تعيش تونس تطورات سريعة وساخنة منذ خطاب رئيسها قيس سعيّد في 21 فبراير/شباط الماضي بشأن المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين تستقبلهم بلاده.
في خطابه، دعا سعيد إلى وضع حدٍّ لما قال إنه تدفق "أعداد كبيرة" من هؤلاء المهاجرين الأفارقة، معتبراً الأمر "ترتيباً إجرامياً يهدف لتغيير تركيبة تونس الدّيموغرافية".
ورداً على انتقادات واتهامات له بالعنصرية تجاه المهاجرين، اعتبر سعيد بعد يومين أن "من يتحدث كذباً عن تمييز عنصري يبحث عن الفتنة والفرقة والمساس بعلاقاتنا بأشقائنا الأفارقة".
وأوضح أن "الأمر لا يتعلق بمَن هو مقيم بصفة قانونية"، محذراً "من التعرض لأي كان بسوء، فالأمر يتعلق بالدولة، وهي تتحمل المسؤولية".
ومخاطباً المسؤولين في بلاده: "أوصيكم خيراً بأشقائنا الأفارقة المقيمين بتونس بصفة قانونية، وألا يتعرض لهم أحد".
وفي الأيام القليلة الماضية، أعربت دول إفريقية عن قلقها على جاليتها في تونس، مطالبةً إياهم بالعودة إلى أوطانهم. ومعظم هؤلاء المهاجرين من مالي وساحل العاج (كوت ديفوار) وغينيا.
وهؤلاء المهاجرون يقصدون تونس للانطلاق منها على متن قوارب متهالكة غالباً في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى إحدى الدول الأوروبية، بحثاً عن حياة أفضل في ظل ما تعانيه دول إفريقية عديدة من حروب وأوضاع اقتصادية متدهورة.
مهاجرون في الشوارع
على بُعد كيلومترات قليلة من العاصمة تونس نصب حوالي 80 مهاجراً إفريقياً، دون أوراق إقامة قانونية، خيامهم للسكن في شارع ضيق بمنطقة البحيرة (شمال العاصمة).
فريق الأناضول زار المجموعة، وأكثرهم يرفضون مغادرة تونس إلى بلدانهم، ويسكنون الشارع ويفترشون الطريق ويقضون الوقت بين لعب الكرة في مساحة قبالة الشارع أو طبخ الطعام والحديث إلى الأهل عبر هواتفهم المحمولة.
وقال النيجيري إيمانويل (اسم مستعار- 45 عاماً) للأناضول: "جئت إلى تونس من الجزائر منذ سنتين، الوضع اليوم غير واضح المعالم، خاصة في الأسابيع الأخيرة".
ومستنكراً ما يحدث، تابع: "لا أعرف ما الخطر الذي نسببه حتى تكون هذه الحملة العنصرية ضدنا ومطالبتنا بمغادرة البلاد، استغربنا ما قاله الرئيس التونسي، ولا أعتقد أن كل التونسيين يفكرون بنفس الطريقة السلبية".
وأضاف إيمانويل، الذي رفض أن نُظهر وجهه: "بتنا ملاحَقين لتقديم أوراق إقامتنا التي لا نتوفر عليها، وأغلب من كنا نعمل معهم رفضوا استقبالنا بسبب الخوف من تعرضهم لعقوبات".
وأردف: "نفكر فقط بأن نكون آمنين وغير مهددين في سلامتنا الجسدية، من غير المعقول أن يتم افتكاك (الاستيلاء على) هواتفنا أو القليل من المال الذي نملكه (لم يوضح من فعل ذلك)، نريد العمل والاعتماد على أنفسنا إلى أن نجد حلاً لمغادرة تونس".
ليسوا في سلة واحدة
"مينايسو" من مالي (20 عاماً) قال للأناضول: "أُقيم في تونس منذ 3 سنوات، كنا نعمل بشكل عادي، ولا تواجهنا أي مشاكل، لكن في الأسبوع الأخير كل شيء انقلب ووجدنا أنفسنا أمام موجة تعامل سيئة، ولا نعرف ما سنفعل صراحة".
ورداً على سؤال بشأن حقيقة اتهام التونسيين بالعنصرية تجاه الأفارقة من جنوب الصحراء، أجاب بأنه "لا يمكن الجزم بوضع الجميع في سلة واحدة، كما وجدنا أناساً طيبين يوجد أيضاً أشخاص سيئون، لكن الأمر ليس كما يتم الترويج له على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتابع أن "عائلات المهاجرين غير النظاميين عندما تشاهد ما يُنشر على مواقع التواصل تطالبنا بالعودة إلى الوطن، لا توجد أمامنا خيارات عديدة، وسلامتنا تتطلب عودتنا إلى أوطاننا، رغم أن العديدين يقدمون مساعدات لنا، خاصة الكنديين والفرنسيين والتونسيين".
تونس أو أوروبا
أما التشادي أبو بكر أحمد (21 عاماً) فقال: "جئت إلى تونس منذ 3 أشهر قادماً من ليبيا، ثم النيجر، فالجزائر، فقدت أوراقي الشخصية على الحدود الجزائرية، وأنا اليوم عاطل عن العمل ولا أجد طريقة لتوفير المال للعيش بطريقة كريمة".
وأضاف أحمد للأناضول أن "الوضع بات صعباً، نسكن الشوارع، بدأت التواصل مع سفارة بلدي، وسأعمل على المغادرة في أقرب وقت".
وتابع: "لن أكذب.. التونسيون جيدون ولم أرَ تعاملاً عنصرياً، لكن المشكلة تتعلق بالأمن، حيث تم افتكاك هاتفي وأموالي عندما كنت أعمل في محافظة صفاقس (جنوب).. أرغب في العيش في تونس أو الذهاب إلى أوروبا".
لصالح المهاجرين
والأحد، 5 مارس/آذار 2023، عبَّرت الرئاسة التونسية عن رفضها للاتهامات الموجهة إليها بـ"العنصرية" ضد المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء، معلنةً عن قرارات لتسهيل إقامتهم في البلاد، بحسب بيانٍ للرئاسة.
وقرّرت الرئاسة حزمة إجراءات منها "تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الإفريقية؛ لتسهيل فترة إقامتهم بتونس وتمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم في آجال مناسبة".
وكذلك "التمديد في وصل الإقامة من 3 أشهر إلى 6 أشهر، وتسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في إطار منظم، وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الدبلوماسية للدول الإفريقية بتونس"، وفق البيان.
والإثنين، نفى وزير الخارجية التونسي، نبيل عمّار، في لقاء إعلامي، صحة الاتهامات الموجهة إلى بلاده بـ"العنصرية"، معتبراً أنه توجد "حملة غير بريئة تستهدف تونس".
وقال عمّار: "من المضحك أن توجَّه مثل هذه الاتهامات إلى تونس التي تفتخر بانتمائها للقارة الإفريقية وعلاقاتها المتينة والضاربة في التاريخ مع دول إفريقيا".
وموضحاً سبب المشكلة، أضاف أنه "على مَن يوجه هذه الاتهامات أن يتذكر أن تونس بلد له سيادة وقانون، وإقامة الأجانب فيها ينظمها القانون الذي لا يجب أن يتم تأويل تنفيذه حسب أهواء مَن يريدون أن ينحى هذا الملف منحى آخر (لم يوضحه)".
ووفق مدير عام شرطة الحدود والأجانب بوزارة الداخلية، عماد الزغلامي، فإن "عدد الأفارقة من جنوب الصحراء في تونس المقيمين بصفة غير شرعية في حدود 21 ألفاً و471 شخصاً، أما المقيمون بصفة شرعية فهم في حدود 5 آلاف و396 شخصاً بينهم 5 آلاف و30 طالباً".
وأضاف الزغلامي، في تصريح لصحفيين بمقر الوزارة الإثنين، أن "وزارة الداخلية لا تقوم بترحيل أو إجلاء أي مقيم غير شرعي أو شرعي، نحن نساعد الأفارقة على الرجوع لبلادهم بشكل طوعي".
وخلال الأيام الماضية، جرى تسجيل عدد من رحلات الترحيل الطوعي لـ300 مهاجر من ساحل العاج و192 من غينيا و135 من مالي، بحسب وزارة الداخلية.
رحلات عودة
وأمام سفارة ساحل العاج تابع فريق الأناضول توافد عشرات من المهاجرين غير النظاميين الراغبين في العودة إلى بلادهم، حيث اصطفوا أمام المبنى في انتظار الحصول على تذكرة العودة.
وقال ميلاس جاماك للأناضول: "تونس بلد أعرفه وأحبه كثيراً، وأنا مقيم هنا منذ 2015.. أعرف جيداً المقيمين بشكل شرعي أو غير شرعي وأتواصل معهم عبر حسابي على مواقع التواصل الاجتماعي".
جاماك، وهو مغنٍ معروف باسم بانيسكو، تابع أن "الإشكال بالنسبة لمن يعتقدون بوجود حملة عنصرية ضد الأفارقة أنهم لا يجيدون العربية، ويتأثرون بما يُنشر على مواقع التواصل.. وعلى السلطات أن تقلص من حدة هذه الحملة بنفي ما يتم الترويج له".
وقبل التوجّه إلى الطائرة عائداً إلى بلاده، ختم بقوله: "أؤكد أن ما يحصل أجندة خارجية أو داخلية للإساءة إلى صورة تونس".