أثار انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي وإنقاذ البنك الوطني السويسري لبنك كريدي سويس تساؤلات حول سلامة البنوك في العالم، ومصير أموال المودعين في البنوك المنهارة..
وانخفض سعر أسهم البنوك في جميع أنحاء العالم مع تخوف المستثمرين من عواقب أزمة أخرى مماثلة لأزمة الائتمان والقروض في عام 2008. ويُنتظَر أن ترتفع أسعار الفائدة بأقل من التوقعات السابقة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
أسباب انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي
تأسس البنك في عام 1983 وصار البنك المفضل لدى الشركات في مركز التكنولوجيا بأمريكا. وقدّم خدمات مصرفية لما يقرب من نصف جميع شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة المدعومة برأس مال مُخاطر في الولايات المتحدة.
وارتفعت شعبية البنك خلال وباء "كوفيد-19" مع ازدهار الشركات التكنولوجية الناشئة، لكن عندما تغيرت الظروف واحتاجت تلك الشركات إلى المال، بدأت في سحب أموالها.
ولدفع أموال العملاء، اضطر البنك للبيع بخسارة استثماراته مع ودائع عملائه، وبدأ يكافح من أجل جمع أموال كافية.
وفي الأسبوع الماضي، سحب عملاؤه 42 مليار دولار وتسببوا في هلع مصرفي، مما دفع البنك للإفلاس في 10 مارس/آذار.
ووعد المنظمون الأمريكيون بتغطية جميع الودائع في البنك، واشترى بنك HSBC ذراع البنك الأمريكية في المملكة المتحدة، الذي يوفر التسهيلات المصرفية لنحو 3300 شركة تكنولوجيا بريطانية، مقابل 1 جنيه إسترليني.
ما هي طبيعة مشكلة بنك كريدي سويس السويسري؟
بعد انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي، أزعج بنك كريدي سويس المستثمرين، يوم الأربعاء 15 مارس/آذار، بقوله إنه وجد "نقاط ضعف مادية" في عمليات إعداد التقارير المالية لعامي 2021 و2022. وانخفض سعر سهم البنك بنسبة 30% قبل تعليقه، بعدما قال أكبر مساهميه، البنك الوطني السعودي، إنه لن يوفر المزيد من المال.
وقال البنك الوطني السويسري، يوم الخميس 16 مارس/آذار، إنه سيقدم 50 مليار فرنك سويسري (54 مليار دولار أمريكي تقريباً) إذا احتاج كريدي سويس إلى ذلك. ويعتقد مجلس الاستقرار المالي أنه إذا انهار بنك كريدي سويس فستكون هناك أزمة مالية؛ لذلك خففت حزمة الإنقاذ من بعض المخاوف.
كان بنك كريدي سويس في قلب عدد من الفضائح في السنوات الأخيرة، بما في ذلك فشل اثنين من عملائه، شركة الخدمات المالية Greensill Capital وشركة إدارة الأصول Archegos Capital Management.
ما هي البنوك الأخرى المعرضة للخطر؟
أخفق بنكان أمريكيان آخران هذا الأسبوع: Silvergate Capital في كاليفورنيا، وبنك Signature Bank بنيويورك. وكلاهما قدم خدمات للشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة.
انخفض سعر سهم البنوك البريطانية بنحو 7.5% هذا الأسبوع؛ مما يشير إلى قلق المستثمرين. وانخفضت أسهم بنكي Barclays وNatWest البريطانيين بنحو 10% لكل منهما. وفي الولايات المتحدة، شهدت البنوك انخفاضاً في أسعار الأسهم بنحو 5.3%.
هل تكرر أزمة 2008؟
رغم المخاوف من تبعات انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي، فإن النبأ السار هو أنَّ البنوك عامةً في حالة أفضل مما كانت عليه في عام 2008. وذلك لأنَّ اللوائح أجبرت كبار البنوك على تقوية ميزانياتها العمومية بعد الأزمة المالية العالمية.
ووصلت نسب رأس المال من المستوى الأول للبنوك العالمية، وهي المقياس الأكثر استخداماً لتحديد قوة الميزانية العمومية، لأعلى من أي وقت مضى، وفقاً لما ذكرته شركة الاستشارات McKinsey. إذ تتراوح بين 14% و15%، مقارنة بـ9.8% في عام 2007.
وشُدِّدَت معايير الإقراض في محاولة للحد من تعرض البنوك للقروض المعدومة.
قال بنك إنجلترا، يوم الإثنين 13 مارس/آذار، إنه لم تتأثر أية بنوك بريطانية أخرى "تأثراً مباشراً" بفشل وإنقاذ بنك سيليكون فالي. وأضاف: "لا يزال النظام المصرفي البريطاني الأوسع آمناً وسليماً وذا رأس مال جيد".
هل أموال المودعين آمنة؟
معظم الودائع الصغيرة في المصارف في أغلب دول العالم تكون مضمونة من قبل الدولة أو البنك المركزي.
بالنسبة لبريطانيا على سبيل المثال تنصح The Times البريطانية، المواطنين البريطانيين بأن يتأكدوا من أن البنوك التي يودعون أموالهم بها مشمولة بنظام تعويض الخدمات المالية، الذي أُنشئ لضمان أنَّ المدخرات آمنة في حالة تعرض البنك للإفلاس.
وينطبق نظام تعويض الخدمات المالية فقط على المؤسسات التي تنظم شؤونها هيئة السلوك المالي. ويضمن البرنامج ما يصل إلى 85000 جنيه إسترليني لكل مودع في كل مؤسسة، وليس لكل بنك. والمؤسسة مهمة هنا؛ لأنها تشير إلى الشركات وليس كل بنك منفرداً.
على سبيل المثال، شركة Halifax للخدمات المصرفية وبنك اسكتلندا بنكان منفصلان، لكن نظراً لأنَّ كليهما مملوك لمجموعة Lloyds المصرفية، فإنهما يشتركان في ترخيص مصرفي. وهذا يعني أنه إذا كان لديك 85000 جنيه إسترليني (أكثر من 103 آلاف دولار أمريكي) مع كل من Halifax و Bank of Scotland، فإنَّ نصف أموالك فقط هي المشمولة بالحماية.
لذا إذا كان لديك أكثر من 85000 جنيه إسترليني، فتأكد من توزيع أموالك على عدد مناسب من البنوك المملوكة لشركات مختلفة لضمان تغطيتها بالكامل. وبهذه الطريقة، إذا فشل أي من البنوك التي تتعامل معها، فسيحاول نظام تعويض الخدمات المالية إعادة جميع الأموال التي كنت ستخسرها إليك في غضون 7 أيام.
ومن الأمثلة على الودائع التي يغطيها نظام التعويض في بريطانيا: الحسابات الجارية، وحسابات التوفير، وحسابات التوفير ذات الفائدة التي لا تخضع لضرائب الدخل، والنقد في صناديق المعاشات التقاعدية الشخصية ذاتية الاستثمار. لكن لا يغطي النظام خسائر الاستثمار والنقد المحتفظ به في حساب Paypal أو على بطاقة مدفوعة مسبقاً.
ماذا يعني انهيار البنك بالنسبة لأسعار الفائدة؟
زادت أسعار الفائدة 10 مرات منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، في ارتفاع من 0.1% إلى 4%. وتعتقد الأسواق المالية أنَّ المعدلات ستبلغ ذروتها عند 4.25%، مما يشير إلى احتمال بإعلان زيادة واحد فقط.
وتشير الأسواق المالية إلى وجود فرصة بنسبة 50% لإعلان الزيادة الأسبوع المقبل.
ولم تثنِ الاضطرابات في القطاع المصرفي العالمي البنك المركزي الأوروبي عن رفع أسعار الفائدة بقيمة 0.5% يوم الخميس 16 مارس/آذار.
وقالت سوزانا ستريتر، من شركة Hargreaves Lansdown للخدمات المالية: "لا يزال التضخم الحاد يمثل تهديداً كبيراً للاستقرار المالي؛ ولهذا السبب، في الوقت الحالي، يلتزم البنك المركزي الأوروبي بالخطة القائمة برفع الفائدة".
قال ليث خلف، سمسار بورصة في شركة الاستثمار والبورصة AJ Bell، إنَّ المستثمرين قلقون من أن تؤدي معدلات الفائدة المرتفعة إلى انهيار شيء ما في الاقتصاد. ويعتقد مكتب مسؤولية الميزانية أنَّ التضخم سينخفض إلى 2.9% بحلول نهاية العام، من 10.1% في يناير/كانون الثاني. وأدى هذان العاملان إلى انخفاض التوقعات حول رفع أسعار الفائدة في المملكة المتحدة.
ماذا سيحدث لبنك سيليكون فالي في بريطانيا بعد أن اشتراه HSBC؟
أفادت التقارير بأنَّ البنوك البريطانية الأخرى شهدت زيادة في الاستفسارات من الشركات التي ترغب في تحويل أموالها من بنك سيليكون فالي في المملكة المتحدة إلى بنوك أخرى.
قد يجلب شراء بنك HSBC لفرع بنك سيليكون فالي في بريطانيا بعض راحة البال للعملاء؛ لأنَّ HSBC هو أحد أكبر البنوك في العالم. ونشر إيان ستيوارت، الرئيس التنفيذي في المملكة المتحدة، مذكرة أُرسِلَت إلى موظفي بنك سيليكون فالي على منصة LinkedIn، تخبرهم أن "يطمئنوا [عملاءهم] بأنَّ ودائعهم آمنة وقروضهم مدعومة بقوة وأمان HSBC".
وكتب ستيوارت: "دليلاً على ثقتنا والتزامنا، وضعنا ما يقرب من مليوني جنيه إسترليني من السيولة في بنك سيليكون فالي بريطانيا، ونحن على استعداد لضخ المزيد من والسيولة والنقد حسب الحاجة"