قررت السلطة الفلسطينية حضور "اجتماع العقبة"، الذي يضم مسؤولين أمنيين من إسرائيل، بحضور ممثلين من مصر وأمريكا، على الأراضي الأردنية، فماذا تريد حكومة نتنياهو تحقيقه في هذا التوقيت؟
كان مسؤولون أردنيون قد قالوا إن العقبة تشهد، الأحد 26 فبراير/شباط، اجتماعاً بين كبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين، بمشاركة أمريكية، بهدف وقف زيادة التصعيد قبل حلول شهر رمضان.
أضاف المسؤولون لـ"رويترز"، أن الاجتماع سيُعقد ليوم واحد في ميناء العقبة الأردني، ويحضره بريت ماكغورك مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، وسيجمع بين كبار قادة الأمن الإسرائيليين والفلسطينيين للمرة الأولى منذ عدة سنوات، إضافة إلى ممثلين عن أطراف رئيسية بالمنطقة.
وقال المسؤولون، الذين تحدثوا لـ"رويترز" شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن المناقشات تأتي في إطار النشاط الدبلوماسي المكثف للأردن مع الولايات المتحدة ومصر، "لاستعادة الهدوء في إسرائيل والأراضي الفلسطينية بغزة والضفة الغربية، والثقة بين الجانبين".
غضب فلسطيني من مشاركة السلطة
إعلان السلطة الفلسطينية المشاركة في اجتماع العقبة أثار ردود فعل غاضبة من جانب معظم الفصائل، التي أصدرت بيانات منفصلة مستنكرةً موقف السلطة، حيث قالت حركة "حماس" إنها "ترفض مشاركة السلطة في اجتماع العقبة، الذي يمثل غطاء للاحتلال لارتكاب الجرائم ضد شعبنا"، مطالبةً إياها "بعدم الارتهان للوعود الأمريكية والصهيونية التي ثبت فشلها"، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول.
وقال المتحدث باسم الحركة عبد اللطيف القانوع: "شعبنا ليس أمامه سوى خيار المقاومة وتصعيدها، وعلى السلطة الانحياز لشعبها والتوقف عن ملاحقة المقاومين بالضفة"، وفق تعبيره.
كما حذّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "من تبِعات لقاء العقبة" ودعت السلطة إلى مقاطعته، وقالت إن "الاجتماع (مع الجانب الإسرائيلي)، في وقت يصعّد فيه العدوُّ مجازره ضد أبناء شعبنا، ما هو إلا غطاء سياسي لهذه المجازر"، وفق وصفه.
فيما دعا "حزب الشعب" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" في بيان مشترك، إلى "عدم المشاركة الفلسطينية وإلغاء الاجتماع المقرر في الأردن". كما طالب الجانبان بـ"عقد اجتماع فوري للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ من أجل تقييم نتائج التحركات الفلسطينية السابقة، واتخاذ قرار بعدم المشاركة في قمة العقبة". واعتبرا أن "الهدف الأساسي لإسرائيل والإدارة الأمريكية هو إجهاض الموقف الفلسطيني الذي تضمّن وقف التنسيق الأمني".
ودعا صالح رأفت، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، القيادة "إلى عدم المشاركة في قمة العقبة"، وقال إنه "لا يمكن التوصل لأية تفاهمات مع الحكومة الإسرائيلية".
كما طالبت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، السلطة الفلسطينية "بعدم المشاركة في اجتماع العقبة، وعدم العودة للتنسيق الأمني". وحذّرت "من خطورة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تمارس لجرّ الفلسطينيين إلى صراعات داخلية".
كما برزت أصوات من داخل حركة فتح رافضةً المشاركة في الاجتماع الأمني، حيث أصدرت حركة الشبيبة في جنين، الجناح الطلابي لحركة فتح، بياناً قالت فيه: "نرفض مشاركة السلطة الفلسطينية في قمة العقبة، وندعوها للتراجع عن المشاركة، ووقف كل أشكال التنسيق الأمني، ودعم المقاومـة بكافة أشكالها".
الموقف الفلسطيني المستنكر لمشاركة السلطة برئاسة محمود عباس، في اجتماع العقبة، يستند إلى استمرار اعتداءات الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل على الفلسطينيين، من توسيع وشرعنة الاستيطان إلى هدم منازل الفلسطينيين وتهجيرهم منها، إلى الاقتحامات المتكررة من جانب جيش الاحتلال وكان أحدثها اقتحام نابلس الذي أدى إلى استشهاد 11 فلسطينياً وإصابة العشرات بجروح، بعد أيام قليلة من سحب السلطة الفلسطينية مشروع قرار لإدانة الاستيطان قبل ساعات من التصويت عليه في مجلس الأمن الدولي.
ماذا تريد إدارة جو بايدن؟
كان قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سحب قرار إدانة الاستيطان قبل التصويت في مجلس الأمن، والذي كان مقرراً الإثنين 20 فبراير/شباط، قد جاء في إطار "تفاهمات" نجحت إدارة جو بايدن في التوصل إليها، أبرزها أنْ "تجمد حكومة نتنياهو إجراءاتها التي تقوض حل الدولتين، مثل التوسع في الاستيطان وهدم منازل الفلسطينيين وتهجيرهم، إضافة إلى وقف المداهمات في الضفة الغربية المحتلة"، حسبما أفادت وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية.
وفي المقابل أيضاً يتراجع الجانب الفلسطيني عن قرار وقف "التنسيق الأمني" مع حكومة وجيش الاحتلال، وهي الخطوة التي كان الرئيس محمود عباس قد أعلنها رداً على خطط حكومة نتنياهو لتوسيع وشرعنة البؤر الاستيطانية.
السبب وراء سعي إدارة بايدن إلى تهدئة الأوضاع يكمن بطبيعة الحال في حكومة إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو وعضوية إيتمار بن غفير، حيث إن تلك الحكومة وقبل أن تكمل شهرها الأول في الحكم، تسببت بوضع الأمور على حافة الانفجار حرفياً، وارتفعت فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال، فسارعت إدارة جو بايدن بإرسال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى المنطقة لاحتواء الموقف.
إذ كان أنتوني بلينكن قد زار المنطقة مؤخراً ووجه رسالة إلى الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، مفادها معارضة أمريكا لأي "إجراءات استفزازية" بحق الفلسطينيين، والهدف هو تفادي انفجار الموقف في القضية الأهم بالشرق الأوسط. لكن بعد أن زار بلينكن إسرائيل والتقى نتنياهو وأعلن عن "ضرورة عدم اتخاذ تل أبيب أي إجراءات من شأنها التأثير على حل الدولتين"، وتحدث تحديداً عن ضرورة وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أعلنت حكومة نتنياهو منح تصريحات بأثر رجعي لبؤر استيطانية يهودية في الضفة الغربية المحتلة والتصريح ببناء 10 وحدات استيطانية جديدة.
أعلن عباس وقف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل وقرر اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة إسرائيل، فتدخل بايدن ونجحت جهوده في تفادي "الإحراج" وسحب عباس مشروع القرار قبل التصويت، لكن قبل مرور يوم واحد قام جيش الاحتلال بمداهمة نابلس وارتكاب مجزرة جديدة بحق الفلسطينيين، مما يعني عملياً عدم الالتزام بأي "تفاهمات" تم الإعلان عنها.
ما الهدف من اجتماع العقبة؟
مسؤول كبير في الأردن قال لـ"رويترز"، إن الاجتماع يهدف إلى إعطاء الأمل للفلسطينيين في مستقبل سياسي. وأضاف: "إذا حقق أهدافه.. فسينعكس ذلك على الأرض".
ويمثل الاجتماع، من وجهة نظر منظميه والمشاركين فيه، فرصة لوقف التصعيد الإسرائيلي، الذي أثار غضباً عربياً ومخاوف دولية من الانجرار إلى صراع إسرائيلي فلسطيني على نطاق أوسع. وقال المسؤول الأردني الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "لم يحدث مثل هذا الاجتماع منذ سنوات… إنه إنجاز كبير أن يتم جمعهم معاً".
في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري، كان عاهل الأردن الملك عبد الله، قد اجتمع مع الرئيس جو بايدن، وأجرى محادثات مع ماكغورك، حذَّرت خلالها الولايات المتحدة من الأخطار التي تحدق بالأمن في المنطقة، وطالبت باستئناف محادثات السلام المتوقفة والتي كانت تعقد برعاية أمريكية بهدف إقامة دولة فلسطينية.
وقال المسؤول الأردني إنه إضافة إلى تجنب تصاعد العنف، فإن الآمال تنعقد على أن يؤدي اجتماع العقبة إلى وقف التدابير أحادية الجانب التي تقوم بها إسرائيل. وأضاف: "هذا يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من المشاركة السياسية".
لكن اجتماع العقبة كان مقرراً منذ فترة لمناقشة "الخطة الأمنية" التي وضعها المبعوث الأمريكي، ماكغورك، والتي تهدف بالأساس إلى زيادة التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بشكل عام، لكن استمرار حكومة نتنياهو في إجراءاتها القمعية تجاه الفلسطينيين يضع جميع الأطراف في موقف ضعيف للغاية.
فالمحادثات السرية بين السلطة ونتنياهو برعاية ماكغورك مستمرة منذ أسابيع، بحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي، والهدف هو التوصل لتفاهمات تمنع انفجار الموقف وخروجه عن السيطرة، فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف الأمريكي-الإسرائيلي بالأساس إذا كانت حكومة نتنياهو تريد تنفيذ مخططاتها لتهويد القدس المحتلة بالكامل وضم أغلب أجزاء الضفة الغربية المحتلة؟
هناك كثير من الأسئلة بطبيعة الحال تتعلق بتفاصيل خطة ماكغورك، مبعوث بايدن، الأمنية الهادفة إلى تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية "الحفاظ على الهدوء"، فالهدوء نفسه غير قائم، في ظل استمرار المداهمات الإسرائيلية وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين وسقوط الشهداء.
كانت مصادر فلسطينية وأمريكية وإسرائيلية قد كشفت لموقع Axios الأمريكي أن السلطة الفلسطينية هدَّدت بالانسحاب من "قمة العقبة الأمنية" مع الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن ومصر؛ بعد استشهاد 11 فلسطينياً على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي وإصابة العشرات في اقتحام بالضفة الغربية المحتلة يوم الأربعاء 22 فبراير/شباط.
هل يتحقق لنتنياهو ما يريد؟
الموقع الأمريكي قال إن القمة الأمنية تهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على التفاهمات التي أُعلن التوصل إليها هذا الأسبوع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأدت إلى تأجيل التصويت على قرار كانت السلطة تنوي التقدم به إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت المصادر إن السلطة الفلسطينية اشترطت لحضور الاجتماع الحصولَ على تأكيدات وضمانات من الولايات المتحدة وإسرائيل بإيقاف جميع الإجراءات الأحادية الجانب من إسرائيل، ومنها الاقتحامات وهدم المنازل وبناء المستوطنات، وهددت السلطة الفلسطينية باستئناف مساعيها للتصويت على قرار بمجلس الأمن يدعو المجتمع الدولي إلى توفير الحماية للشعب الفلسطيني.
يأتي هذا في وقت يوجد فيه ماكغورك بالمنطقة لعقد اجتماعات مع مصر والأردن وعُمان والإمارات، وقال موقع Middle East Eye البريطاني إنه من المحتمل أن تسفر اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي وتداعياتها عن انتكاسة لمساعي الولايات المتحدة، الرامية إلى تهدئة الانتقادات الموجهة لإسرائيل في الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من الطابع السري لمحادثات ماكغورك، فإن مجموعة عرين الأسود الفلسطينية في نابلس، والتي تمثل مصدر قلق إسرائيلي كبير، تبدو وكأنها مكون رئيسي من مكونات "التفاهمات" الأمريكية المراد إضفاء الطابع الرسمي عليها. فوسط التفاف شعبي فلسطيني كبير حولها، وفي الوقت ذاته، يبدو أن تركيبة وجذور المجموعة جعلت السلطة الفلسطينية تتحفظ على مواجهتها، وخاصة أن عرين الأسود تكاد تحصر دورها في التصدي لتوغلات الاحتلال الإسرائيلي.
ففي مطلع عام 2022، لاحظ مسؤولون أمنيون لدى الاحتلال الإسرائيلي زيادة في عدد عمليات إطلاق النار على أهداف عسكرية إسرائيلية بمنطقة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة. ونُسب ذلك التصاعد حينها إلى مجموعة تُدعى "كتائب نابلس"، كانت قد اتخذت من البلدة القديمة في نابلس مركزاً لتصعيد نشاطها المقاوم لتوغلات جيش الاحتلال، حسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وطلبت إسرائيل، خلال العام الماضي، من السلطة الفلسطينية شنَّ حملة على مجموعة "عرين الأسود"، لكن مشكلة السلطة تكمن في أن المجموعة تختلف عن نظيراتها في جنين على سبيل المثال، فالأخيرة تتلقى مساندة من حركة الجهاد الإسلامي، بحسب المزاعم الإسرائيلية. أمَّا "عرين الأسود" فقوامها من أناس هم جزء لا يتجزأ من حركة فتح والسلطة الفلسطينية نفسها.
من ثم، فإن السلطة الفلسطينية كانت عاجزة عن التحرك ضد المجموعة، وإلا لنال ذلك من شرعية سيطرتها على الضفة الغربية، فالمجموعة تقول إن غايتها الوحيدة هي حماية سكان نابلس من اقتحام الجنود الإسرائيليين وحملاتهم على المدينة والضفة الغربية.
والسؤال الآن هو ما إذا كان اجتماع العقبة أو "القمة الأمنية"، التي وافقت السلطة على المشاركة فيها، قد ينتج عنه الموافقة على أن تلعب أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية دور "الشرطي" لصالح إسرائيل، ومطاردة أعضاء "عرين الأسود" في نابلس ومصادرة أسلحتهم؟ وبأي ثمن؟