كان العناق بين السياسي الإسرائيلي الأكثر تطرفاً إثارة للجدل إيتمار بن غفير وسفير الإمارات لدى إسرائيل في نهاية عام 2022، حدثاً استثنائياً لتل أبيب ومثيراً للغضب العربي، ولكن خلف الكواليس تبدو مسيرة التطبيع العربي معرضة لنكسات في ظل تقارير عن استياء أصدقاء تل أبيب العرب الجدد والقدامى على السواء من عدم قدرة نتنياهو على السيطرة على حكومته المتطرفة.
والآن، تفيد تقارير بوجود مناقشات بين دول عربية مطبّعة مع إسرائيل، خاصة الإمارات والأردن، لسحب جماعي لسفرائها في تل أبيب رداً على تصريحات وزير المالية الإسرائيلي التي تنكر وجود الشعب الفلسطيني وعرضه لخريطة تزعم أن المملكة الأردنية الهاشمية بمثابة جزء من إسرائيل، رغم صعوبة التكهن بمدى إقدام الدول العربية المطبعة على مثل هذه الخطوة.
الأردن يستدعي سفيره
وصوَّت مجلس النواب الأردني بالأغلبية على مقترح لطرد السفير الإسرائيلي من عمّان رداً على استخدام وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش خريطة لإسرائيل تضم المملكة والأراضي الفلسطينية، وإنكاره وجود شعب فلسطيني.
ورفع مجلس النواب الأردني، خلال الجلسة التي عقدت أمس الأربعاء، خارطة مماثلة للتي استخدمها وزير المالية الإسرائيلي وأثارت إدانة أردنية، لكنها تحمل علمي المملكة وفلسطين حسب ما نشرته صحيفة المملكة الأردنية.
كان سموتريتش صرح في باريس، الأحد الماضي، خلال إحياء ذكرى وفاة الناشط الفرنسي-الإسرائيلي المقرب من اليمين الإسرائيلي، جاك كوبفر، بأنه "لا يوجد فلسطينيون؛ لأنه لا يوجد شعب فلسطيني"، وفق ما جاء في مقطع مصوّر تمّ تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتابع: "هناك عرب حولهم لا يحبون ذلك… اخترعوا شعباً وهمياً ويدعون حقوقاً وهمية في أرض إسرائيل فقط لمحاربة الحركة الصهيونية"، حسب زعمه.
وخلال الفعالية ذاتها، استخدم سموتريتش خريطة لإسرائيل تضم حدود المملكة الأردنية الهاشمية والأراضي الفلسطينية، مما جعل عمّان تستدعي السفير الإسرائيلي لديها احتجاجاً على ذلك.
ووصفت وزارة الخارجية الأردنية، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية، سلوك سموتريتش بأنه "يمثل تصرفاً تحريضياً أرعن، وخرقاً للأعراف الدولية ومعاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية".
الأردن يسعى لخطوة جماعية لسحب السفراء العرب من المنطقة
وسبق أن قال مصدر في الديوان الملكي الأردني لوسائل الإعلام إن المملكة بصدد سحب سفيرها من تل أبيب، وتحاول التنسيق مع مصر والبحرين والإمارات والمغرب للقيام بخطوات مماثلة بشكل جماعي، للضغط على حكومة إسرائيل كي تتوقف عن المس بالفلسطينيين وعن ضرب الاستقرار بعرض الحائط في ظل تصريحات عنصرية يدلي بها وزراء أساسيون في حكومة نتنياهو.
فإساءة وزير المالية الإسرائيلي للأردن يتخطى الإساءة للثوابت العربية إلى المساس بمصالح الأنظمة العربية الذاتية، فالأردن ونظامها الملكي العريق مهمان في توازن القوى في المنطقة.
فالبلاد لديها واحدة من أعرق ملكيات المنطقة التي ترتبط تقليدياً بعلاقات قوية مع الغرب ودول الخليج، وكان ينظر لها على أنها ضرورية لما يوصف بمحور الاعتدال بالمنطقة في مواجهة القوى القومية الاشتراكية والحركات الإسلامية، وهي ركن أساسي في مجمل النظام الإقليمي الحالي.
من جانبه، أجرى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغفي محادثة مع وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، وأجرى مسؤولون أمنيون إسرائيليون خلال الأيام الأخيرة محادثات مع مسؤولين في الأردن في محاولة لتهدئة التوتر.
واضطرت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى إصدار بيان يؤكد أنها "تعترف بوحدة أراضي المملكة الهاشمية وتلتزم باتفاقية السلام مع الأردن لعام 1994".
وحدثت موجة إدانات عربية ودولية لتصريحات الوزير اليميني الذي يشغل أيضاً حقيبة الدفاع.
والثلاثاء، انتقدت السعودية تصريحات سموتريتش ووصفتها بأنها "مسيئة وعنصرية"، وأنها تشكل "خطاب كراهية عنيفاً" دون أن تسميه شخصياً.
كما أدانت مصر التصريحات الإسرائيلية بحق الأردن وفلسطين بشدة.
الإمارات الأكثر حماساً للتطبيع حاولت إقناع نتنياهو بعدم ضم الوزراء المتطرفين لحكومته
رغم تقارير عن انتقاد إماراتي لتحالف نتنياهو مع إيتمار بن غفير، وغيره من الوزراء المتطرفين، مضت مسيرة التطبيع قدماً حتى بعد أداء القسم من قِبَل حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وبدا أن نتنياهو الذي أطلق مسيرة التطبيع مع أبوظبي والمغرب والسودان سوف يستمتع بما يعتبره واحداً من أكبر إنجازاته، وبالفعل التقى سفير الإمارات لدى إسرائيل محمد الخاجة إيتمار بن غفير الرجل الذي يتجنب نتنياهو التقاط الصور معه، وكذلك حتى المسؤولين الأمريكيين، وظهر الرجلان يمسكان بأيدي بعضهما البعض في تحية حارة في تل أبيب في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2022.
ولكن تصعيد وزراء نتنياهو المتطرفين قدماً لحدة تصرفاتهم وتصريحاتهم شديدة التطرف يبدو أنه يغيّر بوصلة التطبيع حتى لدى أشد الدول العربية حماساً له، وهي الإمارات، والدول المضطرة له بحكم الجوار مثل الأردن ومصر.
فبعد تصريحات وزير ماليته المتطرف بتسلئيل سموتريتش، التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني وعرَّضه لخريطة تظهر الأردن كجزء من إسرائيل، ثم تلويح وزيرة الاستيطان بإعادة احتلال غزة، يبدو أن التطبيع الذي عدته إسرائيل جائزة كبرى مهدداً بالتوقف أو التباطؤ على الأقل.
فلقد ذكر موقع إيلاف السعودية المقرب للحكومة أن الإمارات تفكر في تخفيض تمثيلها في إسرائيل، وأن الأردن ومصر والمغرب تدرس إجراءات مماثلة.
الإمارات حذرت نتنياهو من ضم الوزراء المتطرفين لحكومته
حتى قبل الأزمات الأخيرة وقبل تشكيل نتنياهو لحكومته، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه من خلف الكواليس، أرسل الإماراتيون رسائل تعبّر عن القلق لنتنياهو بشأن إدراج متطرفين في حكومته، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وقبل الانتخابات الإسرائيلية التي جاءت بنتياهو وحلفائه المتطرفين، حذر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، نتنياهو من ضم بن غفير وسموتريتش إلى حكومته، حسبما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، نقلاً عن مسؤول كبير.
وحذر بن زايد من أن إدراج مثل هؤلاء المشرعين المتطرفين في حكومة نتنياهو يهدد بتقويض العلاقات مع الإمارات، بالإضافة إلى اتفاقات إبراهام على نطاق أوسع، حسبما قال المسؤول.
وقال المسؤول إن الرسالة تم تمريرها خلال اجتماع عُقد قبل بضعة أشهر عندما كان بن زايد يزور إسرائيل.
وشكلت هذه الخطوة الإماراتية حالة نادرة لإظهار أحد شركاء إسرائيل العرب تدخلاً في السياسات الداخلية لإسرائيل، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters
فتشكيل إسرائيل أكثر حكومة يمينية متشددة في تاريخها يضع حلفاءها العرب الجدد في موقف حرج يتمثل في الاضطرار إلى التعامل مع المشاعر الوطنية والقومية، في ظل تجاوزات وزراء نتنياهو التي تخطت القضية الفلسطينية إلى الإساءة للأردن، البلد الثاني في التطبيع مع إسرائيل ولديه علاقات أمنية واقتصادية قوية معها.
وفد إماراتي في إسرائيل لإدانة التصريحات بحق الأردن والشعب الفلسطيني
كانت الإمارات قد أدانت تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، تجاه الشعب الفلسطيني واستخدامه لخريطة دولة إسرائيل تضم حدود الأردن والأراضي الفلسطينية لإسرائيل، ووصفتها بـ"خطاب التحريض الذي يتعارض مع القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية".
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نقلاً عن مصدر دبلوماسي إماراتي لم تكشف عن هويته، قوله إن وفداً إماراتياً من المقرر أن يصل إلى إسرائيل لمقابلة رئيس البلاد، يتسحاق هرتسوغ، للتعبير عن الإدانة الرسمية لتصريحات وزير المالية "التحريضية" بحق الأردن والشعب الفلسطيني.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن الوفد الإماراتي سيكون برئاسة وزير الخارجية، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، دون أن تحدد موعداً محدداً لهذه الزيارة.
ولم يتضح ما إذا كان الوفد سيلتقي أيضاً برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أو وزير الخارجية، إيلي كوهين.
كان أحد تفسيرات دولة الإمارات لحماسها ودورها الأساسي في اتفاقات إبراهام بأنها سوف تساهم في تخفيف التوتر الفلسطيني- الإسرائيلي، وستكون حافزاً لإسرائيل على تقليل تعدياتها على الأراضي والمقدسات الفلسطينية.
ولكن حكومة نتنياهو تفعل العكس تماماً، وتجاوزت الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني لتصل للإساءة لدولة عربية مهمة للغرب ولدول الخليج ومصر وتهديد سيادتها.
تقارير عن تفكير الإمارات بخفض تمثيلها بإسرائيل.. وسفيرها يتجنب اللقاءات
وكان لافتاً في التقرير الذي نشره موقع "إيلاف" السعودي بأن دولة الإمارات العربية المتحدة تدرس خفض مستوى تمثيلها الدبلوماسي في إسرائيل، وتوعز لسفيرها في تل أبيب أحمد الخاجة بعدم لقاء أي مسؤول إسرائيلي أو عضو في الكنيست أو وزير في هذه المرحلة، وعدم المشاركة في الاحتفالات الرسمية والمراسم التي يحضرها الوزراء والسياسيون الإسرائيليون في الحكومة.
وحسب إيلاف، فإن هذه الخطوة جاءت بعد تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بإنكار وجود الشعب الفلسطيني، وهو الوزير نفسه الذي قد دعا الحكومة إلى محو بلدة حوارة الفلسطينية من الوجود في أعقاب عملية قُتل فيها مستوطنان، ثم اعتذر بعدها.
وترفض دعوة نتنياهو لزيارة أبوظبي
وقال مصدر إسرائيلي رفيع إن الإمارات ترفض دعوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لزيارة أبوظبي، بعد إلغاء الزيارة السابقة على خلفية اقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المتطرف للحرم القدسي.
وأشارت مصادر إماراتية إلى أن الإمارات تستغرب سكوت نتنياهو على هذه الأعمال والتصريحات التي تمس استقرار المنطقة وتشعل الأحقاد ولا تخدم سوى المتطرفين.
وتنفي إسرائيل التقارير بأن أبوظبي قلصت اتفاق التطبيع مع إسرائيل من خلال إصدار تعليمات لسفيرها في القدس بعدم مقابلة أي مسؤول أو نائب أو وزير إسرائيلي، وكذلك التغيب عن الأحداث الرسمية، حسبما ورد في تقرير لموقع Israel Hayom الإسرائيلي (إسرائيل اليوم).
وأدى اقتحام بن غير للأقصى قبل فترة إلى تأخير خطة نتنياهو لزيارة أبوظبي وسط انتقادات إماراتية للاقتحام، ووفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية.
كما طلبت الإمارات من السفارة الأمريكية في أبوظبي تأجيل حدث للصحفيين من دول اتفاقية إبراهام، وفقاً لما نقلته صحيفة the Times of Israel الإسرائيلية عن مسؤولين أمريكيين وإماراتيين.
كانت الإمارات واحدة من أربع دول عربية قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 كجزء من اتفاقيات إبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة، وكانت أبوظبي الأكثر حماساً للتطبيع؛ بل يعتقد أنها ساهمت في تشجيع دول مثل السودان والمغرب على التطبيع بشكل كبير.
بعض الفعاليات التطبيعية منخفضة المستوى ما زالت مستمرة
بالطبع لم يمنع هذا وجود فعاليات تطبيعية أقل مستوى، حيث يجتمع خبراء ومسؤولون تنفيذيون من القطاع الخاص من إسرائيل والضفة الغربية وما يقرب من اثنتي عشرة دولة إسلامية في أبوظبي في تجمع يعرف باسم "N7 " لمناقشة المشاريع المشتركة في مجال الأمن الغذائي والمائي، حسب تقرير لصحيفة the Times of Israel الإسرائيلية.
ودعا منظمو N7 مسؤولين حكوميين من الدول العربية المشاركة للمشاركة في مؤتمرها مؤخراً لكنهم لم يتلقوا ردوداً إيجابية.
وتكهن مدير N7 دان شابيرو الذي شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل بأن مبادرته قادرة على المضي قدماً بمباركة الإمارات، على الرغم من "الحذر الذي ينتاب الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل.
ولكن بسبب الطبيعة غير السياسية للموضوع، إلى جانب حقيقة أن المشاركين كانوا إلى حد كبير من المنظمات غير الحكومية، فإن الفعالية مضت قدماً.
وأوضح شابيرو، الذي شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل: "ربما لا تكون البيئة الحالية بيئة تتوقع فيها انضمام دول جديدة مثل المملكة العربية السعودية إلى [اتفاقات إبراهيم]، بالنظر إلى ما يحدث في إسرائيل وبين إسرائيل والفلسطينيين".
لكن أي ضرر للعلاقات كان طفيفاً، حسب الموقع الإسرائيلي.
الأهم.. مخاوف من تضرر التعاون الأمني مع مصر والأردن
عبّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون عن مخاوفهم من إلحاق الضرر بالعلاقات الأمنية بين إسرائيل، مصر والأردن في أعقاب التصريحات الأخيرة لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
وبحسب هيئة البث الرسمية الإسرائيلية "كان"، جاءت هذه المخاوف بسبب تصريحات سموتريش.
مخاوف إسرائيل من أن تؤثر تصريحات سموتريتش على التعاون الأمني بين إسرائيل والأردن ومصر، تأتي في فترة حساسة تتزامن مع شهر رمضان، حيث يوجد دور هام لمصر بكل ما يتعلق مع قطاع غزة، وخاصة دورها كوسيط بين إسرائيل وحماس، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتد برس "AP" الأمريكية.
أيضاً العلاقات الأمنية بين إسرائيل والأردن لها أهمية كبيرة، ومسؤولون أمنيون إسرائيليون متخوفون من أن هذه التصريحات من الوزير سموتريش، العضو في المجلس الأمني المصغر، ستمس بالتفاهمات التي تم التوصل إليها في قمتَي شرم الشيخ والعقبة، استعداداً لهذه الفترة الحساسة.
كما تعرضت الحكومة المغربية لانتقادات من المعارضة لمضيها قدماً في التطبيع، وجاءت الانتقادات من قِبل حزب العدالة والتنمية الحاكم السابق ذي التوجهات الإسلامية وسط مؤشرات على أن الرباط أبطأت وتيرة التطبيع.
والنتيجة أنه في غضون ثلاثة أشهر فقط، تمكنت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتشددة الجديدة من إضعاف العلاقات التي ساعد نتنياهو بدور رئيسي في إطلاقها بتوقيع اتفاقات إبراهيم.