تهدد زيارة رئيسة تايوان لأمريكا بالتسبب في أزمة ثلاثية جديدة بين الصين وواشنطن وتايبيه، رغم محاولة المسؤولين الأمريكيين التقليل من مغزى الزيارة، والادعاء بأنها طبيعية وليست الأولى من نوعها.
ووصلت رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، اليوم إلى نيويورك وسط انتقادات وتهديدات من الصين التي حذرت الولايات المتحدة من تداعيات خطيرة للزيارة، خاصة احتمال لقائها برئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفين ماكارثي، حسب ما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
واستُقبلت تساي في نيويورك اليوم الأربعاء، بحشود متنافسة من أنصارها والمحتجين على زيارتها خارج فندقها.
على خطى بيلوسي.. ستلتقي مع رئيس مجلس النواب الأمريكي في كاليفورنيا
وحسب المعلن من الجانبين الأمريكي والتايواني، فإن زيارة رئيسة تايوان لأمريكا تأتي في إطار المرور "ترانزيت" في طريقها إلى أمريكا الوسطى، لكنها قد تلتقي برئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفين مكارثي، في رحلة عودة لبلادها في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، رغم عدم وجود تأكيد رسمي بعد حسب ما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
وهو لقاء يعيد للأذهان الأزمة التي أطلقتها زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، في أغسطس/آب 2022 لتايبيه.
وكان خليفة بيلوسي الجمهوري، كيفن مكارثي، قد قال إنه يود زيارة تايوان مثل بيلوسي، لكن مراقبين فسروا لقاءه مع تساي في كاليفورنيا بدلاً من تايبيه على أنه محاولة لتجنب رد صيني مشابه للرد الذي أعقب زيارة بيلوسي، حسب تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي "cfr".
وردت بكين على زيارة بيلوسي العام الماضي بتنفيذ مناورات بحرية وجوية غير مسبوقة باستخدام بالذخيرة الحية، بما في ذلك إطلاق لصواريخ، وشكلت محاكاة لعملية هجوم واسع على تايوان.
وأدت المناورات إلى ما يشبه الحصار للجزيرة استمر أسبوعاً، مما تسبب في تعطيل حركة الملاحة البحرية والجوية، وشهدت المناورات آنذاك اختراقات محدودة لمنطقة الدفاع الجوي التايوانية (منطقة أوسع من المجال الجوي وهو مصطلح من اختراع أمريكي)، كما فرضت الصين مجموعة من العقوبات الاقتصادية على عدد من الكيانات التايوانية.
ولا تعترف الولايات المتحدة بتايوان كدولة، لكنها مؤيد قوي لها وتشجعها على مناوئة الصين التي تؤكد أن تايوان جزءاً منها فيما يُعرف بمبدأ الصين الواحدة، ولكن حكومة حزب الحاكم الحالي في تايبيه قد تخلت عن هذه السياسة التي التزمت بها تايوان منذ تأسيسها (تخلت أيضاً عن ادعائها السابق السيادة على الصين القارية).
علماً بأن الولايات المتحدة والدول الغربية تعترف بمبدأ الصين الواحدة، رغم أن واشنطن تلمح إلى أنه لا يعني اعترافاً بأحقية الحزب الشيوعي في حكم تايوان.
إدارة بايدن تقول إن زيارة رئيسة تايوان لأمريكا طبيعية وهي السادسة من نوعها
وقد أدانت الصين الاجتماع المحتمل بين رئيسة تايوان ورئيس مجلس النواب الأمريكي، وتقول إنه إذا تم فقد يؤدي إلى "مواجهة خطيرة".
في المقابل، قالت الحكومة الأمريكية إن زيارة رئيسة تايوان لأمريكا هي "مجرد محطة توقف"، وهي السادسة من نوعها عبر الولايات المتحدة منذ أن أصبحت رئيسة في عام 2016 – واصفة الزيارة بأنها "طبيعية"، وحذرت بكين من استخدامها كذريعة لسلوك عدواني.
وحسب المعلن، فإن زيارة رئيس تايوان لأمريكا تأتي في إطار عبورها من تايبيه إلى أمريكا الوسطى لزيارة بعض شركاء تايوان الدبلوماسيين القلائل المتبقين.
وهي ممارسة بدأت في عام 1994 عندما سمحت الولايات المتحدة لرئيس تايوان، لي تنغ هوي، بالتوقف في جزيرة هاواي الأمريكية في طريقه إلى نيكاراغوا.
سيكون هذا هو المرور رقم 29 عبر الولايات المتحدة من قبل رئيس لتايوان منذ بدء هذه الرحلات في عام 1994.
وأفادت وسائل إعلام أمريكية أنه من المقرر أن تسافر إلى غواتيمالا وبليز، في زيارة لتعزيز التحالفات في أمريكا الوسطى، قبل أن تعود عبر لوس أنجلوس؛ حيث يمكن أن يعقد اجتماعاً مع رئيس مجلس النواب الأمريكي.
وتأتي زيارة تساي إلى أمريكا الوسطى بعد أن غيرت هندوراس، حليفتها السابقة، جانبها الأسبوع الماضي وأقامت علاقات دبلوماسية مع بكين. وقد ترك ذلك تايوان اعترافات من قبل 13 حكومة فقط حول العالم.
وآخر مرة عبرت تساي الولايات المتحدة كانت في عام 2019، عندما توقفت في نيويورك ودنفر.
ولكن الفعاليات المثيرة لغضب الصين لا تقتصر فقط على لقاء رئيس مجلس النواب.
فوفقاً للتقارير، ستلقي تساي خطاباً في مكتبة ريغان خلال رحلتها. ومسألة إلقاء خطاب عام في أمريكا تثير غضب بكين، وقد سبق أن تحدثت تساي أيضاً في جامعة كولومبيا الأمريكية أثناء رحلة مماثلة عام 2019 وقدم ملاحظات عامة خلال محطات أخرى في الولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، يوم الأربعاء، إن الولايات المتحدة تأمل في رؤية "عبور طبيعي وخالٍ من الأحداث"، مشيرة إلى أن هذا هو سابع عبور للسيدة تساي عبر الولايات المتحدة خلال فترة قيادتها لتايوان.
وقال في إفادة صحفية "هذا حدث شائع.. لقد عبر رؤساء تايوان الآخرون الولايات المتحدة. لا شيء غير عادي في هذا الأمر".
الصين غاضبة من طريقة التعامل مع الزيارة وتتوعد بالانتقام
بينما تؤكد واشنطن أنها زيارة رئيسة تايوان لأمريكا، عادية ترى بكين أن طريقة التعامل الأمريكية معها لا تشي بذلك، وأن الترتيبات، والاهتمام يعكسان أن واشنطن تريدها زيارة بمغزى سياسي دون إعطاء الصين ذرائع للرد.
وفي هذا السياق، اتهم كبير المبعوثين الصينيين في واشنطن الولايات المتحدة بالدفاع عن استقلال تايوان من خلال السماح للسيدة تساي "بجذب الانتباه" في بلادهم.
وقالت شو شيويه يوان، القائم بالأعمال الصيني في مؤتمر صحفي بالسماح لتساي بزيارة الولايات المتحدة، فإن واشنطن "تقوض بشكل خطير سيادة الصين وسلامة أراضيها".
وقالت "نحث الجانب الأمريكي على عدم تكرار اللعب بالنار بشأن مسألة تايوان".
كما أدانت وزارة الخارجية الصينية ومكتب شؤون تايوان الزيارة بشدة، متهمة إياها بانتهاك مبدأ "الصين الواحدة".
وهددت الحكومة الصينية بالانتقام إذا التقت رئيسة تايوان، تساي إنغ وين، برئيس مجلس النواب الأمريكي، وحثت الولايات المتحدة على عدم السماح لها بالمرور عبر البلاد، قائلة إن ذلك سيكون "استفزازاً".
وقال المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان للصحفيين، تشو فنجليان، في تصريح صحفي "إذا اتصلت برئيس مجلس النواب الأمريكي مكارثي، فسيكون ذلك استفزازاً آخر ينتهك بشكل خطير مبدأ صين واحدة، ويضر بسيادة الصين وسلامة أراضيها، ويدمر السلام والاستقرار في مضيق تايوان".
وأضاف "نحن نعارض ذلك بشدة، وسنتخذ بالتأكيد إجراءات للرد بحزم".
رئيسة تايوان ترد على بكين
قبل وقت قصير من مغادرتها يوم الأربعاء، قالت تساي لوسائل الإعلام إن الضغط الخارجي لن يمنع تايوان من التواصل مع العالم.
وقالت: "تصميم تايوان على الذهاب إلى العالم سيصبح أقوى وأقوى". "نحن هادئون، واثقون، لا نتزعزع، وغير استفزازيين."
وفي حديثها في مطار تايوان، حيث انضم إليها سفيرا غواتيمالا وبليز، قالت تساي إن تايوان ستدافع عن قيم الحرية والديمقراطية.
وغرّد وزير الخارجية التايواني، جوزيف وو، ناشراً صورة من داخل الطائرة قبل الإقلاع، قائلاً "أنا متحمس لمرافقة تساي مرة أخرى في رحلة لزيارة حليفينا غواتيمالا وبليز. سمعت أن الجو دافئ جداً هناك.
قال مسؤول أمريكي إن لقاء مكارثي مع تساي لن يشير إلى أي تصعيد من الجانب الأمريكي.
وقال المسؤول إن "أعضاء الكونغرس اجتمعوا مع رئيس تايوان في كل عملية عبور تقريباً" من قبل القادة التايوانيين في الماضي.
ولكن ما لا يقوله المسؤولون الأمريكيون أنه في الزيارات السابقة كانت اللقاء مع أعضاء الكونغرس وليس مع رئيس مجلس النواب، كما أن زيارة بيلوسي المثيرة للجدل لتايوان العام الماضي، خلقت حساسية إضافية لأي لقاء بين رئيس تايواني ومسؤول أمريكي كبير.
هل سترد الصين بنفس طريقة المرة السابقة؟
عند تقييم كيفية الرد، ستجد الصين نفسها مضطرة للاختيار بين الدوافع المتنافسة. فمن ناحية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في تايوان التي هي بعد أقل من عام واحد، سترغب بكين في تصوير حزب تساي الديمقراطي التقدمي (DPP) على أنه غير مسؤول، وغير قادر على التعامل مع القضايا العابرة للمضيق.
يمكن لصناع السياسة في بكين أن يستنتجوا أن الرد القوي على اجتماع تساي مع مكارثي يمكن أن يساعد في إقناع الناخبين التايوانيين بعدم انتخاب مرشح آخر للحزب التقدمي الديمقراطي للرئاسة.
ويمكن للصين أيضاً أن تقرر أن هذه فرصة جيدة لمواصلة تغيير الوضع الراهن لصالحها من خلال تطبيع وتوسيع النشاط العسكري بالقرب من شواطئ تايوان، كما فعلت بعد زيارة بيلوسي.
ستشعر الصين أيضاً بأنها مضطرة لتأكيد أن توثيق العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان أمر غير مقبول، وسيأتي بتكلفة كبيرة.
قد تدفع حالة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أيضاً بكين إلى استنتاج أنه يجب عليها الرد بقوة، أو على الأقل أنه ليس لديها ما تخسره في القيام بذلك.
ولا يزال الصينيون غاضبين من قرار الولايات المتحدة بإسقاط بالون تجسس صيني، والإفصاح العلني الأخير عن أن الصين كانت تفكر في بيع أسلحة إلى روسيا، وجلسات الاستماع الجارية للجنة اختيار مجلس النواب بشأن الصين، وتجديد التركيز على أصول فيروس COVID-19، يمكن للصين أن تقرر استغلال هذه اللحظة لفرض التكاليف على الولايات المتحدة، رداً على التصعيد الأمريكي في المجالات السابقة.
من ناحية أخرى، فإن رداً صينياً شبيهاً بالرد الذي أعقب زيارة بيلوسي سوف يأتي بنتائج عكسية، حسب مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.
وبدلاً من حث القادة السياسيين الأمريكيين على استنتاج أنه ينبغي عليهم التراجع عن التفاعلات مع تايوان، من المرجح أن يؤدي الرد الصيني القوى إلى عكس ذلك.
ويقول تقرير الموقع إذا كانت الصين ستستجيب بنفس الطريقة رغم عدم عقد الاجتماع في تايوان، فقد يستنتج المرء، لماذا لا يسافر كبار المسؤولين والسياسيين الأمريكيين إلى تايبيه؟
إذا كانت التكلفة واحدة لأي مستوى من التفاعل بين الولايات المتحدة وتايوان، فسيختار السياسيون والمسؤولون الأمريكيون بذل المزيد، وليس أقل، مع تايوان.
ومن المرجح أيضاً أن يؤدي الرد الصيني القاسي إلى مزيد من نفور الشعب التايواني، ويمكن أن يجذب الدعم إلى الحزب الديمقراطي التقدمي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
بطبيعة الحال، لن يكون اجتماع تساي ومكارثي هو المحدد الوحيد لاستجابة الصين. إن محتويات خطاب تساي في مكتبة ريغان، وأقدمية مسؤولي إدارة بايدن الذين تلتقي بهم، وطبيعة أنشطتها العامة الأخرى، كلها أمور توضح كيف سيكون رد فعل الصين.
وسواء اختارت الصين رداً متوسطاً أو اختارت تدريبات عسكرية واسعة النطاق وعقوبات اقتصادية مماثلة لتلك التي فرضتها عقب زيارة بيلوسي، فإن ذلك سيكشف الكثير عن مستقبل العلاقات عبر المضيق.
إذا اختارت الصين الخيار الأول، فقد يكون هناك بعض الأساس للأمل في أن التوترات في مضيق تايوان لن تستمر في الارتفاع. ومع ذلك، إذا اختارت الصين الرد القوي أثناء العبور الروتيني، فسيكون ذلك مؤشراً مقلقاً.
كما أن الأمر متوقف على نتيجة الانتخابات القادمة، وهل ينظر الشعب التايواني لسلوكيات الحزب الحاكم على أنها مسؤولة عن استفزاز الصين، لأن حصول الحزب على تفويض انتخابي قوي من شأنه دفعه للمضي قدماً في هذا المسار.
ومن المرجح أن تسجل الصين استياءها من خلال فرض بعض العقوبات الاقتصادية الرمزية إلى حد كبير على تايوان، وإجراء توغلات كبيرة في منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، ومحاولة حث بعض شركاء تايوان الدبلوماسيين على تحويل الاعتراف إلى جمهورية الصين الشعبية.
بينما مناورات عسكرية مكثفة واختبارات صاروخية كبيرة، قد تكون مستبعدة.
ولكن مع اتهام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للولايات المتحدة بتنفيذ سياسة "احتواء وتطويق وقمع شامل للصين" وتحذير وزير الخارجية الصيني من أنه ما لم تغير الولايات المتحدة مسارها "سيكون هناك بالتأكيد صراع ومواجهة لا يمكن للمرء أن يستبعد احتمال أن تختار الصين رداً قوياً.
مثل هذا الرد سيكون بمثابة تحذير كبير بشأن المسار المستقبلي للعلاقات عبر المضيق والعلاقات بين الولايات المتحدة والصين.