تأثير الانفراجة بين السعودية وإيران على اليمن قد يكون كبيراً، فربما تُسرِّع من سير محادثات السلام بين الرياض وجماعة الحوثي لإنهاء الحرب، لكن هناك مجموعات في البلاد قد تحاول عرقلتها للحصول على مكاسب، كما أن الحكومات الغربية، وحكومات إقليمية أخرى، قد لا تكون سعيدة باستبعادها من حل إيراني سعودي محتمل للأزمة اليمنية.
فقد يحدث تغير جذري في اليمن بسبب الاتفاقية المفاجئة بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، التي أعلنت عنها الصين يوم الجمعة 10 مارس/آذار، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.
ويأتي ذلك فيما تقترب الذكرى السنوية الثامنة لإنطلاق حرب اليمن التي بدأت باقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء وطرد الحكومة المؤقتة آنذاك بالمخالفة للاتفاقات بين الجانبين، ثم أعقب ذلك التدخل العسكري السعودي في البلاد في 25 مارس/آذار.
وتعقد السعودية محادثات سرية مباشرة في سلطنة عمان مع جماعة الحوثي منذ أكتوبر/تشرين الأول، وقد يكون للاتفاق الإيراني السعودي تأثيرات إيجابية على هذه المفاوضات.
لكن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعد المجموعة الانفصالية الرئيسية في اليمن، قال إنه لن يشعر بأنه ملتزم بأية اتفاقية إذا تطرقت إلى قضايا الإدارة أو الأمن أو توزيع الموارد في جنوب البلاد.
وقال المجلس إنه ليس لديه "أدنى فكرة ولا إحاطة" حول المحادثات التي تستهدف إنهاء الحرب المستمرة لما يقرب من عقدٍ من الزمن، مشيراً إلى أن اليمن قد يُفرض عليه حكم الأمر الواقع. قال الممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي للشؤون الخارجية، عمرو البيض: "سمعنا أن هناك اتفاقاً قادماً، ولكننا لا نسمع عنه من أية قناة رسمية".
وحدة اليمن قد تكون نقطة التوافق الرئيسية بين الحكومة الشرعية والحوثيين
وقد تكون إحدى المفارقات القليلة في الأزمة اليمنية أن الشيء الوحيد الذي يكاد تتفق عليه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً المدعومة من السعودية، والحوثيون المدعومون من إيران هو وحدة اليمن والقلق من أجندة المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالية.
وتدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، بينما تدعم السعودية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وجميع الأطراف معادية للحوثيين المتحالفين مع إيران، لكن الضغينة داخل التحالف العربي تزداد تدريجياً منذ بضع سنوات، حسب وصف تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
فلَطالما اشتبك المجلس الانتقالي الجنوبي -المؤيد لفصل جنوب اليمن عن شماله- مع الحكومة اليمنية.
ولعبت القوات الإماراتية دوراً كبيراً في طرد الحوثيين من عدن عام 2015، لتصبح عاصمة مؤقتة للبلاد، وهو أهم انتصار للتحالف العربي في الحرب، ومنذ ذلك الوقت أسست أبوظبي موطأ نفوذ قوياً لها في الجنوب، عبر الوجود المباشر والتحالف مع الانفصاليين الجنوبيين بشكل أساسي، إضافة لبعض بقايا الجيش اليمني، وبعض المجموعات السلفية، بينما ناصبت الحكومة المعترف بها دولياً، وأنصار حزب الإصلاح الإسلامي، العداء.
وفي يوليو/تموز 2019، أعلنت الإمارات، انسحابها رسمياً من اليمن، وكان واضحاً أن ذلك تم نتيجة ضغوط غربية، ورغبتها في عدم الدخول في مواجهة مع الحوثيين الذي سبق أن قصفوا أراضيها، وبصفة عامة مال الانفصاليون الجنوبيون الموالون لها، لتخفيف مواجهاتهم مع الحوثيين، بينما تزايدت مواجهاتهم مع الحكومة الشرعية.
طبيعة العلاقة بين الانفصاليين الجنوبيين وبين الحوثيين
وخلال السنوات الماضية، تقلبت مواقف القوى العسكرية الموالية للإمارات في اليمن بين مهادنة الحوثيين بطريقة تلحق الضرر أحياناً بالحكومة المعترف بها دولياً، إلى محاربتهم أحياناً.
ولكن في حالات حدوث تدخل فاعل للقوات اليمنية للإمارات في اليمن ضد الحوثيين، أدى ذلك في بعض الأحيان إلى انتقام حوثي من الإمارات مباشرة عبر قصفها بالصواريخ والطائرات المسيرة، مثلما حدث عندما أدّت انتصارات ألوية العمالقة التابعة لأبوظبي في شبوة في يناير/كانون الأول 2022 إلى "قصف" الحوثيين مطار أبوظبي.
ومثلما ظل التوتر الإماراتي الإيراني دوماً أقل من التوتر الإيراني السعودي، ظل العداء بين الحوثيين والانفصاليين الجنوبيين أقل كثيراً من العداء بين الحكومة الشرعية وبين الحوثيين، وظل هناك احتمال أن يحدث اتفاق ما بين الانفصاليين الذي سبق أن أعلنوا الحكم الذاتي في الجنوب، وبين الحوثيين.
ولكن تغير المشهد السياسي في اليمن بسبب الاتفاقية المفاجئة بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، التي أعلنت عنها الصين يوم الجمعة 10 مارس/آذار.
وفي ظل أن الحرب في اليمن تمثل مأزقاً للرياض، ترجح صحيفة The Guardian البريطانية أن تكون السعودية توصلت إلى اتفاق مع إيران حول عودة العلاقات دون وجود بعض التفاهمات حول إنهاء إمداد إيران جماعة الحوثي بالأسلحة، لا سيما نظراً إلى احتواء الاتفاقية على شرط واضح يقضي بتعهد الطرفين بعدم تدخل أحدهما في شؤون الآخر.
صحيحٌ أن ذلك التعهد لن يمثل وضع حد لقدرة الحوثيين على القتال لأنهم يملكون مخزوناً تسليحياً جيداً، ولكن إذا أوقفت إيران حقاً إمداداتها، فثمة احتمالية أكبر للتفاوض على إنهاء الحرب. تبدو المملكة حريصة على تخليص أقدامها من وحل الحرب ما دامت حدودها محمية. فقد انهارت اتفاقية لوقف الأعمال العدائية لمدة 6 أشهر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال المجلس الانتقالي الجنوبي إنه ليس لديه اعتراض على المحادثات السرية بين السعودية والحوثيين، إذا كانت مقصورة على تدابير بناء الثقة أو أمن الحدود بين أجزاء اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون وبين السعودية، لكن البيض قال إنه يخشى أن تتطرق المحادثات لما وصفه بـ"جوانب أعمق".
وتسببت جهود الحوثيين لعرقلة صناعة النفط في السعودية باستخدام الطائرات المسيرة، في إزعاج الرياض، حتى في ظل الأهمية البالغة لهذه الصناعة للمملكة. فقد أفادت شركة أرامكو السعودية بتحقيق أرباح بلغت 161 مليار دولار في عام 2022 يوم الأحد 12 مارس/آذار، بزيادة قدرها 48% عن العام الماضي.
يبدو أن الحوثيين يريدون تكرار نموذج حزب الله القديم
في هذه المحادثات بين الحوثيين والرياض، تريد جماعة الحوثي إنهاء القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة، بالإضافة إلى دفع السعودية جميع الرواتب الحكومية، بما في ذلك رواتب خدمات الجيش والأمن، مقابل مد أمد الهدنة. كذلك تريد جماعة الحوثي من الرياض الانسحاب من الحرب، والتوقف عن دعم حكومة اليمن المعترف بها دولياً في عدن، ودفع الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.
وقد تذكّر هذه الشروط بالنموذج الذي كان سائداً في لبنان قبل سنوات، حينما كان الحكم في البلاد هو شراكة مضطربة بين حلفاء السعودية من ناحية وحلفاء إيران ونظام الأسد من ناحية أخرى، شراكة تتيح السيطرة الأمنية لحزب الله وغيره من حلفاء دمشق وطهران على النواحي الأمنية، وتعطي حرية العمل العسكري كاملة لميليشيات حزب الله مع قيادة حلفاء الرياض للاقتصاد، كل ذلك في ظل تمويل سعودي خليجي، وبصورة أقل: غربي، لاقتصاد لبنان.
وعندما توقفت هذه المعادلة مع استمرار توسع نفوذ حزب الله بشكل أغضب الرياض وواشنطن، توقف الدعم الخليجي للبنان، ويعتقد أن هذا من أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية.
هل ينعكس غضب الغرب من الوساطة الصين بين السعودية وإيران على التسوية باليمن؟
ومع أن احتمال التوصل لتسوية للأزمة اليمنية التي سببت أكبر كارثة إنسانية في العالم يمثل خبراً إيجابياً، بشكل كبير، إلا أنه من الواضح أن هناك جهات محلية يمنية وإقليمية تبدو غاضبة من استبعادها، بل يلوّح بعضها بإفساد الأمر.
فلقد انضم مركز صنعاء، الذي تصفه صحيفة The Guardian بأنه أبرز المؤسسات الفكرية في اليمن، إلى المجلس الانتقالي الجنوبي في التحذير من مخاطر عقد محادثات بين السعودية والحوثيين حصرياً في مقالة افتتاحية نُشرت مطلع الأسبوع.
وقال المركز إنه "عندما ينفردون بإرادتهم، فثمة احتمالية كبيرة بأن الحوثيين والسعوديين سوف يعقدون اتفاقاً يلائم مصالحهم وحدهم، لا مصالح اليمن ومواطنيه. بدلاً من السلام، قد تكون النتيجة إضفاء طابع مؤسسي على قوام سياسي غير مستقر، ما سوف يستدعي في نهاية المطاف مزيداً من العنف".
وفي موقف حاد للغاية، قال المركز إن الشكل الحالي "ينزع صراحة شرعية الحكومة المعترف بها دولياً. صحيحٌ أنها بالكاد جهة تمثيلية، لكن مزيداً من إضعاف الائتلاف المحلي الهش هو دعوة إلى مزيد من التفكك والكوارث".
كما لا يمكن استبعاد أن هناك غضباً أو قلقاً غربياً، من مقاربة المصالحة الإيرانية السعودية برمتها التي تمت بعيداً عن الغرب، بل في وقت يصعد فيه ضد ملف إيران النووي، كما أن الأسوأ بالنسبة للغرب أن الاتفاق السعودي الإيراني تم بوساطة صينية.
لذلك بدأ الإعلام الغربي يركّز على الغائبين عن الحوار عن اليمن، متجاهلاً حقيقة أن هذه فرصة نادرة لمحاولة حل واحد من أعقد الصراعات في العالم وأطولها أمداً وأكبرها ضرراً على الأمن العالمي والأرواح البشرية.
فصحيفة The Guardian البريطانية، ركزت على تقرير لمنظمة أوكسفام الإنسانية يسلط الضوء على ما تصفه بـ"استبعاد النساء بصورة منهجية من عملية المفاوضات"، متجاهلة التركيبة المعقدة للمجتمع اليمني والطابع الميليشياتي للحوثيين.
وأشارت إلى أن النساء "يتمتعن بالقليل من التمثيل، أو لا يتمتعن بأي تمثيل، في مفاوضات السلام الرسمية بين أطراف الصراع خلال السنوات الثمانية الماضية".
وقال إنه في مؤتمر حوار وطني برعاية أممية في 2013، شكلت النساء أقل من 30% من ممثلي اللجنة المنظمة. كذلك لا يضم نواب اليمن البالغ عددهم 301 نائب إلا امرأة واحدة، وتوجد وزيرتان فقط ضمن 38 وزيراً.
ولا توجد امرأة ضمن فريق المفاوضات الخاص بمجلس القيادة الرئاسي ولا الحوثيين، ما يضاعف من شح المعلومات التي تُمرر إلى مجموعات النساء حول ما يحدث.
وفي تصريح غريب على ناشطة نسوية، قالت الصحفية وداد البدوي، عضو التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام: "هل يجب علينا أن نحمل السلاح وأن نشارك في الحرب كي نؤخذ على محمل الجد عن طريق الأمم المتحدة والأطراف المتحاربة، ونُمنح مقعداً على الطاولة؟".