أحد أهم الأسباب التي ساقتها إسرائيل لتبرير تطبيع علاقاتها مع دول عربية هي الشراكة لمواجهة مخاوف النفوذ الإيراني، لكن يبدو أن عودة علاقات الرياض وطهران تنسف هذه المعادلة.
والجمعة 10 مارس/آذار 2023، أعلنت السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في بكين، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.
وليس من الواضح ما إذا كانت تل أبيب على علم مسبق بالاتفاق بين السعودية وإيران، لكن رد الفعل الأولي داخل إسرائيل كان تبادل الاتهامات بين الحكومتين السابقة والحالية، بشأن المسؤولية عن هذا التطور.
وتثير عودة العلاقات بين الرياض وطهران العديد من التساؤلات، لا سيما عن أسباب صمت إسرائيل على المفاوضات طوال الفترة الماضية رغم رفضها عودتها، وتأثيرها على عملية التطبيع مع السعودية وغيرها من الدول.
أين كانت الحكومة الإسرائيلية؟
في الوقت الذي استمرت فيه المفاوضات والتصريحات بين السعودية وإيران طوال عام، كانت الخلافات الداخلية تعصف بإسرائيل لتنتهي بتشكيل حكومة منحها الكنيست (البرلمان) الثقة، في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وقطعت السعودية، علاقاتها مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016، إثر اعتداءات على سفارتها بطهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)؛ احتجاجاً على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهم تتعلق بـ"الإرهاب".
وبدأت المفاوضات الأخيرة بين السعودية وإيران، في 23 فبراير/شباط 2022، حين أعربت طهران عن رغبتها في عودة العلاقات مع الرياض، كونها "تصب في مصلحة البلدين"، وفق متحدث وزارة خارجيتها ناصر كنعاني.
وعقب ذلك بأقل من شهر، وتحديداً في 8 مارس/آذار 2022، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في تصريحات لقناة العربية السعودية، "انفتاح المملكة على الحوار مع إيران".
وفي 6 مارس/آذار الجاري، استضافت بكين مباحثات سعودية إيرانية، لتعلن الدول الثلاث في 10 من الشهر نفسه، عودة العلاقات بينهما والتمهيد لفتح سفارتيهما المغلقتين.
وعقب إعلان الاتفاق، سارعت دول غربية وعربية لتأييده، بينها أمريكا وإسبانيا وتركيا وباكستان وقطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين ومصر والأردن والعراق والجزائر ولبنان والسودان وفلسطين، إضافة إلى الأمم المتحدة.
وسبق أن أعادت الكويت والإمارات سفيريهما إلى إيران، في 2022، بعد سنوات من اتخاذ المنامة قراراً بسحبه وأبوظبي بتخفيض التمثيل لقائم بالأعمال، غداة الموقف السعودي عام 2016.
وجاء إعلان السعودية وإيران في وقت كان يحاول فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبديد قلق داخلي ودولي من حكومته الأكثر يمينية في إسرائيل، بالتبشير باتفاق تطبيع وشيك وإن كان تدريجياً مع السعودية.
ولطالما روجت إسرائيل أن تطبيعها العلاقات مع السعودية سيمثل انطلاقة نوعية نحو اتفاقات مماثلة مع العديد من الدول العربية والإسلامية نظراً لمكانة المملكة العربية السعودية في العالمين العربي والإسلامي.
ما موقف حكومة نتنياهو؟
بمجرد الإعلان عن الاتفاق، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي كان موجوداً مساء الجمعة، في زيارة رسمية إلى إيطاليا، بتوجيه اللوم إلى الحكومة السابقة برئاسة نفتالي بينيت ويائير لابيد.
ووجه مسؤول إسرائيلي كبير مرافق لنتنياهو، في حديث مع صحفيين إسرائيليين في روما، الاتهام للحكومة السابقة بالمسؤولية "لعدم اتخاذ موقف حازم بما فيه الكفاية عندما بدأت المحادثات بين السعودية وإيران قبل عام".
ونقلت وسائل إعلام عبرية، بينها موقع قناة "i24″، عن المسؤول الإسرائيلي الذي لم تكشف عن اسمه، قوله: "اذهب واسألهم لماذا حدث هذا في مرصدهم؟، حدث ذلك بسبب الانطباع بأن إسرائيل والولايات المتحدة كانتا ضعيفتين".
وتابع: "يجب على الذين يتهموننا أن يسألوا أنفسهم كيف حدث هذا وهم في مرصدهم، وكيف تقدمت الأمور حتى الآن في مرصدهم. الضعف الغربي والإسرائيلي يؤدي إلى زيادة الاعتراف بإيران".
وأشار إلى أنه "بدأ كل شيء قبل عام بخمس جولات من المفاوضات، بما في ذلك تبادل للزيارات بين الدبلوماسيين الإيرانيين والسعوديين. وكان دافعهم الشعور بأن الغرب قد يلين مع إيران".
وذكر أن بدء المفاوضات، جاء "بعد القصف الذي تعرضت له منشآت أرامكو في السعودية (14 سبتمبر/أيلول 2019) وأيضاً على الإمارات (2019/2022)، والموقف الإسرائيلي لم يكن حازماً كما كان ينبغي أن يكون في ذلك الوقت".
ومع ذلك، أشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن نتنياهو لم يتخلّ عن أمله بإقامة علاقات مع الرياض، فقال: "كلما مارست إسرائيل وأمريكا ضغوطاً على إيران، فسر السعوديون ذلك على أنه علامة على مراهنتهم على الحصان الخطأ".
ما موقف المعارضة؟
رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، كان أول من تحدث عقب الاتفاق السعودي الإيراني، فقال: "تجديد العلاقات بين السعودية وإيران تطور خطير لإسرائيل وانتصار سياسي لإيران".
وأضاف بينيت، عبر تويتر: "هذه ضربة قاتلة لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران، هذا فشل ذريع لحكومة نتنياهو ونجم عن مزيج من الإهمال السياسي والضعف العام والصراع الداخلي في البلاد".
غير أن رئيس الوزراء السابق يائير لابيد كان أكثر تفصيلاً، إذ قال في سلسلة تغريدات على تويتر، مساء الجمعة: "يتحدث نتنياهو كما لو أنني المسؤول عن الاتفاق السعودي الإيراني، هذه تصريحات وهمية".
وتحدث لابيد عن تقارب إسرائيلي سعودي خلال حكومته، ثم استدرك: "توقف كل هذا بشكل صارخ عندما تم تشكيل الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ البلاد (في إشارة إلى حكومة نتنياهو) واتضح للسعوديين أن نتنياهو ضعيف".
وذكر أن "الشيء الوحيد الصحيح الذي قاله نتنياهو هو أن موقف إسرائيل لم يكن قوياً بما فيه الكفاية وقت الهجوم الصاروخي الإيراني على المنشآت النفطية في السعودية، لقد نسي أنه في سبتمبر/أيلول 2019 كان هو رئيساً للوزراء".
أما وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس، فقال عبر تويتر: "تجديد العلاقات بين إيران والسعودية تطور مقلق، تتزايد التحديات الأمنية الهائلة التي تواجه دولة إسرائيل، ورئيس الوزراء وحكومته مشغولون بانقلاب".
وأضاف غانتس، مساء الجمعة: "بصفتي شخصاً كان شريكاً لسنوات عديدة في بناء وصيانة التحالف المعتدل، أصرح بأن نتنياهو تخلى عن أمن إسرائيل ومواطنيها وهذه هي النتائج".
وتواجه حكومة نتنياهو مظاهرات واسعة منذ 10 أسابيع، على خلفية سعيها لإقرار تعديلات على قانون السلطة القضائية تصفها بـ"الإصلاحات الضرورية"، فيما تصفها المعارضة بأنها "انقلاب على الديمقراطية".
بدوره، جاء موقف وزير المالية السابق زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض أفيغدور ليبرمان، أكثر حدة، إذ دعا نتنياهو للاستقالة، مرجعاً ذلك إلى أن "سياساته تمزق الشعب من الداخل وتنفر حلفاءنا وتضر بصلابتنا الوطنية".
وقال ليبرمان، عبر تويتر: "تجديد العلاقات بين إيران والسعودية فشل شخصي لنتنياهو"، متوقعاً: "سيكون لتجديد العلاقات بين السعودية وإيران عواقب وخيمة على ساحة الشرق الأوسط بأكملها وأيضاً على أمن دولة إسرائيل".
ما رأي الخبراء السياسيين؟
المحلل في القناة الإخبارية "12" العبرية نير دفوري، قال عن عودة علاقات الرياض وطهران، إن "اللبنة المركزية في جدار العزل الإيراني على وشك السقوط، ما يهدد التحالف الذي حاولت إسرائيل والولايات المتحدة بناءه".
وأضاف دفوري، في تحليل بثته القناة، السبت: "يشكل الإعلان عن استئناف العلاقات الثنائية بين إيران والمملكة العربية السعودية ضربة قاسية للسياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة".
وشدد على أن "من شأن هذا الاتفاق أن يهدد جهود إسرائيل للتطبيع مع دول عربية".
أما المحلل الإسرائيلي بن كسبين، فقال إن "نتنياهو عاد (للسلطة)، لكن ليس وحده، لقد جلب (وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير، و(وزير المالية الإسرائيلي المتشدد بتسلئيل) سموتريتش، ثورة النظام والانهيار التام".
وشدد بن كسبين، عبر تويتر، السبت، على أنه "من هنا جاء الاستنتاج السعودي، بأن إسرائيل تغرق ولا يوجد شيء يمكن البناء عليه".
أما الكولونيل احتياط أودي إيفنتال، فقال إنه "نظراً للتصعيد وسياسة حكومة نتنياهو في الساحة الفلسطينية وعلاقاتها مع واشنطن، فإن التطبيع مع السعودية ليس قاب قوسين أو أدنى".
وأضاف إيفنتال، في تغريدة عبر تويتر، السبت، أن "الاتفاق مع إيران إذا تحقق، يوجه ضربة للتطلعات الإسرائيلية، التي تسعى لتقديم صورة منظمة إقليمية ضد إيران".