تحولت الفنادق المستضيفة لطالبي اللجوء ببريطانيا إلى بؤر شحن للكراهية ضد اللاجئين خاصة في المدن النائية، وهدفاً لجماعات اليمين المتطرف، بسبب سياسات الحكومة وجشع ملاك الفنادق.
مجلة The Times البريطانية عرضت نموذجاً لمشكلة الفنادق المستضيفة لطالبي اللجوء ببريطانيا عبر فندق يدعى "Chatsworth" ويعد واحداً من أربعة فنادق متدنية المستوى في مدينة "سكيغنيس" الساحلية الإنجليزية التي تقع في شرق البلاد.
وعلى الرغم من كونه ملاذاً غير مثالي لأي شخص، حسب وصف تقرير للصحيفة، يستضيف الآن أكثر من 200 طالب لجوء من دول مختلفة -من بينها سوريا وإيران وإريتريا- وهو ما أثار غضب العديد من السكان المحليين، فضلاً عن كونه تجسيداً لما يشوب نظام الهجرة البريطاني من اختلالات وظيفية.
في انتظار رد السلطات البريطانية على طلبات اللجوء التي قدموها، يجلس هؤلاء الشباب خارج فنادق إقامتهم، يدخنون، يمرحون ويشربون الشاي بينما يفتقرون إلى ما يكفي من المفردات للتحدث باللغة الإنجليزية، وفقاً للصحيفة.
كيف نشأت ظاهرة الفنادق المستضيفة لطالبي اللجوء ببريطانيا؟
كانت المملكة المتحدة قد تلقت 72.027 طلب لجوء في سبتمبر/أيلول عام 2022، جميعها تقريباً ممَّن وصلوا إلى بريطانيا على متن قوارب صغيرة عبرت القنال الإنجليزي، وهو أكثر من ضعف عدد الطلبات المقدمة في عام 2019. لا يوجد ما يكفي من الوحدات السكنية المدعومة لإيواء كل هؤلاء الأشخاص. لذا، قررت الحكومة اللجوء إلى الفنادق الرخيصة خاصة في المدن الصغيرة للتعامل مع وضعٍ وصفته بالطارئ.
لكن الوضع الطارئ تحوَّل سريعاً إلى واقع طويل الأمد. يقضي طالبو اللجوء أسابيع وشهوراً في ما يُفترض أن يكون سكناً مؤقتاً طارئاً. ارتفع عدد المقيمين في هذا النوع من أماكن الإقامة خلال جائحة كوفيد-19 من 2.577 في مارس/آذار 2020 إلى 37.142 في سبتمبر/أيلول 2022، وتفيد تقارير أنَّهم يشغلون ما يزيد عن 200 فندق.
لا يزال موقع وزارة الداخلية البريطانية يدَّعي أنَّ طالبي اللجوء سوف يتلقون عادةً رداً بشأن طلبهم في غضون 6 أشهر. لكن وجد تقرير صادر عن مجلس اللاجئين (Refugee Council) في عام 2021 أن متوسط صدور قرار مبدئي في طلب اللجوء يستغرق ما بين سنة إلى ثلاث سنوات.
قالت مارغريت روش، التي تدير مؤسسة "Share Knowsley" الخيرية، التي تساعد طالبي اللجوء المقيمين في فندق "Suites": "من الشائع بالنسبة لنا وجود شباب ينتظرون أكثر من عامين حتى تحديد موعد إجراء المقابلة معهم. هذا استنزاف معنوي. نشاهد حالتهم النفسية تتدهور أمام أعيننا".
استقبال بارد من سكان المدينة
يمكن وصف استقبال سكان مدينة "سكيغنيس" لهؤلاء ملتمسي اللجوء بأنَّه استقبال بارد في أحسن الأحوال.
في ظل عدم قدرة طالبي اللجوء على العمل بسبب أوضاعهم القانونية، فإن تكلفة إقامتهم تقع على عاتق الحكومة البريطانية، الأمر الذي يثير غضب السكان المحليين.
وقالت آن (61 عاماً)، وهي تدخن في محطة الحافلات المقابلة للفندق: "إنَّهم يحصلون على فِراش مجاني وإقامة مجانية. هذا وضعٌ خاطئ، أليس كذلك؟".
وانتقدت مجلة The Times المنتمية ليمين الوسط، بشدة الفنادق المستضيفة لطالبي اللجوء ببريطانيا، قائلة: "إذا كانت الأمور تُدار على نحوٍ صحيح وعادل، فإنَّ مثل هذه الفنادق لن تكون موجودة. يُمثّل وجودها تذكيراً لقوانين معيبة في بريطانيا ووزارة داخلية معيبة وعالم مجحف، حيث إن وجود هؤلاء الأشخاص يضيف تكلفة باهظة الثمن على المملكة المتحدة، والبريطانيون هم من يُسدّدون تلك الفاتورة – 5.6 مليون جنيه إسترليني يومياً.
كراهية الأجانب تتصاعد بفعل مجموعات اليمين المتطرف
وتشير إلى أن ثمة إحباطات مفهومة تشعر بها المجتمعات المحلية من سياسات بلادهم، لكن مشاعر غضب وكراهية الأجانب تتصاعد أيضاً بدرجة كبيرة، والتي تساهم في تضخيمها مجموعات يمينية متطرفة، مثل جماعة "البديل الوطني" (Patriotic Alternative).
تسبَّب هذا الغضب في رؤية مشاهد مزعجة خارج فندق "Suites" في بلدة نوزلي بمدينة ليفربول قبل 9 أيام، حيث نفذت السلطات عملية اعتقال لـ15 شخصاً. اندلع أيضاً احتجاج حفَّزته عناصر يمينية متطرفة بسبب مقطع فيديو يظهر فيه أحد طالبي اللجوء يتحرش بفتاة قاصر. أدَّت حالة احتقان مماثلة إلى تنامي غضب سكان "سكيغنيس"، التي شكَّلت نقطة جذب لطالبي اللجوء بسبب توافر الكثير من الفنادق رخيصة التكلفة بها.
الاحتجاجات منعت الوصول إلى طالبي اللجوء
قالت مارغريت روش، التي تدير مؤسسة تساعد طالبي اللجوء، إنها لم تستطع الوصول إلى فندق "Suites" هذا الأسبوع، لأنَّ الأجواء المحلية باتت معادية للغاية، الأمر الذي أدَّى إلى فرض حظر تجول.
لكنها أطلعت مجلة The Times على بعض الرسائل المرسلة إليها من بعض الشباب المقيمين داخل الفندق عبر تطبيق "واتس آب". قال أحدهم: "نتعرض لكثير من المضايقات". قال آخر: "لا شيء يمكن أن يدمرنا مثل الحزن".
ومع ذلك، لا تتعلق جميع المخاوف بمشاعر الكراهية والتعصب ضد هؤلاء المهاجرين. يشعر نايجل أندروود، الذي يدير أحد فنادق "سكيغنيس" يُدعى فندق "Savoy"، بالانزعاج والإحباط مثل آخرين كثيرين في المدينة لعدم تلقيهم أي إخطار مسبق بشأن تخصيص تلك الفنادق لاستقبال طالبي اللجوء.
يتذكر أندروود قائلاً: "فوجئنا بوصول حافلتين أو 3 حافلات إلى المدينة في مساء يوم أحد من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بينما نتناول العشاء في فندق (Savoy)". أعربت مجالس محلية وعدد من النواب عن صدمتهم جراء هذا الظهور المفاجئ لفنادق استقبال طالبي اللجوء وسط مجتمعهم.
وقال أندروود: "ثمة مخاوف مشروعة. يعاني الناس من ارتفاع فواتير الطاقة الخاصة بهم، بينما تبقى الأنوار مضاءة في تلك الفنادق طوال الوقت".
لم يرَ أندروود أي حوادث يقف وراءها طالبو اللجوء، لكنه يشعر بالقلق من أنَّ سمعة المدينة "ستتأثر سلباً" بسبب وجود تلك الفنادق المستضيفة طالبي اللجوء، لأنَّ العملاء يستفسرون عنها بانتظام، وقد تلقى فندقه طلب إلغاء 8 حجوزات خلال عطلة عيد الميلاد بسبب القلق من الفنادق المستضفية لطالبي اللجوء.
متطرفون يزعمون أنهم صحفيون لدخول الفندق بهدف الإساءة للعاملين واللاجئين
ثمة نوع من السلوكيات الأكثر قتامة ينتشر ضد هؤلاء المهاجرين. أظهر بحث جديد لجماعة "Hope Not Hate" المناهضة للعنصرية أن متظاهري اليمين المتطرف زاروا فنادق استضافة طالبي اللجوء 253 مرة خلال العام الماضي بهدف مضايقاتهم، وتظاهر البعض بأنَّهم صحفيون من أجل الاقتراب من تلك الفنادق والإساءة إلى الموظفين والمقيمين وسبّهم بألفاظ بذيئة.
تزخر منشورات السكان المحليين في "سكيغنيس" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتعليقات مسيئة لطالبي اللجوء وتطالب بإعادتهم من حيث أتوا. رُفعت مؤخراً لافتة خارج فندق "County"، الذي يؤوي عدداً من طالبي اللجوء، مكتوب عليها "إنجلترا للإنجليز، أوقفوا الإبادة الجماعية للبيض".
ثمة مسيرة أيضاً مخطط لها يوم السبت على طول ساحل المدينة تحت شعار "هذا يكفي" ومن المقرر أن يشارك فيها السكان المحليون وجماعة "البديل الوطني". أعربت وزارة الداخلية عن قلقها بشأن تلك المسيرة، على الرغم من قلة الحضور في أحداث مماثلة شهدتها تلك المنطقة.
أصحاب الفنادق هم المستفيدون
ينصب الكثير من الغضب في "سكيغنيس" على أصحاب الفنادق أيضاً، الذين استفادوا بسخاء من مأزق الحكومة. تقول دي ألين، مالكة فندق "hatters"، إنَّها تلقت عرضاً مرتين لتسليم إدارة فندقها إلى الحكومة مقابل 10 آلاف جنيه إسترليني أسبوعياً، لكنها رفضت. قالت: "كان عرضاً مغرياً للغاية. لكن سبب الرفض لا يمت بصلة إلى كوننا مليونيرات غير معنيات بالمال أو أي شيء آخر. يتمثَّل السبب الرئيسي في أنَّنا لا نريد المساهمة في هذا المسار الجنوني".
في المقابل، استغل آخرون الوضع لصالحهم. وبحسب ما ورد في تقارير، اشترت شركة H&H" 4 فنادق على الواجهة البحرية في "سكيغنيس"، ثمَّ سلَّمت إدارة تلك الفنادق إلى شركة "Serco" المسؤولة عن حجز أماكن إقامة جماعية نيابةً عن الحكومة.
وغضب مالكو صالة الألعاب الرياضية "Elite Fit" في المدينة عندما جاءهم اتصال هاتفي من فندق "Chatsworth"، المملوك لشركة "H&H" للاستفسار عن إمكانية تقديم عضوية مجانية لطالبي اللجوء المقيمين في الفندق.
وقال جيري لين، أحد مدربي اللياقة البدنية في صالة الألعاب الرياضية: "لن يكون ذلك عادلاً لأعضائنا. لماذا لا يدفع أصحاب الفنادق ثمن الاشتراكات؟ ماذا فعلوا بكل ما جنوه من مكاسب مالية كبيرة؟".
ولكن هناك من يقول إن أغلبية سكان المدينة يرحبون باللاجئين
بالطبع لا يستاء جميع سكان "سكيغنيس" من جيرانهم الجدد. رحبت إحدى المنظمات المحلية تُدعى "The Storehouse" بطالبي اللجوء ونظَّمت فعاليات اجتماعية لهم. قال دومينيك كين، أحد السكان المحليين يبلغ من العمر 53 عاماً: "ليس لدينا مشكلة على الإطلاق. سلطت هذه الفنادق الضوء على بعض مظاهر القبح في المدينة، لكن الأغلبية الصامتة ترحب باللاجئين للغاية. هؤلاء أناس عاديون لطيفون يفرون من واقع مأساوي في بلادهم".
وأضاف: "ثمة حماقة كبيرة أيضاً. إذا كان هؤلاء الشباب المقيمين في تلك الفنادق من البيض أو جاءوا من لاتفيا أو أوكرانيا، فهل سَيُقابلون بهذا المستوى من العداء والمعارضة؟ لن يحدث ذلك".
لا توجد حلول سريعة لمشكلة فنادق استضافة طالبي اللجوء. قالت وزارة الداخلية البريطانية: "نحن مستمرون في بحث جميع الخيارات المتاحة لتوفير أماكن إقامة مؤقتة مناسبة ومنخفضة التكلفة". قد يشمل ذلك استخدام مواقع بديلة مثل متنزهات العطلات المهجورة وقاعات دراسية سابقة وفائض مساحات مواقع عسكرية. لكن الأمر يستغرق وقتاً لبلوغ مستوى المعايير القياسية، لأنَّ وضع طالبي اللجوء في مخيمات هو مشهد لا أحد يحب رؤيته.
تتمثَّل حلول أخرى في العمل عن كثب مع الفرنسيين لمنع عبور قوارب المهاجرين جنباً إلى جنب مع توظيف المزيد من العاملين في وزارة الداخلية لبحث طلبات اللجوء المقدمة -لكنها تكلفة إضافية غير مرغوب فيها- وكذلك توفير المزيد من أماكن الإقامة منخفضة التكلفة لنقل طالبي اللجوء إليها بدلاً من إقامتهم بالفنادق. ومع ذلك، يبقى الحديث عن جميع هذه الحلول أسهل كثيراً من المضي قدماً في تنفيذها.