فرض الغرب على روسيا عقوبات غير مسبوقة بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن يبدو أن الصين طبقت مقولة "الصديق وقت الضيق" بصورة غير متوقعة، فما تفاصيل الدعم الصيني لموسكو خلال عام كامل؟
فقبل حتى أن يبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022، والذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، بدأت الدول الغربية بزعامة واشنطن في فرض عقوبات كاسحة على موسكو بهدف إجبار الرئيس فلاديمير بوتين على التراجع.
وعلى مدار عام كامل، واصلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفاؤها فرض حزمات متجددة من العقوبات على روسيا، شملت حظر النفط والغاز وحرمان البنوك الروسية من الوصول إلى نظام "سويفت" المالي العالمي وفرض عقوبات على أي شركات تتعامل مع روسيا، إضافة إلى الحصار السياسي والرياضي والثقافي وباقي المجالات.
1- الصين تشتري النفط والغاز من روسيا
على الجانب الآخر، سارعت الصين، التي أعلنت أنَّه "لا حدود" لصداقتها مع جارتها الشمالية، بإمداد الكرملين بشريان حياة اقتصادي، وهو ما خفَّف من أثر إقصائه من النظام المالي العالمي، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية رصد أبرز جوانب مساعدات بكين لموسكو.
وللتأكيد على تقارب العلاقات، التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة له إلى موسكو الأربعاء 22 فبراير/شباط. وأفادت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية بأنَّ الرئيس الصيني شي جين بينغ وبوتين سيعقدان قمة في موسكو في أبريل/نيسان أو مطلع مايو/أيار القادمين.
ورصد تقرير الشبكة الأمريكية ثلاث طرق تُدعِّم بها الصين، أكبر مشترٍ في العالم للسلع ومركز القوة المالي والتكنولوجي، الاقتصاد الروسي.
تشمل العقوبات الغربية على موسكو حظراً على المبيعات النفطية وسقفاً لأسعار النفط الخام، وحرماناً من الوصول إلى نظام "سويفت" المالي، وتجميداً لأصول البنك المركزي الروسي بالخارج.
كانت تلك الخطوات تهدف إلى عزل روسيا وإضعاف قدراتها الاقتصادية على تمويل الحرب. وقد كان لتلك العقوبات تأثيرها بالفعل، حيث انزلق الاقتصاد الروسي إلى الركود في عام 2022، فوفقاً لأحدث تقديرات البنك الدولي، انكمش الاقتصاد بواقع 4.5%.
لكن وفقاً للحكومة الروسية، زادت عائدات موسكو المالية، ويعود الفضل في ذلك بشكل رئيسي إلى ارتفاع أسعار النفط وجهود روسيا لإعادة توجيه صادراتها إلى مشترين راغبين آخرين؛ مثل الصين والهند.
قال نيل توماس، كبير محللي شؤون الصين وشمال شرق آسيا بمجموعة أوراسيا: "تدعم الصين الحرب الروسية اقتصادياً، بحيث إنَّها عزَّزت التجارة مع روسيا، وهو ما أضعف الجهود الغربية لعرقلة آلة موسكو العسكرية".
وأضاف: "يريد شي جين بينغ تعميق علاقة الصين مع روسيا المعزولة بصورة متزايدة"، مضيفاً أنّ "وضعية المنبوذ" التي باتت تصم روسيا تُمكِّن بكين من ممارسة نفوذ أكبر عليها للحصول على طاقة رخيصة، وتكنولوجيا عسكرية متقدمة، ودعم دبلوماسي للمصالح الدولية للصين.
سجَّل إجمالي التجارة بين الصين وروسيا مستوى قياسياً مرتفعاً في عام 2022، فوفقاً لأرقام الجمارك الصينية، ارتفع إجمالي التجارة مع موسكو بنسبة 30% وصولاً إلى 190 مليار دولار. وزادت تجارة الطاقة على وجه التحديد بصفة ملحوظة منذ بداية الحرب.
فاشترت الصين ما قيمته 50.6 مليار دولار من النفط الخام من روسيا في الفترة بين مارس/آذار إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، بزيادة 45% مقارنةً بنفس الفترة من العام السابق. وزادت واردات الفحم بواقع 54% وصولاً إلى 10 مليارات دولار. وارتفعت مشتريات الغاز الطبيعي بما في ذلك غاز خطوط الأنابيب والغاز المُسال بصورة صاروخية بواقع 155% لتصل إلى 9.6 مليار دولار.
وتمثل هذه الأرقام فائدة لكلا الجانبين، فبالنسبة لروسيا، هي بحاجة ماسة إلى زبائن جدد في ظل تخلِّي الغرب عن وقودها الأحفوري. وبالنسبة للصين، التي تُركِّز الآن على إخراج اقتصادها من أزمة، فهي بحاجة إلى طاقة رخيصة لتدوير عجلة قطاع التصنيع الضخم لديها.
2- استبدال الموردين الغربيين بآخرين صينيين
قال كيث كراتش، وكيل وزارة الخارجية الأمريكي السابق لشؤون النمو الاقتصادي والطاقة والبيئة: "بالنسبة لروسيا، وُلِدَت هذه الشراكة من رحم اليأس. فبوتين يبحث عن أي شخص يمكن أن يجده، وشي جين بينغ مستعد تماماً لاستغلال يأس بوتين".
ويخطط الجانبان لتوسيع شراكتهما أكثر، بما يشمل صفقة بين شركة غازبروم ومؤسسة البترول الوطنية الصينية لإمداد الصين بالمزيد من الغاز الطبيعي على مدار الـ25 عاماً المقبلة.
قالت آنا كيريفا، الأستاذة المساعدة بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية: "مع فتح الاقتصاد الصيني في 2023، يمكننا أن نتوقَّع زيادة أكبر في الصادرات الروسية للصين، بما في ذلك البترول والمنتجات المُكرَّرة الأخرى".
بخلاف الطاقة، تنفق روسيا أيضاً المليارات على شراء الآلات والإلكترونيات والمعادن الأساسية والمركبات والسفن والطائرات من الصين، وهو ما وردت تفاصيله في تقرير إدارة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي الصادر في مايو/أيار الماضي.
قال توماس للشبكة الأمريكية: "على الرغم من تردد الصين في تقديم دعم مباشر للحرب الروسية، ستستمر العلاقات الثنائية في التنامي لأنَّ بكين انتهازية". وأضاف: "يُقدِّر شي دعم بوتين باعتباره ثقلاً استراتيجياً في مواجهة الولايات المتحدة العدائية بصورة متزايدة، لكنَّه مهتم بروسيا أساساً بسبب ما يمكنها أن تفعله للصين".
تحتاج روسيا أيضاً لإيجاد بدائل لوارداتها من الأسواق الغربية؛ مثل السيارات والإلكترونيات. وقالت كيريفا: "وهنا، لا يمكن لأي مُنتِج رئيسي آخر منافسة الصين بقدرتها الصناعية".
ووفقاً لأحدث البيانات من شركة الأبحاث الروسية Autostat، شهدت العلامات التجارية للسيارات الصينية، بما في ذلك Havel وChery وGeely ارتفاع حصتها السوقية من 10% إلى 38% في العام التالي لخروج العلامات التجارية الغربية. وتوقَّعت الشركة أنَّ هذه الحصة على الأرجح ستنمو أكثر هذا العام.
وفي مجال الإلكترونيات الاستهلاكية، استحوذت العلامات التجارية الصينية على نحو 40% من سوق الهواتف الذكية بنهاية عام 2021. وبعد مرور عام، سيطرت تقريباً على القطاع بحصة سوقية تبلغ 95% وفقاً لشركة Counterpoint لأبحاث السوق.
3- توفير بديل للدولار الأمريكي
بعد حجب بعض البنوك الروسية عن نظام "سويفت"، راحت موسكو تتخلَّى عن الدولار لصالح اليوان الصيني.
وتستخدم الشركات الروسية المزيد من اليوانات الصينية لتسهيل التجارة المتزايدة مع الصين. ووفقاً لكيريفا، أجرت البنوك الروسية أيضاً المزيد من المعاملات باليوان من أجل حمايتها من مخاطر العقوبات.
ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية، نقلاً عن رئيس بورصة موسكو، قفزت حصة اليوان في سوق العملات الأجنبية في روسيا إلى 48% بحلول نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنةً بأقل من 1% في يناير/كانون الثاني.
ووفقاً لأرقام أعلنها نظام سويفت، أصبحت روسيا لفترة قصيرة ثالث أكبر مركز خارجي لتداول اليوان في العالم في يوليو/تموز الماضي، بعد هونغ كونغ والمملكة المتحدة. وظلت منذ ذلك الحين واحدة من أكبر ست أسواق لتداول اليوان، ولم تكن قبل حرب أوكرانيا ضمن أكبر 15 سوقاً حتى.
ووفقاً لوكالة رويترز، ضاعفت وزارة المالية الروسية أيضاً حصة احتياطيات اليوان التي يمكن لصندوق الثروة السيادية الإبقاء عليها إلى 60%، بعد تجميد جزء كبير من مدخراته بسبب العقوبات الدولية.
وفقاً لوكالة تاس، قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف إنَّ روسيا لن تشتري إلا اليوان في عام 2023 لإعادة تمويل صندوق الثروة السيادية للبلاد. وقالت كيريفا: "من بين كل احتياطيات العملات الأجنبية التي كانت لدى البنك المركزي الروسي، فقط اليوان الصيني لم يُجمَّد وظلَّ عملة (صديقة)".
وبوجود المزيد من اليوانات، ستكون روسيا قادرة على استخدام العملة الصينية لتحقيق استقرار الروبل وأسواقها المالية. وتراجع الروبل بأكثر من 40% في مواجهة اليورو والدولار خلال العام الماضي، وهبط المؤشر الرئيسي للأسهم الروسية بأكثر من الثلث.
وأعلنت وزارة المالية الروسية الشهر الماضي، يناير/كانون الثاني، أنَّها ستستأنف التدخل في سوق النقد الأجنبي من خلال بيع اليوان وشراء الروبل.
مع ذلك، فإنَّ العلاقة ليست خالية من الاحتكاكات تماماً. فوفقاً لصحيفة Kommersant الروسية، أفادت تقارير بتوقف نظام المدفوعات الصيني UnionPay عن قبول البطاقات الصادرة عن البنوك الروسية بسبب مخاوف من العقوبات الدولية.
وقال كيريفا: "تشعر الشركات الصينية الكبيرة بالقلق بشأن العقوبات الثانوية وتتوخّى الحذر بشأن التعامل مع الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات أو السوق الروسية في العموم".