لم يعد من الصعب على المحللين السياسيين أو حتى غير المتخصصين توقع انهيار الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكن الجدال اليوم يتمحور حول إمكانية دخول إسرائيل في حرب أهلية داخلية تساهم في دفعها نحو الانهيار.
بخطىً ثابتة وتجاهلٍ صريح لنظر المعارضة الإسرائيلية والعديد من فئات الشعب، تتجه حكومة نتنياهو اليمينية إلى إقرار مشروع "الإصلاح القضائي" حيث تم تمرير المشروع ضمن قراءته الأولى في الكنيست الإسرائيلي.
حالة الانقسام الداخلي الإسرائيلي حول مشروع "الإصلاح القضائي"، هي فريدة من نوعها ولم تشهدها إسرائيل أبداً منذ عام 1948، وذلك لأن مشروع القانون يسمح للكنيست الإسرائيلي بإلغاء أي قرار للمحكمة العليا في إسرائيل بأغلبية بسيطة.
تشكل جهود نتنياهو هذه، خطوة أولى نحو تقويض النظام القضائي في إسرائيل وتهميش المحكمة العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في دولة الاحتلال. بالإضافة إلى كل هذا، يمنح مشروع القانون الحق للكنيست الإسرائيلي بسن القوانين التي رفضتها المحكمة العليا، ويمنح الحكومة إمكانية تعيين القضاة، ويسمح كذلك للوزراء في الحكومة بإمكانية تعيين المستشارين القانونيين لوزاراتهم.
الهدف الحقيقي من قانون الإصلاح القضائي
إذا ما أردنا البحث عن الهدف الحقيقي من إقرار هذا القانون فعلينا العودة إلى الأسس التي بنيت على أساسها هذه الحكومة الائتلافية التي جاءت عبر توافقات الأضداد والتنازلات التي قدمها نتنياهو لهذه الجوقة من المتطرفين، لكي يجمعهم ضمن إطار واحد يدعى "الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل".
في الواقع لقد ولدت حكومة الحرب هذه نتيجة مخاض عسير ومفاوضات ماراثونية بين الأحزاب اليمينية المتطرفة، وأغلب ما يجمع هذه الأحزاب هو تقديم تنازلات متبادلة للحفاظ على هذا الائتلاف قائماً.
يأتي ما سبق خوفاً من المستقبل غير المستقر لـ"نتنياهو" في ظل اتهامه في قضايا فساد ورشاوى، اشترطت الأحزاب الأخرى "اليسارية والعربية وغيرها من الأحزاب" أن يتنحى نتنياهو عن قيادة حزب الليكود للدخول في ائتلاف لتشكيل الحكومة دون الأحزاب اليمينية المتطرفة، ولكن حزب الليكود رفض التخلي عن نتنياهو، كما أصرّ الأخير على البقاء على رأس الحزب ليشكل الحكومة.
رأى نتنياهو في تشكيل الحكومة مع الأحزاب اليمينية المتطرفة فرصة لا تتكرر في سبيل التخلص من قضايا الفساد وإغلاقها بشكل نهائي من خلال إجراء تعديلات على المستوى القضائي يسمح له بتأجيل النظر بقضايا الفساد أو حتى وضعها في أدراج النسيان، وبالطبع فإنّ مشروع الإصلاح القضائي هو الخطوة الأولى نحو إغلاق جميع قضايا الفساد الموجهة ضد نتنياهو.
حرب أهلية في إسرائيل
أما عن بوادر الحرب الأهلية فإذا ما قررنا البحث عنها فإننا سنجدها أولاً في وثيقة وقعها أكثر من 100 مؤرخ إسرائيلي يحذرون فيها من خطر نتنياهو على إسرائيل واليهود. وسنجدها ثانياً في المظاهرات المستمرة ضد حكومة نتنياهو لأيام متتالية شارك فيها عشرات الآلاف في إسرائيل، والمشهد الفريد من نوعه عندما حاول المتظاهرون اقتحام الكنيست الإسرائيلي في مشهد مشابه لما حدث في الولايات المتحدة، عندما هاجم المتظاهرون المناصرون لترامب مبنى الكابيتول.
سنجد بوادر الحرب الأهلية تتجلى بشكل واضح وصريح في دعوات لقيادات في الجيش الإسرائيلي تطالب الجنود والضباط بعدم الالتزام بقرارات الحكومة الحالية، ما يعني وصول الاستقطاب الإسرائيلي الداخلي لمستويات غير مسبوقة من قبل، ما حدا بقيادة جيش الاحتلال للإعراب عن خشيتها من اتساع الظاهرة بين القوات والضباط.
وأخيراً أظهرت نتائج استطلاع رأي إسرائيلية، تراجع شعبية الائتلاف الحاكم لدى الاحتلال الإسرائيلي بزعامة المتهم بالفساد "بنيامين نتنياهو"، وحدوث "انقلاب" في توجهات الإسرائيليين، واتساع الانقسام الداخلي.
حيث تشير استطلاعات الرأي هذه إلى أنه في حال أجريت انتخابات للكنيست اليوم، لحصل تحول في النتائج؛ ولحصلت أحزاب الائتلاف على 55 مقعداً فقط، بينما أحزاب المعارضة ستحصل على 65 مقعداً، وذلك بحسب استطلاع أجراه معهد "بانلز بوليتكس" بإدارة مناحيم لزار.
استطلاعات الرأي هذه تشير بشكل واضح إلى أن الائتلاف اليميني الحاكم لا يحظى بشعبية الاستمرار في حكم إسرائيل، كما أنه سيواجه مظاهرات مستمرة تطالب بإسقاطه.
في المقابل ومما نعرفه عن الشخصيات الموجودة في الحكومة الإسرائيلية الحالية، فيبدو بأن المتطرفين اليمينيين في هذه الحكومة لن يتنازلوا عن أي مخطط أو مشروع من مشاريعهم الاستيطانية أو مشاريع تقويض السلطة القضائية في إسرائيل، وهذا ما سيدفع نحو مزيد من الصدام الذي من الممكن أن ينتهي بحرب أهلية هناك.
كخلاصة لما تقدم، لم يكن أمراً عجيباً أن تتجه حكومة نتنياهو نحو استهداف السلطة القضائية والمحكمة العليا، فهي بُنيت على هذا الأساس لتقويض قضايا الفساد ضد نتنياهو.
لكن المهم في هذه التحركات هو تقويض مبدأ فصل السلطات وإسقاط وهم الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وإمكانية حدوث حرب أهلية في إسرائيل.
لذلك فإنه على الفلسطينيين أن يقفوا متفرجين هذه الأيام على مشهد انهيار الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وعلى الدول العربية ترويض عملية اندفاعها نحو التطبيع مع إسرائيل وبناء كنائس يهودية لإرضاء نتنياهو في الوقت الذي تهدّم فيه حكومته قرى فلسطينية بأكملها وتنتهك حق الملكية للفلسطينيين بشكل يومي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.