وُصِفَت الرحلة الإقليمية إلى سلطنة عمان، والتي تعد الثانية لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الخارج منذ 12 عاماً بأنها فرصة لإنهاء عزلته الإقليمية.
وصل الأسد إلى مسقط، يوم الإثنين 20 فبراير/شباط، حيث التقى بالسلطان هيثم بن طارق، في أحدث بادرة على إعادة تأهيل الرئيس السوري في أعقاب الزلزال المميت الذي أودى بحياة أكثر من 5900 شخص في شمال بلاده في وقت سابق من الشهر الجاري.
كانت عُمان من بين الدول العربية التي سحبت سفراءها من سوريا في عام 2012 بعد القمع العنيف الذي مارسه الأسد للقمع الثورة، وهو الصراع الذي أودى بحياة نصف مليون شخص على الأقل وشرّد 13 مليوناً داخلياً وخارجياً.
عمان من مقاطعة الأسد إلى كسر عزلته
ومع ذلك، حافظت مسقط على اتصالات دبلوماسية مع دمشق، وفي عام 2020 صارت أول دولة خليجية تعيد سفيرها إلى سوريا، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
قال جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics لاستشارات المخاطر الجيوسياسية: "الزلزال التركي-السوري لديه الكثير من الإمكانات للتسبب في دبلوماسية الزلازل، وتسريع عملية مشاركة المزيد من الحكومات في الشرق الأوسط مع الأسد كما لو أنه رئيس دولة عربي عادي".
وسارعت الدول العربية إلى تسريع ذوبان الجليد في العلاقات مع الأسد بعد الزلزال.
أعرب سلطان عمان، يوم الإثنين 20 فبراير/شباط، عن رغبته في أن تستعيد جميع الدول العربية علاقاتها مع سوريا. وقد تراجعت عدة دول عربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عن مقاطعتها الدبلوماسية لحكومة الأسد وأرسلت مساعدات إلى سوريا في أعقاب زلزال 6 فبراير/شباط.
كانت الرياح الإقليمية المتغيرة سريعة خلال الأسبوعين الماضيين؛ إذ استأجرت المملكة العربية السعودية أولى رحلاتها الجوية الرسمية منذ قطع العلاقات مع دمشق في عام 2012 لتقديم المساعدات في أعقاب الزلزال.
وحذّت الإمارات حذوها بإرسال المساعدات، وأجرى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، زيارة رسمية إلى البلاد الأسبوع الماضي، وهي الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية منذ أكثر من عقد، على ما يبدو لإظهار الدعم في أعقاب الزلزال.
بالنظر إلى أنَّ الإمارات والسعودية اللتين دعتما الثورة في بدايتها للإطاحة بالأسد، يُشكِّل هذا التحول إعادة ترتيب مهمة، وأثبتت الكارثة الطبيعية أنها مثمرة لدمشق، على الأقل من الناحية السياسية.
في العام الماضي، سافر الأسد في أول رحلة له إلى المنطقة، حيث زار الإمارات والتقى بحاكم أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الذي صار في مايو/أيار رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وصرح كافييرو لموقع Middle East Eye: "في هذا السياق، كانت الزيارات إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان مهمة لصورته وعملية إعادة تأهيله في أعين المسؤولين العرب".
من جانبه، يصنف ماورو بريمافيرا، باحث في مؤسسة الواحة الدولية يعمل في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو ويركز عمله على سوريا، هذه البلدان؛ بما في ذلك الجزائر، في معسكر صغير مؤيد لدمشق، لكنه ينمو باطراد.
وأخبر بريمافيرا موقع Middle East Eye: "تنظر هذه البلدان المؤيدة لدمشق من منظور براغماتي إلى بشار الأسد، وتعتبره الفائز الوحيد في الحرب، لذا من خلال دعم نظامه، تأمل هذه البلدان الإقرار بهذا الأمر الواقع في السيناريو العربي".
جائزة الأسد الكبرى
يشير بريمافيرا إلى أنَّ فوائد زيارة عمان التي يمكن أن تعود على الأسد في المدى القريب محدودة، رغم أنها أرض صديقة للأسد.
وأضاف المحلل أن الزلزال قد يبدأ عملية فتح المزيد من السفارات في دمشق ويعكس مسار العزلة التي طال أمدها "لكنه لن يعكس الوضع الاقتصادي السوري الحالي".
وتابع: "الاستثمار في سوريا محفوف بالمخاطر، ويدير عملية إعادة البناء بالأساس الدولتان الراعيتان الأساسيتان للأسد: روسيا وإيران، إضافة إلى أنَّ المزيد من الدمار الناجم عن الزلزال وتفاقم الأزمة الإنسانية سيزيد التكلفة الإجمالية لعملية إعادة الإعمار".
وقال كافييرو إنَّ عمان، من جانبها، عارضت منذ فترة طويلة الجهود الإقليمية والدولية لعزل الحكومة السورية. وأفاد لموقع Middle East Eye: "نظراً لأنَّ مسقط لم تقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق طوال الأزمة السورية، فإنها تتواصل مع نظام الأسد منذ سنوات وتحاول مساعدة الأطراف في سوريا على التحرك نحو حل سياسي وسلام دائم".
كما شهد التحول نحو إعادة تأهيل مكانة الأسد مكالمة هاتفية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأول مرة بعد الزلزال.
وتحطمت الآمال في أن تؤدي احتمالات الانفتاح إلى تخفيف محاولات الأسد للسيطرة على إدلب التي تسيطر عليها المعارضة وتقليل الأعمال العدائية؛ إذ قصفت دمشق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بعد ساعات من الزلزال.
ويجادل كافييرو بأنَّ التقارب الحالي بين حكومة الأسد ومختلف الدول العربية يوضح أنَّ الحكومات الإقليمية تنخرط مع بعضها البعض "بطرق براغماتية تعتبر صفقات أكثر منها مساعٍ للتركيز على تعزيز الأجندات الأيديولوجية أو الدفاع عن قضايا مختلفة على حساب المصالح الأخرى".
وفي الوقت الذي تعهدت فيه الإمارات بتقديم أكثر من 100 مليون دولار من المساعدات إلى سوريا، وتعتبر معاملة السجادة الحمراء للأسد في عمان انتصارات دبلوماسية ملحوظة، فإن دمشق ستبتهج بفكرة أنَّ الحكومات الإقليمية الأخرى يمكن أن تحذو حذو أبوظبي ومسقط.
وتتضاءل التكلفة السياسية للقاء الأسد في المنطقة بسرعة، لكن كافييرو يعتقد أنَّ "جائزته الكبرى هي عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية".