وعناصر بجماعة حزب الله (اللبناني المدعوم إيرانياً) لمسؤوليتهم عن تهريب المخدرات إلى أنحاء الشرق الأوسط".
وذكرت السفارة أن "بين المشمولين بالعقوبات 11 شخصاً، بينهم رجال أعمال بارزون، وقادة ميليشيات، وأقارب لبشار الأسد، وتشمل العقوبات تجميد أرصدتهم، ومنع دخولهم إلى المملكة المتحدة".
ومن أبرز الأسماء التي طالتها العقوبات سامر كمال الأسد، ووسيم بديع الأسد، من أقارب رئيس النظام، واللبناني نوح زعيتر، وهو شخصية مشهورة بتجارة المخدرات، ويقال إن له روابط مع النظام السوري و"حزب الله".