كارثة ما زالت تهدد الاقتصاد الأمريكي جراء تداعيات أزمة بنك سيليكون فالي، رغم أن النظام المصرفي الأمريكي يبدو مستقراً في الوقت الحالي؛ عقب التدابير غير العادية التي اتخذتها الحكومة الأمريكية لتجنب كارثة كبرى بتأثيرٍ من انهيار هذا البنك.
على الرغم من ذلك، فإن اقتصاديين في المراكز المالية الأمريكية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي لديهم مخاوف متزايدة من تواصل تداعيات أزمة بنك سيليكون فالي في الأشهر المقبلة، لا سيما لجوء البنوك المحلية والبنوك المجتمعية إلى خفضِ نشاط الإقراض، حسبما ورد في تقرير لموقع Axios الأمريكي.
وترجع أهمية الأمر إلى واقع أن الاقتصاد الأمريكي يقوم على الائتمان والقروض، ومن ثم إذا تباطأ هذا النشاط أو توقف، فإن التداعيات المتوالية (تأثير الدومينو) لذلك ستمتد إلى التأثير في التوظيف والإنفاق ومختلف أوجه النشاط الاقتصادي، وخاصة إذا اضطرت البنوك -التي تعد أكثر الجهات نشاطاً في إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة- إلى تقليص الإنفاق.
وفقاً لـgobankingrates، فإنّ عمليات إفلاس البنوك تتزايد مع الأزمات المالية العالمية، خلال الخمسين سنة الماضية شهد الاقتصاد العالمي العديد من الهزات الكبيرة، التي تسببت في إفلاس مئات البنوك، لعلّ أبرز تلك الأزمات أزمة الركود العظيم، التي تسببت في إفلاس أكثر من 300 بنك في سنتين فقط.
البنوك تخشى تدافع المودعين على سحب أموالهم، وكانوا قد بدأوا يفعلون ذلك قبل الأزمة
كانت البنوك تضيِّق بالفعل على نشاط الإقراض قبل أن تحلَّ الاضطرابات المصرفية في الأسابيع الماضية، فقد أظهر بحث على نطاق ربع سنوي أجراه البنك الفيدرالي الأمريكي بين مسؤولي القروض أن 40% منهم أشاروا إلى اتخاذهم معايير أكثر صرامة في تقديم القروض إلى الشركات خلال الربع الأخير من العام الماضي. وإذا استثنينا المرحلة المبكرة من وباء كورونا، فإن هذه أعلى نسبة لتقييد القروض منذ عام 2009.
في السياق العام، تواجه البنوك خطر التفاقم في مشكلة ذات شقين، إحداهما تتعلق بالأصول والأخرى بالالتزامات، إذ يمكن أن تشدَّد البنوك من شروط الائتمان؛ لأن الناس قد يقبلون على سحب الودائع المصرفية (وهي الالتزامات أو المطلوبات التي يلتزم البنك تقديمها إلى المودعين)، وبالتالي تفضل البنوك الحفاظ على سيولة لديها عوضاً عن إقراضها، تحسباً لطلب المودعين لأموالهم من جهةٍ، وتزايد الخسائر لديها في القروض وسندات الضمان المالية (الأصول) من جهة أخرى.
يأتي ذلك في ظل انخفاض إجمالي الودائع المصرفية على مدار العام الماضي -من 18.1 تريليون دولار في أبريل/نيسان 2022 إلى 17.6 تريليون دولار الأسبوع الماضي- فقد أقبل الأمريكيون على تحويل أموالهم من الحسابات المصرفية التي تدفع فوائد قليلة إلى وسائل الادخار ذات العوائد المرتفعة، مثل سندات الخزانة الحكومية وصناديق الاستثمار في السوق.
ومن ثم إذا تسارعت وتيرة السحب من الحسابات المصرفية بسبب تزايد المخاوف على سلامة الودائع، فإن البنوك المتضررة ستضطر إلى تقليص الأصول في ميزانيتها العمومية، وأن تلجأ في الغالب إلى تقليل القروض الممنوحة.
الشركات الصغيرة سوف تدفع ثمن أزمة بنك سيليكون فالي
ومع أن التحول عن البنوك الصغيرة نحو البنوك الكبرى لن يغير الأرقام الإجمالية (لأنشطة الإقراض والإيداع)، فإنه سيقيِّد من توفُّر الائتمان (القروض اللازمة لتمويل النشاط الاقتصادي) لمختلف الشركات الصغيرة والمستثمرين العقاريين الذين يعتمدون على البنوك المجتمعية.
أوضحت كاثي بوستانسيك، كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة نيشن وايد، الأمر بالقول إن البنوك "ربما تقول في الغالب: (لا يمكننا تقديم المزيد من القروض)، لأنها تخشى ألا يكون لديها سيولة كافية لسداد الودائع إذا طلبت منها". وقد تخشى البنوك أيضاً تزايد التدقيق من المنظمين والمشرفين بعد الأزمة المصرفية، فتحترز من توسيع ميزانيتها العمومية.
يعني ذلك أن الشركات ستواجه صعوبة أكبر في الوصول إلى التمويل النقدي اللازم لتوظيف مزيدٍ من العمالة أو الإنفاق على معدات جديدة لتوسيع أعمالها. وربما يزداد الاقتراض صعوبة على المستهلكين أيضاً.
من جهة أخرى، فإن اتساع نطاق هذه الصعوبات قد يتبعه امتدادها إلى سوق العمل وتقييد طلب المستهلكين، ومن ثم الحد من زيادة الأسعار وتقليص التضخم.
كارثة قد تصيب الاقتصاد الأمريكي إذا انهار بنك آخر
الخلاصة أنه لا أحد يعرف على وجه التحديد حجم أزمة الائتمان التي تنتظرنا، وإلى أي مدى ستعوِّق النشاط الاقتصادي. ويقول الاقتصاديون في مؤسسة غولدمان ساكس، على سبيل المثال، إن تضييق الإقراض سيؤدي إلى تراجع النمو في الولايات المتحدة بمقدار 0.5% على مدار العام.
لكن بعض الاقتصاديين ينذرون بتراجع أكبر "لا سيما إذا وقع انهيار في بنوك ومؤسسات مصرفية أخرى، أو حدثت تغييرات تنظيمية كبرى، أو استمر خروج الودائع على نحو يزيد الحذر من الإقراض لدى المصارف".