قالوا إن اللاجئين الأوكرانيين "أوروبيون وأذكياء ومتعلمون وماضي بلدهم ليس مجهولاً"، وربما يكونون صادقين، لكنهم كانوا يقارنون بين هؤلاء وبين "موجات اللاجئين المعتادة من بلدان ماضيها مجهول"، وهم هنا يتحدثون عن إفريقيا.
إعلاميون وسياسيون من أوروبا يرون أنفسهم أكثر رقياً وعلماً وغنى وثقافة، ويواسون أنفسهم بأن الحرب في أوكرانيا "استثناء" لا يليق بأوروبا المتحضرة، التي وصفها مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي بأنها "حديقة غناء"، وليست "غابة".
عن إفريقيا يتحدثون، لكنهم يتناسون ما فعله أسلافهم بالقارة السمراء وبأهلها وخيراتها وتاريخها، لكنها قصة تستحق أن تُروى، بل لا بد أن تروى وأن تعرف الأجيال الجديدة تفاصيلها، رغم مرارتها.
البداية.. سرقة أهل إفريقيا!
بدأت قصة النهب الأوروبي لإفريقيا منذ نحو سبعة قرون، حين احتلت البرتغال مدينة سبتة المغربية عام 1415. وكانت تلك المرحلة الأولى تحمل عنواناً بارزاً هو "سرقة أهل إفريقيا"، والسرقة هنا ليست مجازية بل حرفية، فعلى مدى أكثر من أربعة قرون كانت تجارة الرقيق المهنة الأساسية التي امتهنتها الدول الأروربية فيما يتعلق بالقارة السمراء.
الأرقام والإحصائيات الخاصة بنهب البشر رصدها كتاب وإعلاميون ومؤرخون غربيون، وليس أفارقة فقط. هوارد فرينش، كاتب رأي لدى مجلة Foreign Policy وأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا الأمريكية، وهو متخصص في مجال التاريخ الإفريقي، وله كتاب عنوانه Born in Blackness: Africa, Africans, and the Making of the Modern World, 1471 to the Second World War (ميلاد في سواد: إفريقيا والأفارقة وبناء العالم الحديث من عام 1471 وحتى الحرب العالمية الثانية).
وفي هذا الكتاب، يتناول هوارد بالرصد والتأريخ فصلاً واحداً من فصول ما نهبته أوروبا من إفريقيا، وهو فصل الديموغرافيا، أو استنزاف أعداد هائلة من أهل إفريقيا لغرض توفير عمالة مُولِّدة للثروة في إطار العبودية للغرب، وتأثير ذلك على القارة السمراء.
ويُعَد التوصل إلى حساب نهائي لهذا أمراً صعباً للغاية، وقد لا يكون ممكناً أبداً. لكن ما هو معلوم بالفعل يُوضِّح بما فيه الكفاية أنَّ إفريقيا كانت تتعرَّض لصدمة من الناحية الديموغرافية، في نفس الوقت الذي كانت أوروبا بصدد الشروع في بناء "الحضارة الغربية".
ما نعلمه هو أنَّ قرابة 12.5 مليون إفريقي قد شُحِنوا مُقيَّدين بالسلاسل عبر المحيط الأطلسي إلى الأمريكتين، وكان مصيرهم جميعاً تقريباً العمل في المزارع. اختير أولئك الناس بالتحديد لأنَّهم كانوا في أوج حياتهم البدنية والإنجابية، وقد خسرت إفريقيا عملهم وعمل نسلهم المحتمل على نحو لا رجعة فيه، ما فرض شكلاً لم يُعترَف به بعد من الإفقار الجماعي.
ولا بد أن نضيف إلى ذلك أعداد الناس الذين قُتِلوا في الفوضى، التي أطلقها الأوروبيون عمداً في إفريقيا من أجل الإبقاء على تغذية حركة اتّجار قوية في البشر، وكذلك الإبقاء على معدلات الوفيات الرهيبة على متن المقابر العائمة التي كانت تُمثِّلها سفن العبيد. فوفقاً لأحد التقديرات، التي استشهدتُ بها في كتابي، فإنَّ 42% فقط من الأفارقة الذين وقعوا في شَرَك هذا الاتجار العابر للقارات في البشر، ظلوا على قيد الحياة بما يكفي لبيعهم في العالم الجديد.
إذا افترضنا إذاً أنَّ خسارة إفريقيا تُقدَّر بـ25 مليون شخص خلال هذه العملية، فلا يمكن فهم جسامة هذا الرقم إلا بالنظر إلى تقديرات إجمالي سكان القارة خلال ذروة حقبة تجارة الرق. وتتأرجح التقديرات هنا حول رقم 100 مليون نسمة في القرن الثامن عشر. للمزيد يرجى الضغط على هذا الرابط